حوار سماحته لمجلة (الإصلاح) الإماراتية 1404هـ

أسئلة وأجوبة
س- سماحة الشيخ، تختلف نظرة المطلعين على أحوال العالم الإسلامي باختلاف موقعهم ووعيهم، فمنهم من يراه عالمًا ممزقًا متخلفًا منكوبًا على الدوام، ومنهم من يراه حركة ويقظة وبعثًا مباركًا، كيف نوفق بين الرؤيتين مقارنة بالواقع؟
ج- كل نظرة لها وجه، فالعالم الإسلامي ممزق من جانب لاختلافه وعدم اتفاقه على تحكيم الشريعة والتحاكم إليها، وهو مع ذلك والحمد لله يموج بالحركة والنشاط، حركة الشباب الإسلامي والكثير من العلماء الأخيار الطيبين، الذين يدعون إلى الله ويوجهون إليه، وينصحون ولاة الأمور بالرجوع إلى الصواب والاجتماع على الحق.
فالعالم الإسلامي يشتمل على هذا وهذا، ونرجو أن تتغلب النظرة الثانية على الأولى، وأن يجمعهم الله على الاتفاق على حكم الله، وأن يصلح شئونهم وقلوبهم.

س- يقرر كل منصف ومخلص أن نجاة مجتمعات المسلمين تكون باتباع هدى الله وبتطبيق أحكامه، ما هي الوسيلة الصحيحة والمنهج الواقعي الذي يوصل المجتمعات اليوم إلى حياة إسلامية شاملة؟
ج- هذا هو الصواب، لا طريق إلى النجاة ولا سبيل إلى تعاونهم إلا إذا اعتصموا بحبل الله وكتابه وسنة رسوله-عليه الصلاة والسلام، والسبيل إلى ذلك هو أن يكون كل واحد حريصًا على أن يجتمع مع أخيه لنصر الحق وإقامة دين الله وتحكيم شرعه، أما ما دام كل واحد لا يبالي إلا بكرسيه ورئاسته ولا يهمه أمر المسلمين واجتماع الكلمة بينه وبين الرؤساء الآخرين، فهذا هو سبيل التمزق الذي يمكن الأعداء من حصولهم على مطالبهم، ومن تمزيقهم للمسلمين زيادة على ما هم فيه.
س- إذن أتقع المسئولية على الحكام والمسئولين بالدرجة الأولى، أم على الشعوب والأفراد؟
ج- المسئولية على الرؤساء والحكام وعلى العلماء والأعيان جميعًا، على العلماء والأعيان النصح والمتابعة لهذا الأمر بجد ونشاط، وعليهم أن لا ييأسوا، وعلى الحكام أن يستجيبوا، وأن يتقوا الله، وأن يتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، وأن يبدؤوا بأنفسهم، وأن يحكموا شرع الله في أنفسهم وفي بلادهم، وبذلك ينصرهم الله ويعينهم على الحق، ويهدي لهم شعوبهم، وكذلك أيضًا يخيف الله بهم عدوهم، ويمكنهم من أخذ حقوقهم؛ لأن الله هو الذي ينصر لا غيره، كما قال سبحانه: وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126] ومن نصر الله نصره الله، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7] وكما قال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40، 41].

س- تشهد ساحة الدعوة الإسلامية جهودًا متعددة ومخلصة، ولكنها فيما بينها مختلفة وربما متنازعة، كيف نوفق بين هذه الإمكانات والجهود الطيبة؟ كيف نوجهها جميعًا لتصب في خدمة الدعوة الإسلامية؟
ج- لا شك أن الاختلاف من أعظم البلاء، ومن أسباب إضاعة الجهود، ومن أسباب ضياع الحق، فاختلاف الجمعيات والمراكز الإسلامية فيما بينها يضر الدعوة الإسلامية، والطريق الوحيد أن يجتهدوا في التوفيق فيما بينهم في مطالبهم، وهي أن يعملوا جميعًا على المطلب الذي فيه عزة الإسلام وسلامة المسلمين، والواجب على كل جمعية وكل مركز وكل جماعة تريد الآخرة أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يخلصوا لله في عملهم، وأن يكون همهم نصر دين الله حتى يجتمع الجميع على الحق عملا بقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].

س- لا تزال البلاد الإسلامية تشهد دعوات مشبوهة لوضع العروبة مكان الإسلام، ولإحلال الرابطة القومية محل الأخوة الإسلامية، ما هي العلاقة الصحيحة والسليمة بين العروبة والإسلام؟
ج- هذه نداءات باطلة، القومية والعروبة، أو الاشتراكية أو الشيوعية، أو أي دعوة سوى الإسلام، كلها دعاوى باطلة ونعرات جاهلية يجب أن يُقضى عليها، ولا يجوز أن تبقى أبدًا، يجب على أعيان البلد ورؤسائها وعلمائها أن يحاربوا هذه الدعوات، والعروبة خادمة لشرع الله وليست أساسا يطلب التجمع حوله، ولقد نزل القرآن بلغة العرب لينفذوا حكم الله وليخدموا شريعته بما أعطاهم الله من اللغة والقوة، أما هم فليسوا بشيء بدون الإسلام وبدون الحكم بالإسلام، كانوا متمزقين في غاية من الجهالة والتناحر والاختلاف، فجمعهم الله بالإسلام والهدى وباتباع الرسول ﷺ لا بعروبتهم، فإذا ضيعوا هذا ضاعوا وهلكوا.

س- يقول الرسول-ﷺ: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان)، لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجودًا كثيفًا للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها، سواء النصارى أم الهندوس أم السِّيخ، ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم؟
ج- لقد صح أن الرسول ﷺ قال: لا يجتمع في الجزيرة دينان وصح عنه أيضًا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند موته -عليه الصلاة والسلام- بإخراج المشركين من الجزيرة، فهذا أمر ثابت عن رسول الله ﷺ وليس فيه شك.
والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية، كما نفذها خليفة المسلمين عمر -رضي الله عنه- بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم، فعلى الحكام في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة، عليهم جميعًا أن يجتهدوا كثيرًا في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة وألا يستقدموا إلا المسلمين.
هذا هو الواجب وهو مبين بيانًا جليًا في قواعد الشرع الحنيف، فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة، وأن لا يستعمل فيها إلا المسلمون من بلاد الله، ثم إن عليهم أيضًا أن يختاروا من المسلمين، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة، وعنده من الشر ما عنده، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين ليستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة، حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة والاستقامة، أما الكفار فلا يستخدمهم أبدًا إلا عند الضرورة الشرعية، أي: التي يقدرها ولاة الأمر وفق شرع الإسلام وحده.

س- وفي حالة اقتضاء الضرورة، هل يصح أن تبنى لهم دور العبادة؟
ج- لا يجوز أن يبنى في الجزيرة معابد للكفرة، لا النصارى ولا غيرهم، وما بني فيها يجب أن يهدم مع القدرة، وعلى ولي الأمر أن يهدمها ويزيلها، ولا يبقي في الجزيرة مبادئ أو معاقل للشرك، ولا كنائس ولا معابد، بل يجب أن تزال من الجزيرة حتى لا يبقى فيها إلا المساجد والمسلمون.

س- نود في النهاية أن نستمع إلى نصيحة من سماحتكم للمسلمين في هذه المناسبة.
ج- أوصي إخواني المسلمين أن يتقوا الله في كل حال، وأن يستقيموا على دينه، وأن يخشوه سبحانه وتعالى أينما كانوا، وأن يراقبوه، وأن يحاسبوا أنفسهم حتى لا يدعوا ما أوجب الله عليهم، وحتى لا يرتكبوا ما حرم الله عليهم، وأوصيهم بالتعاون على البر والتقوى، وبالتناصح والتواصي بالحق والصبر عليه أينما كانوا، وأوصيهم أيضًا بالتفقه في الدين وحضور حلقات العلم وسؤال العلماء، فقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين وقال ﷺ: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله لهه به طريقًا إلى الجنة فتعلم العلم بطلبه من أهم المهمات.
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق المسلمين أينما كانوا لما يرضيه، وأن يصلح ولاة أمرهم وقادتهم، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم، وأن يوفق القادة وأعوانهم وسائر شعوبهم لتحكيم الشريعة والتحاكم إليها، والثبات عليها والتواصي بها والحذر مما يخالفها، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه[1].

  1. نشرت بمجلة الإصلاح التي تصدر بالإمارات العربية-دبي-العدد 70 ربيع الأول 1404هـ صـ 14-15] (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 282)