الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلفه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه كلمة موجزة في بيان بعض المسائل التي قد تخفى على كثير من الناس.
فأقول: من المعلوم أن الله جل وعلا خلق الثقلين الجن والإنس لعبادته، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وليس ذلك خاصا بالذكور دون الإناث ولا بالإناث دون الذكور، بل الدعوة للجميع. أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده من الذكور والإناث من الجن والإنس. وهكذا خلقهم لهذا الأمر، خلقهم جميعا ذكورهم وإناثهم جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم أغنياءهم وفقراءهم حكامهم ومحكوميهم خلقوا جميعا ليعبدوا الله وليعملوا بما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، هذا أمر مشترك بين الذكور والإناث والحكام والمحكومين والرؤساء والمرؤوسين والجن والإنس والعرب والعجم والأغنياء والفقراء والبادية والحاضرة، فجميع الشعوب وجميع جنس الجن والإنس، كلهم مأمورون بطاعة الله ورسوله، وكلهم ما خلقوا إلا ليعبدوا الله ويعظموه ويطيعوه.
وهذه مسألة عظيمة؛ هي أعظم المسائل وأهمها، وهي أن نعلم يقينا أن الله خلقنا جميعا لنعبده وحده، ونطيع أمره ونهيه، ونقف عند حدوده، ونحذر ما نهى عنه عز وجل ونهى عنه رسوله ﷺ، كلنا خلقنا لهذا الأمر، يقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] وهكذا يعم الذكور والإناث ويعم الحاكم والمحكوم ويعم الجن والإنس، ويعم العرب والعجم ويعم الأغنياء والفقراء، كلهم مأمورون بهذا الأمر، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ويقول عز من قائل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
في أمثال هذه الآيات التي عم فيها سبحانه جميع الناس بالأوامر، ليعلموا جميعا أنهم مأمورون بأن يعبدوا الله الذي خلقهم ويتقوه، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وهذه العبادة هي التقوى وهي الإيمان والهدى والبر، وهي الإسلام الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب، ومعناها أن نعبده وحده ونخصه بطاعاتنا وعباداتنا على الوجه الذي شرعه لنا سبحانه وتعالى لا نعبد معه سواه، ولا جنا ولا إنسا ولا أصناما ولا كواكب ولا غير ذلك، من المخلوقات بل نعبده وحده كما قال سبحانه في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الآية [البقرة:21] ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ويقول تبارك وتعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] في آيات كثيرة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه.
ويقول النبي ﷺ: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا، ولما سئل عن الإسلام قال عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ولما سئل عن الإيمان قال الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، ولما سئل عن الإحسان قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهذه الأمور مطلوبة من الجميع من الرجال والنساء على السواء عليهم جميعا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله صدقا من قلوبهم، ويعتقدوا أنه لا معبود حق إلا الله وحده لا شريك له سبحانه وتعالى، فيدعوه وحده، ويصلوا له وحده، ويصوموا له وحده، ويخصوه بالعبادات كلها سبحانه وتعالى.
وهكذا "شهادة أن محمدا رسول الله" على الرجل والمرأة أن يشهدا جميعا أن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو رسول الله حقا، أرسله الله إلى الناس عامة من الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث والأغنياء والفقراء والرؤساء والمرؤوسين، عليهم جميعا أن يطيعوا هذا الرسول ﷺ ويصدقوه، وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه الصلاة والسلام، بعثه الله من أشرف قبيلة ومن أشرف بلاد، وهي مكة المكرمة وبأشرف دين، وهو الإسلام فعلى جميع الثقلين أن يؤمنوا به وينقادوا له عليه الصلاة والسلام، ويؤمنوا بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، قال تعالى في كتابه العظيم: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] عليه الصلاة والسلام، فهو رحمة لجميع العالمين، ورسول لجميع العالمين من الجن والإنس، فعليهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينقادوا لأوامره ونواهيه، ويعملوا بشرعه عليه الصلاة والسلام، ويشهدوا أنه خاتم النبيين كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
وهكذا على الجميع أن يقيموا الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في أوقاتها، رجالا ونساء عربا وعجما جنًّا وإنسا، وعليهم أن يؤدوا الزكاة المفروضة في الأموال وأن يصوموا رمضان في كل سنة، وأن يحجوا البيت الحرام مع الاستطاعة مرة في العمر، وأن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومعناه: الإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والجنة والنار، وعليهم أن يؤمنوا بالقدر خيره وشره، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها، فآجالنا وأرزاقنا وأعمالنا كلها مكتوبة قد علمها الله وكتبها وقدرها سبحانه وتعالى، فعلينا أن نعمل بما شرع الله لنا وأن نترك ما نهانا عنه، وكل ميسر لما خلق له.
وكمال الدين أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا هو الإحسان، وهو أن تعبد ربك بصلاتك وغير ذلك كأنك تشاهده، حتى تنصح في العمل وحتى تكمل العمل فإن لم تكن تراه ولم تستحضر ذلك فاعلم أنه يراك، أي فاعبده على أنه يراك وأنه يراقبك ويشاهدك ويعلم حالك سبحانه وتعالى، حتى تؤدي حقه عن إخلاص وعن صدق وعن عناية به على الوجه الأكمل. وهذه جمله يجب أن نعلمها جميعا، وأن هذا الدين للجميع للرجال والنساء والجن والإنس والعرب والعجم، عليهم جميعا أن يلتزموا به وأن يعبدوا الله وحده، وأن يستقيموا على هذه الأركان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا مع الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله ﷺ أنه قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ومما يوضح هذا الأمر ويبين أنه حق على الجميع قول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] فجعلهم جميعا شركاء المؤمنين والمؤمنات في الولاية فيما بينهم، والتحاب في الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وفي طاعة الله ورسوله في كل شيء، وقال عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فعم سبحانه الرجال والنساء جميعا ليبين سبحانه أن الأمر عام لهم جميعا، وقال سبحانه: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124] فبين سبحانه أن من يعمل سوءا يجز به من الذكور والإناث، ومن يعمل من الصالحات من الذكور والإناث عن إيمان وصدق وإخلاص فإن مصيره إلى الجنة والكرامة والسعادة، وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] فسوى الله سبحانه وتعالى بينهم جميعا رجالا ونساء.
فينبغي أن يعلم هذا عن يقين، وأن يجتهد كل مؤمن وكل مؤمنة في أداء الواجب؛ لأنه مسئول كما قال سبحانه وتعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93] فكل منا مسئول عن حق الله عليه، وعن الحقوق الأخرى التي عليه للآباء والأمهات والأزواج والأولاد والجيران وغير ذلك، فكل منا مسئول عما عليه من الحق لله وللعباد، فعلينا أن نؤدي الواجب ونتفقه في الدين، وأن نتعلم حتى نستفيد ونعلم حكم الله في كل شيء.
وعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم لأن القرآن أنزل للجميع، للرجال والنساء والجن والإنس، فعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم وأن نعمل به ونتخلق بالأخلاق التي يدعو إليها، ونحذر الأخلاق التي ينهى عنها، فهو كتاب الله فيه الهدى والنور أنزله الله علينا لنعمل به ونستقيم على ما فيه، فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم أنزله علينا جل وعلا على يد رسوله ﷺ للعمل لا لمجرد التلاوة، فالتلاوة وحدها لا تكفي بل لا بد من العمل، قال جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155] فجعل الرحمة في اتباع هذا القرآن العظيم، وقال سبحانه وتعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] وقال عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وقال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وقال سبحانه: قل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44].
فكتاب الله فيه الهدى والنور وهو صراط الله المستقيم للرجال والنساء والملوك وغيرهم والرؤساء والمرؤوسين والأغنياء والفقراء، فيجب على الجميع أن يحكموا كتاب الله، وأن يتمسكوا به ويتدبروه ويتعقلوه، قال عز وجل في كتابه العزيز: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وهذا يدل على أن من الواجب تدبره والحذر من الإعراض عنه.
كما يجب علينا جميعا التمسك بسنة الرسول ﷺ وهي: أحاديثه التي قالها أو عمل بها أو أقرها، هذه سنته ﷺ إما قول وإما فعل وإما تقرير لما شاهده أو سمعه من غيره.
فعلى الرجال والنساء جميعا اتباع السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] وطاعة الرسول هي العمل بالسنة التي صحت عنه ﷺ، وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] ومعنى الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، أما الرد إلى الرسول فمعناه الرد إليه في حياته ﷺ، وإلى سنته ﷺ بعد وفاته، وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
فعلينا جميعا رجالا ونساء وحكاما ومحكومين ورؤساء ومرءوسين وأمناء وسفراء وعربا وعجما علينا جميعا أن نعظم سنة الرسول ﷺ وأن نستقيم عليها ونحكمها ونعمل بها؛ لأنها الأصل الثاني من أصول الشريعة، ولأنها المفسرة لكتاب الله والموضحة لما قد يخفى منه، قال تعالى يخاطب النبي ﷺ في سورة النحل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فأخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل الذكر وهو القرآن الكريم على نبيه ﷺ ليبين للناس أحكام دينهم، من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فعلينا أن نعظم كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن نعمل بهما جميعا في كل شيء، ونحذر مخالفتهما كما قال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54].
ومن الأمور المهمة أن نعلم جميعا أن أوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله ﷺ تعم الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما خصه الدليل. وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ على أحكام تخص الرجال دون النساء وعلى أحكام تخص النساء دون الرجال لحكم بالغة من ربنا عز وجل، فعلينا أن نأخذ بها ونسلم لها، مطمئنين مؤمنين راضين بحكم الله عز وجل فإنه أحكم الحاكمين، وهو العالم بأحوال عباده لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى، وهو الأعلم سبحانه وتعالى بما يصلح عباده، فمن ذلك أن الرجل مسئول عن القوامة على المرأة، فهو المسئول عنها وعليه النفقة على الزوجة وعلى أولاده، وأن يتولى شئونهما، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ الآية [النساء:34].
فالواجب على الرجل أن يقوم على المرأة وينفق عليها مع حسن العشرة وطيب الكلام والفعال كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19[ وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ الآية [البقرة:228] وهذا مما يخص الرجل- أن له القوامة على المرأة بالإنفاق عليها وأداء حقها وإحسان عشرتها، والسعي في مصالحها المتعلقة بالزوجية وهي ربة البيت والقائمة على الأولاد وبما يلزم في البيت، وهو القائم عليها وعلى أولادها بكل ما يلزم من نفقة وحسن معاشرة.
ومن المسائل التي تخص الرجال: أن الرجل يجب عليه أن يصلي في المسجد ويجيب النداء، كما قال ﷺ: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر أما النساء فلا يجب عليهن أن يصلين في المساجد، بل يصلين في بيوتهن، وذلك أفضل لهن؛ لأنهن عورة، والخطر في خروجهن معروف، فالمشروع لهن الصلاة في بيوتهن، وليس عليهن أن يحضرن مع الرجال في المساجد، ولا بأس من حضورهن المساجد مع الستر والحجاب، وليس لأزواجهن منعهن من ذلك إذا التزمن بالآداب الشرعية، لكن صلاتهن في بيوتهن أفضل كما تقدم عملا بالسنة الصحيحة في ذلك.
ومن المسائل أيضا التي يختص بها الرجال دون النساء: الجهاد بالنفس فالرجل عليه أن يجاهد بنفسه وأن يحمل السلاح، والمرأة ليس عليها ذلك. قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة فليس على المرأة جهاد بالنفس والسلاح؛ لأنها تضعف عن ذلك، ولأنها فتنة وعورة، فالجهاد على الرجال لا على المرأة بالنفس، أما بالمال فعلى الجميع، على المرأة والرجل الجهاد بالمال في أصح قولي العلماء لعموم الأدلة، قال سبحانه وتعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10، 11] وقال النبي ﷺ: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تعم الرجال والنساء، فيما عدا الجهاد بالنفس لحديث عائشة السابق.
ومن المسائل المختصة بالرجال: أن الرجل له أن ينكح أربعاً من النساء، والمرأة ليس لها أن تنكح إلا رجلا واحدا، فلا تجمع بين رجلين لحكم ظاهرة بالغة، ومن ذلك أن الرجل قد تعظم شهوته ولا تعفه المرأة الواحدة، ولأنه محتاج إلى كثرة الأولاد والنسل ولأنه قد يكون له شؤون كثيرة يحتاج إلى عدة نساء يساعدنه فيها، ولأن النساء قد يحتجن إلى الرجل لعدم وجود أولياء لهن، أو لقلة الرجال بسبب الحروب والفتن فأباح الله للرجل أن يجمع بين أربع نساء فأقل، وليس للمرأة أن تجمع بين رجلين لأن في جمع المرأة بين الرجال اختلاط المياه واختلاط الأنساب وفساد الأحوال.
ومن المسائل التي اختلف فيها حكم الذكر عن الأنثى: مسائل المواريث في حق الزوج والزوجة والأولاد والأخوة من الأبوين والأب، فإن الزوجة تعطى نصف ما يعطاه الزوج، والولد الذكر يعطى ضعف ما تعطاه الأنثى، وهكذا الأخ من الأبوين أو الأب يعطى ضعف ما تعطاه الأخت لحكم ظاهرة يعرفها أهل العلم وكل من تأملها من ذوي البصيرة في أحوال الرجال والنساء، والآيات الدالة على ذلك معلومة.
ومن المسائل التي تخص النساء: أنه يجب عليهن ترك الصيام والصلاة في حالة الحيض والنفاس، فالصلاة لا تجب عليهن في الحيض والنفاس، لا أداء ولا قضاء، وأما الصوم فيجب عليهن تركه حال الحيض والنفاس ثم قضاؤه بعد ذلك. والحكمة في ذلك والله أعلم أن الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، فمن رحمة الله جل وعلا أن أسقط عنها قضاء الصلاة في حال الحيض والنفاس لأن قضاءها يكلفها كثيرا، فإذا كان حيضها سبعة أيام مثلا يكون عليها خمس وثلاثون صلاة، وإذا كان ثمانية أيام يكون عليها أربعون صلاة، ففي قضائها مشقة، فمن رحمة الله سبحانه أن أسقط عنها القضاء والأداء. وهكذا في النفاس قد تجلس أربعين يوما لا تصلي، فلو قضت الصلوات لكان عليها مائتا صلاة، فمن رحمة الله أن الله أسقط عنها ذلك فليس عليها الصلاة لا قضاء ولا أداء في حال النفاس، رحمة من الله عز وجل، وعليها أن تقضي الصوم الذي فاتها في رمضان، بسبب النفاس.
ومن ذلك أيضا: أن المرأة تعدل شهادتها نصف الرجل فشهادة المرأتين بشهادة رجل، لأن الرجال في الغالب أحفظ وأضبط لما يقع، والمرأة دون ذلك في الجملة، وقد يكون بعض النساء أفضل من بعض الرجال بكثير، لكن في الجملة جنس الرجال أضبط وأحفظ وأفضل، وجنس النساء دون ذلك في الضبط والحفظ والفضل، فجعل الله شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد، كما قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى الآية [البقرة:282] فتتعاونان وتتساعدان في حفظ الشهادة فإذا قصرت هذه -أو نسيت- ساعدتها الأخرى في التذكر حتى يحفظن الشهادة.
ومن المسائل المستثناة أيضا: أن المرأة على نصف الرجل في الدية في الثلث فأكثر، أما في القصاص فتقتل المرأة بالرجل والرجل بالمرأة قصاصا، لأنه صح عن النبي ﷺ أنه قتل الرجل بالمرأة، وفي ذلك حكمة عظيمة منها صيانة الدماء، وحفظ أفراد المجتمع المسلم أن يتعدى بعضهم على بعض، ومن ذلك العقيقة عن المولود الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله ﷺ ولله فيما جاءت به الأدلة من التفرقة بين الذكر والأنثى في المسائل المذكورة وغيرها الحكمة البالغة.
والأصل في الأحكام العموم والتساوي كما تقدم. فالواجب على الرجال هو الواجب على النساء، والواجب على النساء هو الواجب على الرجال إلا فيما خصه الدليل كالمسائل المذكورة آنفا.
ووصيتي للرجال والنساء جميعا: تقوى الله سبحانه وتعالى، والتفقه في الدين في المدارس وغيرها من أماكن العلم، وسؤال أهل العلم عما أشكل على الرجل والمرأة من أحكام الدين، لقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن أهم ذلك العناية بتلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، والعناية بسنة رسول الله ﷺ، والتفقه فيها والاستفادة من كتب أهل السنة وكتب تفسير القرآن الكريم، وشروح الأحاديث النبوية التي ألفها أهل العلم المعروفون بالدراية والديانة وحسن العقيدة. وقد قال ﷺ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه خرجه الإمام البخاري في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه الإمام مسلم في الصحيح، ومن المعلوم أن تعلم الرجال والنساء لما شرعه الله سبحانه وتعالى لهم وخلقوا من أجله من أهم الفرائض، وأوجب الواجبات، ولقد يسر الله للجميع طرق التعلم بواسطة إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب، ونداء الإسلام من الرابطة، وغير ذلك من الندوات والحلقات العلمية التي تقام في المساجد، ودور العلم ووسائل الأعلام. فالواجب الاستفادة منها والعناية بها، أينما كان المؤمن والمؤمنة.
ومما يجب التنبيه عليه الحذر من سماع ما يفسد القلوب والأخلاق من الأغاني الماجنة والأشرطة المنحرفة وآلات اللهو والطرب، فإن هذه تفسد القلوب والأخلاق فالواجب الحذر منها والتواصي بتركها، عملا بقول الله عز وجل: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] وقول النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه الإمام مسلم في الصحيح.
ومما يجب على المسلمين جميعا الاهتمام به والتواصي به، الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن ذلك من أعظم الأسباب في صلاح القلوب والمجتمعات، وظهور الفضائل، واختفاء الرذائل، والأدلة على ذلك كثيرة، منها ما تقدم في سورة " العصر "، وحديث: "الدين النصيحة" ومنها قول الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الآية [المائدة:2] وقوله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقوله ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقوله عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان أخرجهما الإمام مسلم في الصحيح. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ولا شك أن الواجب على المدرسين والمدرسات أكثر من الواجب على غيرهم بالنسبة إلى الطلبة والطالبات، فعلى المدرسين أن يعنوا بالطلبة ويوجهوهم إلى الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والعمل بما علموا من العلم، وعلى المدرسات أن يتقين الله في البنات، وأن يعلمنهن الأخلاق الدينية الفاضلة والعقيدة الصالحة في الدراسة وفي المذاكرة والوعظ، حتى يوجد جيل صالح من الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات في المستقبل.
فواجب المدرس والمدرسة عظيم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى واجب عظيم على الجميع، فعلى كل من لديه علم من الرجال أن يعلم أولاده من الذكور والإناث وأهل بيته وغيرهم حسب الطاقة، وعلى كل من لديها علم من النساء أن تعلم بناتها وأبناءها وتعلم أخواتها وتعلم من حولها من النساء وتنتهز الفرصة عند الاجتماع في عرس أو وليمة أو غير ذلك للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير لمن عندها من النساء وتعليمهن وإرشادهن إذا رأت امرأة متبرجة عند الرجال أو في الطريق تنهاها عن ذلك وتحذرها منه، وتحذر عن التكاسل عن الصلاة بنتها وأختها وجارتها وغيرهن، وتأمرهن بالمعروف وتنهاهن عن المنكر، وهذا هو واجب الجميع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أولياء: يعني أنهم متحابون في الله فليسوا أعداء، فالمؤمن ولي أخيه وولي أخته في الله، والمؤمنة كذلك ولية أختها في الله وولية أخيها في الله، يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويتناصحون في الله، فالزوج يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر، والزوجة تأمر زوجها بالمعروف وتنهاه عن المنكر، فإذا رأته مقصرا في الصلاة أو رأته يشرب المسكر أو يدخن أو يحلق لحيته، تنصحه وتقول: اتق الله، هذا لا يجوز لك، وكيف ترضى بهذا الأمر السيئ لنفسك؟ وكيف تعصي ربك؟ تقول ذلك بالكلام الطيب وبالأسلوب الحسن، كما أنه يأمرها وينهاها كذلك، هي تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، ولا تستحي ولا تخجل ولا تداهن، وهكذا مع أبيها وأخيها وأمها وولدها وجارها وجارتها وصاحباتها وصديقاتها، وهذا هو الواجب على المسلمين والمسلمات مهما كانت مؤهلاتهم وأعمالهم، كل واحد منهم على حسب علمه وقدرته.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يسلك بنا جميعا صراطه المستقيم، وأن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يوفقنا جميعا للقيام بالواجب من طاعة الله ورسوله والنصح لله ولعباده، ثم أوصي الجميع بالدعاء في ظهر الغيب وفي الصلاة وفي آخر الليل لولاة الأمور بالتوفيق والهداية والصلاح والإصلاح، فولاة الأمور في حاجة إلى الدعاء أن يصلحهم الله، ويصلح بهم ويهديهم ويهدي بهم، فهم في أشد الحاجة إلى الدعاء، وولاة أمر هذه البلاد وولاة أمور المسلمين جميعا في كل مكان تدعون لهم جميعا بالصلاح والتوفيق والهداية، وتدعون لأولادكم ولأزواجكم ولغيرهم، تدعون لهم بالتوفيق والهداية والصلاح، وبالتوبة النصوح، يقول سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أي: قل يا محمد: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وأتباع النبي ﷺ من الرجال والنساء يدعون إلى الله على بصيرة ويحذرون الناس من معصية الله، ويرشدونهم إلى الخير. وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وليس هذا خاص بالرجال دون النساء ولا بالنساء دون الرجال، بل هو واجب على الجميع على حسب العلم والقدرة، كما قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وعلى العلماء والمدرسين واجب عظيم، وهكذا الرؤساء والأعيان عليهم واجب عظيم أكثر من غيرهم على حسب علمهم وقدرتهم، وعلى كل واحد من المسلمين أن يعرف واجبه ويهتم به، ويراقب الله في كل شيء ويتقيه في ذلك، فنحن في غربة من الإسلام وفي آخر الزمان، فالواجب التكاتف والتعاون على الخير والصدق في ذلك.
ونسأل الله التوفيق لنا، ولجميع المسلمين الهداية والثبات على الإسلام وحسن الختام، وأن يوفقنا جميعا لما يرضيه، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم؛ إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
أما بعد: فهذه كلمة موجزة في بيان بعض المسائل التي قد تخفى على كثير من الناس.
فأقول: من المعلوم أن الله جل وعلا خلق الثقلين الجن والإنس لعبادته، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وليس ذلك خاصا بالذكور دون الإناث ولا بالإناث دون الذكور، بل الدعوة للجميع. أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده من الذكور والإناث من الجن والإنس. وهكذا خلقهم لهذا الأمر، خلقهم جميعا ذكورهم وإناثهم جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم أغنياءهم وفقراءهم حكامهم ومحكوميهم خلقوا جميعا ليعبدوا الله وليعملوا بما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، هذا أمر مشترك بين الذكور والإناث والحكام والمحكومين والرؤساء والمرؤوسين والجن والإنس والعرب والعجم والأغنياء والفقراء والبادية والحاضرة، فجميع الشعوب وجميع جنس الجن والإنس، كلهم مأمورون بطاعة الله ورسوله، وكلهم ما خلقوا إلا ليعبدوا الله ويعظموه ويطيعوه.
وهذه مسألة عظيمة؛ هي أعظم المسائل وأهمها، وهي أن نعلم يقينا أن الله خلقنا جميعا لنعبده وحده، ونطيع أمره ونهيه، ونقف عند حدوده، ونحذر ما نهى عنه عز وجل ونهى عنه رسوله ﷺ، كلنا خلقنا لهذا الأمر، يقول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] وهكذا يعم الذكور والإناث ويعم الحاكم والمحكوم ويعم الجن والإنس، ويعم العرب والعجم ويعم الأغنياء والفقراء، كلهم مأمورون بهذا الأمر، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].
ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ويقول عز من قائل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
في أمثال هذه الآيات التي عم فيها سبحانه جميع الناس بالأوامر، ليعلموا جميعا أنهم مأمورون بأن يعبدوا الله الذي خلقهم ويتقوه، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وهذه العبادة هي التقوى وهي الإيمان والهدى والبر، وهي الإسلام الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب، ومعناها أن نعبده وحده ونخصه بطاعاتنا وعباداتنا على الوجه الذي شرعه لنا سبحانه وتعالى لا نعبد معه سواه، ولا جنا ولا إنسا ولا أصناما ولا كواكب ولا غير ذلك، من المخلوقات بل نعبده وحده كما قال سبحانه في سورة الفاتحة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الآية [البقرة:21] ويقول سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] ويقول تبارك وتعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] في آيات كثيرة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده دون كل ما سواه.
ويقول النبي ﷺ: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا، ولما سئل عن الإسلام قال عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ولما سئل عن الإيمان قال الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، ولما سئل عن الإحسان قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهذه الأمور مطلوبة من الجميع من الرجال والنساء على السواء عليهم جميعا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله صدقا من قلوبهم، ويعتقدوا أنه لا معبود حق إلا الله وحده لا شريك له سبحانه وتعالى، فيدعوه وحده، ويصلوا له وحده، ويصوموا له وحده، ويخصوه بالعبادات كلها سبحانه وتعالى.
وهكذا "شهادة أن محمدا رسول الله" على الرجل والمرأة أن يشهدا جميعا أن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب هو رسول الله حقا، أرسله الله إلى الناس عامة من الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث والأغنياء والفقراء والرؤساء والمرؤوسين، عليهم جميعا أن يطيعوا هذا الرسول ﷺ ويصدقوه، وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه الصلاة والسلام، بعثه الله من أشرف قبيلة ومن أشرف بلاد، وهي مكة المكرمة وبأشرف دين، وهو الإسلام فعلى جميع الثقلين أن يؤمنوا به وينقادوا له عليه الصلاة والسلام، ويؤمنوا بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده، قال تعالى في كتابه العظيم: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] عليه الصلاة والسلام، فهو رحمة لجميع العالمين، ورسول لجميع العالمين من الجن والإنس، فعليهم أن يؤمنوا به ويصدقوه وينقادوا لأوامره ونواهيه، ويعملوا بشرعه عليه الصلاة والسلام، ويشهدوا أنه خاتم النبيين كما قال تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
وهكذا على الجميع أن يقيموا الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في أوقاتها، رجالا ونساء عربا وعجما جنًّا وإنسا، وعليهم أن يؤدوا الزكاة المفروضة في الأموال وأن يصوموا رمضان في كل سنة، وأن يحجوا البيت الحرام مع الاستطاعة مرة في العمر، وأن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومعناه: الإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والجنة والنار، وعليهم أن يؤمنوا بالقدر خيره وشره، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها، فآجالنا وأرزاقنا وأعمالنا كلها مكتوبة قد علمها الله وكتبها وقدرها سبحانه وتعالى، فعلينا أن نعمل بما شرع الله لنا وأن نترك ما نهانا عنه، وكل ميسر لما خلق له.
وكمال الدين أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا هو الإحسان، وهو أن تعبد ربك بصلاتك وغير ذلك كأنك تشاهده، حتى تنصح في العمل وحتى تكمل العمل فإن لم تكن تراه ولم تستحضر ذلك فاعلم أنه يراك، أي فاعبده على أنه يراك وأنه يراقبك ويشاهدك ويعلم حالك سبحانه وتعالى، حتى تؤدي حقه عن إخلاص وعن صدق وعن عناية به على الوجه الأكمل. وهذه جمله يجب أن نعلمها جميعا، وأن هذا الدين للجميع للرجال والنساء والجن والإنس والعرب والعجم، عليهم جميعا أن يلتزموا به وأن يعبدوا الله وحده، وأن يستقيموا على هذه الأركان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا مع الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله ﷺ أنه قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ومما يوضح هذا الأمر ويبين أنه حق على الجميع قول الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71] فجعلهم جميعا شركاء المؤمنين والمؤمنات في الولاية فيما بينهم، والتحاب في الله وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وفي طاعة الله ورسوله في كل شيء، وقال عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فعم سبحانه الرجال والنساء جميعا ليبين سبحانه أن الأمر عام لهم جميعا، وقال سبحانه: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124] فبين سبحانه أن من يعمل سوءا يجز به من الذكور والإناث، ومن يعمل من الصالحات من الذكور والإناث عن إيمان وصدق وإخلاص فإن مصيره إلى الجنة والكرامة والسعادة، وقال تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35] فسوى الله سبحانه وتعالى بينهم جميعا رجالا ونساء.
فينبغي أن يعلم هذا عن يقين، وأن يجتهد كل مؤمن وكل مؤمنة في أداء الواجب؛ لأنه مسئول كما قال سبحانه وتعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93] فكل منا مسئول عن حق الله عليه، وعن الحقوق الأخرى التي عليه للآباء والأمهات والأزواج والأولاد والجيران وغير ذلك، فكل منا مسئول عما عليه من الحق لله وللعباد، فعلينا أن نؤدي الواجب ونتفقه في الدين، وأن نتعلم حتى نستفيد ونعلم حكم الله في كل شيء.
وعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم لأن القرآن أنزل للجميع، للرجال والنساء والجن والإنس، فعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم وأن نعمل به ونتخلق بالأخلاق التي يدعو إليها، ونحذر الأخلاق التي ينهى عنها، فهو كتاب الله فيه الهدى والنور أنزله الله علينا لنعمل به ونستقيم على ما فيه، فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم أنزله علينا جل وعلا على يد رسوله ﷺ للعمل لا لمجرد التلاوة، فالتلاوة وحدها لا تكفي بل لا بد من العمل، قال جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155] فجعل الرحمة في اتباع هذا القرآن العظيم، وقال سبحانه وتعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف:3] وقال عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وقال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وقال سبحانه: قل هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44].
فكتاب الله فيه الهدى والنور وهو صراط الله المستقيم للرجال والنساء والملوك وغيرهم والرؤساء والمرؤوسين والأغنياء والفقراء، فيجب على الجميع أن يحكموا كتاب الله، وأن يتمسكوا به ويتدبروه ويتعقلوه، قال عز وجل في كتابه العزيز: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] وهذا يدل على أن من الواجب تدبره والحذر من الإعراض عنه.
كما يجب علينا جميعا التمسك بسنة الرسول ﷺ وهي: أحاديثه التي قالها أو عمل بها أو أقرها، هذه سنته ﷺ إما قول وإما فعل وإما تقرير لما شاهده أو سمعه من غيره.
فعلى الرجال والنساء جميعا اتباع السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] وطاعة الرسول هي العمل بالسنة التي صحت عنه ﷺ، وقال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] ومعنى الرد إلى الله هو الرد إلى القرآن الكريم، أما الرد إلى الرسول فمعناه الرد إليه في حياته ﷺ، وإلى سنته ﷺ بعد وفاته، وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].
فعلينا جميعا رجالا ونساء وحكاما ومحكومين ورؤساء ومرءوسين وأمناء وسفراء وعربا وعجما علينا جميعا أن نعظم سنة الرسول ﷺ وأن نستقيم عليها ونحكمها ونعمل بها؛ لأنها الأصل الثاني من أصول الشريعة، ولأنها المفسرة لكتاب الله والموضحة لما قد يخفى منه، قال تعالى يخاطب النبي ﷺ في سورة النحل: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فأخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل الذكر وهو القرآن الكريم على نبيه ﷺ ليبين للناس أحكام دينهم، من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فعلينا أن نعظم كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وأن نعمل بهما جميعا في كل شيء، ونحذر مخالفتهما كما قال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54].
ومن الأمور المهمة أن نعلم جميعا أن أوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله ﷺ تعم الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما خصه الدليل. وقد دل كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ على أحكام تخص الرجال دون النساء وعلى أحكام تخص النساء دون الرجال لحكم بالغة من ربنا عز وجل، فعلينا أن نأخذ بها ونسلم لها، مطمئنين مؤمنين راضين بحكم الله عز وجل فإنه أحكم الحاكمين، وهو العالم بأحوال عباده لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى، وهو الأعلم سبحانه وتعالى بما يصلح عباده، فمن ذلك أن الرجل مسئول عن القوامة على المرأة، فهو المسئول عنها وعليه النفقة على الزوجة وعلى أولاده، وأن يتولى شئونهما، قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ الآية [النساء:34].
فالواجب على الرجل أن يقوم على المرأة وينفق عليها مع حسن العشرة وطيب الكلام والفعال كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19[ وقال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ الآية [البقرة:228] وهذا مما يخص الرجل- أن له القوامة على المرأة بالإنفاق عليها وأداء حقها وإحسان عشرتها، والسعي في مصالحها المتعلقة بالزوجية وهي ربة البيت والقائمة على الأولاد وبما يلزم في البيت، وهو القائم عليها وعلى أولادها بكل ما يلزم من نفقة وحسن معاشرة.
ومن المسائل التي تخص الرجال: أن الرجل يجب عليه أن يصلي في المسجد ويجيب النداء، كما قال ﷺ: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر أما النساء فلا يجب عليهن أن يصلين في المساجد، بل يصلين في بيوتهن، وذلك أفضل لهن؛ لأنهن عورة، والخطر في خروجهن معروف، فالمشروع لهن الصلاة في بيوتهن، وليس عليهن أن يحضرن مع الرجال في المساجد، ولا بأس من حضورهن المساجد مع الستر والحجاب، وليس لأزواجهن منعهن من ذلك إذا التزمن بالآداب الشرعية، لكن صلاتهن في بيوتهن أفضل كما تقدم عملا بالسنة الصحيحة في ذلك.
ومن المسائل أيضا التي يختص بها الرجال دون النساء: الجهاد بالنفس فالرجل عليه أن يجاهد بنفسه وأن يحمل السلاح، والمرأة ليس عليها ذلك. قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عليكن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة فليس على المرأة جهاد بالنفس والسلاح؛ لأنها تضعف عن ذلك، ولأنها فتنة وعورة، فالجهاد على الرجال لا على المرأة بالنفس، أما بالمال فعلى الجميع، على المرأة والرجل الجهاد بالمال في أصح قولي العلماء لعموم الأدلة، قال سبحانه وتعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:41] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10، 11] وقال النبي ﷺ: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تعم الرجال والنساء، فيما عدا الجهاد بالنفس لحديث عائشة السابق.
ومن المسائل المختصة بالرجال: أن الرجل له أن ينكح أربعاً من النساء، والمرأة ليس لها أن تنكح إلا رجلا واحدا، فلا تجمع بين رجلين لحكم ظاهرة بالغة، ومن ذلك أن الرجل قد تعظم شهوته ولا تعفه المرأة الواحدة، ولأنه محتاج إلى كثرة الأولاد والنسل ولأنه قد يكون له شؤون كثيرة يحتاج إلى عدة نساء يساعدنه فيها، ولأن النساء قد يحتجن إلى الرجل لعدم وجود أولياء لهن، أو لقلة الرجال بسبب الحروب والفتن فأباح الله للرجل أن يجمع بين أربع نساء فأقل، وليس للمرأة أن تجمع بين رجلين لأن في جمع المرأة بين الرجال اختلاط المياه واختلاط الأنساب وفساد الأحوال.
ومن المسائل التي اختلف فيها حكم الذكر عن الأنثى: مسائل المواريث في حق الزوج والزوجة والأولاد والأخوة من الأبوين والأب، فإن الزوجة تعطى نصف ما يعطاه الزوج، والولد الذكر يعطى ضعف ما تعطاه الأنثى، وهكذا الأخ من الأبوين أو الأب يعطى ضعف ما تعطاه الأخت لحكم ظاهرة يعرفها أهل العلم وكل من تأملها من ذوي البصيرة في أحوال الرجال والنساء، والآيات الدالة على ذلك معلومة.
ومن المسائل التي تخص النساء: أنه يجب عليهن ترك الصيام والصلاة في حالة الحيض والنفاس، فالصلاة لا تجب عليهن في الحيض والنفاس، لا أداء ولا قضاء، وأما الصوم فيجب عليهن تركه حال الحيض والنفاس ثم قضاؤه بعد ذلك. والحكمة في ذلك والله أعلم أن الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، فمن رحمة الله جل وعلا أن أسقط عنها قضاء الصلاة في حال الحيض والنفاس لأن قضاءها يكلفها كثيرا، فإذا كان حيضها سبعة أيام مثلا يكون عليها خمس وثلاثون صلاة، وإذا كان ثمانية أيام يكون عليها أربعون صلاة، ففي قضائها مشقة، فمن رحمة الله سبحانه أن أسقط عنها القضاء والأداء. وهكذا في النفاس قد تجلس أربعين يوما لا تصلي، فلو قضت الصلوات لكان عليها مائتا صلاة، فمن رحمة الله أن الله أسقط عنها ذلك فليس عليها الصلاة لا قضاء ولا أداء في حال النفاس، رحمة من الله عز وجل، وعليها أن تقضي الصوم الذي فاتها في رمضان، بسبب النفاس.
ومن ذلك أيضا: أن المرأة تعدل شهادتها نصف الرجل فشهادة المرأتين بشهادة رجل، لأن الرجال في الغالب أحفظ وأضبط لما يقع، والمرأة دون ذلك في الجملة، وقد يكون بعض النساء أفضل من بعض الرجال بكثير، لكن في الجملة جنس الرجال أضبط وأحفظ وأفضل، وجنس النساء دون ذلك في الضبط والحفظ والفضل، فجعل الله شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد، كما قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى الآية [البقرة:282] فتتعاونان وتتساعدان في حفظ الشهادة فإذا قصرت هذه -أو نسيت- ساعدتها الأخرى في التذكر حتى يحفظن الشهادة.
ومن المسائل المستثناة أيضا: أن المرأة على نصف الرجل في الدية في الثلث فأكثر، أما في القصاص فتقتل المرأة بالرجل والرجل بالمرأة قصاصا، لأنه صح عن النبي ﷺ أنه قتل الرجل بالمرأة، وفي ذلك حكمة عظيمة منها صيانة الدماء، وحفظ أفراد المجتمع المسلم أن يتعدى بعضهم على بعض، ومن ذلك العقيقة عن المولود الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله ﷺ ولله فيما جاءت به الأدلة من التفرقة بين الذكر والأنثى في المسائل المذكورة وغيرها الحكمة البالغة.
والأصل في الأحكام العموم والتساوي كما تقدم. فالواجب على الرجال هو الواجب على النساء، والواجب على النساء هو الواجب على الرجال إلا فيما خصه الدليل كالمسائل المذكورة آنفا.
ووصيتي للرجال والنساء جميعا: تقوى الله سبحانه وتعالى، والتفقه في الدين في المدارس وغيرها من أماكن العلم، وسؤال أهل العلم عما أشكل على الرجل والمرأة من أحكام الدين، لقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وقول النبي ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومن أهم ذلك العناية بتلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، والعناية بسنة رسول الله ﷺ، والتفقه فيها والاستفادة من كتب أهل السنة وكتب تفسير القرآن الكريم، وشروح الأحاديث النبوية التي ألفها أهل العلم المعروفون بالدراية والديانة وحسن العقيدة. وقد قال ﷺ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه خرجه الإمام البخاري في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه رواه الإمام مسلم في الصحيح، ومن المعلوم أن تعلم الرجال والنساء لما شرعه الله سبحانه وتعالى لهم وخلقوا من أجله من أهم الفرائض، وأوجب الواجبات، ولقد يسر الله للجميع طرق التعلم بواسطة إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب، ونداء الإسلام من الرابطة، وغير ذلك من الندوات والحلقات العلمية التي تقام في المساجد، ودور العلم ووسائل الأعلام. فالواجب الاستفادة منها والعناية بها، أينما كان المؤمن والمؤمنة.
ومما يجب التنبيه عليه الحذر من سماع ما يفسد القلوب والأخلاق من الأغاني الماجنة والأشرطة المنحرفة وآلات اللهو والطرب، فإن هذه تفسد القلوب والأخلاق فالواجب الحذر منها والتواصي بتركها، عملا بقول الله عز وجل: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] وقول النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه الإمام مسلم في الصحيح.
ومما يجب على المسلمين جميعا الاهتمام به والتواصي به، الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن ذلك من أعظم الأسباب في صلاح القلوب والمجتمعات، وظهور الفضائل، واختفاء الرذائل، والأدلة على ذلك كثيرة، منها ما تقدم في سورة " العصر "، وحديث: "الدين النصيحة" ومنها قول الله سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ الآية [المائدة:2] وقوله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وقوله ﷺ: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقوله عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان أخرجهما الإمام مسلم في الصحيح. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ولا شك أن الواجب على المدرسين والمدرسات أكثر من الواجب على غيرهم بالنسبة إلى الطلبة والطالبات، فعلى المدرسين أن يعنوا بالطلبة ويوجهوهم إلى الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والعمل بما علموا من العلم، وعلى المدرسات أن يتقين الله في البنات، وأن يعلمنهن الأخلاق الدينية الفاضلة والعقيدة الصالحة في الدراسة وفي المذاكرة والوعظ، حتى يوجد جيل صالح من الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات في المستقبل.
فواجب المدرس والمدرسة عظيم والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى واجب عظيم على الجميع، فعلى كل من لديه علم من الرجال أن يعلم أولاده من الذكور والإناث وأهل بيته وغيرهم حسب الطاقة، وعلى كل من لديها علم من النساء أن تعلم بناتها وأبناءها وتعلم أخواتها وتعلم من حولها من النساء وتنتهز الفرصة عند الاجتماع في عرس أو وليمة أو غير ذلك للدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير لمن عندها من النساء وتعليمهن وإرشادهن إذا رأت امرأة متبرجة عند الرجال أو في الطريق تنهاها عن ذلك وتحذرها منه، وتحذر عن التكاسل عن الصلاة بنتها وأختها وجارتها وغيرهن، وتأمرهن بالمعروف وتنهاهن عن المنكر، وهذا هو واجب الجميع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أولياء: يعني أنهم متحابون في الله فليسوا أعداء، فالمؤمن ولي أخيه وولي أخته في الله، والمؤمنة كذلك ولية أختها في الله وولية أخيها في الله، يتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويتناصحون في الله، فالزوج يأمر زوجته بالمعروف وينهاها عن المنكر، والزوجة تأمر زوجها بالمعروف وتنهاه عن المنكر، فإذا رأته مقصرا في الصلاة أو رأته يشرب المسكر أو يدخن أو يحلق لحيته، تنصحه وتقول: اتق الله، هذا لا يجوز لك، وكيف ترضى بهذا الأمر السيئ لنفسك؟ وكيف تعصي ربك؟ تقول ذلك بالكلام الطيب وبالأسلوب الحسن، كما أنه يأمرها وينهاها كذلك، هي تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، ولا تستحي ولا تخجل ولا تداهن، وهكذا مع أبيها وأخيها وأمها وولدها وجارها وجارتها وصاحباتها وصديقاتها، وهذا هو الواجب على المسلمين والمسلمات مهما كانت مؤهلاتهم وأعمالهم، كل واحد منهم على حسب علمه وقدرته.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يسلك بنا جميعا صراطه المستقيم، وأن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يوفقنا جميعا للقيام بالواجب من طاعة الله ورسوله والنصح لله ولعباده، ثم أوصي الجميع بالدعاء في ظهر الغيب وفي الصلاة وفي آخر الليل لولاة الأمور بالتوفيق والهداية والصلاح والإصلاح، فولاة الأمور في حاجة إلى الدعاء أن يصلحهم الله، ويصلح بهم ويهديهم ويهدي بهم، فهم في أشد الحاجة إلى الدعاء، وولاة أمر هذه البلاد وولاة أمور المسلمين جميعا في كل مكان تدعون لهم جميعا بالصلاح والتوفيق والهداية، وتدعون لأولادكم ولأزواجكم ولغيرهم، تدعون لهم بالتوفيق والهداية والصلاح، وبالتوبة النصوح، يقول سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أي: قل يا محمد: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] وأتباع النبي ﷺ من الرجال والنساء يدعون إلى الله على بصيرة ويحذرون الناس من معصية الله، ويرشدونهم إلى الخير. وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وليس هذا خاص بالرجال دون النساء ولا بالنساء دون الرجال، بل هو واجب على الجميع على حسب العلم والقدرة، كما قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
وعلى العلماء والمدرسين واجب عظيم، وهكذا الرؤساء والأعيان عليهم واجب عظيم أكثر من غيرهم على حسب علمهم وقدرتهم، وعلى كل واحد من المسلمين أن يعرف واجبه ويهتم به، ويراقب الله في كل شيء ويتقيه في ذلك، فنحن في غربة من الإسلام وفي آخر الزمان، فالواجب التكاتف والتعاون على الخير والصدق في ذلك.
ونسأل الله التوفيق لنا، ولجميع المسلمين الهداية والثبات على الإسلام وحسن الختام، وأن يوفقنا جميعا لما يرضيه، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم؛ إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
- محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في جمعية فتاة ثقيف بالطائف في 18/ 11/ 1404هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5/ 207).