لقاء متوسطة الفارابي بالرياض مع سماحته وأجوبته لهم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
فنوصيكم بالجد في طلب العلم، وحفظ الوقت عما يضر ويشغل عن طلب العلم النافع، والاجتهاد في العمل بالعلم، وأن تكونوا من المسارعين إلى الصلوات في الجماعة مع التخلق بالأخلاق الفاضلة، والحرص على بر الوالدين والإحسان إلى أهل البيت من الإخوة والأخوات.
ومن أهم المهمات في حق طالب العلم أن يكون حسن الأخلاق طيب السيرة، مهتما بدينه حريصا على المحافظة على الصلوات في الجماعة، يحفظ لسانه وجوارحه عن كل ما يخالف شرع الله سبحانه، ويحرص على بذل المعروف والخير والكف عن الشر والأذى، هكذا يكون طالب العلم الصادق، وهكذا يكون الشاب النجيب يتحرى الأخلاق الفاضلة والسيرة الحميدة، ويتباعد عن الأخلاق الذميمة والسيرة السيئة أينما كان في البيت وفي الطريق ومع زملائه وفي كل حال.
ونوصي الأساتذة بالجد في توجيه الطلبة إلى الخير، والحرص على تحضير الدروس والعناية بها وتفهيم الطلبة لها، وأن يكون الأستاذ قدوة صالحة لتلاميذه في كل خير.
نسأل الله للجميع التوفيق وصلاح النية والعمل إنه خير مسئول.
 
أما الأسئلة فهذا جوابها:
س1: كيف يتخلص الإنسان من قسوة القلب، وما هي أسبابه؟
جـ 1: أسباب قسوة القلب: الذنوب والمعاصي، وكثرة الغفلة، وصحبة الغافلين والفساق، كل هذه الخلال من أسباب قسوة القلوب، ومن لين القلوب وصفائها وطمأنينتها: طاعة الله جل وعلا وصحبة الأخيار، وحفظ الوقت بالذكر وقراءة القرآن والاستغفار، ومن حفظ وقته بذكر الله وقراءة القرآن وصحبة الأخيار والبعد عن صحبة الغافلين والأشرار يطيب قلبه ويلين، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

س 2: عندما أكون في مجلس يكون فيه غيبة ولا أستطيع القيام منه، فماذا أفعل؟
جـ 2: تنصحهم وتقول: هذا لا يجوز والغيبة محرمة؛ لأن الرسول ﷺ يقول: من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، والمؤمن لا يحضر مجالس الشر، فإن كنت تستطيع إخبار جلسائك بأن هذا لا يجوز، وأن الواجب تركه فافعل ذلك وأخلص لله في العمل، وإن كنت لا تستطيع فقم، ولا تحضر الغيبة ولو استنكروا قيامك، وإذا سألوك فقل: قمت لأجل هذا، لقول الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
 
س 3: ما حكم الأغاني بجميع أنواعها؟ وما العقاب الذي ينتظر المستمعين والمغنين؟
جـ 3: الأغاني كلها محرمة، ولا يجوز الاستماع لها، لأنها من لهو الحديث المذكور في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان:6-7].
ولهو الحديث: هو الغناء وما يصحبه من آلات الطرب عند أكثر أهل العلم، ولأن ذلك من أسباب مرض القلوب وقسوتها وغفلتها عن الله عز وجل والدار الآخرة، ولأنها من أسباب الضلال والإضلال، ومن أسباب الاستهزاء بدين الله، ومن أسباب الاستكبار عن سماع القرآن والإعراض عنه كما ترشد إلى ذلك كله الآيتان المذكورتان آنفا.
فهي لها نتائج خبيثة وعواقب سيئة فينبغي للمؤمن ألا يستمعها بالكلية، لا من الإذاعة ولا من غير الإذاعة ولا من الأشرطة، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع).

س 4: ما معنى قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا [مريم:71]؟ وهل الورود في الآية بمعنى الدخول أو المرور على الصـراط؟
جـ 4: الورود المرور كما بينت ذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ ثم ينجي الله المتقين ويذر الظالمين فيها جثيا، ولهذا قال سبحانه: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:72].
فالكفار يساقون إليها، والعصاة منهم من ينجو، ومنهم من يخدش ويسلم، ومنهم من يسقط في النار، ولكن لا يخلد فيها بل لعذابهم أمد ينتهون إليه، وإنما يخلد فيها الكفار خلودا أبديا، يقول الله عز وجل في سورة البقرة في حق الكفار: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، وقال في سورة المائدة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:36]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. نسأل الله العافية والسلامة من حال أهل النار.

س 5: الرجاء من فضيلتكم توضيح الولاء والبراء لمن يكون؟ وهل يجوز موالاة الكفار؟
جـ 5: الولاء والبراء معناه: محبة المؤمنين وموالاتهم، وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ الآية [الممتحنة:4].
وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقبلك ولا يكونوا أصحابا لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم، فإذا سلّموا ترد عليهم السلام، وتنصحهم وتوجههم إلى الخير كما قال الله عز وجل: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ الآية [العنكبوت:46].
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة، لكن من ظلم منهم يجازى على ظلمه، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله؛ للآية الكريمة السابقة ولقوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله، ويشرع له أن يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق، لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8].
ولما ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي ﷺ وبين أهل مكة عام الحديبية[1].

  1. تم اللقاء مع سماحته بمكتبه في الرئاسة بتاريخ 28/ 10/ 1410هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5/ 243).