الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأخوات في الله؛ للتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، والتناصح في الله، وبيان ما خلقنا سبحانه وتعالى لأجله وما أرسل الرسل من أجله، حتى نكون على بينة وبصيرة مما خلقنا له مما يجب علينا في هذه الحياة، حتى نلقى ربنا عز وجل، وأسأله سبحانه أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في الدين والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد وسعادة الدنيا والآخرة.
ثم أشكر أخي سعادة مدير مستشفى الملك فيصل بالطائف الدكتور طه الخطيب على دعوته لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك فيه والعاملين معه، وأن يعين الجميع على ما فيه صلاح أمر الدين والدنيا، وعلى كل ما فيه نفع إخواننا المرضى من الرجال والنساء، وأن ينفع بجهود الجميع ويكللها بالنجاح.
ثم أقول: إن عنوان كلمتي: "وجوب عبادة الله وتقواه" وتفاصيل هذا الواجب من جهة الأوامر والنواهي. يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ويقول عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله عز وجل، وقد أرسل سبحانه الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام، أرسلهم جميعا ليدعوا الناس إلى توحيد الله وطاعته وتقواه ولينذروهم الشرك به وعبادة غيره ومعصية أوامره كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ويقول سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فالله سبحانه خلقنا جميعا رجالا ونساء جنا وإنسا حكاما ومحكومين عربا وعجما؛ لنعبد الله وحده، ونتقيه سبحانه فيما نأتي ونذر، ونحاسب أنفسنا في ذلك، حتى نستقيم على توحيد الله وطاعته، والمسارعة إلى ما أوجب علينا وترك ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، فالواجب على كل ذكر وأنثى من المكلفين أن يعبد الله ويتقيه سبحانه وتعالى أينما كان؛ لأنه خلق لهذا الأمر، وأمر به من جهة الله سبحانه في كتبه، ثم من جهة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
فعلى جميع المكلفين من ذكور وإناث وعرب وعجم وجن وإنس أن يعبدوا الله ويتقوه ويلتزموا بالإسلام. كما أن على المسلمين الذين منّ الله عليهم بالإسلام أن يستقيموا على دينهم، وأن يثبتوا عليه، وأن يتفقهوا فيه حتى يؤدوا ما أوجب الله عليهم على بصيرة، وحتى يتركوا ما حرم الله عليهم على بصيرة.
وعلى أهل العلم أينما كانوا أن يدعوا إلى الله، وأن يفقهوا الناس في دين الله؛ لأنهم خلفاء الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل بعثوا ليعلموا الناس ويرشدوهم ويدعوهم إلى الحق وينذروهم من الشرك بالله ومن سائر المعاصي، وعلى علماء الإسلام أينما كانوا في جميع أقطار الأرض، عليهم أن يعلموا الناس، وأن يبلغوا الناس دينهم، وأن يشرحوا لهم ما قد يخفى عليهم؛ طاعة لله ولرسوله، وأداء لواجب النصيحة، وتبليغا لرسالة الله التي بعث بها نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام.
وعلى المدعوين المبلغين أن يستجيبوا لأمر الله ورسوله، وأن يتفقهوا في دينهم، ويسألوا عما أشكل عليهم، وأن يعبدوا الله وحده بالإخلاص له سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] ويقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فالجميع خلقوا لهذا الأمر وأمروا به من جهة الله ومن جهة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فإن الرسول ﷺ لما بعثه الله بلغ الناس وقال: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ودعا قومه قبل كل أحد، ودعاهم إلى أن يعبدوا الله، وأن يدعوا الشرك الذي كانوا عليه من عبادة الأصنام والأشجار والأحجار والأموات والكواكب وغير ذلك، وأن يخصوا الله بالعبادة بدعائهم واستغاثتهم ونذرهم وذبحهم وصلاتهم وصومهم وغير هذا من عباداتهم، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وقال عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] وقال جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء من الجن والإنس من الحكام والمحكومين من العرب والعجم أن يعبدوا الله وحده، وأن يستقيموا على معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، وهو معنى قوله جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هذا هو الواجب على جميع المكلفين في سائر الأرض من جن وإنس من الرجال والنساء أن يعبدوا الله وحده، وهذا هو أصل دين الإسلام؛ لأن أصل دين الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والإخلاص وترك الشرك والانقياد له بالطاعة، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، هذا هو معنى الإسلام.
قال الله سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
ويقول جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] نزلت هذه الآية يوم عرفة والنبي عليه الصلاة والسلام واقف بعرفة في حجة الوداع، بيّن الله سبحانه فيها أنه أكمل الدين وأتم النعمة، وأنه رضي لعباده الإسلام، وهو توحيد الله والإخلاص له والذل بين يديه، والانقياد لأوامره وترك مناهيه سبحانه وتعالى، وعلى رأس ذلك إخلاص العبادة لله وحده وترك الإشراك به، كما هو معنى لا إله إلا الله كما تقدم، إذ معناها لا معبود حق إلا الله، وهو معنى قوله سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256] وهو معنى قوله سبحانه وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] وقوله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ [الزمر:2-3] وهو معنى قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
ولا بد من الالتزام بهذا الأصل، وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، مع استقامة العبد على فعل بقية الأوامر وترك النواهي، ومن ذلك الالتزام ببقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فإن الإسلام بني على خمسة أركان، أولها: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيشهد العبد أنه لا معبود حق إلا الله، ويلتزم بذلك فيعبد الله وحده دون كل ما سواه، ويدع الإشراك به، ويلتزم باتباع محمد عليه الصلاة والسلام والإيمان به، والشهادة بأنه رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه تجب محبته فوق محبة النفس وفوق محبة كل أحد من الخلق، وتجب طاعته واتباع شريعته والالتزام بذلك، كما قال عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] قل يا أيها الرسول للناس إن كنتم تحبون الله صادقين، فاتبعوني يحببكم الله.
فمن أحب الله صادقا وأحب رسوله صادقا فالواجب عليه اتباع محمد ﷺ، السيد فيما جاء به من فعل الأوامر وترك النواهي وعلى رأسها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، ثم إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في أوقاتها، الرجل يؤديها في الجماعة، والمرأة تؤديها في بيتها كما أمر الله بذلك، بخشوع واستقامة وطمأنينة في قيامها وركوعها وسجودها وبين السجدتين وحين الارتفاع من الركوع، يؤديها المؤمن والمؤمنة كما أمر الله عز وجل.
وفي الصحيحين أن رجلا دخل المسجد، مسجد الرسول ﷺ في المدينة، والنبي ﷺ جالس في أصحابه، فصلى ولم يتم صلاته، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه السلام عليه الصلاة والسلام وقال له عليه الصلاة والسلام: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى فعلها ثلاث مرات، كلما جاء سلم ورد عليه النبي السلام وقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل فقال الرجل في الثالثة: والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا، فعلمني فقال له النبي ﷺ: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي اللفظ الآخر: ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فبين ﷺ لهذا الرجل المسيء صلاته كيفية الصلاة التي شرعها الله لعباده، وأمره أن يلتزم بذلك، وفي هذا الحديث العظيم بيان أن الطمأنينة في الصلاة لابد منها، وأن من لم يطمئن فلا صلاة له، ولا فرق في ذلك بين صلاة الفرض والنفل، لكن صلاة الفرض أهم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين من الرجال والنساء أن يصلوا كما أمر الله ورسوله، والله سبحانه يقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني أدوها قائمة تامة، وأن يؤدوا الزكاة كما أمر الله في قوله سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:110] وعلى الجميع أن يتفقهوا في ذلك ويسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم، وعلى الجميع صوم رمضان كل سنة، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، وعلى الجميع أيضا حج بيت الله الحرام مرة في العمر من الرجال والنساء إذا استطاعوا ذلك؛ لقول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].
وعلى جميع المكلفين أيضا القيام بأوامر الله الأخرى من بر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأداء الأمانة، وترك ما حرم الله من سائر المعاصي من الزنا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة وشهادة الزور وغير هذا مما نهى الله عنه ورسوله.
وعلى جميع المكلفين أن يلتزموا بأركان الإسلام، التي أعظمها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، وعليهم جميعا أن يلتزموا بأوامر الله وترك نواهيه سبحانه وتعالى، ومن ذلك التزام المؤمنات بالحجاب الشرعي عن الرجال وعدم الاختلاط بهم، بل يجب أن يكون الرجال من الأطباء والممرضين للرجال، وأن تكون الطبيبات والممرضات من النساء للنساء، هكذا يجب الطبيبات للمرضى من النساء، والأطباء من الرجال للمرضى من الرجال، والكتاب من الرجال للرجال، والكاتبات من النساء للنساء؛ حتى لا يختلط هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، لما في الاختلاط من الفتنة والخطر العظيم يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء يعني عند الاختلاط وعدم الحذر، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
فالمرأة عند بروزها للرجال متزينة متكحلة قد تعاطت ما يسبب الفتنة، فيكون في ذلك خطر عظيم عليها وعلى الرجل عند اختلاطه بالنساء، فالمريضة من النساء تعالجها المرأة، والمريض يعالجه الرجل، وهكذا يجب، وقد صدر في هذا تعليمات من ولي الأمر، فالواجب الالتزام بذلك إلا عند الضرورة القصوى، إذا وجد مرض لا يفهمه إلا رجل جاز عند الضرورة أن يعالج المرأة، أو مرض لا يفهمه إلا المرأة ولم يوجد رجل يفهمه فإن المرأة تعالجه عند الضرورة مع العناية بالحشمة وعدم الخلوة. والمقصود أن هذا أمر يتعلق بالمستشفيات جميعا.
ووصيتي لهذا المستشفى والقائمين عليه من الأطباء والطبيبات ومن العاملين والعاملات وعلى رأس الجميع المدير، وصيتي للجميع الالتزام بأمر الله ورسوله ﷺ والتعاون على البر والتقوى، وأن يختص الرجال بالرجال والنساء بالنساء في الطب والتمريض والأعمال الكتابية وغير ذلك؛ حتى يتميز هؤلاء عن هؤلاء، وحتى يبتعد الجميع عن أسباب الفتنة والخلوة المحرمة إلى غير ذلك مما قد يقع من الفتن بأسباب الاختلاط، ثم فوق ذلك كله العناية بأمر الله الذي خلقنا له، فقد عرفتم جميعا أننا خلقنا لأمر عظيم، وهو القيام بعبادة الله وتقواه، فلم نخلق للأكل والشرب والجماع والتلذذ بمباهج الحياة، ولكن خلقنا لنعبد الله وحده ونتقيه سبحانه وتعالى بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان به سبحانه وإخلاص له.
وخلق لنا سبحانه هذه الأشياء التي بين أيدينا نستمتع بها من الملابس والمساكن والمراكب والمآكل والمشارب وغير ذلك، لا لنشغل بها عن طاعة الله، ولكن لنستعين بها على طاعة الله وتقواه، كما قال جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] خلق لنا ما في الأرض جميعا من مآكل ومشارب ومراكب ومساكن إلى غير ذلك من النعم، وقال الله سبحانه وتعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا منه [الجاثية:13] سخر لنا سبحانه وتعالى ما في السماوات والأرض من الأمطار والنجوم والشمس والقمر، وما في الأرض من النعم، وما ينزله علينا جل وعلا من السماء من رزق، كل ذلك من رحمته لنا وإحسانه إلينا جل وعلا.
فالواجب علينا أن نشكره سبحانه، والشكر يكون بطاعة الأوامر وترك النواهي لا بمجرد الكلام؛ لأن الشكر يكون بالكلام وبالفعل وبالقلب قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13] وقال سبحانه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] وقال سبحانه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] فالشكر يكون بالقلب واللسان والعمل، كما قال الشاعر:
فالنعمة تشكر باليد وباللسان وبالقلب، يشكر الله بمحبته وتعظيمه والإخلاص له في جميع العبادات وفي جميع الطاعات له سبحانه وتعالى، فلا نعبد معه سواه جل وعلا، ونشكره بالكلام بحمده والثناء عليه والدعوة إلى سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر ما شرع الله من الكلام، ونشكره بالفعل بأداء الواجبات من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك، وترك ما نهى عنه من المحرمات القولية والفعلية، هكذا يكون الشكر منا لربنا سبحانه وتعالى، فوصيتي لنفسي وللحاضرين جميعا من أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات ومرضى وإخواني الحضور وجميع المسئولين، وصيتي للجميع: أن نتقي الله في السر والعلن؛ لأنه القائل سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197] وهو القائل عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] وهو القائل عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] وهو القائل سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الأحزاب:70-71].
فعلينا أن نتقيه سبحانه، وتقواه سبحانه هي عبادته بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله، وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله محمد ﷺ ولجميع المرسلين والمؤمنين، فعلينا أن نحب الله بكل قلوبنا فوق محبة كل أحد، وأن نحب رسوله ﷺ محبة صادقة فوق محبة أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وغيرهم، وأن نحب الرسل عليهم الصلاة والسلام ونحب إخواننا في الله والمؤمنين.
فالمحبة من أفضل الواجبات، ومن أهم الواجبات المحبة لله وفي الله عز وجل، ثم هذه المحبة لله ولرسوله توجب طاعة الأوامر وترك النواهي كما قال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فالمحبة الصادقة لله ولرسوله وللمؤمنين تقتضي العمل بطاعة الله وإخلاص العبادة له وترك معصيته، كما تقتضي طاعة رسوله ﷺ واتباع ما جاء به والحذر مما نهى عنه والوقوف عند الحدود التي حدها مع تقديم سننه وشرعه على أهوائنا، وتوجب أيضا محبة المؤمنين وإعانتهم على الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومحبة الخير لهم وأداء الأمانة.
ومما يجب على المسئولين عن الناس في المستشفيات وغيرها أداء الأمانة، فالطبيب والعامل والمسئول عن الإدارة وغيرهم كلهم مسئولون عن أداء الأمانة التي وكلت إليهم في العلاج وفي الدواء وفي الرفق بالمريض وفي غير هذا من شئون التطبيب، ويجب على الجميع أن يؤدوا الأمانة بكل صدق وعناية، وأن يحرصوا على العناية بالدواء النافع والوقت المناسب، وأن يكونوا على بينة في وضع الدواء على الداء، وأن يحذروا التساهل في ذلك، وأن يرفقوا بالمريض، وأن يسمع منكم اللطف في الكلام وطيب الحديث؛ لأن هذا يعين على زوال المرض بإذن الله وعلى الشفاء من المرض، وهكذا الطبيبة تعنى بهذا الأمر فتكون رفيقة حكيمة كالرجل، كل منهم يكون رفيقا حكيما طيب الكلام، يشعر منه المريض بالحنو والعطف والمحبة والحرص على شفائه، ويعتني مع ذلك بالدواء المناسب وبالوقت المناسب وبالمقدار المناسب من الدواء؛ حتى لا يزيد فيضر المريض، وحتى لا ينقص فلا يحصل به المقصود.
كل من المسئولين عليه أن يعمل من الخير بقدر ما يستطيع، وكل عليه أن يؤدي النصيحة، فالطبيب يؤدي الواجب، والممرض يؤدي الواجب، والمدير يؤدي الواجب، وهكذا الطبيبة والممرضة كلتاهما تؤديان الواجب، وهكذا بقية العاملين، كل يتقي الله ويؤدي الأمانة التي وكلت إليه بإخلاص لله وتعظيم له سبحانه، وحذر من غضبه جل وعلا، وعناية بالمريض ونصحا له ورفقا به؛ رجاء أن يشفيه الله على يدك أيها الطبيب وعلى يديك أيتها الطبيبة.
وكل من المسئولين بالمستشفى عليه تقوى الله، وأن يبذل الوسع والمستطاع فيما ينفع المريض ويخفف عليه المرض ويخفف عليه الآلام التي يجدها ويحس بها، ولا شك أن الكلام الطيب والأسلوب الحسن والعناية التامة كل ذلك مما يخفف عن المريض آلامه ومما يشرح له صدره ومما يعين على زوال المرض بتوفيق الله وهدايته ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى.
وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم جميعا لما يرضيه، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يوفق القائمين على هذا المستشفى وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور طه الخطيب، وكذلك أسأله لجميع القائمين على مستشفيات المملكة في كل مكان، أسأل الله أن يوفقهم جميعا لما يرضيه، وأن يعينهم على أداء الواجب وعلى أداء الأمانة، وأن يبارك في جهودهم وينفع بها المسلمين جميعا، وأن ينفع جميع المعالجين في المستشفيات، وأن يصلح قلوب الجميع وأعمال الجميع، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قيادتهم، ويمنح الجميع الفقه في الدين والتمسك بشريعة الله والتحاكم إليها والحذر مما يخالفها، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا يفوتني هنا أن أنبه أنه يشرع عند سماع الإنسان ما يسره من خطبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله، أما التصفيق الذي يفعله بعض الناس فليس من شرع الله سبحانه وتعالى، بل هو منكر ومن أعمال الجاهلية التي كانوا يفعلونها، ولكن المشروع عند سماع الإنسان في الخطبة أو ما يقوله مديره أو غيره من كلمات طيبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله، وكذلك عندما يسمع ما يستنكر يقول: سبحان الله أو الله أكبر، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يسبح الله ويعظمه ويكبره إن سمع خيرا أو سمع ما يسوء كبر الله وعظمه وقال عليه الصلاة والسلام : سبحان الله، إنكارا للمنكر وفرحًا بالطيب.
فنكبر الله عند سماع ما يسر، ونشكره ونسبحه عند سماع ما يسر، وكذلك ننكر المنكر عند سماعه بقولنا: سبحان الله أو الله أكبر أو ما أشبه ذلك من الكلمات الطيبة التي كان يتعاطاها عليه الصلاة والسلام.
ولما قال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ لما رأوا بعض المشركين يتعلقون بالأشجار وينوطون عليها السلاح، قال: الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. ولما قال له رجل: نستشفع بالله عليك قال: سبحان الله سبحان الله إنه لايستشفع بالله على أحد من خلقه والمقصود أن سننه ﷺ التكبير والتسبيح وذكر الله عند سماعه أو رؤيته ما يسر، وهكذا عند سماعه أو رؤيته ما ينكر، فنقتدي به في ذلك عليه الصلاة والسلام.
ومما ينبغي التنبيه عليه أنه يجب على المريض أن يؤدي الصلاة في وقتها على حسب استطاعته، إن قدر قائما فقائما وإن لم يستطع صلى قاعدا وإن لم يستطع صلى على جنبه فإن لم يستطع فمستلقيا، ولا يجوز له تأخير الصلاة إلى وقت آخر كما يفعل بعض المرضى ويؤخرها لعله يشفى ليصليها على وجه أكمل، بل يجب على المريض أن يصلي في الوقت على حسب حاله يقول النبي ﷺ لبعض الصحابة لما كان مريضا: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب لما رواه البخاري في الصحيح زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا فبين النبي ﷺ في الحديث أن الواجب على المريض أن يصلي على حسب استطاعته، قائما إذا استطاع، فإن عجز الرجل أو المرأة صلى قاعدا على أي صفة كان متربعا أو محتبيا أو غير ذلك على أي حال كان من القعود على حسب حاله، والأفضل التربع إذا تيسر ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الوارد في ذلك، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه، والأفضل على جنبه الأيمن إذا تيسر، فإن لم يتيسر الأيمن فالأيسر، فإن عجز صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة، ثم لابد من الوضوء مع القدرة، فإن لم يستطع فيتيمم بالتراب، يكون عند سريره شيء من التراب في إناء أو في كيس يتيمم به عند عجزه عن الماء.
والواجب على المسئولين في المستشفيات أن يضعوا تحت أسرة المرضى ما يتيممون به إذا عجزوا عن الماء؛ لقول النبي ﷺ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره وفي اللفظ الآخر: وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
والله يقول في كتابه العزيز: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] والصعيد هو وجه الأرض وترابها، فالواجب على المسئولين في كل مستشفى وفي هذا المستشفى أن يعنوا بهذا الأمر، وعلى الأطباء والطبيبات أن يعنوا بهذا الأمر؛ حتى لا ينسى المريض، بل يعلم ويوجه لأن يصلي على حاله قاعدا أو قائما أو على جنبه على حسب طاقته، ويعلم المريض أن عليه التيمم عند عدم قدرته على الماء، وأن يصلي في الوقت، ولا بأس أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير، وهكذا لا بأس أن يجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تأخير أو جمع تقديم.
وفق الله الجميع لما يرضيه وأصلح حالنا جميعا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
أما بعد: فإنني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأخوات في الله؛ للتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى، والتناصح في الله، وبيان ما خلقنا سبحانه وتعالى لأجله وما أرسل الرسل من أجله، حتى نكون على بينة وبصيرة مما خلقنا له مما يجب علينا في هذه الحياة، حتى نلقى ربنا عز وجل، وأسأله سبحانه أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في الدين والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد وسعادة الدنيا والآخرة.
ثم أشكر أخي سعادة مدير مستشفى الملك فيصل بالطائف الدكتور طه الخطيب على دعوته لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك فيه والعاملين معه، وأن يعين الجميع على ما فيه صلاح أمر الدين والدنيا، وعلى كل ما فيه نفع إخواننا المرضى من الرجال والنساء، وأن ينفع بجهود الجميع ويكللها بالنجاح.
ثم أقول: إن عنوان كلمتي: "وجوب عبادة الله وتقواه" وتفاصيل هذا الواجب من جهة الأوامر والنواهي. يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ويقول عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58] ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] ويقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله عز وجل، وقد أرسل سبحانه الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم نوح إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام، أرسلهم جميعا ليدعوا الناس إلى توحيد الله وطاعته وتقواه ولينذروهم الشرك به وعبادة غيره ومعصية أوامره كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ويقول سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فالله سبحانه خلقنا جميعا رجالا ونساء جنا وإنسا حكاما ومحكومين عربا وعجما؛ لنعبد الله وحده، ونتقيه سبحانه فيما نأتي ونذر، ونحاسب أنفسنا في ذلك، حتى نستقيم على توحيد الله وطاعته، والمسارعة إلى ما أوجب علينا وترك ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، فالواجب على كل ذكر وأنثى من المكلفين أن يعبد الله ويتقيه سبحانه وتعالى أينما كان؛ لأنه خلق لهذا الأمر، وأمر به من جهة الله سبحانه في كتبه، ثم من جهة الرسل عليهم الصلاة والسلام.
فعلى جميع المكلفين من ذكور وإناث وعرب وعجم وجن وإنس أن يعبدوا الله ويتقوه ويلتزموا بالإسلام. كما أن على المسلمين الذين منّ الله عليهم بالإسلام أن يستقيموا على دينهم، وأن يثبتوا عليه، وأن يتفقهوا فيه حتى يؤدوا ما أوجب الله عليهم على بصيرة، وحتى يتركوا ما حرم الله عليهم على بصيرة.
وعلى أهل العلم أينما كانوا أن يدعوا إلى الله، وأن يفقهوا الناس في دين الله؛ لأنهم خلفاء الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل بعثوا ليعلموا الناس ويرشدوهم ويدعوهم إلى الحق وينذروهم من الشرك بالله ومن سائر المعاصي، وعلى علماء الإسلام أينما كانوا في جميع أقطار الأرض، عليهم أن يعلموا الناس، وأن يبلغوا الناس دينهم، وأن يشرحوا لهم ما قد يخفى عليهم؛ طاعة لله ولرسوله، وأداء لواجب النصيحة، وتبليغا لرسالة الله التي بعث بها نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام.
وعلى المدعوين المبلغين أن يستجيبوا لأمر الله ورسوله، وأن يتفقهوا في دينهم، ويسألوا عما أشكل عليهم، وأن يعبدوا الله وحده بالإخلاص له سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1] ويقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فالجميع خلقوا لهذا الأمر وأمروا به من جهة الله ومن جهة الرسول عليه الصلاة والسلام.
فإن الرسول ﷺ لما بعثه الله بلغ الناس وقال: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ودعا قومه قبل كل أحد، ودعاهم إلى أن يعبدوا الله، وأن يدعوا الشرك الذي كانوا عليه من عبادة الأصنام والأشجار والأحجار والأموات والكواكب وغير ذلك، وأن يخصوا الله بالعبادة بدعائهم واستغاثتهم ونذرهم وذبحهم وصلاتهم وصومهم وغير هذا من عباداتهم، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وقال عز وجل: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] وقال جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال سبحانه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]
فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء من الجن والإنس من الحكام والمحكومين من العرب والعجم أن يعبدوا الله وحده، وأن يستقيموا على معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله، وهو معنى قوله جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] هذا هو الواجب على جميع المكلفين في سائر الأرض من جن وإنس من الرجال والنساء أن يعبدوا الله وحده، وهذا هو أصل دين الإسلام؛ لأن أصل دين الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والإخلاص وترك الشرك والانقياد له بالطاعة، وذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، هذا هو معنى الإسلام.
قال الله سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
ويقول جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] نزلت هذه الآية يوم عرفة والنبي عليه الصلاة والسلام واقف بعرفة في حجة الوداع، بيّن الله سبحانه فيها أنه أكمل الدين وأتم النعمة، وأنه رضي لعباده الإسلام، وهو توحيد الله والإخلاص له والذل بين يديه، والانقياد لأوامره وترك مناهيه سبحانه وتعالى، وعلى رأس ذلك إخلاص العبادة لله وحده وترك الإشراك به، كما هو معنى لا إله إلا الله كما تقدم، إذ معناها لا معبود حق إلا الله، وهو معنى قوله سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256] وهو معنى قوله سبحانه وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36] وقوله عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ [الزمر:2-3] وهو معنى قوله عز وجل: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
ولا بد من الالتزام بهذا الأصل، وهو توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، مع استقامة العبد على فعل بقية الأوامر وترك النواهي، ومن ذلك الالتزام ببقية أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فإن الإسلام بني على خمسة أركان، أولها: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فيشهد العبد أنه لا معبود حق إلا الله، ويلتزم بذلك فيعبد الله وحده دون كل ما سواه، ويدع الإشراك به، ويلتزم باتباع محمد عليه الصلاة والسلام والإيمان به، والشهادة بأنه رسول الله أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه تجب محبته فوق محبة النفس وفوق محبة كل أحد من الخلق، وتجب طاعته واتباع شريعته والالتزام بذلك، كما قال عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] قل يا أيها الرسول للناس إن كنتم تحبون الله صادقين، فاتبعوني يحببكم الله.
فمن أحب الله صادقا وأحب رسوله صادقا فالواجب عليه اتباع محمد ﷺ، السيد فيما جاء به من فعل الأوامر وترك النواهي وعلى رأسها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، ثم إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في أوقاتها، الرجل يؤديها في الجماعة، والمرأة تؤديها في بيتها كما أمر الله بذلك، بخشوع واستقامة وطمأنينة في قيامها وركوعها وسجودها وبين السجدتين وحين الارتفاع من الركوع، يؤديها المؤمن والمؤمنة كما أمر الله عز وجل.
وفي الصحيحين أن رجلا دخل المسجد، مسجد الرسول ﷺ في المدينة، والنبي ﷺ جالس في أصحابه، فصلى ولم يتم صلاته، ثم جاء فسلم على النبي ﷺ، فرد عليه السلام عليه الصلاة والسلام وقال له عليه الصلاة والسلام: ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى فعلها ثلاث مرات، كلما جاء سلم ورد عليه النبي السلام وقال له: ارجع فصل فإنك لم تصل فقال الرجل في الثالثة: والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا، فعلمني فقال له النبي ﷺ: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي اللفظ الآخر: ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها فبين ﷺ لهذا الرجل المسيء صلاته كيفية الصلاة التي شرعها الله لعباده، وأمره أن يلتزم بذلك، وفي هذا الحديث العظيم بيان أن الطمأنينة في الصلاة لابد منها، وأن من لم يطمئن فلا صلاة له، ولا فرق في ذلك بين صلاة الفرض والنفل، لكن صلاة الفرض أهم وأعظم.
فالواجب على جميع المسلمين من الرجال والنساء أن يصلوا كما أمر الله ورسوله، والله سبحانه يقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعني أدوها قائمة تامة، وأن يؤدوا الزكاة كما أمر الله في قوله سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:110] وعلى الجميع أن يتفقهوا في ذلك ويسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم، وعلى الجميع صوم رمضان كل سنة، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، وعلى الجميع أيضا حج بيت الله الحرام مرة في العمر من الرجال والنساء إذا استطاعوا ذلك؛ لقول الله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].
وعلى جميع المكلفين أيضا القيام بأوامر الله الأخرى من بر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأداء الأمانة، وترك ما حرم الله من سائر المعاصي من الزنا وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة وشهادة الزور وغير هذا مما نهى الله عنه ورسوله.
وعلى جميع المكلفين أن يلتزموا بأركان الإسلام، التي أعظمها توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به، وعليهم جميعا أن يلتزموا بأوامر الله وترك نواهيه سبحانه وتعالى، ومن ذلك التزام المؤمنات بالحجاب الشرعي عن الرجال وعدم الاختلاط بهم، بل يجب أن يكون الرجال من الأطباء والممرضين للرجال، وأن تكون الطبيبات والممرضات من النساء للنساء، هكذا يجب الطبيبات للمرضى من النساء، والأطباء من الرجال للمرضى من الرجال، والكتاب من الرجال للرجال، والكاتبات من النساء للنساء؛ حتى لا يختلط هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، لما في الاختلاط من الفتنة والخطر العظيم يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء يعني عند الاختلاط وعدم الحذر، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
فالمرأة عند بروزها للرجال متزينة متكحلة قد تعاطت ما يسبب الفتنة، فيكون في ذلك خطر عظيم عليها وعلى الرجل عند اختلاطه بالنساء، فالمريضة من النساء تعالجها المرأة، والمريض يعالجه الرجل، وهكذا يجب، وقد صدر في هذا تعليمات من ولي الأمر، فالواجب الالتزام بذلك إلا عند الضرورة القصوى، إذا وجد مرض لا يفهمه إلا رجل جاز عند الضرورة أن يعالج المرأة، أو مرض لا يفهمه إلا المرأة ولم يوجد رجل يفهمه فإن المرأة تعالجه عند الضرورة مع العناية بالحشمة وعدم الخلوة. والمقصود أن هذا أمر يتعلق بالمستشفيات جميعا.
ووصيتي لهذا المستشفى والقائمين عليه من الأطباء والطبيبات ومن العاملين والعاملات وعلى رأس الجميع المدير، وصيتي للجميع الالتزام بأمر الله ورسوله ﷺ والتعاون على البر والتقوى، وأن يختص الرجال بالرجال والنساء بالنساء في الطب والتمريض والأعمال الكتابية وغير ذلك؛ حتى يتميز هؤلاء عن هؤلاء، وحتى يبتعد الجميع عن أسباب الفتنة والخلوة المحرمة إلى غير ذلك مما قد يقع من الفتن بأسباب الاختلاط، ثم فوق ذلك كله العناية بأمر الله الذي خلقنا له، فقد عرفتم جميعا أننا خلقنا لأمر عظيم، وهو القيام بعبادة الله وتقواه، فلم نخلق للأكل والشرب والجماع والتلذذ بمباهج الحياة، ولكن خلقنا لنعبد الله وحده ونتقيه سبحانه وتعالى بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان به سبحانه وإخلاص له.
وخلق لنا سبحانه هذه الأشياء التي بين أيدينا نستمتع بها من الملابس والمساكن والمراكب والمآكل والمشارب وغير ذلك، لا لنشغل بها عن طاعة الله، ولكن لنستعين بها على طاعة الله وتقواه، كما قال جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] خلق لنا ما في الأرض جميعا من مآكل ومشارب ومراكب ومساكن إلى غير ذلك من النعم، وقال الله سبحانه وتعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا منه [الجاثية:13] سخر لنا سبحانه وتعالى ما في السماوات والأرض من الأمطار والنجوم والشمس والقمر، وما في الأرض من النعم، وما ينزله علينا جل وعلا من السماء من رزق، كل ذلك من رحمته لنا وإحسانه إلينا جل وعلا.
فالواجب علينا أن نشكره سبحانه، والشكر يكون بطاعة الأوامر وترك النواهي لا بمجرد الكلام؛ لأن الشكر يكون بالكلام وبالفعل وبالقلب قال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا [سبأ:13] وقال سبحانه: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152] وقال سبحانه: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] فالشكر يكون بالقلب واللسان والعمل، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة | يدي ولساني والضمير المحجب |
فعلينا أن نتقيه سبحانه، وتقواه سبحانه هي عبادته بفعل الأوامر وترك النواهي عن خوف من الله، وعن رغبة فيما عنده، وعن خشية له سبحانه، وعن تعظيم لحرماته، وعن محبة صادقة له سبحانه ولرسوله محمد ﷺ ولجميع المرسلين والمؤمنين، فعلينا أن نحب الله بكل قلوبنا فوق محبة كل أحد، وأن نحب رسوله ﷺ محبة صادقة فوق محبة أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا وغيرهم، وأن نحب الرسل عليهم الصلاة والسلام ونحب إخواننا في الله والمؤمنين.
فالمحبة من أفضل الواجبات، ومن أهم الواجبات المحبة لله وفي الله عز وجل، ثم هذه المحبة لله ولرسوله توجب طاعة الأوامر وترك النواهي كما قال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فالمحبة الصادقة لله ولرسوله وللمؤمنين تقتضي العمل بطاعة الله وإخلاص العبادة له وترك معصيته، كما تقتضي طاعة رسوله ﷺ واتباع ما جاء به والحذر مما نهى عنه والوقوف عند الحدود التي حدها مع تقديم سننه وشرعه على أهوائنا، وتوجب أيضا محبة المؤمنين وإعانتهم على الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ومحبة الخير لهم وأداء الأمانة.
ومما يجب على المسئولين عن الناس في المستشفيات وغيرها أداء الأمانة، فالطبيب والعامل والمسئول عن الإدارة وغيرهم كلهم مسئولون عن أداء الأمانة التي وكلت إليهم في العلاج وفي الدواء وفي الرفق بالمريض وفي غير هذا من شئون التطبيب، ويجب على الجميع أن يؤدوا الأمانة بكل صدق وعناية، وأن يحرصوا على العناية بالدواء النافع والوقت المناسب، وأن يكونوا على بينة في وضع الدواء على الداء، وأن يحذروا التساهل في ذلك، وأن يرفقوا بالمريض، وأن يسمع منكم اللطف في الكلام وطيب الحديث؛ لأن هذا يعين على زوال المرض بإذن الله وعلى الشفاء من المرض، وهكذا الطبيبة تعنى بهذا الأمر فتكون رفيقة حكيمة كالرجل، كل منهم يكون رفيقا حكيما طيب الكلام، يشعر منه المريض بالحنو والعطف والمحبة والحرص على شفائه، ويعتني مع ذلك بالدواء المناسب وبالوقت المناسب وبالمقدار المناسب من الدواء؛ حتى لا يزيد فيضر المريض، وحتى لا ينقص فلا يحصل به المقصود.
كل من المسئولين عليه أن يعمل من الخير بقدر ما يستطيع، وكل عليه أن يؤدي النصيحة، فالطبيب يؤدي الواجب، والممرض يؤدي الواجب، والمدير يؤدي الواجب، وهكذا الطبيبة والممرضة كلتاهما تؤديان الواجب، وهكذا بقية العاملين، كل يتقي الله ويؤدي الأمانة التي وكلت إليه بإخلاص لله وتعظيم له سبحانه، وحذر من غضبه جل وعلا، وعناية بالمريض ونصحا له ورفقا به؛ رجاء أن يشفيه الله على يدك أيها الطبيب وعلى يديك أيتها الطبيبة.
وكل من المسئولين بالمستشفى عليه تقوى الله، وأن يبذل الوسع والمستطاع فيما ينفع المريض ويخفف عليه المرض ويخفف عليه الآلام التي يجدها ويحس بها، ولا شك أن الكلام الطيب والأسلوب الحسن والعناية التامة كل ذلك مما يخفف عن المريض آلامه ومما يشرح له صدره ومما يعين على زوال المرض بتوفيق الله وهدايته ورحمته وإحسانه سبحانه وتعالى.
وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وإياكم جميعا لما يرضيه، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يوفق القائمين على هذا المستشفى وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور طه الخطيب، وكذلك أسأله لجميع القائمين على مستشفيات المملكة في كل مكان، أسأل الله أن يوفقهم جميعا لما يرضيه، وأن يعينهم على أداء الواجب وعلى أداء الأمانة، وأن يبارك في جهودهم وينفع بها المسلمين جميعا، وأن ينفع جميع المعالجين في المستشفيات، وأن يصلح قلوب الجميع وأعمال الجميع، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قيادتهم، ويمنح الجميع الفقه في الدين والتمسك بشريعة الله والتحاكم إليها والحذر مما يخالفها، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
ولا يفوتني هنا أن أنبه أنه يشرع عند سماع الإنسان ما يسره من خطبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله، أما التصفيق الذي يفعله بعض الناس فليس من شرع الله سبحانه وتعالى، بل هو منكر ومن أعمال الجاهلية التي كانوا يفعلونها، ولكن المشروع عند سماع الإنسان في الخطبة أو ما يقوله مديره أو غيره من كلمات طيبة أن يقول: الله أكبر أو سبحان الله، وكذلك عندما يسمع ما يستنكر يقول: سبحان الله أو الله أكبر، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يسبح الله ويعظمه ويكبره إن سمع خيرا أو سمع ما يسوء كبر الله وعظمه وقال عليه الصلاة والسلام : سبحان الله، إنكارا للمنكر وفرحًا بالطيب.
فنكبر الله عند سماع ما يسر، ونشكره ونسبحه عند سماع ما يسر، وكذلك ننكر المنكر عند سماعه بقولنا: سبحان الله أو الله أكبر أو ما أشبه ذلك من الكلمات الطيبة التي كان يتعاطاها عليه الصلاة والسلام.
ولما قال بعض الصحابة للنبي عليه الصلاة والسلام: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ لما رأوا بعض المشركين يتعلقون بالأشجار وينوطون عليها السلاح، قال: الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. ولما قال له رجل: نستشفع بالله عليك قال: سبحان الله سبحان الله إنه لايستشفع بالله على أحد من خلقه والمقصود أن سننه ﷺ التكبير والتسبيح وذكر الله عند سماعه أو رؤيته ما يسر، وهكذا عند سماعه أو رؤيته ما ينكر، فنقتدي به في ذلك عليه الصلاة والسلام.
ومما ينبغي التنبيه عليه أنه يجب على المريض أن يؤدي الصلاة في وقتها على حسب استطاعته، إن قدر قائما فقائما وإن لم يستطع صلى قاعدا وإن لم يستطع صلى على جنبه فإن لم يستطع فمستلقيا، ولا يجوز له تأخير الصلاة إلى وقت آخر كما يفعل بعض المرضى ويؤخرها لعله يشفى ليصليها على وجه أكمل، بل يجب على المريض أن يصلي في الوقت على حسب حاله يقول النبي ﷺ لبعض الصحابة لما كان مريضا: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب لما رواه البخاري في الصحيح زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا فبين النبي ﷺ في الحديث أن الواجب على المريض أن يصلي على حسب استطاعته، قائما إذا استطاع، فإن عجز الرجل أو المرأة صلى قاعدا على أي صفة كان متربعا أو محتبيا أو غير ذلك على أي حال كان من القعود على حسب حاله، والأفضل التربع إذا تيسر ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها الوارد في ذلك، فإن عجز عن القعود صلى على جنبه، والأفضل على جنبه الأيمن إذا تيسر، فإن لم يتيسر الأيمن فالأيسر، فإن عجز صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة، ثم لابد من الوضوء مع القدرة، فإن لم يستطع فيتيمم بالتراب، يكون عند سريره شيء من التراب في إناء أو في كيس يتيمم به عند عجزه عن الماء.
والواجب على المسئولين في المستشفيات أن يضعوا تحت أسرة المرضى ما يتيممون به إذا عجزوا عن الماء؛ لقول النبي ﷺ: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره وفي اللفظ الآخر: وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.
والله يقول في كتابه العزيز: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6] والصعيد هو وجه الأرض وترابها، فالواجب على المسئولين في كل مستشفى وفي هذا المستشفى أن يعنوا بهذا الأمر، وعلى الأطباء والطبيبات أن يعنوا بهذا الأمر؛ حتى لا ينسى المريض، بل يعلم ويوجه لأن يصلي على حاله قاعدا أو قائما أو على جنبه على حسب طاقته، ويعلم المريض أن عليه التيمم عند عدم قدرته على الماء، وأن يصلي في الوقت، ولا بأس أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير، وهكذا لا بأس أن يجمع بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تأخير أو جمع تقديم.
وفق الله الجميع لما يرضيه وأصلح حالنا جميعا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين[1].
- محاضرة ألقاها سماحة الشيخ في مستشفى الملك فيصل بالطائف في شهر محرم من عام 1410هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 6/ 5)