الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وأرسل الرسل لهذا الأمر العظيم من أولهم إلى آخرهم وأمر عباده بهذه العبادة فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فالله خلق الخلق: الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذه العبادة وإيضاحها للناس.
فنصيحتي لجميع المسلمين من الذكور والإناث والعرب والعجم والجن والإنس، نصيحتي للجميع أن يتفهموا هذه العبادة ويتبصروا فيها، وأن يلتزموا بها ويعملوا بها جملة وتفصيلا، وأن يحذروا الغفلة عنها والإعراض عنها؛ فإن الإعراض والغفلة من صفات الكفرة قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [الكهف:57] فليس هناك أظلم ممن أعرض عن آيات الله وعما خلق له من طاعته وعبادته.
فالنصيحة لجميع المسلمين التفقه في هذه العبادة والتبصر بها ومعرفتها من طريق الكتاب والسنة، أي من طريق القرآن العظيم ومن طريق أحاديث الرسول ﷺ الصحيحة ثم القيام بها: علما وعملا. وهكذا النصح لجميع المكلفين من غير المسلمين في جميع الأرض بأن يدخلوا في الإسلام وأن يعرفوا هذه العبادة ويتفقهوا فيها من طريق القرآن العظيم ومن طريق السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الإنس والجن من الكفرة والمسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم.
الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وأن يدخلوا في الإسلام وأن يلتزموا بالدين الذي بعث الله به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام لأن الله بعثه إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم ذكورهم وإناثهم قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فجميع العالمين من جن وإنس ومن عرب وعجم ومن كفار ومسلمين يجب على أهل العلم دعوتهم، فمن قبل الدعوة واستقام عليها حصلت له السعادة والرحمة الكاملة والهداية المطلقة والفوز بالجنة والنجاة من النار، ومن أعرض عنها واستكبر فله الخيبة والندامة والعاقبة الوخيمة والعذاب الأليم يوم القيامة، وهذه العبادة التي خلق الثقلان لأجلها هي الحكمة في خلق الجن والإنس وهي الإسلام المذكور في قوله جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] فالإسلام هو دين الله الذي بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام لتبليغه وهو الدين المذكور في قوله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3] وفي قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وفي قوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فهذه العبادة هي الإسلام، سمي عبادة لأنه ذل وخضوع لله سبحانه، وسمي هذا الدين الإسلام لأنه خضوع لله وانقياد لأمره سبحانه فالعبد يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه عن ذل وخضوع وهذا هو الإسلام، وهذه هي العبادة خضوعك لله وانقيادك لأوامره وترك نواهيه عن إيمان به سبحانه وعن إخلاص له وعن تعظيم له وعن رغبة فيما عنده هذا هو الإسلام، يقال أسلم أي ذل وانقاد وأسلم لفلان أي ذل له وانقاد له، وأسلم لله ذل وانقاد وأطاع وهذه العبادة هي الخضوع لله والذل لله بطاعة أوامره وترك نواهيه ، يقول العرب: طريق معبد يعني مذلل قد وطئته الأقدام وصار معبدا معروفا، ويقولون: جمل معبد يعني مذلل قد شد عليه ورحل.
فالعبادة عند العرب: الذل والخضوع، فسمى الله تكاليفه عبادة: لأنها تؤدى بالذل والخضوع لله، وسماها إسلاما: لأنها تؤدى أيضا بالذل والخضوع لله سبحانه، فهي إسلام وهي عبادة.
وسماها تقوى قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189] وقال سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] سماها تقوى لأن العبد يفعلها يتقي بها غضب الله ويتقي بها عقابه وهو يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه مسلماً منقادا خاضعا ذليلا يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه ويتقي بذلك سوء المنقلب فلهذا سمى الله دينه تقوى.
وهو إيمان أيضا، سمي إيمانا؛ لأنه تصديق لله ولرسوله كما قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا الآية [التغابن:8].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136] وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
فهذه العبادة وهذا الإسلام كلاهما يسمى إيمانا لأنهما إيمان بالله ورسوله، وتصديق بما أخبر الله به ورسوله، وتصديق بأوامر الله وتصديق بما نهى عنه، فهو إيمان. ويسمى هدى؛ لأن الله يهدي به من الضلالة ويرشد به إلى أسباب السعادة فهو هدى لمن التزم به واستقام عليه واهتدى به إلى الحق والصواب، وسلم من البلاء والشر والفساد كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] هذا هو الهدى هو دين الله، وهو الإسلام، وهو التقوى، وهو الإيمان، سماه الله إسلاما وإيمانا، وسماه الله تقوى كلها أسماء حق وكلها معانيها واضحة فهو هدى من الله يهدي به من يشاء لأداء حقه وترك معصيته، وتنفيذ أوامره وترك نواهيه قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال سبحانه في الفاتحة أعظم سورة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وقال في وصف نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
فدين الله هدى، هدى من الضلالة وهدى من كل سوء وهدى إلى الخيرات وهدى إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وهدى إلى كل ما يرضي الله ، ويقرب لديه وهدى إلى كل ما يباعد عن غضب الله وعقابه، وهو أيضا يسمى برا قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189] وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية [البقرة:177] فهو بر لما فيه من الخصال الحميدة والأعمال المجيدة لله ؛ ولهذا سمي برا لأنه طاعة لله وقيام بحقه وترك لمناهيه، فهو بر وهدى، بر ورشد، إيمان وتقوى فالواجب على جميع العالمين من الجن والإنس من الذكور والإناث من الكفرة والمسلمين أن يلتزموا به فمن دخل فيه يجب أن يلتزم به ويستقيم عليه ويتفقه فيه ومن لم يدخل فيه فالواجب عليه الدخول فيه والتوبة إلى الله مما هو عليه من الباطل والدخول في دين الله الذي هو الإسلام وهو الهدى وهو الإيمان وهو التقوى وهو البر وهو طاعة الله ورسوله وهو الإخلاص لله وهو توحيد الله بترك الإشراك به والقيام بحقه والاستقامة على دينه هذا هو الإسلام وهذا هو البر والتقوى وهذا هو الهدى وهذا هو الإيمان.
وهذا هو دين الله! الذي بعث به الرسل، وأنزل به الكتب وأنزل به القرآن العظيم، وجاءت به السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأعظم واجب وأهم واجب وألزم واجب أن تعرف هذه الحقيقة وأن تعرف دين الله حتى تعبده وحده وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله التي دعا إليها النبي ﷺ وأرشد إليها فقال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وقال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فإن من قالها عن إيمان أدى بقية الأمور، ومن قالها عن إيمان فقد دخل في العبادة التي خلق لها وجاء بأصلها وأساسها، وعليه أن يلتزم مع ذلك بأن يشهد أن محمدا رسول الله، وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن المرسلين الماضين، وعن كتب الله، وعما أخبر الله به في كتابه عن الجنة والنار واليوم الآخر وعن كل ما أخبر الله به ورسوله، كله داخل في هذه العبادة، وفي هذا الإيمان؛ فالدعوة إلى توحيد الله دعوة إلى الدين كله فإن من دخل في توحيد الله والتزم بالإخلاص لله لزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من الحقوق، وأن يدع ما حرم الله عليه فهي فروع ومكملات لهذا الأساس، فلابد من توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به - هذا أول واجب وأهم واجب - ولهذا بدأ به النبي ﷺ في أهل مكة وفي غيرهم - كان أول شيء يدعو إليه الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به هذا هو أول واجب وأعظم واجب، والدعوة إلى الإيمان به وأنه رسول الله حقا - ثم بعد ذلك الدعوة إلى بقية أمور الإسلام من الصلاة وغيرها.
ولما بعث النبي ﷺ معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وفي رواية أخرى: فادعهم إلى أن يوحدوا الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فأمرهم أن يدعوهم أولا إلى توحيد الله والإخلاص له إلى عبادة الله وحده إلى ترك الإشراك به هذا هو أول واجب، وهذه هي العبادة التي خلق الله لها الناس كما قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] المعنى يوحدوني ويطيعوا أمري ذلا وخضوعا وانكسارا وإيمانا وتصديقا، وأن يؤدوا ما أمرتهم به من الطاعات وترك المعاصي، هذه هي العبادة التي خلقهم الله لها ليعبدوه وليخصوه بالعبادة بفعل الأوامر وترك النواهي، وأعظمها وأهمها أن يخصوه بالعبادة ويؤمنوا بأنه الواحد الأحد المستحق للعبادة دون كل ما سواه كما قال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وقال سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ [محمد:19].
فالتوحيد هو أول واجب وأعظم واجب أن تؤمن بأنك عبدُ الله، وأنك يجب عليك أن تخصه بالعبادة وأنه إلهك الحق ومعبودك الحق وأن تؤمن برسوله محمد ﷺ، وتشهد أنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وتشهد أيضا أنه خاتم الأنبياء وليس بعده نبي ولا رسول، وعليك مع هذا أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله.
هذا هو أصل الأصول، وهذا هو الواجب على كل مكلف من جن وإنس من رجال ونساء من عرب وعجم من كافر ومسلم من جميع الثقلين وجميع المكلفين، عليهم أن يعبدوا الله وحده وعليهم أن يؤمنوا بأنه لا إله إلا الله وبأن محمدا رسول الله وأنه خاتم الأنبياء وأن ما جاء به هو الحق وأن الواجب اتباعه والسير على منهاجه حتى تلقى ربك.
هذه هي العبادة التي خلقت لها وهذا هو الدين وهذا هو التقوى وهذا هو الإيمان وهذا هو الإسلام وهذا هو البر، كلمات لها معاني من حيث اللغة ترجع إلى شيء واحد وهو أن ذلك هو دين الله فهو الإسلام وهو الهدى وهو التقوى وهو البر وهو الإيمان وهو العبادة لله وحده، وهذه المعاني كلها واضحة فهو عبادة لأنه خضوع لله وإسلام، لأنه ذل وانقياد لله وتقوى لأن العبد يتقي بذلك غضب الله، وإيمان لأنه تصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله، وهدى لأن الله هدى به العباد إلى الخير والصلاح، وبر لأنه كله خير وكله سبب للسعادة، ولهذا قال جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] لأن المتقين هم المسلمون هم المؤمنون وهم الذين عبدوا الله وحققوا معنى قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
وذلك لتقواهم لله وقيامهم بحقه وإخلاصهم له وإيمانهم بأنه معبودهم الحق وإيمانهم برسوله محمد عليه الصلاة والسلام وإيمانهم بكل ما أخبر الله به ورسوله في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الأمين عليه الصلاة والسلام، فلا يتم إسلام ولا إيمان إلا بهذا، ولابد من شهادة أن لا إله إلا الله وأنه لا معبود حق إلا الله وأن جميع ما يعبده الناس من دون الله كله باطل قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
ولابد من الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، عما كان وعما يكون وعن الرسل الماضين وعن الجنة والنار، وعن أخبار القيامة وعن الحساب والجزاء إلى غير ذلك لابد أن تصدق بكل ما أخبر الله به مما جاء في القرآن أو صحت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على حسب ما أعطاك الله من العلم، ثم بعد هذا الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله وتوحيد الله والإخلاص له والإيمان بأسمائه وصفاته وإمرارها كما جاءت عن الله وعن رسوله بلا كيف ولا تحريف ولا تمثيل كما قال أهل السنة والجماعة، بعد هذا أنت يا عبد الله مأمور بالالتزام بما أوجب الله على عباده من: صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك، وعليك أن تمتثل بكل ما أمر الله به ورسوله، وأن تبتعد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] فهو خطاب للناس كلهم جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم يعم الكفار ويعم المسلمين، ومعنى ﴿اتقوا ربكم﴾ افعلوا أوامره واتركوا نواهيه طلبا لمرضاته وحذرا من عقابه فكلهم ملزمون بالتقوى في جميع الأحوال.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] فلابد من عبادته سبحانه بإخلاص وصدق في العبادة له وطاعة أوامره وترك نواهيه وقد يخص سبحانه المؤمنين بالأمر فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18] في آيات كثيرات لأن المؤمنين هم بعض الناس المأمورين بالتقوى، فالواجب عليهم أعظم لأنهم آمنوا بالله ورسوله وعليهم أن يكملوا هذا الإيمان وأن يلتزموا به حتى الموت كما قال لنبيه ﷺ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
فالواجب على المكلف المسلم أن يلتزم بهذا الإسلام حتى الموت، وأن يلزم نفسه بهذا: التقوى لله وطاعته حتى الموت، وعلى الكافر أن يدخل في الإسلام، وأن يبادر بذلك قبل أن يحل الأجل.
والإسلام هو دين الله الذي بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام وجميع المرسلين كما قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ومحمد ﷺ هو رسول الله لأهل الأرض جميعا من عرب وعجم وجن وإنس وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فعلى جميع الكفار من يهود ونصارى وغيرهم أن يبادروا بالدخول في الإسلام وأن يلتزموا من حين بعثه الله إلى يوم القيامة، عليهم أن يلتزموا بذلك ويعملوا به وعلى جميع الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث والأغنياء والفقراء عليهم جميعا أينما كانوا في أرض الله أن يعبدوا الله وحده، وأن يلتزموا بشريعة الإسلام التي بعث الله بها نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كما تقدم في قوله سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وفي قوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وفي قوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ثم وعدهم سبحانه بالنجاة والسعادة والفلاح فقال سبحانه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]. فالمفلحون هم أتباعه عليه الصلاة والسلام المتمسكون بشريعته والمستقيمون على دينه.
ومما تقدم تعلم أن أهم الواجبات وأهم الفرائض هو: أن تعبد الله وحده بهذه العبادة التي خلقك الله لها وأمرك بها في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وفي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] فأنت ما خلقت لتأكل وتشرب ما خلقت لبناء القصور أو غرس الأشجار أو شق الأنهار أو النكاح ونحو ذلك لا، فأنت مخلوق لتعبد ربك وأنت مخلوق لتستقيم على طاعته وتتابع رسوله عليه الصلاة والسلام، فعليك أن تستقيم على طاعته سبحانه وأن تتبع رسوله ﷺ فأنت مخلوق لهذا، وكل ما في الأرض خلق لك لتستعين به على طاعة الله وترك معاصيه، ولم يخلق لك لتستعين به على شهواتك كما قال تعالى: هو الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13] فلم تخلق سدى ولا عبثا قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36] أي: أيظن أن يترك سدى أي مهملا معطلا لا، بل خلق لأمر عظيم وهو: عبادة الله وطاعته، وقال تعالى منكرا على المشركين: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] أنكر الله عليهم هذا الحسبان وهذا الظن لكونه باطلا.
وقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27] فهذا ظن الكافرين فأوضح الله سبحانه أنه خلق السموات والأرض بالحق ليعرف الناس بنفسه وقدرته العظيمة وأنه المستحق لأن يعبد. فعليك يا عبد الله أن تعرف ربك بأسمائه وصفاته ومخلوقاته العظيمة وأنه هو معبودك الحق ولتعمل بذلك، فكثير من الكفار بل أكثرهم قد عرفوا أن الله ربهم وأنه خالقهم ورازقهم، ولكن لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره فصاروا إلى النار.
فلابد أن تعرف ربك ولابد مع المعرفة أن تعبده وحده بالإخلاص دون كل من سواه وأن تؤدي حقه وتترك الشرك به ومعصيته، لابد من هذا كله، فكفار قريش وغيرهم يعرفون ربهم، ويعرفون أن الله خالقهم ورازقهم كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الآية [الزخرف:87]، لكن كفروا بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام والأولياء مع الله ونحو ذلك، وامتناعهم عن طاعة الرسول ﷺ، وتصديقه في عبادة الله وحده فصاروا كفارا بذلك، فلابد أن تؤمن بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، ولابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولابد من تصديق رسوله ﷺ فيما جاء به.
وعلى هذا الأصل الأصيل تؤدي حقه من صلاة وصيام وغير ذلك من العبادات وتدع معصيته من الشرك بالله وسائر المعاصي، فالتوحيد الذي خلقت له والعبادة التي خلقت لها: أن تؤمن بأن الله ربك وخالقك ورازقك ورب كل شيء ومليكه، وأن تخصه بالعبادة من دعاء وخوف ورجاء وذبح ونذر وصلاة وصوم وغير هذا من العبادات، تخص الله وحده بذلك دون كل ما سواه قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فلابد من هذا الأمر وهو أن تخص الله بالعبادة، صلاتك وصومك وذبحك ونذرك ودعاؤك وخوفك ورجاؤك إلى غير ذلك، ولابد مع هذا من الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في القرآن العظيم والثابتة في السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فلابد من الإيمان بأسمائه وصفاته ولابد من إمرارها كما جاءت على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا تؤولها ولا تنفها، بل عليك أن تؤمن بها وأن تمرها كما جاءت وكما درج على هذا سلف الأمة من أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان من أهل السنة والجماعة؛ فإنهم قد آمنوا بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وآمنوا بأن الله معبودهم الحق وآمنوا بأسمائه وصفاته.
وهذه هي أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية: الإيمان بأنه الخلاق الرزاق المدبر للأمور الذي أقر به المشركون، ولكن لم يدخلوا في الإسلام بذلك لعدم عبادتهم لله وحده، وعدم تخصيصهم له سبحانه بالعبادة بل أشركوا به غيره.
ولابد من توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله، وهو: أنه لا معبود حق إلا الله، لابد من هذا التوحيد والإخلاص لله في أقوالك وأعمالك وعقيدتك لابد أن تخص الله بالعبادة، وأن تؤمن بأنه المعبود الحق وأن العبادة لا تصح لغيره أبدا لا للأنبياء ولا لغيرهم ولابد من الإيمان بأسمائه وصفاته كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] لابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته، وتَعَبُّده بذلك هو: أن تنفي عنها جميع التشبيه والتمثيل والتحريف ولابد مع ذلك من طاعة الأوامر وترك النواهي، فعليك أن تؤمن بهذا الأصل الأصيل ثم تنقاد لشرع الله بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان وعن علم وعن بصيرة وصدق وإخلاص، وقد عبر عنها سبحانه بالإيمان والعمل الصالح في آيات أخرى وعبر عن دينه بالإسلام، وعبر عنه بالعبادة قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] لأنه يؤدى بالذل والخضوع لله فسمي إسلاما وعباده، لأن العبد يؤديه بالخضوع والذل لله، وعبر عنه بالتقوى لأن العبد يؤديه متقٍ بذلك ربه ويخاف عقوبته، وسماه إيمانا لأن العبد يؤدي ذلك عن إيمان وعن تصديق لا عن شك وريب بل يؤدي هذه العبادات وهذه الأعمال عن إيمان بالله وحده، وأنه ربه ومعبوده الحق وأنه مستحق لذلك وهو يؤديها عن إيمان وعن صدق وسماه برّاً لما فيه من الخير العظيم والسعادة، فهو بر، وسماه هدى لما فيه من الخير أيضا لأنه يهدي إلى الخير ويوصل إلى الخير وإلى أسباب السعادة وفي آيات أخرى عبر عن ذلك بالإيمان والعمل الصالح فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8]، فالمؤمنون الذين عملوا الصالحات هم أهل التقوى وهم المسلمون، وهم الصالحون وهم الذين عبدوا الله حق عبادته قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ كما أنهم هم المتقون في قوله سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال سبحانه: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] وهم الأبرار كما في قوله سبحانه: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال تعالى: كَلا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] فهم الأبرار وهم أهل التقوى وهم أهل الإيمان وهم المسلمون وهم الذين عبدوا الله وحده قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات الموعودون بالنصر والتأييد والاستخلاف في الأرض هم المسلمون حقا، وهم المؤمنون وهم الأبرار وهم الصالحون، وهم الذين عبدوا الله كما ترى واستقاموا على دينه، عبدوه واتقوه وعنت وجوههم له؛ فالعبارات متنوعة والحقيقة واحدة، فالمؤمنون والمتقون والأبرار والمسلمون والمهتدون هم الذين أطاعوا الله ورسوله، وهم الذين وحدوا الله وخصوه بالعبادة وآمنوا به حقا واعترفوا بأنه ربهم ومعبودهم الحق وانقادوا لشريعته سماهم سبحانه مؤمنين في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ الآية [التوبة:72]، وفي قوله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107].
فالعمل الصالح من الإيمان لأن الإيمان قول وعمل فإذا أطلق الإيمان فهو قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي فلهذا عبر سبحانه عن دينه بالإيمان فقال : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] وقال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله- يعني مع الشهادة بأن محمدا رسول الله- وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.
فدين الله هو الإيمان وهو الإسلام وهو الهدى وهو التقوى وهو البر كما تقدم بيان ذلك، فعليك أن تنتبه لهذا وعليك أن تحذر أن يشتبه عليك هذا الأمر وأن تظنه اختلافا يغير المعنى، فليس الأمر كذلك، بل هو شيء واحد تنوعت عنه العبارات بحسب المعاني، فإن دين الله الذي بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام وبعث به خاتمهم محمد ﷺ هو الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو البر والتقوى وهو الإيمان والعمل الصالح فافهم هذا جيداً.
فالنصيحة لكل مؤمن ولكل مسلم بل لجميع المكلفين في الدنيا أن يتفقهوا في هذا الأمر وأن يتبصروا وأن يلزموا هذا الدين ويستقيموا عليه حتى الموت، فهو طريق النجاة، وهو طريق السعادة، وهو طريق النصر، فمن أراد النجاة فعليه بهذا الدين، ومن أراد النصر في الدنيا والعزة في الآخرة فعليه بهذا الدين، ومن أراد الجنة فعليه بهذا الدين، ومن أراد الأمن في الدنيا والسعادة في الآخرة فعليه بهذا الدين وأن يلتزم به.
فنصيحتي لجميع الدول المنتسبة للإسلام أن تتقي الله وأن تلتزم بهذا الإسلام حقا لا بالدعوى، وأن تعبد الله وحده وأن تلزم شعوبها بعبادة الله وحده، وأن تحذر عباد أصحاب القبور أو الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو غير ذلك من سائر المخلوقات؛ فالعبادة حق لله وحده لا يعبد مع الله أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أهل البيت ولا غيرهم ولا البدوي ولا الحسين ولا الشيخ عبدالقادر الجيلاني ولا غيرهم.
فالعبادة حق الله وحده لا يجوز صرف شيء منها لغيره كائنا ما كان كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [الحج:62] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه، فالأنبياء حقهم أن يتبعوا وأن يصدقوا عليهم الصلاة والسلام، وأن يحبوا في الله وأن ينقاد كل قوم لنبيهم، وعلى هذه الأمة أمة محمد ﷺ أن تنقاد لما جاء به نبيها محمد ﷺ، وأن تلتزم به وأن تصدق بكل ما أخبر به الله ورسوله عن الماضين وعما سيأتي، وأن تستقيم على دين الله الذي بعث به نبيه محمدا ﷺ، وأن تلتزم بالقرآن والسنة الصحيحة في أقوالها وأعمالها وأن تحكم شرع الله فيما بينها.
هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى جميع الدول الإسلامية أن تلتزم بذلك وأن تحكم شرع الله في عباد الله، وأن تقيم حدود الله في أرض الله هذا هو واجبهم جميعا، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] فليس هناك شيء أحسن من حكم الله أبدا، وفي حكم الله السعادة والأمن والنصر في الدنيا والآخرة، فالواجب على ولاة الأمور أن يدعوا إلى حكم الله ويلتزموا به، وعلى كل مسلم أن ينقاد إلى حكم الله ويرضى به، ولهذا قال جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55].
هذا الأساس فإذا عبدوه وحده وعملوا الصالحات وانقادوا لحكمه واستقاموا على الإيمان قولا وعملا؛ استخلفهم الله ونصرهم وأيدهم كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40] ثم بين من هم المنصورون فقال سبحانه: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] يعني بعد توحيد الله فإنهم إذا وحدوا الله وآمنوا به وبرسوله ﷺ: نفذوا شرائعه من صلاة وصوم وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ويدخل في المعروف: الصيام والحج والجهاد وترك المحرمات وإلزام الناس بكل ما أمر الله به ورسوله كل ذلك داخل في المعروف.
ويدخل في النهي عن المنكر: النهي عن كل ما نهى الله كالشرك بالله وغيره من سائر المعاصي، فهؤلاء هم أهل الإيمان وهم الذين ينصرون في الدنيا والآخرة ينصرون في الدنيا بجعلهم خلفاء في الأرض وتمكينهم في الأرض ضد أعدائهم، وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51، 52] نعوذ بالله من ذلك.
ويقول : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، آمنوا: دخلوا في الإسلام، واستقاموا على دين الله وتركوا الشرك، وانقادوا للحق فكل معصية تسمى ظلما، والظلم هنا هو الشرك كما فسره النبي ﷺ بذلك، فهم آمنوا وأخلصوا لله العبادة وتركوا الشرك وانقادوا لما أمر الله به ورسوله لأنه لا يتم إيمانهم إلا بطاعة الله ورسوله ولهذا قال سبحانه: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] بسبب إيمانهم الصحيح وسلامتهم من الشرك وكل معصية تنقص الأمن وتنقص الهداية، فمن آمن إيمانا كاملا بطاعة الله ورسوله وتوحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به وترك المعاصي صار الأمن في حقه كاملا وصارت الهداية كاملة في الدنيا والآخرة.
أما من تعاطى شيئا من المعاصي فإن أمنه ينقص بذلك وهدايته تنقص بحسب ما عنده من المعاصي والشرور كما دلت على ذلك النصوص الأخرى من الكتاب والسنة، لكن ما دام على التوحيد فهو من أهل الأمن وهو من أهل الهداية وإن جرى عليه خطوب وإن عذب بمعاصيه لكن مصيره في النهاية إلى الجنة إذا مات على التوحيد والإيمان، وإن دخل النار يعذب على قدر معاصيه ثم يخرج منها إلى الجنة خلافا للخوارج والمعتزلة، فالخوارج والمعتزلة يقولون: من دخل النار لا يخرج منها أبدا، وهذا قول باطل مخالف للكتاب والسنة ولإجماع الأمة، فإن أهل السنة والجماعة يقولون: قد يدخل العاصي في النار كما جاءت به النصوص ويعذب بمعاصيه لكن يخرج منها بعد التطهير والتمحيص؛ إذا كان مسلما موحدا دخل النار بمعاصيه كالزنا والعقوق وشرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك إذا مات على ذلك ولم يتب فقد يعذب وقد يعفو الله سبحانه عنه لأسباب كثيرة، وقد يعذب في النار على قدر هذه الجرائم التي مات عليها ثم بعد ما يطهر بالنار من هذه الجرائم يخرجه الله من النار كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة.
ويشفع النبي ﷺ عدة شفاعات في العصاة من أمته الذين دخلوا النار ويخرجهم الله بشفاعته، ويشفع الأنبياء والمؤمنون والأفراط والملائكة وكلهم يشفعون ولا يبقى في النار مخلدا فيها إلا أهل الشرك بالله والكفر به فإنهم هم الذين يبقون في النار مخلدين أبد الآباد كما قال الله سبحانه في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] وقال في سورة النبأ: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا [النبأ:30] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما عصاة الموحدين الذين ماتوا على الإسلام ولكن لهم معاصي لم يتوبوا منها فإنهم لا يخلدون في النار إن دخلوها؛ بل يعذبون فيها تعذيبا مؤقتا، وقد يخلدون فيها تخليدا مؤقتا فإن الخلود خلودان: خلود دائم وهذا للكفار وحدهم، وخلود مؤقت لبعض العصاة وقد يطول بقاؤهم في النار لشدة معاصيهم وكثرتها ثم بعد المدة التي كتبها الله عليهم يخرجهم الله من النار إلى الجنة كما جاء ذلك في القاتل والزاني، لكنه خلود مؤقت له نهاية إذا مات على التوحيد، وإنما الخلود الدائم والأبدي للكفار الذين ماتوا على الكفر بالله من اليهود والنصارى والوثنين وغيرهم نعوذ بالله من حالهم.
فيا أيها المسلمون! ويا أيها المكلفون! بادروا بتقوى الله والتوبة إليه، بادروا بالإيمان الصادق والعمل الصالح بادروا بالالتزام بالإسلام قبل أن تندموا غاية الندامة وقبل أن يعض أحدكم على يديه ندما ويقول: يا ليتني قدمت لحياتي!، يجب على كل مكلف في أرجاء الدنيا لم يدخل في الإسلام أن يبادر بالدخول فيه قبل أن يهجم عليه الأجل فيندم غاية الندامة ومصيره إلى النار وبئس المصير، قال الله في سورة الفرقان: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29] وقال في سورة الفجر: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26].
فاحذر يا عبد الله أن تعض على يديك ندما يوم القيامة بسبب كفرك أو تفريطك في حق الله، احذر وبادر وسارع إلى الخير اليوم قبل الموت فالزم الحق بتوحيد الله والإخلاص له وحقق العبادة التي خلقت لها، حقق الإسلام الذي خلقت له فأنت مخلوق لعبادة الله، وهي الإسلام وهي التقوى وهي الهدى وهي طاعة الله ورسوله، حقق هذه العبادة وحقق هذا الإسلام واستقم عليه قبل أن تموت وقبل أن يحال بينك وبين ذلك وأنت لا تدري متى يجيء الأجل، كل واحد منا لا يدري متى يجيئه الأجل فقد يصبحه أو يمسيه ولا يدري أيضا ما هي الأسباب التي تكون سببا لموته، فالحزم كل الحزم في البدار إلى طاعة الله والتوبة إليه والاستقامة على ذلك حتى الموت.
فاتق الله يا عبد الله، وبادر إلى الحق قبل أن يهجم الأجل، وسارع إلى طاعة الله ورسوله والفقه في دين الله وتعلمه لقول النبي ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ويقول عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين متفق على صحته. فليتق الله كل مسلم ولينظر في أعماله هل هو على طريق الله؟ وهل هو على ما كان عليه أصحاب رسول الله من السلف الصالح من توحيد الله وطاعته والإيمان به سبحانه والإيمان بأسمائه وصفاته؟ ولينظر إن كان على بدعة؛ فليحذرها.
ولينظر كل إنسان ما هو عليه هل هو على طريق الله الذي جاء به محمد ﷺ وهل هو موحد لله، وهل هو يعبده وحده دون كل ما سواه، وهل أدى أوامره وترك نواهيه، لينظر كل إنسان في هذا ويحاسب نفسه، يجب أن ينظر ويتقي الله قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] انظر يا عبد الله! ماذا قدمت؟ وانظري يا أمة الله! ماذا قدمت؟ فالمؤمن ينظر، والشيعي ينظر، وأي منتسب لطائفة من الطوائف ينظر: أنصار السنة، والإخوان المسلمون، الجماعة الإسلامية، وجماعة التبليغ أي جماعة، كل واحد منهم ينظر ماذا قدم؟ وما هو عليه؟ هل هو على طريق الهدى؟ وهل هو على طريق محمد ﷺ أم لا؟ كل واحد ينظر في عمله ولا يقلد لأن التقليد خطر ويحدث التعصب وقد يكون هذا التعصب بغير علم وهذا لا يجوز، يجب طاعة الله ورسوله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد:33] ما قال أطيعوا فلانا ولا فلانا، بل حدد سبحانه الطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] يعنى إذا تنازعتم مع أولي الأمر أو مع العلماء أو مع الأمراء أو مع فلان وفلان أو مع أولادك أو مع شيخك أو مع أميرك أو مع زوجتك فيرد الأمر إلى الله وإلى الرسول.
فلا يرد الأمر إلى الهوى ولا يرد إلى زيد أو عمرو لابد أن ترد الأمور إلى الله سبحانه وإلى رسوله ﷺ فإذا أمرك أولى الأمر أو الأمير بأمر يخالف شرع الله فلا طاعة له إنما الطاعة في المعروف، وإذا طلبت منك زوجتك أو أبوك أو أمك شيئا يخالف شرع الله فلا يجاب هذا الطلب ولكن بالحكمة وبالكلام الطيب تعتذر من أبيك أو من أمك أو من ولي الأمر أو من زوجتك بالأسلوب الحسن وتقنعهم بما شرع الله، قل قال الله، قال رسوله لا يجوز أن أطيعكم في معصية الله يا والدي لك حق علي كبير لكن ما يجوز أن أطيعك في شرب الخمر، ما يجوز أن أطيعك في الربا ما يجوز أن أطيعك في كذا وكذا من معاصي الله.
وهكذا مع الأمير وهكذا مع الأم وهكذا مع الزوجة وهكذا مع أخيك الكبير وهكذا مع شيخ القبيلة وهكذا مع الجميع، لا تطع أحدا في معصية الله أبدا، طاعة الله مقدمة على الجميع؛ فمن أمرك بطاعة الله فعلى العين والرأس سمعا وطاعة في طاعة الله، وإن كان دونك وإن كان ولدك إذا قال: يا والدي، اتق الله! دع الربا قل: سمعا وطاعة، إذا قال: يا والدي، اتق الله! ودع الزنا، دع الخمر فاستجب ولو كان صغيرا. من أمرك بطاعة الله، فسمعا وطاعة واحمد الله أن جعل في ولدك من يأمرك بالخير لا تتكبر على ولدك إذا دعاك إلى الخير ولا على أخيك الصغير ولا على خادمك إذا دعاك إلى خير قل: الحمد لله الذي يسر لي من خدمي أو من أولادي أو من جيراني أو من إخوتي من يأمرني بطاعة الله ومن يساعدني في الخير، لا تتكبر، لا تقل: ما شأنك أنت؟ ولدي وتأمرني، أو خادمي وتأمرني، لا، اتق الله! فإن طاعة الله واجبة على الجميع، فمن نصحك من أولادك أو من جيرانك أو من إخوانك أو من خدامك أو من غيره ونصيحتهم موافقة للشرع فقل: جزاك الله خيرا، وبادر بالخير لا تتكبر، فالمؤمن يعظم أمر الله ويقبل الحق ممن جاء به ولا يتعال ولو كان من جاء به أقل منه، يقول الله سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فلو كان الناصح تلميذ من تلاميذ الشيخ فلا يرد الحق من التلميذ إذا صار التلميذ قد وفق لأمر خفي على الشيخ، فإن الإنصاف يقتضي قبوله، وهذه هي التقوى وهذا من التفقه في الدين لأن الدين يأمر بقبول الحق ممن جاء به، من رجل أو امرأة من ولدك أو من أخيك الصغير من جارك أو من خادمك بدون تفرقة، فمن عرف الحق فليرشد إليه بالدليل، ومن بلغه ذلك فعليه السمع والطاعة لأن الدليل فوق الجميع ما لأحد فيه كلام لأن الله يقول وقوله الحق: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فيجب عليك أن تخضع للحق ممن جاء به من جن أو أنس، فمتى عرفت الحق فاقبله بالدليل ولا تقل جاء به فلان بل عليك أن تقبل الحق لأن الحق فوق الجميع الحق ضالة المؤمن، وحاسب نفسك أنت يا عبد الله، حاسب نفسك وجماعتك التي أنت تنتسب إليهم، حاسبهم وانظر فيما دعوك إليه؛ فإن كان موافقا لشرع الله فاقبل وإلا فدعه، وإذا كان بقاؤك مع هذه الجماعة أنفع لك في الدين فابق معهم وإن كان بقاؤك معهم يضرك فاهرب منهم، اهرب وانصحهم لا تبقى مع الباطل ولا مع أهل الباطل إلا ناصحا لهم وموجها لهم إلى الخير، هكذا تجب النصيحة يقول النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه.
فعليك بالنصيحة لهذه الجهات الخمس: لله بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه وتحكيم كتابه، وللرسول بطاعته واتباعه، وللقرآن العظيم بتحكيمه واتباعه والإيمان بأنه كلام الله حقا وليس بمخلوق، والنصيحة لولاة الأمور بتوجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأساليب الحسنة وبالدعاء لهم بظهر الغيب أن الله يوفقهم، تدعو لولاة الأمور: اللهم وفقهم، اللهم اهدهم سواء السبيل، اللهم اهدهم للحق، اللهم أعنهم على تنفيذه في أي مكان حتى ولو كنت في بلاد كافرة، تدعو الله بأن يهديهم للحق. كما قال بعض الناس: يا رسول الله إن دَوْساً كفرت واعتدت. قال: اللهم اهد دوسا وأت بهم، فهداهم الله وجاءوا وأسلموا، تدعو الله لأميرك في بلدك تقول: اللهم اهده، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم اهده للحق، اللهم أعنه على تنفيذ الحق، اللهم وفقه لما يرضيك، اللهم اكف المسلمين شره اللهم اهده للصواب.
وهكذا تنصح وتدعو، تستعمل الأساليب الحسنة اللينة الطيبة التي ليس فيها عنف، لا تمد يدك على الناس تقاتلهم؛ بل ادعهم بالحسنى قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فلو جئت قوما وهم يشربون الخمر تقول: يا عباد الله اتقوا الله ما يجوز شرب الخمر، أو رأيت من يدخن تقول: اتق الله يا عبد الله! ترى التدخين لا يجوز وهو مضر بدينك ودنياك وصحتك، وهكذا حالق لحيته تقول له: لا تحلقها ما يجوز، الرسول أمر بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب، وإن رأيت من يسبل الثياب تقول: يا أخي الإسبال ما يجوز ارفع ثوبك إلى الكعب لا ينزل عن الكعب، أو رأيت امرأة متبرجة تقول: يا أمة الله اتقي الله ما يجوز هذا، اتقي الله راقبيه سبحانه في أعمالك لا يجوز هذا الشيء، وإن وجدت واحدا يتعامل بالربا في السوق أو في غيره تقول له: اتق الله يا عبد الله لا تتعامل بالربا لأنه محاربة لله ورسوله، وإن رأيت من يسب ويشتم تقول: اتق الله تخاطبه بالحكمة وليس بالعنف ومد اليد والمضاربة، وإذا كان لم يستجب وعندك من يستطيع ترفع أمره إليه، فمثلا عندك الهيئة وعندك من ينفذ ترفع إلى من يقوم بالواجب، أما أنت فما عليك إلا البلاغ والبيان بالكلام الطيب كما أرشدك ربك وعلمك في قوله تعالى لرسوله ﷺ والأمة له تبع: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] ويقول سبحانه بشأن اليهود والنصارى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] فمن ظلم يعامل بما يقتضيه ظلمه، يعامل بالقوة من طريق أهل القوة؛ القوة من الجهة المختصة التي تستطيع أن تعمل بالقوة وهكذا قوله ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فمن استطاع أن يغير باليد فعل ذلك باليد إذا كان المنكِر له سلطة التغيير كالهيئة أو القاضي أو الأمير فيعمل بما عنده من السلطة، أما إذا كان ما عنده سلطة فينكر باللسان أو يغير باللسان حتى لا يشتبك مع الناس في الشر وحتى لا يقع منكر أكثر وأشد يقول: يا عبد الله اتق الله! بالكلام الطيب، بالأسلوب الحسن فإن عجز بالكلام أنكر بقلبه وكره بقلبه ولا يحضر المنكر بل عليه أن يفارق أهل المنكر.
هكذا المؤمن لا يترك الواجب حسب الطاقة، فعليكم أيها الأخوة المسلمون في جميع أرض الله تقوى الله في كل وقت، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، وعلى كل واحد منكم تقوى الله فيما يأتي ويترك، وأن يحاسب نفسه في أي عمل هل هو طاعة لله أو معصية لله فإن كان طاعة لله نفذه وإن كان معصية لله تركه، وهكذا مع الناس لا يحقر نفسه إذا رأى المنكر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالكلام الطيب لا بالعنف والكلام القبيح كأن يقول يا حمار يا كلب، بل عليه أن يقول: يا عبد الله، يا فلان، يا أخي إن كان مسلما بالكلام الطيب، هذا لا يجوز، اتق الله يا عبد الله، إلى غير ذلك من الأساليب الحسنة.
واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان من أرض الله للفقه في الدين والاستقامة عليه، وأن يمنحهم العلم النافع والعمل الصالح، وأن ييسر لهم العلماء الصالحين الذين يرشدونهم ويعلمونهم ويفقهونهم، أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان إلى الاستقامة على دينه والنصح له ولعباده وتحكيم شريعته والتحاكم إليها وإلزام الشعوب بها، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يزيل بهم كل سوء وكل منكر، وأن يعيذهم من شرور النفس وسيئات العمل إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وأرسل الرسل لهذا الأمر العظيم من أولهم إلى آخرهم وأمر عباده بهذه العبادة فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] وقال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فالله خلق الخلق: الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذه العبادة وإيضاحها للناس.
فنصيحتي لجميع المسلمين من الذكور والإناث والعرب والعجم والجن والإنس، نصيحتي للجميع أن يتفهموا هذه العبادة ويتبصروا فيها، وأن يلتزموا بها ويعملوا بها جملة وتفصيلا، وأن يحذروا الغفلة عنها والإعراض عنها؛ فإن الإعراض والغفلة من صفات الكفرة قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [الكهف:57] فليس هناك أظلم ممن أعرض عن آيات الله وعما خلق له من طاعته وعبادته.
فالنصيحة لجميع المسلمين التفقه في هذه العبادة والتبصر بها ومعرفتها من طريق الكتاب والسنة، أي من طريق القرآن العظيم ومن طريق أحاديث الرسول ﷺ الصحيحة ثم القيام بها: علما وعملا. وهكذا النصح لجميع المكلفين من غير المسلمين في جميع الأرض بأن يدخلوا في الإسلام وأن يعرفوا هذه العبادة ويتفقهوا فيها من طريق القرآن العظيم ومن طريق السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الإنس والجن من الكفرة والمسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم.
الواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وأن يدخلوا في الإسلام وأن يلتزموا بالدين الذي بعث الله به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام لأن الله بعثه إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم ذكورهم وإناثهم قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] وقال : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فجميع العالمين من جن وإنس ومن عرب وعجم ومن كفار ومسلمين يجب على أهل العلم دعوتهم، فمن قبل الدعوة واستقام عليها حصلت له السعادة والرحمة الكاملة والهداية المطلقة والفوز بالجنة والنجاة من النار، ومن أعرض عنها واستكبر فله الخيبة والندامة والعاقبة الوخيمة والعذاب الأليم يوم القيامة، وهذه العبادة التي خلق الثقلان لأجلها هي الحكمة في خلق الجن والإنس وهي الإسلام المذكور في قوله جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] فالإسلام هو دين الله الذي بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام لتبليغه وهو الدين المذكور في قوله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3] وفي قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وفي قوله : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فهذه العبادة هي الإسلام، سمي عبادة لأنه ذل وخضوع لله سبحانه، وسمي هذا الدين الإسلام لأنه خضوع لله وانقياد لأمره سبحانه فالعبد يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه عن ذل وخضوع وهذا هو الإسلام، وهذه هي العبادة خضوعك لله وانقيادك لأوامره وترك نواهيه عن إيمان به سبحانه وعن إخلاص له وعن تعظيم له وعن رغبة فيما عنده هذا هو الإسلام، يقال أسلم أي ذل وانقاد وأسلم لفلان أي ذل له وانقاد له، وأسلم لله ذل وانقاد وأطاع وهذه العبادة هي الخضوع لله والذل لله بطاعة أوامره وترك نواهيه ، يقول العرب: طريق معبد يعني مذلل قد وطئته الأقدام وصار معبدا معروفا، ويقولون: جمل معبد يعني مذلل قد شد عليه ورحل.
فالعبادة عند العرب: الذل والخضوع، فسمى الله تكاليفه عبادة: لأنها تؤدى بالذل والخضوع لله، وسماها إسلاما: لأنها تؤدى أيضا بالذل والخضوع لله سبحانه، فهي إسلام وهي عبادة.
وسماها تقوى قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189] وقال سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] سماها تقوى لأن العبد يفعلها يتقي بها غضب الله ويتقي بها عقابه وهو يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه مسلماً منقادا خاضعا ذليلا يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه ويتقي بذلك سوء المنقلب فلهذا سمى الله دينه تقوى.
وهو إيمان أيضا، سمي إيمانا؛ لأنه تصديق لله ولرسوله كما قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا الآية [التغابن:8].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136] وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] وقال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
فهذه العبادة وهذا الإسلام كلاهما يسمى إيمانا لأنهما إيمان بالله ورسوله، وتصديق بما أخبر الله به ورسوله، وتصديق بأوامر الله وتصديق بما نهى عنه، فهو إيمان. ويسمى هدى؛ لأن الله يهدي به من الضلالة ويرشد به إلى أسباب السعادة فهو هدى لمن التزم به واستقام عليه واهتدى به إلى الحق والصواب، وسلم من البلاء والشر والفساد كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] هذا هو الهدى هو دين الله، وهو الإسلام، وهو التقوى، وهو الإيمان، سماه الله إسلاما وإيمانا، وسماه الله تقوى كلها أسماء حق وكلها معانيها واضحة فهو هدى من الله يهدي به من يشاء لأداء حقه وترك معصيته، وتنفيذ أوامره وترك نواهيه قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى وقال سبحانه في الفاتحة أعظم سورة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وقال في وصف نبيه ﷺ: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
فدين الله هدى، هدى من الضلالة وهدى من كل سوء وهدى إلى الخيرات وهدى إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وهدى إلى كل ما يرضي الله ، ويقرب لديه وهدى إلى كل ما يباعد عن غضب الله وعقابه، وهو أيضا يسمى برا قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189] وقال تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية [البقرة:177] فهو بر لما فيه من الخصال الحميدة والأعمال المجيدة لله ؛ ولهذا سمي برا لأنه طاعة لله وقيام بحقه وترك لمناهيه، فهو بر وهدى، بر ورشد، إيمان وتقوى فالواجب على جميع العالمين من الجن والإنس من الذكور والإناث من الكفرة والمسلمين أن يلتزموا به فمن دخل فيه يجب أن يلتزم به ويستقيم عليه ويتفقه فيه ومن لم يدخل فيه فالواجب عليه الدخول فيه والتوبة إلى الله مما هو عليه من الباطل والدخول في دين الله الذي هو الإسلام وهو الهدى وهو الإيمان وهو التقوى وهو البر وهو طاعة الله ورسوله وهو الإخلاص لله وهو توحيد الله بترك الإشراك به والقيام بحقه والاستقامة على دينه هذا هو الإسلام وهذا هو البر والتقوى وهذا هو الهدى وهذا هو الإيمان.
وهذا هو دين الله! الذي بعث به الرسل، وأنزل به الكتب وأنزل به القرآن العظيم، وجاءت به السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأعظم واجب وأهم واجب وألزم واجب أن تعرف هذه الحقيقة وأن تعرف دين الله حتى تعبده وحده وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله التي دعا إليها النبي ﷺ وأرشد إليها فقال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وقال ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فإن من قالها عن إيمان أدى بقية الأمور، ومن قالها عن إيمان فقد دخل في العبادة التي خلق لها وجاء بأصلها وأساسها، وعليه أن يلتزم مع ذلك بأن يشهد أن محمدا رسول الله، وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن المرسلين الماضين، وعن كتب الله، وعما أخبر الله به في كتابه عن الجنة والنار واليوم الآخر وعن كل ما أخبر الله به ورسوله، كله داخل في هذه العبادة، وفي هذا الإيمان؛ فالدعوة إلى توحيد الله دعوة إلى الدين كله فإن من دخل في توحيد الله والتزم بالإخلاص لله لزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من الحقوق، وأن يدع ما حرم الله عليه فهي فروع ومكملات لهذا الأساس، فلابد من توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به - هذا أول واجب وأهم واجب - ولهذا بدأ به النبي ﷺ في أهل مكة وفي غيرهم - كان أول شيء يدعو إليه الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به هذا هو أول واجب وأعظم واجب، والدعوة إلى الإيمان به وأنه رسول الله حقا - ثم بعد ذلك الدعوة إلى بقية أمور الإسلام من الصلاة وغيرها.
ولما بعث النبي ﷺ معاذا إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وفي رواية أخرى: فادعهم إلى أن يوحدوا الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فأمرهم أن يدعوهم أولا إلى توحيد الله والإخلاص له إلى عبادة الله وحده إلى ترك الإشراك به هذا هو أول واجب، وهذه هي العبادة التي خلق الله لها الناس كما قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] المعنى يوحدوني ويطيعوا أمري ذلا وخضوعا وانكسارا وإيمانا وتصديقا، وأن يؤدوا ما أمرتهم به من الطاعات وترك المعاصي، هذه هي العبادة التي خلقهم الله لها ليعبدوه وليخصوه بالعبادة بفعل الأوامر وترك النواهي، وأعظمها وأهمها أن يخصوه بالعبادة ويؤمنوا بأنه الواحد الأحد المستحق للعبادة دون كل ما سواه كما قال سبحانه: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وقال سبحانه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ [محمد:19].
فالتوحيد هو أول واجب وأعظم واجب أن تؤمن بأنك عبدُ الله، وأنك يجب عليك أن تخصه بالعبادة وأنه إلهك الحق ومعبودك الحق وأن تؤمن برسوله محمد ﷺ، وتشهد أنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وتشهد أيضا أنه خاتم الأنبياء وليس بعده نبي ولا رسول، وعليك مع هذا أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله.
هذا هو أصل الأصول، وهذا هو الواجب على كل مكلف من جن وإنس من رجال ونساء من عرب وعجم من كافر ومسلم من جميع الثقلين وجميع المكلفين، عليهم أن يعبدوا الله وحده وعليهم أن يؤمنوا بأنه لا إله إلا الله وبأن محمدا رسول الله وأنه خاتم الأنبياء وأن ما جاء به هو الحق وأن الواجب اتباعه والسير على منهاجه حتى تلقى ربك.
هذه هي العبادة التي خلقت لها وهذا هو الدين وهذا هو التقوى وهذا هو الإيمان وهذا هو الإسلام وهذا هو البر، كلمات لها معاني من حيث اللغة ترجع إلى شيء واحد وهو أن ذلك هو دين الله فهو الإسلام وهو الهدى وهو التقوى وهو البر وهو الإيمان وهو العبادة لله وحده، وهذه المعاني كلها واضحة فهو عبادة لأنه خضوع لله وإسلام، لأنه ذل وانقياد لله وتقوى لأن العبد يتقي بذلك غضب الله، وإيمان لأنه تصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله، وهدى لأن الله هدى به العباد إلى الخير والصلاح، وبر لأنه كله خير وكله سبب للسعادة، ولهذا قال جل وعلا: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] لأن المتقين هم المسلمون هم المؤمنون وهم الذين عبدوا الله وحققوا معنى قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
وذلك لتقواهم لله وقيامهم بحقه وإخلاصهم له وإيمانهم بأنه معبودهم الحق وإيمانهم برسوله محمد عليه الصلاة والسلام وإيمانهم بكل ما أخبر الله به ورسوله في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الأمين عليه الصلاة والسلام، فلا يتم إسلام ولا إيمان إلا بهذا، ولابد من شهادة أن لا إله إلا الله وأنه لا معبود حق إلا الله وأن جميع ما يعبده الناس من دون الله كله باطل قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62].
ولابد من الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، عما كان وعما يكون وعن الرسل الماضين وعن الجنة والنار، وعن أخبار القيامة وعن الحساب والجزاء إلى غير ذلك لابد أن تصدق بكل ما أخبر الله به مما جاء في القرآن أو صحت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على حسب ما أعطاك الله من العلم، ثم بعد هذا الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله وتوحيد الله والإخلاص له والإيمان بأسمائه وصفاته وإمرارها كما جاءت عن الله وعن رسوله بلا كيف ولا تحريف ولا تمثيل كما قال أهل السنة والجماعة، بعد هذا أنت يا عبد الله مأمور بالالتزام بما أوجب الله على عباده من: صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك، وعليك أن تمتثل بكل ما أمر الله به ورسوله، وأن تبتعد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] فهو خطاب للناس كلهم جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم يعم الكفار ويعم المسلمين، ومعنى ﴿اتقوا ربكم﴾ افعلوا أوامره واتركوا نواهيه طلبا لمرضاته وحذرا من عقابه فكلهم ملزمون بالتقوى في جميع الأحوال.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] فلابد من عبادته سبحانه بإخلاص وصدق في العبادة له وطاعة أوامره وترك نواهيه وقد يخص سبحانه المؤمنين بالأمر فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [الحشر:18] في آيات كثيرات لأن المؤمنين هم بعض الناس المأمورين بالتقوى، فالواجب عليهم أعظم لأنهم آمنوا بالله ورسوله وعليهم أن يكملوا هذا الإيمان وأن يلتزموا به حتى الموت كما قال لنبيه ﷺ: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
فالواجب على المكلف المسلم أن يلتزم بهذا الإسلام حتى الموت، وأن يلزم نفسه بهذا: التقوى لله وطاعته حتى الموت، وعلى الكافر أن يدخل في الإسلام، وأن يبادر بذلك قبل أن يحل الأجل.
والإسلام هو دين الله الذي بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام وجميع المرسلين كما قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:19] وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ومحمد ﷺ هو رسول الله لأهل الأرض جميعا من عرب وعجم وجن وإنس وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فعلى جميع الكفار من يهود ونصارى وغيرهم أن يبادروا بالدخول في الإسلام وأن يلتزموا من حين بعثه الله إلى يوم القيامة، عليهم أن يلتزموا بذلك ويعملوا به وعلى جميع الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث والأغنياء والفقراء عليهم جميعا أينما كانوا في أرض الله أن يعبدوا الله وحده، وأن يلتزموا بشريعة الإسلام التي بعث الله بها نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كما تقدم في قوله سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، وفي قوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وفي قوله سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] ثم وعدهم سبحانه بالنجاة والسعادة والفلاح فقال سبحانه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157]. فالمفلحون هم أتباعه عليه الصلاة والسلام المتمسكون بشريعته والمستقيمون على دينه.
ومما تقدم تعلم أن أهم الواجبات وأهم الفرائض هو: أن تعبد الله وحده بهذه العبادة التي خلقك الله لها وأمرك بها في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وفي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] فأنت ما خلقت لتأكل وتشرب ما خلقت لبناء القصور أو غرس الأشجار أو شق الأنهار أو النكاح ونحو ذلك لا، فأنت مخلوق لتعبد ربك وأنت مخلوق لتستقيم على طاعته وتتابع رسوله عليه الصلاة والسلام، فعليك أن تستقيم على طاعته سبحانه وأن تتبع رسوله ﷺ فأنت مخلوق لهذا، وكل ما في الأرض خلق لك لتستعين به على طاعة الله وترك معاصيه، ولم يخلق لك لتستعين به على شهواتك كما قال تعالى: هو الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، وقال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13] فلم تخلق سدى ولا عبثا قال تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36] أي: أيظن أن يترك سدى أي مهملا معطلا لا، بل خلق لأمر عظيم وهو: عبادة الله وطاعته، وقال تعالى منكرا على المشركين: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] أنكر الله عليهم هذا الحسبان وهذا الظن لكونه باطلا.
وقال تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27] فهذا ظن الكافرين فأوضح الله سبحانه أنه خلق السموات والأرض بالحق ليعرف الناس بنفسه وقدرته العظيمة وأنه المستحق لأن يعبد. فعليك يا عبد الله أن تعرف ربك بأسمائه وصفاته ومخلوقاته العظيمة وأنه هو معبودك الحق ولتعمل بذلك، فكثير من الكفار بل أكثرهم قد عرفوا أن الله ربهم وأنه خالقهم ورازقهم، ولكن لم يعبدوه وحده، بل أشركوا معه غيره فصاروا إلى النار.
فلابد أن تعرف ربك ولابد مع المعرفة أن تعبده وحده بالإخلاص دون كل من سواه وأن تؤدي حقه وتترك الشرك به ومعصيته، لابد من هذا كله، فكفار قريش وغيرهم يعرفون ربهم، ويعرفون أن الله خالقهم ورازقهم كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ الآية [الزخرف:87]، لكن كفروا بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام والأولياء مع الله ونحو ذلك، وامتناعهم عن طاعة الرسول ﷺ، وتصديقه في عبادة الله وحده فصاروا كفارا بذلك، فلابد أن تؤمن بالله ربا وإلها ومعبودا بالحق، ولابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولابد من تصديق رسوله ﷺ فيما جاء به.
وعلى هذا الأصل الأصيل تؤدي حقه من صلاة وصيام وغير ذلك من العبادات وتدع معصيته من الشرك بالله وسائر المعاصي، فالتوحيد الذي خلقت له والعبادة التي خلقت لها: أن تؤمن بأن الله ربك وخالقك ورازقك ورب كل شيء ومليكه، وأن تخصه بالعبادة من دعاء وخوف ورجاء وذبح ونذر وصلاة وصوم وغير هذا من العبادات، تخص الله وحده بذلك دون كل ما سواه قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فلابد من هذا الأمر وهو أن تخص الله بالعبادة، صلاتك وصومك وذبحك ونذرك ودعاؤك وخوفك ورجاؤك إلى غير ذلك، ولابد مع هذا من الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في القرآن العظيم والثابتة في السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فلابد من الإيمان بأسمائه وصفاته ولابد من إمرارها كما جاءت على الوجه اللائق بالله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا تؤولها ولا تنفها، بل عليك أن تؤمن بها وأن تمرها كما جاءت وكما درج على هذا سلف الأمة من أصحاب النبي ﷺ وأتباعهم بإحسان من أهل السنة والجماعة؛ فإنهم قد آمنوا بأن الله ربهم وخالقهم ورازقهم، وآمنوا بأن الله معبودهم الحق وآمنوا بأسمائه وصفاته.
وهذه هي أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية: الإيمان بأنه الخلاق الرزاق المدبر للأمور الذي أقر به المشركون، ولكن لم يدخلوا في الإسلام بذلك لعدم عبادتهم لله وحده، وعدم تخصيصهم له سبحانه بالعبادة بل أشركوا به غيره.
ولابد من توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله، وهو: أنه لا معبود حق إلا الله، لابد من هذا التوحيد والإخلاص لله في أقوالك وأعمالك وعقيدتك لابد أن تخص الله بالعبادة، وأن تؤمن بأنه المعبود الحق وأن العبادة لا تصح لغيره أبدا لا للأنبياء ولا لغيرهم ولابد من الإيمان بأسمائه وصفاته كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] لابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته، وتَعَبُّده بذلك هو: أن تنفي عنها جميع التشبيه والتمثيل والتحريف ولابد مع ذلك من طاعة الأوامر وترك النواهي، فعليك أن تؤمن بهذا الأصل الأصيل ثم تنقاد لشرع الله بفعل الأوامر وترك النواهي عن إيمان وعن علم وعن بصيرة وصدق وإخلاص، وقد عبر عنها سبحانه بالإيمان والعمل الصالح في آيات أخرى وعبر عن دينه بالإسلام، وعبر عنه بالعبادة قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] لأنه يؤدى بالذل والخضوع لله فسمي إسلاما وعباده، لأن العبد يؤديه بالخضوع والذل لله، وعبر عنه بالتقوى لأن العبد يؤديه متقٍ بذلك ربه ويخاف عقوبته، وسماه إيمانا لأن العبد يؤدي ذلك عن إيمان وعن تصديق لا عن شك وريب بل يؤدي هذه العبادات وهذه الأعمال عن إيمان بالله وحده، وأنه ربه ومعبوده الحق وأنه مستحق لذلك وهو يؤديها عن إيمان وعن صدق وسماه برّاً لما فيه من الخير العظيم والسعادة، فهو بر، وسماه هدى لما فيه من الخير أيضا لأنه يهدي إلى الخير ويوصل إلى الخير وإلى أسباب السعادة وفي آيات أخرى عبر عن ذلك بالإيمان والعمل الصالح فقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8]، فالمؤمنون الذين عملوا الصالحات هم أهل التقوى وهم المسلمون، وهم الصالحون وهم الذين عبدوا الله حق عبادته قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ كما أنهم هم المتقون في قوله سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال سبحانه: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] وهم الأبرار كما في قوله سبحانه: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] وقال تعالى: كَلا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18] فهم الأبرار وهم أهل التقوى وهم أهل الإيمان وهم المسلمون وهم الذين عبدوا الله وحده قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات الموعودون بالنصر والتأييد والاستخلاف في الأرض هم المسلمون حقا، وهم المؤمنون وهم الأبرار وهم الصالحون، وهم الذين عبدوا الله كما ترى واستقاموا على دينه، عبدوه واتقوه وعنت وجوههم له؛ فالعبارات متنوعة والحقيقة واحدة، فالمؤمنون والمتقون والأبرار والمسلمون والمهتدون هم الذين أطاعوا الله ورسوله، وهم الذين وحدوا الله وخصوه بالعبادة وآمنوا به حقا واعترفوا بأنه ربهم ومعبودهم الحق وانقادوا لشريعته سماهم سبحانه مؤمنين في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ الآية [التوبة:72]، وفي قوله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107].
فالعمل الصالح من الإيمان لأن الإيمان قول وعمل فإذا أطلق الإيمان فهو قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي فلهذا عبر سبحانه عن دينه بالإيمان فقال : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] وقال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله- يعني مع الشهادة بأن محمدا رسول الله- وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.
فدين الله هو الإيمان وهو الإسلام وهو الهدى وهو التقوى وهو البر كما تقدم بيان ذلك، فعليك أن تنتبه لهذا وعليك أن تحذر أن يشتبه عليك هذا الأمر وأن تظنه اختلافا يغير المعنى، فليس الأمر كذلك، بل هو شيء واحد تنوعت عنه العبارات بحسب المعاني، فإن دين الله الذي بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام وبعث به خاتمهم محمد ﷺ هو الإسلام وهو الإيمان وهو الهدى وهو البر والتقوى وهو الإيمان والعمل الصالح فافهم هذا جيداً.
فالنصيحة لكل مؤمن ولكل مسلم بل لجميع المكلفين في الدنيا أن يتفقهوا في هذا الأمر وأن يتبصروا وأن يلزموا هذا الدين ويستقيموا عليه حتى الموت، فهو طريق النجاة، وهو طريق السعادة، وهو طريق النصر، فمن أراد النجاة فعليه بهذا الدين، ومن أراد النصر في الدنيا والعزة في الآخرة فعليه بهذا الدين، ومن أراد الجنة فعليه بهذا الدين، ومن أراد الأمن في الدنيا والسعادة في الآخرة فعليه بهذا الدين وأن يلتزم به.
فنصيحتي لجميع الدول المنتسبة للإسلام أن تتقي الله وأن تلتزم بهذا الإسلام حقا لا بالدعوى، وأن تعبد الله وحده وأن تلزم شعوبها بعبادة الله وحده، وأن تحذر عباد أصحاب القبور أو الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو غير ذلك من سائر المخلوقات؛ فالعبادة حق لله وحده لا يعبد مع الله أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا الصديق ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا أهل البيت ولا غيرهم ولا البدوي ولا الحسين ولا الشيخ عبدالقادر الجيلاني ولا غيرهم.
فالعبادة حق الله وحده لا يجوز صرف شيء منها لغيره كائنا ما كان كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [الحج:62] وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه، فالأنبياء حقهم أن يتبعوا وأن يصدقوا عليهم الصلاة والسلام، وأن يحبوا في الله وأن ينقاد كل قوم لنبيهم، وعلى هذه الأمة أمة محمد ﷺ أن تنقاد لما جاء به نبيها محمد ﷺ، وأن تلتزم به وأن تصدق بكل ما أخبر به الله ورسوله عن الماضين وعما سيأتي، وأن تستقيم على دين الله الذي بعث به نبيه محمدا ﷺ، وأن تلتزم بالقرآن والسنة الصحيحة في أقوالها وأعمالها وأن تحكم شرع الله فيما بينها.
هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى جميع الدول الإسلامية أن تلتزم بذلك وأن تحكم شرع الله في عباد الله، وأن تقيم حدود الله في أرض الله هذا هو واجبهم جميعا، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] فليس هناك شيء أحسن من حكم الله أبدا، وفي حكم الله السعادة والأمن والنصر في الدنيا والآخرة، فالواجب على ولاة الأمور أن يدعوا إلى حكم الله ويلتزموا به، وعلى كل مسلم أن ينقاد إلى حكم الله ويرضى به، ولهذا قال جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55].
هذا الأساس فإذا عبدوه وحده وعملوا الصالحات وانقادوا لحكمه واستقاموا على الإيمان قولا وعملا؛ استخلفهم الله ونصرهم وأيدهم كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال : وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40] ثم بين من هم المنصورون فقال سبحانه: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] يعني بعد توحيد الله فإنهم إذا وحدوا الله وآمنوا به وبرسوله ﷺ: نفذوا شرائعه من صلاة وصوم وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ويدخل في المعروف: الصيام والحج والجهاد وترك المحرمات وإلزام الناس بكل ما أمر الله به ورسوله كل ذلك داخل في المعروف.
ويدخل في النهي عن المنكر: النهي عن كل ما نهى الله كالشرك بالله وغيره من سائر المعاصي، فهؤلاء هم أهل الإيمان وهم الذين ينصرون في الدنيا والآخرة ينصرون في الدنيا بجعلهم خلفاء في الأرض وتمكينهم في الأرض ضد أعدائهم، وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51، 52] نعوذ بالله من ذلك.
ويقول : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، آمنوا: دخلوا في الإسلام، واستقاموا على دين الله وتركوا الشرك، وانقادوا للحق فكل معصية تسمى ظلما، والظلم هنا هو الشرك كما فسره النبي ﷺ بذلك، فهم آمنوا وأخلصوا لله العبادة وتركوا الشرك وانقادوا لما أمر الله به ورسوله لأنه لا يتم إيمانهم إلا بطاعة الله ورسوله ولهذا قال سبحانه: أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] بسبب إيمانهم الصحيح وسلامتهم من الشرك وكل معصية تنقص الأمن وتنقص الهداية، فمن آمن إيمانا كاملا بطاعة الله ورسوله وتوحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به وترك المعاصي صار الأمن في حقه كاملا وصارت الهداية كاملة في الدنيا والآخرة.
أما من تعاطى شيئا من المعاصي فإن أمنه ينقص بذلك وهدايته تنقص بحسب ما عنده من المعاصي والشرور كما دلت على ذلك النصوص الأخرى من الكتاب والسنة، لكن ما دام على التوحيد فهو من أهل الأمن وهو من أهل الهداية وإن جرى عليه خطوب وإن عذب بمعاصيه لكن مصيره في النهاية إلى الجنة إذا مات على التوحيد والإيمان، وإن دخل النار يعذب على قدر معاصيه ثم يخرج منها إلى الجنة خلافا للخوارج والمعتزلة، فالخوارج والمعتزلة يقولون: من دخل النار لا يخرج منها أبدا، وهذا قول باطل مخالف للكتاب والسنة ولإجماع الأمة، فإن أهل السنة والجماعة يقولون: قد يدخل العاصي في النار كما جاءت به النصوص ويعذب بمعاصيه لكن يخرج منها بعد التطهير والتمحيص؛ إذا كان مسلما موحدا دخل النار بمعاصيه كالزنا والعقوق وشرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك إذا مات على ذلك ولم يتب فقد يعذب وقد يعفو الله سبحانه عنه لأسباب كثيرة، وقد يعذب في النار على قدر هذه الجرائم التي مات عليها ثم بعد ما يطهر بالنار من هذه الجرائم يخرجه الله من النار كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة.
ويشفع النبي ﷺ عدة شفاعات في العصاة من أمته الذين دخلوا النار ويخرجهم الله بشفاعته، ويشفع الأنبياء والمؤمنون والأفراط والملائكة وكلهم يشفعون ولا يبقى في النار مخلدا فيها إلا أهل الشرك بالله والكفر به فإنهم هم الذين يبقون في النار مخلدين أبد الآباد كما قال الله سبحانه في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] وقال في سورة النبأ: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا [النبأ:30] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما عصاة الموحدين الذين ماتوا على الإسلام ولكن لهم معاصي لم يتوبوا منها فإنهم لا يخلدون في النار إن دخلوها؛ بل يعذبون فيها تعذيبا مؤقتا، وقد يخلدون فيها تخليدا مؤقتا فإن الخلود خلودان: خلود دائم وهذا للكفار وحدهم، وخلود مؤقت لبعض العصاة وقد يطول بقاؤهم في النار لشدة معاصيهم وكثرتها ثم بعد المدة التي كتبها الله عليهم يخرجهم الله من النار إلى الجنة كما جاء ذلك في القاتل والزاني، لكنه خلود مؤقت له نهاية إذا مات على التوحيد، وإنما الخلود الدائم والأبدي للكفار الذين ماتوا على الكفر بالله من اليهود والنصارى والوثنين وغيرهم نعوذ بالله من حالهم.
فيا أيها المسلمون! ويا أيها المكلفون! بادروا بتقوى الله والتوبة إليه، بادروا بالإيمان الصادق والعمل الصالح بادروا بالالتزام بالإسلام قبل أن تندموا غاية الندامة وقبل أن يعض أحدكم على يديه ندما ويقول: يا ليتني قدمت لحياتي!، يجب على كل مكلف في أرجاء الدنيا لم يدخل في الإسلام أن يبادر بالدخول فيه قبل أن يهجم عليه الأجل فيندم غاية الندامة ومصيره إلى النار وبئس المصير، قال الله في سورة الفرقان: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29] وقال في سورة الفجر: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26].
فاحذر يا عبد الله أن تعض على يديك ندما يوم القيامة بسبب كفرك أو تفريطك في حق الله، احذر وبادر وسارع إلى الخير اليوم قبل الموت فالزم الحق بتوحيد الله والإخلاص له وحقق العبادة التي خلقت لها، حقق الإسلام الذي خلقت له فأنت مخلوق لعبادة الله، وهي الإسلام وهي التقوى وهي الهدى وهي طاعة الله ورسوله، حقق هذه العبادة وحقق هذا الإسلام واستقم عليه قبل أن تموت وقبل أن يحال بينك وبين ذلك وأنت لا تدري متى يجيء الأجل، كل واحد منا لا يدري متى يجيئه الأجل فقد يصبحه أو يمسيه ولا يدري أيضا ما هي الأسباب التي تكون سببا لموته، فالحزم كل الحزم في البدار إلى طاعة الله والتوبة إليه والاستقامة على ذلك حتى الموت.
فاتق الله يا عبد الله، وبادر إلى الحق قبل أن يهجم الأجل، وسارع إلى طاعة الله ورسوله والفقه في دين الله وتعلمه لقول النبي ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ويقول عليه الصلاة والسلام: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين متفق على صحته. فليتق الله كل مسلم ولينظر في أعماله هل هو على طريق الله؟ وهل هو على ما كان عليه أصحاب رسول الله من السلف الصالح من توحيد الله وطاعته والإيمان به سبحانه والإيمان بأسمائه وصفاته؟ ولينظر إن كان على بدعة؛ فليحذرها.
ولينظر كل إنسان ما هو عليه هل هو على طريق الله الذي جاء به محمد ﷺ وهل هو موحد لله، وهل هو يعبده وحده دون كل ما سواه، وهل أدى أوامره وترك نواهيه، لينظر كل إنسان في هذا ويحاسب نفسه، يجب أن ينظر ويتقي الله قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] انظر يا عبد الله! ماذا قدمت؟ وانظري يا أمة الله! ماذا قدمت؟ فالمؤمن ينظر، والشيعي ينظر، وأي منتسب لطائفة من الطوائف ينظر: أنصار السنة، والإخوان المسلمون، الجماعة الإسلامية، وجماعة التبليغ أي جماعة، كل واحد منهم ينظر ماذا قدم؟ وما هو عليه؟ هل هو على طريق الهدى؟ وهل هو على طريق محمد ﷺ أم لا؟ كل واحد ينظر في عمله ولا يقلد لأن التقليد خطر ويحدث التعصب وقد يكون هذا التعصب بغير علم وهذا لا يجوز، يجب طاعة الله ورسوله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد:33] ما قال أطيعوا فلانا ولا فلانا، بل حدد سبحانه الطاعة لله ورسوله ولأولي الأمر فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] يعنى إذا تنازعتم مع أولي الأمر أو مع العلماء أو مع الأمراء أو مع فلان وفلان أو مع أولادك أو مع شيخك أو مع أميرك أو مع زوجتك فيرد الأمر إلى الله وإلى الرسول.
فلا يرد الأمر إلى الهوى ولا يرد إلى زيد أو عمرو لابد أن ترد الأمور إلى الله سبحانه وإلى رسوله ﷺ فإذا أمرك أولى الأمر أو الأمير بأمر يخالف شرع الله فلا طاعة له إنما الطاعة في المعروف، وإذا طلبت منك زوجتك أو أبوك أو أمك شيئا يخالف شرع الله فلا يجاب هذا الطلب ولكن بالحكمة وبالكلام الطيب تعتذر من أبيك أو من أمك أو من ولي الأمر أو من زوجتك بالأسلوب الحسن وتقنعهم بما شرع الله، قل قال الله، قال رسوله لا يجوز أن أطيعكم في معصية الله يا والدي لك حق علي كبير لكن ما يجوز أن أطيعك في شرب الخمر، ما يجوز أن أطيعك في الربا ما يجوز أن أطيعك في كذا وكذا من معاصي الله.
وهكذا مع الأمير وهكذا مع الأم وهكذا مع الزوجة وهكذا مع أخيك الكبير وهكذا مع شيخ القبيلة وهكذا مع الجميع، لا تطع أحدا في معصية الله أبدا، طاعة الله مقدمة على الجميع؛ فمن أمرك بطاعة الله فعلى العين والرأس سمعا وطاعة في طاعة الله، وإن كان دونك وإن كان ولدك إذا قال: يا والدي، اتق الله! دع الربا قل: سمعا وطاعة، إذا قال: يا والدي، اتق الله! ودع الزنا، دع الخمر فاستجب ولو كان صغيرا. من أمرك بطاعة الله، فسمعا وطاعة واحمد الله أن جعل في ولدك من يأمرك بالخير لا تتكبر على ولدك إذا دعاك إلى الخير ولا على أخيك الصغير ولا على خادمك إذا دعاك إلى خير قل: الحمد لله الذي يسر لي من خدمي أو من أولادي أو من جيراني أو من إخوتي من يأمرني بطاعة الله ومن يساعدني في الخير، لا تتكبر، لا تقل: ما شأنك أنت؟ ولدي وتأمرني، أو خادمي وتأمرني، لا، اتق الله! فإن طاعة الله واجبة على الجميع، فمن نصحك من أولادك أو من جيرانك أو من إخوانك أو من خدامك أو من غيره ونصيحتهم موافقة للشرع فقل: جزاك الله خيرا، وبادر بالخير لا تتكبر، فالمؤمن يعظم أمر الله ويقبل الحق ممن جاء به ولا يتعال ولو كان من جاء به أقل منه، يقول الله سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] فلو كان الناصح تلميذ من تلاميذ الشيخ فلا يرد الحق من التلميذ إذا صار التلميذ قد وفق لأمر خفي على الشيخ، فإن الإنصاف يقتضي قبوله، وهذه هي التقوى وهذا من التفقه في الدين لأن الدين يأمر بقبول الحق ممن جاء به، من رجل أو امرأة من ولدك أو من أخيك الصغير من جارك أو من خادمك بدون تفرقة، فمن عرف الحق فليرشد إليه بالدليل، ومن بلغه ذلك فعليه السمع والطاعة لأن الدليل فوق الجميع ما لأحد فيه كلام لأن الله يقول وقوله الحق: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فيجب عليك أن تخضع للحق ممن جاء به من جن أو أنس، فمتى عرفت الحق فاقبله بالدليل ولا تقل جاء به فلان بل عليك أن تقبل الحق لأن الحق فوق الجميع الحق ضالة المؤمن، وحاسب نفسك أنت يا عبد الله، حاسب نفسك وجماعتك التي أنت تنتسب إليهم، حاسبهم وانظر فيما دعوك إليه؛ فإن كان موافقا لشرع الله فاقبل وإلا فدعه، وإذا كان بقاؤك مع هذه الجماعة أنفع لك في الدين فابق معهم وإن كان بقاؤك معهم يضرك فاهرب منهم، اهرب وانصحهم لا تبقى مع الباطل ولا مع أهل الباطل إلا ناصحا لهم وموجها لهم إلى الخير، هكذا تجب النصيحة يقول النبي ﷺ: الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أخرجه مسلم في صحيحه.
فعليك بالنصيحة لهذه الجهات الخمس: لله بتوحيده والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه وتحكيم كتابه، وللرسول بطاعته واتباعه، وللقرآن العظيم بتحكيمه واتباعه والإيمان بأنه كلام الله حقا وليس بمخلوق، والنصيحة لولاة الأمور بتوجيههم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالأساليب الحسنة وبالدعاء لهم بظهر الغيب أن الله يوفقهم، تدعو لولاة الأمور: اللهم وفقهم، اللهم اهدهم سواء السبيل، اللهم اهدهم للحق، اللهم أعنهم على تنفيذه في أي مكان حتى ولو كنت في بلاد كافرة، تدعو الله بأن يهديهم للحق. كما قال بعض الناس: يا رسول الله إن دَوْساً كفرت واعتدت. قال: اللهم اهد دوسا وأت بهم، فهداهم الله وجاءوا وأسلموا، تدعو الله لأميرك في بلدك تقول: اللهم اهده، اللهم أصلح قلبه وعمله، اللهم اهده للحق، اللهم أعنه على تنفيذ الحق، اللهم وفقه لما يرضيك، اللهم اكف المسلمين شره اللهم اهده للصواب.
وهكذا تنصح وتدعو، تستعمل الأساليب الحسنة اللينة الطيبة التي ليس فيها عنف، لا تمد يدك على الناس تقاتلهم؛ بل ادعهم بالحسنى قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] فلو جئت قوما وهم يشربون الخمر تقول: يا عباد الله اتقوا الله ما يجوز شرب الخمر، أو رأيت من يدخن تقول: اتق الله يا عبد الله! ترى التدخين لا يجوز وهو مضر بدينك ودنياك وصحتك، وهكذا حالق لحيته تقول له: لا تحلقها ما يجوز، الرسول أمر بإعفاء اللحى وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب، وإن رأيت من يسبل الثياب تقول: يا أخي الإسبال ما يجوز ارفع ثوبك إلى الكعب لا ينزل عن الكعب، أو رأيت امرأة متبرجة تقول: يا أمة الله اتقي الله ما يجوز هذا، اتقي الله راقبيه سبحانه في أعمالك لا يجوز هذا الشيء، وإن وجدت واحدا يتعامل بالربا في السوق أو في غيره تقول له: اتق الله يا عبد الله لا تتعامل بالربا لأنه محاربة لله ورسوله، وإن رأيت من يسب ويشتم تقول: اتق الله تخاطبه بالحكمة وليس بالعنف ومد اليد والمضاربة، وإذا كان لم يستجب وعندك من يستطيع ترفع أمره إليه، فمثلا عندك الهيئة وعندك من ينفذ ترفع إلى من يقوم بالواجب، أما أنت فما عليك إلا البلاغ والبيان بالكلام الطيب كما أرشدك ربك وعلمك في قوله تعالى لرسوله ﷺ والأمة له تبع: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] ويقول سبحانه بشأن اليهود والنصارى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] فمن ظلم يعامل بما يقتضيه ظلمه، يعامل بالقوة من طريق أهل القوة؛ القوة من الجهة المختصة التي تستطيع أن تعمل بالقوة وهكذا قوله ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
فمن استطاع أن يغير باليد فعل ذلك باليد إذا كان المنكِر له سلطة التغيير كالهيئة أو القاضي أو الأمير فيعمل بما عنده من السلطة، أما إذا كان ما عنده سلطة فينكر باللسان أو يغير باللسان حتى لا يشتبك مع الناس في الشر وحتى لا يقع منكر أكثر وأشد يقول: يا عبد الله اتق الله! بالكلام الطيب، بالأسلوب الحسن فإن عجز بالكلام أنكر بقلبه وكره بقلبه ولا يحضر المنكر بل عليه أن يفارق أهل المنكر.
هكذا المؤمن لا يترك الواجب حسب الطاقة، فعليكم أيها الأخوة المسلمون في جميع أرض الله تقوى الله في كل وقت، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، وعلى كل واحد منكم تقوى الله فيما يأتي ويترك، وأن يحاسب نفسه في أي عمل هل هو طاعة لله أو معصية لله فإن كان طاعة لله نفذه وإن كان معصية لله تركه، وهكذا مع الناس لا يحقر نفسه إذا رأى المنكر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالكلام الطيب لا بالعنف والكلام القبيح كأن يقول يا حمار يا كلب، بل عليه أن يقول: يا عبد الله، يا فلان، يا أخي إن كان مسلما بالكلام الطيب، هذا لا يجوز، اتق الله يا عبد الله، إلى غير ذلك من الأساليب الحسنة.
واسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان من أرض الله للفقه في الدين والاستقامة عليه، وأن يمنحهم العلم النافع والعمل الصالح، وأن ييسر لهم العلماء الصالحين الذين يرشدونهم ويعلمونهم ويفقهونهم، أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان إلى الاستقامة على دينه والنصح له ولعباده وتحكيم شريعته والتحاكم إليها وإلزام الشعوب بها، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يزيل بهم كل سوء وكل منكر، وأن يعيذهم من شرور النفس وسيئات العمل إنه جل وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
- محاضرة ألقاها سماحته في مسجد الأمير متعب بن عبدالعزيز بجدة بعد المغرب من يوم الثلاثاء الموافق 30/ 11/ 1413 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 86).