وجوب التضامن والتكاتف ضد أعداء المسلمين

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، إمام المجاهدين، خير الدعاة أجمعين، وقائد الغر المحجلين ﷺ، وبارك عليه وعلى آله وأصحابه جميعا وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر الله جل وعلا على ما من به من هذا اللقاء بأخوة في الله من علماء المسلمين وقادتهم أعضاء المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية والثلاثين وفي رحاب بيت الله العتيق؛ لتدارس شئون المسلمين وقضاياهم، وبذل المستطاع من الجهود في كل ما ينفع المسلمين ويعينهم على حل مشكلاتهم وعلى إقامة دينهم، وعلى تمسكهم بما جاء به نبيهم عليه الصلاة والسلام دين الهدى ودين الحق.
وقد سمعنا جميعًا كلمة خادم الحرمين الشريفين الطيبة المباركة، التي شرح فيها -وفقه الله- أحوال المسلمين بعد حادث الخليج من النظام العراقي وما ترتب على ذلك وما حصل بسبب ذلك، وما حصل بسبب انحسار الشيوعية وتنفس المسلمين الصعداء بعد ذلك.
ولا شك أن ما جرى من النظام العراقي من العدوان على دولة الكويت يعتبر جريمة عظيمة ومنكرا عظيما ترتب عليه فساد كبير، ولكن الله جل وعلا برحمته وإحسانه ردّ كيده في نحره وأذله وقضى على عدوانه، وصار بذلك عبرة للمسلمين ورحمة للمؤمنين بأن رد كيد العدو في نحره وهزم جنده ورد المظلومين إلى بلادهم ويسر أمورهم، فالحمد لله على ذلك.
ولقد أشار خادم الحرمين في كلمته إلى أمر عظيم، وهو أن الواجب على المسلمين التضامن الإسلامي والتكاتف ضد أعدائهم والتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام.
ولا شك أن هذا هو الطريق لاستعادة مجدهم وإقامة دينهم ونصرهم على أعدائهم، فهم إخوة كما وصفهم الله في قوله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فيجب عليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يبذلوا جهودهم في إقامة شعائر ربهم ونصر دينهم ودحض كيد أعدائهم بكل طريق شرعها الله لإقامة الدين ورد كيد الكائدين.
ولا ريب أن اعتصامهم بحبل الله جميعا وتضامنهم في نصر دينهم أينما كانوا من أعظم الأسباب في نصرهم على عدوهم واستعادة مجدهم الغابر.
فالواجب علينا جميعا في هذا المجلس وعلى جميع علماء المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، والتضامن الإسلامي الذي يوجبه الله علينا في قوله سبحانه وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وفي قوله عز وجل: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ ۝ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] وفي قول النبي ﷺ: الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فالواجب على المسلمين أينما كانوا التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والتمسك بدين الله الذي جاء به نبيهم محمد ﷺ، وذلك بالتمسك بالقرآن العظيم والسنة الصحيحة المطهرة وتحكيمهما في كل شيء والرجوع إليهما في كل شيء، فهما الطريق للسعادة والسيادة، وهما الطريق للسلامة في الدنيا والآخرة.
فالواجب على جميع الدول الإسلامية وعلى علماء المسلمين التناصح والتكاتف في هذا الأمر، وأن يتواصوا به، وأن يحكموا شريعة الله في عباد الله كما دل على ذلك كتاب الله عز وجل وسنة محمد ﷺ.
والواجب على الدول الإسلامية أيضا تشجيع المجاهدين والداعين إلى الله حتى يحققوا ما جاهدوا من أجله في أفغانستان وفي الفلبين وفي كل مكان، يجب على المسلمين حكومات وشعوبا أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا ويهتموا بإخوانهم في حفظ دينهم والاستقامة عليه بكل وسيلة من الوسائل التي شرعها الله لعباده.
والواجب على رؤساء المسلمين وحكوماتهم أن يتقوا الله ويستقيموا على دين الله، وأن يحكموا شرع الله أينما كانوا في شعوبهم؛ لقول الله عز وجل في كتابه العظيم: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
فالواجب على جميع الدول الإسلامية أن يهتموا بهذا الأمر وأن يقوموا به خير قيام؛ لأن في ذلك عزهم ونصرهم على عدوهم وسعادتهم في العاجل والآجل، وعليهم أن ينشئوا المعاهد والجامعات الإسلامية لتخريج العلماء والقضاة الذين يعلمون الناس دينهم ويحكمون بينهم بشرع الله، وأن يشجعوا الحكام ويعينوهم ويرشدوهم إلى ما فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وأن يرشدوا الناس ويعلموهم شريعة ربهم وأحكام دينهم بكل صبر وإخلاص، وأن يعينوهم على ذلك حسب الطاقة، يرجون بذلك ثواب الله ويخشون عقابه سبحانه وتعالى، ولا شك أن في ذلك عزهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
والواجب على علماء الإسلام أيضا أينما كانوا أن يدرسوا طلابهم ويفقهوا المسلمين في بلادهم في دين الله، وأن يعلموهم شريعة الله في المساجد والمدارس وفي جميع الأماكن حسب الطاقة، وفي المجالس العامة والاحتفالات العامة وفي دور العلم حسب الطاقة والإمكان، كل واحد يتحرى الفرصة المناسبة والمكان المناسب لتعليم شرع الله وإرشاد الناس إلى دين الله، وحثهم على القيام بأمر الله والتمسك بشرع الله، والتواصي بالحق والصبر عليه أينما كان.
هذا هو واجب العلماء وهذا هو واجب رؤساء بلاد المسلمين أن يتقوا الله، وأن يتعاونوا مع علمائهم في تحكيم شرع الله والقيام بأمر الله في كل شيء، والعامة في ذمة الدول وفي ذمة الرؤساء والعلماء، فيجب عليهم أن يتعاونوا في تفقيه الناس وتعليمهم وإرشادهم وحل مشاكلهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فلا بد من التواصي بذلك والتعاون فيه حتى يحكم شرع الله، وحتى يستقيم المسلمون عليه، وحتى يدخل الناس في دين الله أفواجا بعد ما خرج منه من خرج جهلا وضلالا أو بسبب دعاة الباطل وأعوانهم، حتى استجاب له من استجاب عن جهل وقلة بصيرة، فإذا رجع المسلمون إلى دينهم واستقاموا عليه حصل لهم كل خير، وسلموا من كل شر، ونصرهم الله على أعدائهم، وصارت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
وإني لأرجو من هذه المجالس المجلس التأسيسي للرابطة، والمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والمجمع الفقهي، أن ينفع الله بها المسلمين، وأن يجعلها سببا لكل خير في جميع الدول الإسلامية وفي جميع مواطن المسلمين في كل مكان، وتعلمون بحمد الله اليقظة الإسلامية والصحوة الإسلامية في سائر أرجاء الدنيا في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، وفي كل مكان نشاط إسلامي وصحوة إسلامية ورغبة في الدين، وهذا يبشر بالخير ويحتاج إلى تكاتف وتعاون من رؤساء الدول الإسلامية وعلماء المسلمين ومن أغنياء المسلمين حتى يكون الجميع متعاونين على البر والتقوى.
وهكذا يجب على المسلمين في كل مكان: في مصر، وفي ليبيا، وفي تونس، وفي الجزائر، وفي المغرب، وفي أمريكا، وفي أوروبا وفي كل مكان، يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، ويجب أن يتفقهوا في الإسلام ويحرصوا على الاستفادة من علمائهم في كل وقت؛ حتى يكونوا على بصيرة في دينهم، وحتى يؤدوا أعمالهم على الوجه المطلوب الذي يرضيه سبحانه، وحتى يستقيم أمر الله بينهم، وحتى يحكموا شرع الله في شئونهم الدينية والدنيوية.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يفقههم في الدين، وأن يصلح ولاة أمرهم وقادتهم، وأن يعينهم على تحكيم شرع الله في بلاد الله والرفق بعباد الله، وأن يوجهوهم إلى كل خير، وأن يمنحهم الله الهدى والثبات، وأن يوفق أغنياء المسلمين لإعانة القائمين بالدعوة إلى الله ومعلمي الناس الخير والبذل في سبيل الله؛ لما في ذلك من إعانتهم على هذه المهمة العظيمة، كما نسأله سبحانه أن يعين دولنا الإسلامية وأغنياءنا جميعا على مواساة الفقير والإحسان إليه والأخذ بيده، وتعليمه دينه وإرشاده إلى كل خير، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[1].
 
رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي
والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

  1. كلمة لسماحته في افتتاح الدورة الحادية والثلاثين لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بتاريخ 21 / 7 / 1412 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 259).