الجواب:
الأفضل لمن قدر أن يكون ذلك آخر الليل هذا هو الأفضل، أن يصلي صلاة الوتر، والتهجد في آخر الليل في الثلث الأخير؛ لما ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له حتى ينفجر الفجر متفق على صحته، وهو حديث عظيم يدل على أنه -جل وعلا- ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى الثلث الأخير في كل جهة من الجهات على حسب أوقاتهم، فيقول : من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ فإذا استطاع المؤمن والمؤمنة أن يكونا في هذا الوقت من المصلين، والداعين فهذا هو الأفضل.
ونزول الرب -جل وعلا- لا يشابه نزول المخلوقين، بل هو نزول يليق بالله لا يعلم كيفيته إلا هو -جل وعلا- ولا يلزم منه خلو العرش، فهو فوق العرش فوق جميع الخلق، وينزل نزولًا يليق بجلاله، لا ينافي علوه وفوقيته فهو نزول يليق به -جل وعلا- وهو الذي يعلم كيفيته فعلينا أن نؤمن بذلك، وأن نصدق بذلك، ونقول لا يعلم كيفية هذا إلا هو .
وهكذا بقية الصفات نعلمها ونمرها كما جاءت، ولكن لا يعلم كيفيتها إلا هو كالاستواء على العرش، النزول، والمجيء يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وكذلك رحمته وغضبه، كيف يرحم؟ وكيف يغضب؟ كيف سمعه؟ كيف بصره؟ كيف يده؟ كيف قدمه؟ كلها صفات لله، لا نعلم كيفيتها، بل لا يعلم كيفيتها إلا هو .
ولهذا لما سئل الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- إمام المدينة في زمانه في القرن الثاني، سئل -رحمه الله- قال له السائل: يا أبا عبدالله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق طويلًا، وعلته الرحضاء تعظيمًا لهذا السؤال لخطورته -والرحضاء: العرق- ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء، ثم أمر به فأخرج.
فالمقصود: أنه قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة جميعًا، كما قال مالك -رحمه الله- قاله الأئمة غيره: كـأبي حنيفة، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة الإسلام، وهو مروي عن أم سلمة -رضي الله عنها- أم المؤمنين، وهو أيضًا قول ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك، فإنه قال معنى هذا الكلام، وهو قول الأئمة جميعًا من أهل السنة والجماعة.
الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة، وهكذا القول في بقية الصفات، كالنزول والرحمة، والغضب، والسمع، والبصر، واليد، والقدم، والأصابع، وغير هذا، كلها يقال فيها: إنها معلومة من جهة المعنى، ومن جهة اللغة العربية، ولكن كيفيتها لا يعلمها إلا هو .
وفي هذا الحديث الدلالة على شرعية التهجد في آخر الليل، والدعاء في آخر الليل، لكن من لم يستطع؛ فإنه يوتر في أول الليل، من لم يستطع ذلك؛ فالسنة له أن يوتر في أول الليل، أو في وسط الليل حسب طاقته؛ لما ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: من خاف ألا يقوم من آخر الليل؛ فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل؛ فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل.
فصل في هذا -عليه الصلاة والسلام- فمن طمع أن يقوم آخر الليل؛ فهو أفضل، ومن خاف؛ أوتر في أول الليل.
وقد فعل ﷺ هذا وهذا وهذا، قالت عائشة -رضي الله عنها-: من كل الليل قد أوتر الرسول ﷺ من أوله، وأوسطه، وآخره، ثم انتهى وتره إلى السحر يعني: استقر وتره في الثلث الأخير -عليه الصلاة والسلام- نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.