حكم التحاكم إلى غير شرع الله والحلف بغير الله

السؤال:

عندما يحدث نزاع بين قبيلتين على أمر ما من مصالح الدنيا، فإن المتنازعين لا يتحاكمون إلى الشرع، حتى ولو على حكم الشرع، بل يتحاكمون -وهذا سائد بين كل أفراد القبيلتين- لما يسمى المرضي، وهو شخص من قبيلة غير قبيلتي المتنازعين، فيحكم هذا الشخص بما وجد عليه الآباء والأجداد، وقد يحكم بيمين تؤدى في ضريح، فمثلًا: إذا اتهم شخص بسرقة، وأنكر فإنه يقسم بالشيخ فلان أنه ما سرق، ويحلف معه خمسة أو عشرة من أهله أو قبيلته تختارهم القبيلة التي لها اليمين، وبالفعل يحلفون بأن صاحبهم صادق، حتى ولو لم يروا شيئًا، فما رأي سماحتكم؟ وما هو موقفنا كدعاة إلى الله؟ وإذا كان والدي من هؤلاء الذين يحكمون الناس بما سبق، وأن وصفته فما هو وجه النصح له، رغم أني نصحته أكثر من مرة، فبرر عمله بأنه طالما أنه يحلف الناس من بعضهم فلا شيء في ذلك، هل أقاطعه؟ وإذا ما قاطعته هل أكون عاقًا؟

أفيدونا، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الله، بل يجب الحكم بشريعة الله، والتحاكم إليها، كما قال الله سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65] يعني: النبي ﷺ، فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] ويقول سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] . فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].

فالواجب التحاكم إلى شرع الله، ولا يجوز لأي أحد أن يحكم بين القبيلة بحكم الطاغوت والأجداد والأسلاف، ولا يجوز الحلف بغير الله، بالسيد فلان، ولا بأبي فلان، ولا بالنبي فلان، الحلف لا يجوز إلا بالله وحده ، قال النبي ﷺ: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت وقال -عليه الصلاة والسلام-: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك فالحلف بغير الله لا يجوز، لا بالأنبياء ولا بالأولياء ولا بغيرهم.

ولا يجوز تحكيم شيوخ القبائل، ولا أشخاص معينين من أي قبيلة، كل هذا منكر، وكل هذا لا يجوز وباطل، والذي يراه جائزًا، ويراه أمرًا معتبرًا، يكون كافرًا، نسأل الله العافية من ذلك، كل من أجاز حكم غير الله، فإنه يكون كافرًا، ولو قال: إن حكم الشرعة أحسن، إذا قال: إنه يجوز تحكيم القوانين، أو آراء الأجداد، وأنها جائزة، فهذا كله شرك أكبر، ولو قال: إن الشريعة أحسن وأفضل، فالأحوال ثلاثة:
- تارة يحكم بغير ما أنزل الله ويقول: إنه أحسن من حكم الله.
- وتارة يقول: إنه مثل حكم الله.
- وتارة يقول: لا، حكم الله أحسن، ولكن هذا جائز.
ففي الأحوال الثلاثة كلها يكون كافرًا، نسأل الله العافية؛ لأنه استجاز أمرًا محرمًا بالإجماع مخالفًا للشريعة المطهرة، ولنص الكتاب والسنة، ومن استحل ما حرمه الله، وأجمع عليه المسلمون فهو كافر.

نعم يجوز الإصلاح بين الناس بما لا يخالف الشرع، فإذا تنازع اثنان في سرقة، أو مضاربة، وأصلح بينهما وتراضوا، أصلح بينهما شخص على أن هذا السارق يعطي فلان كذا وكذا، ولا يترافعون للمحكمة يعطيه سرقته، أو يزيده كذا وكذا، ولا يترافعون فلا بأس، أو يطلب منه سموحة وسمح، فلا بأس، أما أن يلزمه بحكم أحد فلا، لا يجوز الإلزام بحكم أحد من الناس أبدًا إلا بحكم الشرع، أما الإصلاح بين الناس بأن يطلب منه السماح فيسمح، أو يرضيه بماله الذي أخذه منه، أو نهب منه، أو عن ضربة ضربه إياها، يرضيه بمال أو بوجاهة فلا بأس، على سبيل الرضا فقط من دون إلزام، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة