الجواب:
إذا كان إمامهم ليس بكافر، وإنما عنده بعض البدع التي لا تخرجه من الإسلام، فلا مانع من الصلاة معهم، ونصيحتهم، وتوجيههم، وإرشادهم بالدعوة إلى الله بعد الصلوات، وفي حلقات العلم في المسجد، حتى يستفيدوا وينتفعوا، ويدعوا ما عندهم من البدع -إن شاء الله-؛ لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب التناصح.
أما إن كان إمامهم يتعاطى ما يوجب كفره، كالذي يستغيث بالرسول ﷺ، أو يدعوه من دون الله، أو يستغيث بالأموات، وينذر لهم، ويذبح لهم، هذا كفر وضلال، هذه أمور كفرية، لا يصلى خلفه؛ لأن هذه الأمور من أمور الكفر بالله والشرك بالله .
وهكذا إذا كان إمامهم يعتقد اعتقادات كفرية، كأن يعتقد أن غير الله يتصرف في الكون من الأولياء، وأنهم يدبرون هذا العالم من الأولياء، كما يعتقده بعض الصوفية، أو يعتقد ما يعتقده أصحاب وحدة الوجود، من أن الخالق والمخلوق واحد، وأن الخالق هو المخلوق، والعبد هو المعبود، ونحو ذلك من المقالات الخبيثة الملحدة، فهذا كافر، ولا يصلى خلفه، أما إذا كان بدع دون الكفر، فإن هذا يصلى خلفه.
مثل بدعة المولد، وليس فيها كفر، ومثل بعض البدع الأخرى التي يفعلها الصوفية وليست بكفر، بل دون الكفر، فلا تمنع من الصلاة خلفه.
وأما الأشعار التي يأتي بها، ينظر فيها فإذا كانت أشعارًا كفرية، مثل أشعار صاحب البردة في قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به |
سواك عند حلول الحادث العمم |
إن لم تكن في معادي آخذًا بيدي |
فضلًا وإلا فقل: يا زلة القدم |
فإن من جودك الدنيا وضرتها |
ومن علومك علم اللوح والقلم |
هذه أشعار كفرية، هذا اعتقاد ضال، فإذا كان أصحاب المسجد يعتقدون مثل هذه الأمور، فلا يصلى خلف إمامهم؛ لأن الاعتقاد بأن الرسول ﷺ يعلم الغيب، أو أنه يملك الدنيا والآخرة هذا كفر وضلال، والعياذ بالله؛ لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله .
وهكذا اعتقاد بعض الصوفية وبعض الوثنية أن الرسول ﷺ ينقذ الناس يوم القيامة، وينقذ من دعاه يوم القيامة، ويخرجه من النار، فهذا كله كفر وضلال، إنما الأمور بيد الله هو الذي ينجي من النار، وهو الذي يعلم الغيب، وهو المالك لكل شيء، وهو مدبر الأمور ، والرسول ﷺ ليس في يده إخراج الناس من النار، بل يشفع ويحد الله له حدًا يوم القيامة في الشفاعة -عليه الصلاة والسلام-، ولا يشفع إلا لأهل التوحيد والإيمان، كما قد سأله أبو هريرة قال: "يا رسول الله، من أحق الناس بشفاعتك؟ قال: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو قال: خالصًا من نفسه وقال -عليه الصلاة والسلام-: إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة -إن شاء الله- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا فشفاعته لأهل التوحيد والإيمان لا لأهل الكفر بالله .
فالحاصل: أن الإمام إذا كان عنده شيء من الكفر، فهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت بدعته دون الكفر، فلا مانع من الصلاة خلفه، ولكن إذا وجد مسجدًا آخر فيه أهل السنة، فالصلاة خلفهم أولى، وأحسن وأبعد عن الشر، ولكن مع ذلك ينبغي لأهل السنة أن يتصلوا بأهل البدع للنصيحة والتوجيه والتعليم والتفقيه والتعاون على البر والتقوى؛ لأن بعض أهل البدع قد يكون جاهلًا ما عنده بصيرة، فلو علم الحق لأخذ به وترك بدعته.
فينبغي لأهل السنة ألا يدعوا أهل البدع، بل عليهم أن يتصلوا بهم وينصحوهم ويوجهوهم ويعلموهم السنة ويحذروهم من البدعة؛ لأن هذا هو الواجب على أهل العلم والإيمان، كما قال الله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[النحل:125] قال : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33] نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
المقدم: اللهم آمين.