حكم ترك الزكاة

السؤال:

يسأل سؤالًا آخر فيقول: هل ترك الزكاة يخرج من الملة أم لا؟ 

الجواب:

ترك الزكاة لا يخرج من الملة، معصية كبيرة، من كبائر الذنوب، ولكن صاحبها لا يخرج من الملة، فهو تحت مشيئة الله؛ لأنه قد صح عن النبي ﷺ أنه قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها؛ إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار؛ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أحميت عليه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار ما قال إلى النار فقط، قال: إلى الجنة أو النار فدل على أنه تحت مشيئة الله، وأنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب، بعدما يعذب، كما أن كثيرًا من العصاة يعذبون: كالزناة، وأصحاب العقوق، وآكل الربا، إلى غير ذلك، قد يعذبون ثم يدخلون الجنة، إذا كانوا ماتوا على التوحيد والإسلام.
وقد لا يعذبون إذا كان لهم حسنات عظيمة، وأعمال صالحة، وعفا الله عنهم، الله يعفو على من يشاء ، كما قال في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] ثم قال سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ما دون ذلك، يعني: ما دون الشرك: كالعقوق، وترك الزكاة، وترك الصيام، ترك الحج مع الاستطاعة، أكل الربا، شرب المسكر، كل هذه وأشباهها من المعاصي، تحت مشيئة الله، قد يدخل النار ويعذب، وقد يعفى عنه.

لكن من دخل النار من أهل المعاصي لا يبقى فيها لا يخلد، بعد مضي مدة من بقائه فيها يخرجه الله، والمدة الله الذي يعلمها ، على حسب معاصيه، بعد التطهير، وبعد التمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة، إما بشفاعة الشفعاء؛ كنبينا ﷺ، أو بشفاعة غيره، أو بمجرد رحمة الله وعفوه، إذا انتهت المدة التي كتبها الله عليه في النار، ولا يخلد، خلافًا: للخوارج والمعتزلة.

الخوارج والمعتزلة يقولون: العاصي مخلد في النار: من ترك الزكاة يخلد في النار، من زنى يخلد في النار، من عق والديه يخلد في النار، من شرب مسكر يخلد في النار، هذا غلط عظيم. 

الخوارج يقولون: كافر، ويخلد في النار، والمعتزلة يقولون: بالمنزلة بين المنزلتين، لا كافر ولا مسلم في الدنيا، ليس كافر ولا مسلم، لكنه في الآخرة مخلد في النار، فهم مع الخوارج في الآخرة، مخلد في النار، كالكفار، وهذا باطل، كلام باطل، خلافًا لـأهل السنة والجماعة.

أهل السنة والجماعة يقولون: العاصي ليس بكافر، كالزاني والسارق، ومن ترك الزكاة، أو ترك صيام رمضان، أو الحج مع الاستطاعة؛ ليس بكافر، إذا لم يجحد وجوبها، فإنه يكون عاصيًا، متوعدًا بالنار، فإن دخلها لم يخلد، وإن عفا الله عنه فهو أهل الكرم والجود ، وإن دخل النار فإنه يعذب مدة يشاؤها الله، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة، فضلًا منه ، ولا يخلد إلا الكفار، الذين ماتوا على الكفر بالله.

والعاصي إذا استحل يكون كافرًا، إذا استحل ترك الزكاة، أو استحل ترك الصيام، قال: ما هو بواجب عليه صيام رمضان، بدون علة شرعية، أو قال وهو مستطيع: الحج ما هو بواجب؛ كفر، أو قال: الزنا ما هو بحرام، أو قال: عقوق الوالدين ما هو بحرام، أو قال: شرب المسكر ليس بحرام، أو قال: أكل الربا، ما فيه ربا، كله حلال، هذا كفر أكبر، يكون مع الكفرة، نعوذ بالله.

أما إذا تعاطى الربا وهو يعرف أنه عاصٍ، أو زنى وهو يعرف أنه عاصٍ، أو شرب مسكرًا وهو يعرف أنه عاصٍٍ، أو عق والديه يعرف أنه عاصٍ، هذا تحت مشيئة الله، عاصٍ أتى كبيرة وعلى خطر من دخول النار، لكن لا يكون كافرًا، خلافًا للخوارج، ولا يخلد في النار إذا دخلها، خلافًا للمعتزلة والخوارج جمعيًا، ولكنه تحت مشيئة الله، فإن عفا الله عنه، بأسباب توحيده، وأعماله الصالحة، فالله سبحانه صاحب الجود والكرم، وإن عذبه على قدر المعاصي فهو العدل سبحانه، الحكم العدل، يعذبه كما يشاء بقدر سيئاته، وأعماله القبيحة.

ثم إذا مضت المدة التي قدرها الله عليه، يخرجه الله من النار إلى الجنة، فضلًا منه وإحسانًا، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، وهو قول أصحاب النبي ﷺ، وأتباعهم بإحسان، وهو الذي دل عليه كتاب الله، ودلت عليه سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ ولهذا إذا زنى يحد لا يقتل، يحد حد البكر: مائة جلدة، وتغريب عام،، لو كان ردة قتل مرتدًا، وإنما يقتل الثيب إذا زنى، وهو ثيب قد تزوج، ووطئ هذا يرجم، إذا كان حرًا مكلفًا يرجم، أما إذا كان مجنونًا ما عنده عقل، هذا ما عليه حدود.

فالمقصود: أنه إذا كان مكلفًا وزنى وهو ثيب قد تزوج وأحصن ودخل بالمرأة ووطئها؛ يرجم حتى يموت حدًا، ويصلى عليه، ما هو بكافر، وإن كان بكرًا لم يتزوج، أو تزوج ولم يطأ؛ يجلد مائة جلدة، ويغرب عام، فدل على أنه ليس بكافر، لو كان كافرًا؛ يقتل، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: من بدل دينه فاقتلوه رواه البخاري، فالمرتد كافر إذا ارتد عن الإسلام يقتل إلا أن يتوب، أما شارب الخمر لا يقتل، يجلد، العاق يعزر، الذي عق والديه يعزره ولي الأمر ويردعه ولا يقتل، كذلك صاحب الغيبة والنميمة، كلها معاصي، يستحق التأديب صاحبها، وليست كفرًا، بل هي معاصي، صاحبها تحت مشيئة الله إذا مات عليها، خلافًا للخوارج -قبحهم الله- الذين يكفرون بالذنوب، وخلافًا للمعتزلة الذين يقولون: إنه مخلد في النار، نسأل الله السلامة والعافية، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم. 

فتاوى ذات صلة