الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فالسحر بينه الله -جل وعلا- في كتابه العظيم، وهكذا الرسول ﷺ أنه موجود، وأن السحرة موجودون، وأن الشياطين هم الأساتذة، هم الذين يعلمونهم السحر، الشياطين، شياطين الجن هم الذين يعلمون شياطين الإنس السحر، والسحر يكون بالرقى الشيطانية، والتعوذات الشيطانية، والعقد والنفث، كما قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] يعني: السواحر اللاتي ينفثن في العقد بكلمات ضالة خاطئة، يردن بها إيذاء المسحور.
ويقع بالتخييل، كما قال تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه:66] فيخيلون للإنسان أن الحبل حية، والعصا حية، والكلب نوع آخر، والقط نوع آخر، إلى غير ذلك، يسميه العامة التذمير، يعني يذمر على العيون، كما قال -جل وعلا-: فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف:116] وسحروا أعين الناس، أي: لبسوا عليهم حتى صار الإنسان ينظر الشيء على غير وجهه، ويظنه غير المعروف؛ بسبب ما وقع من التلبيس الذي شوش على العين، حتى ظن الناس أن الحبال، والعصي بسبب سحرة فرعون ظنوا أنها حيات، واعتقدوا أنها حيات.
والساحر يتلقى من الشياطين، قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102].
هكذا بين ثم قال: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ [البقرة:102] يعني: ويعلمونهم ما أنزل على الملكين بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ [البقرة:102] يعني: الملكين هاروت وماروت حَتَّى يَقُولا [البقرة:102] للمتعلم، يقولا للمتعلم،إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، يعني: أن الملكين مبتلى بهما الناس، فلا تكفر بتعاطي السحر، فدل ذلك على أن تعاطي السحر كفر بعد الإيمان، وردة بعد الإسلام إذا كان مسلمًا؛ لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الشياطين، التقرب إليهم بالذبح، والنذر، والاستغاثة، والسجود لهم، ونحو ذلك.
فيكون الساحر بهذا كافرًا مرتدًا؛ لكونه يتعاطى مع الشياطين ما هو من حق الله من العبادة، ولهذا قال -جل وعلا-: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا [البقرة:102] أي: ينصحاه حتى يقولا له: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا [البقرة:102] أي: من هاروت وماروت.
مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102] يعني: يتعلمون من الملكين أشياء من السحر، تلبس على الزوج والزوجة، حتى يعتقد الزوج أن المرأة غير امرأته، شانت حالها، وتغيرت حالها، حتى يبغضها، ويطلقها، وهكذا المرأة يلبس عليها ... عليها، ويسحر عينها بالنسبة إلى زوجها، حتى تتخيل أنه غير زوجها، وأن صورته تغيرت، وأن حاله تغيرت؛ فتنكر، فتنكره، وتطلب الفراق.
قال تعالى: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102] أي: لا يقع السحر إلا بإذن الله، يعني: بإذن الله الكوني القدري، لا الشرعي؛ لأن الله سبحانه ما أذن فيه شرعًا، بل حرمه، وحذر منه، ولكنه يقع بإذنه الكوني القدري، كل شيء بقدره، الكفر والإيمان، والسحر، والقتل، والأكل والشرب، والموت، والحياة كلها بقدر، كلها بإذن الله القدري، ولهذا قال سبحانه: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.
ثم قال : وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ [البقرة:102] دل على أن السحر يضر، ولا ينفع، والمضرة على الساحر، وعلى المسحور جميعًا، وأن شره عظيم، وقدره الله لحكمة بالغة، وابتلاء وامتحان.
ثم قال سبحانه: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ [البقرة:102] يعني: اعتاظه مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ يعني: من حظ، ولا نصيب، وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ يعني: باعوا، ما شرى معنى باع وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ يعني: باعوا أنفسهم على الشيطان لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102] ثم قال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:103].
فدل على أن السحر ضد الإيمان والتقوى، وضد الآخرة، فوجب على كل إنسان أن يحذره، على كل مسلم أن يحذر السحر، وأن يتباعد عنه، وعن أسبابه، وعن أهله، وفي إمكان المؤمن أن يتعوذ بالله من شر السحرة، ويبتعد عنهم بالاعتصام بحبل الله، والاستقامة على دين الله، وعدم الركون لهم، وعدم التعلم منهم، ويتحرز من ذلك بالأشياء المشروعة: مثل آية الكرسي عند النوم، وبعد كل صلاة، ومثل: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] بعد كل صلاة، وبعد المغرب، والفجر ثلاث مرات، وعند النوم ثلاث مرات، كل هذا من أسباب السلامة من السحر.
وهكذا كونه يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق هذا أيضًا من الأسباب، من أسباب العافية، فالمؤمن يتحرز من كل شر بما شرعه الله، ومن ذلك السحر؛ فإنه شر عظيم، وخطره كبير.
فالواجب على المؤمن أن يحذر كل شر، وأن يتعاطى الأسباب التي جعلها الله أسبابًا للسلامة، ويعلم أن الأمر بيد الله فلا يضرك ساحر، ولا غيره إلا بإذن الله، فالجأ إلى الله، واستقم على دينه، والتزم التعوذات الشرعية، والأسباب الشرعية، وبه تسلم -بإذن الله- ولا يضرك السحرة، ولا الشياطين.
ومن أسباب السلامة: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، صباحًا، ومساءً، باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم ثلاث مرات، صباحًا، ومساءً، هذه من أسباب السلامة من كل شر، أعيدها: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات، صباحًا ومساء، من أسباب العافية من كل سوء.
جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: لدغتني عقرب البارحة، فقال: أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك وقال ﷺ: من نزل منزلًا، فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك وقال ﷺ: من قال: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات صباحًا؛ لا يضره شيء حتى يمسي، وإن قالها مساءً؛ لم يضره شيء حتى يصبح.
هذه نعمة من الله فعليك يا عبد الله! أن تجتهد في التعوذات الشرعية، والأسباب المرعية، وبذلك تسلم من شر أعدائك، ومكائد أعدائك من الشياطين، ومن السحرة، ومن غيرهم، والله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] فأنت مأمور بأخذ الحذر من كل سوء، مما يضرك في الدنيا، ومما يضرك في الآخرة، بالتحرزات الشرعية، والأسباب المرعية، في جميع الأحوال، نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.