وجوب بر الوالدين والعناية بهما

السؤال:

رسالة وصلت إلى البرنامج من الأعظمية في بغداد وباعثتها إحدى الأخوات من هناك، رسالتها مطولة في الواقع، أستأذن سماحة الشيخ في أن أقرأها كما وردت.

تقول: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

رسالتي لكم رسالة أم مؤمنة مسلمة عاشت عمرها الذي تجاوز الخمسين عامًا على عبادة الله وعلى سنة نبيه الكريم ﷺ أنشأت ابنتها الكبيرة على طريقتها حتى تزوجت قبل عشر سنوات وصارت تبتعد عني رغم أني أتقرب إليها حيث لم ينجب زوجها ذرية لسبب فيه، وتركنا ذلك إلى مشيئة الله  وفي الفترة الأخيرة افتقدتها نهائيًا ولم أعلم عنها شيئًا وانقطعت أخبارها، وقد تركتني أنا الأم التي أنشأتها على طاعة الله والوالدين أفتش عنها في كل زاوية ودرب مشوشة الفكر قلقة مشدودة الأعصاب.

علمًا بأني تحت العلاج الطبي والعمليات الجراحية التي أجريت لي حتى الآن لم تشف، أكرر: هل ما أمر به الله تعالى بالعطف على الوالدين ورعايتهم وعدم الإساءة لهم بالقول البسيط (أف)، كيف بهذا العمل الذي أقلقني في صلاتي وحرمني طعم الخشوع، أدعو أبناءنا إلى الطاعة فيما يرضي الله ورسوله، وليتركوا تعسفهم بالوالدين باسم الانقطاع الكلي لفكرهم وآرائهم التي ينقصها التجربة والعطف والواقع الذي يلف البشر.

فالله الله بهذه الأم التي أرضعت وربت ودرست وعلمت وهذبت على شريعة المصطفى محمد ﷺ أن تعامل هكذا.

أرجو منكم حفظكم الله إذاعة رسالتي أكثر من مرة فهي تستمع إلى ندوتكم المذاعة منذ سنوات كما نسمعها جميعًا، ودمتم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وتسأل أربعة أسئلة فيما يبدو على ضوء ما ذكرت فتقول:

سماحة الشيخ! ما حكم الشرع في هذا العمل حيث خرجت بدون محرم معها وكذبت على والديها؟

ما حكم الشرع في هذا العقوق ومعاملة الوالدين وهما من أهل الإسلام والإيمان؟

ما درجة صحة حديث رسول الله ﷺ حينما أمر أحد المجاهدين بالرجوع عن الجهاد والبقاء مع أمه رأفة بها من نبي الرحمة الكريم ﷺ؟

هل غاب عن بال من يصرف النظر عن والديه أن النبي الكريم أوصى بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة دون غيرهم؟ أرجو أن تتفضلوا بالتوجيه والإرشاد حول هذه القضية.

والواقع رسالة مطابقة تمامًا لهذا الموضوع لكن مرسلها أخونا عبد الله العبيدي من بغداد أيضًا، والموضوع واحد كما قلت سماحة الشيخ.

الجواب:

لا ريب أن بر الوالدين والإحسان إليهما والرفق بهما من أهم الواجبات، ومن أفضل القربات، وقد أوجب الله سبحانه حق الوالدين وأمر بالإحسان إليهما في كتابه العظيم في آيات كثيرات؛ منها: قوله : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ۝ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24].

ومنها: قوله سبحانه في سورة لقمان: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

فبرهما من أهم الفرائض، وهذا العمل الذي عملته هذه البنت عمل سيئ ومنكر ولاشك أنه عقوق، والواجب عليها أن تضع يدها في يد والدتها، وأن تطلب منها السماحة والإباحة والعفو؛ لأنها قد أساءت إلى والدتها مع ما فعلت الوالدة من الخير العظيم والتربية والإحسان والصبر على أذى الطفل.. إلى غير ذلك مما تقوم به الوالدة، فينبغي لهذه البنت أن تتوب إلى الله وأن ترجع إليه سبحانه وأن تستغفره جل وعلا من ذنبها وتقصيرها، وأن تضع يدها في يد والدتها وتستسمحها وتطلبها العفو.

وإذا كان هناك شيء حصل من والدتها يضرها ففي إمكانها توسيط من ترى من أهل الخير والأقارب حتى يصلح بينها وبين والدتها إن كان هناك شيء أوجب هذه القطيعة وهذا البعد.

وأما ما يتعلق بسفر المرأة بغير محرم فهذا لا يجوز، ليس لها أن تسافر إلا بمحرم كما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم وكذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له رجل: «يا رسول الله! من أبر؟ قال: أمك  قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب.

وفي اللفظ الآخر يقول عليه الصلاة والسلام لما سئل قيل: «يا رسول الله! أي الناس أحق بحسن الصحبة؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك.

فحق الوالدة أعظم وأكبر من حق الوالد ثلاث مرات، حتى الجهاد إذا كان ليس فرض عين لابد من استئذان الوالدين أو أحدهما إذا كان الموجود أحدهما وهو الجهاد الذي هو من أهم الفرائض وقد يجب على الأعيان في بعض الأحيان.

فالحاصل أنه يجب على الولد أن يستأذن والديه في الجهاد إذا لم يكن فرض عين لعظم حقهما ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما استأذنه رجل للجهاد قال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد.

فالمقصود: أن حق الوالدين عظيم، فالواجب على البنين والبنات أن يعنوا بهذا الأمر وأن يعطفوا على والديهم وأن يرحموا والديهم، وأن يحسنوا إلى الوالدين، وأن يتلطفوا بالوالدين، ويعطفوا على الوالدين، فهذا من بعض حق الوالدين، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة