الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فلا شك أن الله عز وجل، لا يرضى لعباده أن يتناولوا ما حرم عليهم بل قد حرم عليهم أشياء ونهاهم عن تناولها وأباح لهم أشياء وأمرهم بتناولها، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله فيما يأتي ويذر، كما يشرع له أن يتحرى الأمر المشروع في صيامه وقيامه وسائر حركاته وسكناته.
فالسنة للمؤمن أن يعمره بطاعة الله وأن يحفظ أوقاته بالمنافسة في الخير والمسارعة إلى الطاعات من الصلاة والصدقات وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار وعيادة المريض والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ونحو هذا من وجوه الخير، هكذا ينبغي للمؤمن أن يعمر هذه الأوقات الشريفة بطاعة الله والمنافسة فيما يرضيه ، والحذر مما يجرح صومه من معاصي الله، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: الصيام جنة يعني: ستر، يعني: سترة وحرز من النار يعني: لمن صان هذا الصيام وحفظه، ولهذا في اللفظ الآخر: الصيام جنة أحدكم من النار كجنته من القتال الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ويقول ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
هذا يبين لنا أن المقصود حفظ الجوارح عن محارم الله من الغيبة والنميمة، والكذب، والأيمان الفاجرة، الدعاوى الباطلة، والسب والشتم.. وغير هذا من الأقوال الضالة، وهكذا الأفعال المحرمة من السرقة والخيانة والزنا.. وغير هذا مما حرم الله فيصون جوارحه ليلًا ونهارًا عن كل ما حرم الله، ويستعملها في طاعة الله ورسوله دائما.. دائمًا..
ويشرع له أن يبادر بالإفطار إذا غابت الشمس، لقوله ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الإفطار، وقوله عليه الصلاة والسلام يقول الله : أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا.
والسنة أن يفطر على مباح لا على حرام، كالتمر والماء وسائر ما أباح الله، والأفضل على التمر، أو الرطب إن تيسر الرطب، فإن لم يتيسر فالتمر، فإن لم يتيسر فالماء، وليحذر كل الحذر أن يفطر على ما حرم الله من المسكرات أو التدخين أو القات ليحذر ما حرم الله، فليكن فطره على ما أباح الله وما شرع من الطعام الطيب، والشراب الطيب، أما إفطاره على ما حرم الله من المسكرات والمخدرات والتدخين والقات؛ هذا شيء يجب الحذر منه، ولا يختم صيامه بهذه القاذورات.
وهكذا في السحور، السنة أن يؤخر السحور، لا يتسحر في وسط الليل، السنة أن يتأخر في السحور؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يتسحر في آخر الليل قرب الأذان عليه الصلاة والسلام.
في الصحيحين عن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع النبي ﷺ في رمضان فقال له أنس: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية»، وفي لفظ آخر: «كم كان بين السحور والصلاة قال: قدر خمسين آية»، والمعنى بين الأذان الذي هو دخول وقت الصلاة وبين السحور، يعني: بين السحور يعني: التسحر قدر خمسين آية، وهذا يقارب خمس دقائق أو عشر دقائق، هذا يدل على أن التأخير أفضل، وهو أقوى للصائم وأنشط له على العمل في النهار.
فالسنة التبكير بالإفطار بعد غروب الشمس والتأخير في السحور، ولهذا في بعض الروايات عن سهل ابن سعد: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور هكذا جاء مرفوعًا عن النبي ﷺ، ويقول ﷺ: تسحروا فإن في السحور بركة متفق على صحته.
والسحور -بالضم- هو التسحر هو الأكل في آخر الليل، والسحور -بالفتح- هو ما يؤكل يقال له: سحور من تمر أو طعام آخر، ويقول ﷺ: فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر رواه مسلم في الصحيح، هذا يبين لنا أن الفصل بين صيام المسلمين وبين صيام اليهود و النصارى أكلة السحر، فالمعنى أن ترك ذلك يكون فيه مشابهة لليهود و النصارى.
فالذي يأكل السحور في وسط الليل خالف السنة، وشابه أهل الكتاب، فالمؤمن لا يليق به ذلك، بل الواجب عليه أن يتحرى ما شرعه الله، وما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل شيء، وأن يبتعد عما يخالف ذلك، ثم نومه بعد ذلك قد يكون وسيلة إلى نومه عن الصلاة -صلاة الفجر- ثم إذا قام عند الأذان قد يأكل بعد الأذان أو يشرب بعد الأذان فيعرض صومه للبطلان؛ لأنه قد يكون شربه بعدما طلع الفجر فيكون صومه باطلًا، فالواجب أن يحذر وأن يكون أكله قبل طلوع الفجر ولا يتساهل في هذه الأمور.
والصواب: أن من أكل بعد الفجر ثم بان له أنه أكل في النهار أنه يقضي، هذا هو المعتمد وهذا هو الأرجح، وهكذا لو أفطر قبل غروب الشمس، ثم عرف أنه أفطر قبل غروب الشمس عليه أن يقضي لكونه أفطر جزءًا من النهار من غير حق، فالحاصل أنه ينبغي للمؤمن أن يكون تسحره يعني: الأكل في آخر الليل قبيل الفجر حتى يكون نشيطًا يخرج إلى الصلاة ويصلي مع المسلمين وهو نشيط، ولا يعرض صومه للأكل بعد الصبح، ولا يعرض أيضًا صلاته للذهاب والفوات في وقتها أو مع الجماعة، ومع ذلك إذا أكل في آخر الليل شابه فعل النبي ﷺ، وسلم من مشابهة أهل الكتاب. نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا. الواقع سماحة الشيخ كما ذكرت هذه الرسالة حياة الناس تنقلب رأسًا على عقب في رمضان، فيتحول الليل إلى نهار، وتبقى الأسواق عامرة بالناس حتى الفجر، وفي النهار تكاد تخلو الشوارع من المارة، وهذا يجعل الناس في حياة متغيرة تمامًا حتى إذا ما انقضى رمضان مضى عليهم فترة حتى يتكيفوا مع الحياة الجديدة العادية، لابد لسماحة الشيخ من توجيه، كيف يكون الناس في رمضان حتى تبقى حياتهم مستمرة؟
الشيخ: السنة في رمضان في العشرين الأول أن ينام ويقوم يصلي ما تيسر وينام، أما السهر فلا وجه له، ما ينبغي السهر، ينبغي أن ينام ما تيسر حتى يتقوى بذلك على ما في النهار، وعلى حاجاته وعلى عمل وظيفته، ولا ينبغي السهر، بل المشروع أن ينام بعض الشيء في العشرين الأول ويقوم.
أما في العشر الأخيرة السنة فيها إحياء الليل لمن قدر بالعبادة بالقراءة والصلاة كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله»، (شد مئزره) يعني: شمر إلى العبادة، هذا هو الأفضل في العشر الأخيرة إحياء الليل بالعبادة بالقراءة بالصلاة بالذكر.
أما العشرون الأول فالسنة فيها أن ينام ويقوم كفعل النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تصلح الأمور، وبهذا ينشط المؤمن على العمل في النهار، وتكون حياته شبيهة بحياته الأولى، بخلاف ما إذا سهر في الليل، فإنه إذا كان في النهار سقط في الغالب؛ لأن الإنسان ضعيف، يحتاج إلى النوم، كما قال الله : وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28]. والله المستعان. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا.