حكم زيادة السعر مقابل الأجل

السؤال:
إذا كان عند رجل بضاعة، وطلب منه بعض الناس شراءها بأكثر من سعرها الحاضر إلى أجل معلوم، فما الحكم الشرعي في ذلك؟

الجواب:
يجوز عند أكثر العلماء؛ لقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] الآية، ولم يشترط سبحانه أن تكون المداينة بسعر الوقت الحاضر.
ولقول النبي ﷺ لما قدم المدينة وأهلها يسلمون في الثمار السنة والسنتين: من أسلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم[1]. متفق على صحته.
ولم يشترط -عليه الصلاة والسلام- أن يكون ذلك بسعر الوقت الحاضر.
وخرج الحاكم والبيهقي بإسناد جيد، عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أن النبي ﷺ أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل، فأمره أن يشتري البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة[2]، والأدلة في هذا المعنى كثيرة.
ولأن أمر التجارة في المداينة لا يستقيم إلا على ذلك؛ لأن التاجر لا يمكنه غالبًا أن يبيع السلع إلى أجل بسعر الوقت الحاضر؛ لأن ذلك يكلفه خسائر كثيرة؛ ولأن البائع ينتفع بالربح، والمشتري ينتفع بالإمهال والتيسير؛ إذ ليس كل أحد يستطيع أن يشتري حاجته بالثمن الحال، فلو منعت الزيادة في المداينة لنتج عن ذلك ضرر المجتمع، والشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا أعلم في هذه المسألة خلافًا يعول عليه، بل المعروف في كلام العلماء هو الجواز والإباحة، وهذا فيما إذا كان الشراء لحاجة الاستعمال والانتفاع.
أما إذا كان المشتري اشترى السلعة إلى أجل ليبيعها بنقد؛ بسبب حاجته إلى النقد في قضاء الدين، أو لتعمير مسكن أو للتزويج، ونحو ذلك، فهذه المعاملة إذا كانت من المشتري بهذا القصد، ففي جوازها خلاف بين العلماء، وتسمى عند الفقهاء (مسألة التورق) ويسميها بعض العامة (الوعدة).
والأرجح فيها الجواز، وهو الذي نفتي به؛ لعموم الأدلة السابقة؛ ولأن الأصل في المعاملات الجواز والإباحة، إلا ما خصه الدليل بالمنع؛ ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك كثيرًا؛ لأن المحتاج -في الغالب- لا يجد من يساعده في قضاء حاجته بالتبرع ولا بالقرض، فحينئذٍ تشتد حاجته إلى هذه المعاملة؛ حتى يتخلص مما قد شق عليه في قضاء دين ونحوه.
ولكن إذا أمكن المسلم الاستغناء عنها، والاقتصاد في كل ما يحتاج إليه إلى أن يأتي الله بالفرج من عنده، فهو أحسن وأحوط.
ومما ينبغي التنبيه إليه: أنه ليس للبائع أن يبيع السلع التي ليست في حوزته، بل لا تزال في حوزة التجار حتى ينقلها إلى بيته، أو إلى السوق، ونحو ذلك؛ لما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نشتري الطعام جزافًا على عهد النبي ﷺ فيبعث إلينا النبي ﷺ من يأمرنا ألا نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا[3] أخرجه البخاري.
وعن زيد بن ثابت قال: نهى رسول الله ﷺ أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم[4] أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان والحاكم.
وعن حكيم بن حزام قال: قلت: يا رسول الله، يأتيني الرجل يريد السلعة ليست عندي، أفأبيعها عليه، ثم أذهب فأشتريها؟ فقال ﷺ: لا تبع ما ليس عندك[5] أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة بإسناد صحيح[6].
  1. رواه البخاري في (السلم)، باب (السلم في وزن معلوم)، برقم: 2241، ومسلم في (المساقاة)، باب (السلم)، برقم: 1604.
  2. رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة)، (مسند عبدالله بن عمرو بن العاص)، برقم: 6557، وأبو داود في (البيوع)، باب (في الرخصة في ذلك)، برقم: 3357.
  3. رواه البخاري في (البيوع)، باب (من رأى إذا اشترى طعامًا جزافًا أن لا يبيعه)، برقم: 2137، ومسلم في (البيوع)، باب (بطلان بيع المبيع قبل القبض)، برقم: 1526.
  4. رواه أبو داود في (البيوع)، باب (في بيع الطعام قبل أن يستوفى)، برقم: 3499.
  5.  رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين)، (مسند حكيم بن حزام)، برقم: 14887، والترمذي في (البيوع)، باب (ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك)، برقم: 1232، وابن ماجه في (التجارات)، باب (النهي عن بيع ما ليس عندك)، برقم: 2187.
  6. نشر في كتاب (فتاوى البيوع في الإسلام)، من نشر (جمعية إحياء التراث الإسلامي) بالكويت، ص: 38. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 19/ 97).
فتاوى ذات صلة