حكم إعطاء البيعة لغير ولي الأمر

السؤال:

أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين، يقول: محمد أكرم حسين، أخونا ذيل رسالته بقوله: آمل أن يجيب على هذا السؤال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز .

بدأ رسالته على النحو التالي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: أنا شاب من الهند جئت إلى المملكة العربية السعودية، الرياض لمنحة دراسية للدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بكلية أصول الدين قسم العقيدة، والحمد لله، تخرجت منها العام الماضي، وبفهمي لما درسته عرفت ما عليه بلادنا في الهند من المسلمين من الشرك، والطرق الصوفية والبدع المنتشرة؛ فذهبت بعزم على الدعوة إلى الله وتصحيح العقيدة وتخليصها من كل ما يشوبها من شرك أو صوفية، لكن عندنا في الهند مشهور المبايعة على الطرق، وكأنهم يعتقدون أنه من لم يبايع فليس بمسلم؛ لذلك وجدت صعوبة في الدعوة.

وجاءت في نفسي فكرة، ولكن لم أفعلها، وأنا أستشيركم فيها، وهي: أن أبايع من يأتي على صورة قول الصحابي: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة الحديث، لكن في هذه البيعة أبين لهم فيها أن المطلوب هو: إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وأبين فيها البدع، وتحريم الطرق الصوفية بأسلوب حسن، وأحثهم على التمسك بالسنة والمحافظة على الصلوات الخمس، وقراءة القرآن، وذكر الله الذكر المشروع عن النبي ﷺ في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا الفعل يكون عندهم مبايعة، ويغنيهم عن الذهاب للصوفية، وهو في الحقيقة أمر بما جاء عن الله وعن النبي ﷺ ما هو رأي سماحتكم في هذا الفعل؟

أفتونا جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فلا نعلم أصلًا لهذه البيعة، إلا ما يحصل لولاة الأمور، فإن الله شرع سبحانه أن يبايع ولي الأمر على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، وفي الأثرة على المبايع، كما بايع الصحابة وأرضاهم نبينا -عليه الصلاة والسلام- فالبيعة تكون لولاة الأمور على مقتضى كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- وأن يقولوا بالحق أينما كانوا، وألا ينازعوا الأمر أهله، إلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان.

أما بيعة الصوفية بعضهم لبعض فلا أعلم لها أصلًا، وهذا قد يسبب مشاكل، فإن البيعة قد يظن المبايع أنه يلزم المبايع طاعته في كل شيء، حتى ولو قال بالخروج على ولاة الأمور، وهذا شيء، شيء منكر لا يجوز.

فالواجب على الداعي إلى الله والمبلغ عن الله: أن يبين للناس الحق، ويحثهم على التزامه، ويحذرهم من مخالفة أمر الله ورسوله من غير حاجة إلى أن يبايعوه على ذلك، فإن البيعة على هذا الأمر قد يظن بها، ويعتقد فيها أنها لازمة لهذا الشخص، بالنسبة إلى الشخص المبايع، وأنه لا يخالف فيما يقول له، وأنه يسمع له ويطيع كما يكون لولاة الأمور، وهذا يسبب الفرقة والاختلاف بين المسلمين، والنزاع والفساد، ولكن يأمره بطاعة الله ويوصيه بطاعة الله، ويحثه على الالتزام بأمر الله، ويحذره من محارم الله، هكذا الداعي إلى الله ، وهذا هو الذي أعلم من الشرع المطهر، ولا أعلم في الشرع المطهر بيعة لغير ولاة الأمور على السمع والطاعة، وعلى اتباع الكتاب والسنة.

وفي إمكان الداعي إلى الله -جل وعلا أينما كان- أن يبصر الناس ويرشدهم إلى توحيد الله وطاعته، ويحذرهم من البدع، ويتلو عليهم النصوص من الآيات الكريمات، والأحاديث النبوية التي فيها بيان الحق، والدعوة إليه، وفيها التنبيه على أنواع الباطل، والتحذير منه، وهذا هو الذي أراه لازمًا ومتعينًا في حق الدعاة إلى الله حتى لا يتأسوا بـالصوفية فيما يفعلون، وحتى لا يفتحوا على الناس باب شر لكل أحد، كل من أراد أن يبايع أحدًا قال: بايعني كما بايع فلان وكما بايع فلان، والله المستعان، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا، سماحة الشيخ، أعلم أن هناك إحدى الجماعات أحسبها ولا أزكي على الله أحد، أحسبها تهتم بأمر الدعوة إلى الله، لكن من ضمن ما تعمله هذا الذي يسمى المبايعة، هل من توجيه لسماحة الشيخ؟

الشيخ: نعم، نعم، الذي أوصي به إخواني جميعًا ترك هذه الطريقة -وهي المبايعة- وأن يكتفي الداعي إلى الله -جل وعلا- بالدعوة إلى الله، وإرشاد الناس إلى الخير والنصيحة، والحث على اتباع الحق ولزومه، وترك ما خالفه أينما كان، وليس المقصود بيعة فلان أو فلان. 

المقصود: اتباع الرسول ﷺ فيما جاء به، والالتزام بذلك، فالله ألزم الناس بطاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وإن لم يكن هناك بيعة، فإن المؤمن يلزمه طاعة الله ورسوله في كل شيء، وترك ما نهى الله عنه ورسوله في كل شيء، سواء كان من الصحابة أو من غير الصحابة، لكن البيعة من باب التأكيد، من باب التأكيد على التزام الحق الذي بعث الله به نبيه محمد ﷺ.

وهكذا ولاة الأمر بعده كـالصديق و عمر و عثمان و علي وغيرهم، يلزم الرعية أن يطيعوه في المعروف، وإن لم يكن بيعة، لكن البيعة من باب التأكيد، ومن باب الإلزام بالحق لهذا الذي ولاه الله أمر المسلمين؛ حتى يكون ذلك حافزًا للمبايع على السمع والطاعة في المعروف، وعلى الالتزام بالحق.

أما غير خليفة المسلمين وغير ولي أمر المسلمين، فليس هناك حاجة إلى هذه البيعة، المقصود: إنما هو تنبيهه على الخير، ودعوته إليه، وتحذيره من الشر فقط، وليس المقصود: أن يبايع على هذا الشيء، أنه يلتزم برأي فلان، أو قول فلان، إنما اللازم: أن يلتزم الحق، ويستقيم على الحق الذي دعاه إليه فلان، أو بلغه من كتاب الله، أو من سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو الواجب، والمعول على الكتاب والسنة لا على رأي فلان وفلان، وإنما العلماء يبينون ويرشدون وينقلون للناس الآيات والأحاديث، ويبصرونهم بمعناها، وليس المقصود: تحكيم رأي فلان أو فلان، نعم.

المقدم: بارك الله فيكم، كون جماعة من الناس أو قطر معين اعتاد على هذه البيعة، وإن كانت لغير ولاة الأمور، هل يبيح لنا سماحة الشيخ أن نرضيهم بهذا المسلك؟

الشيخ: ما يظهر لي هذا، الذي أعلمه من الشرع: أنه لا بيعة إلا لولاة الأمور، أو نوابهم إذا استنابوا أحدًا يأخذ البيعة لهم، فأميرهم في الأقطار نائب عنهم في أخذ البيعة، سواء كان عالمًا أو أميرًا أو قاضيًا، المقصود: إذا استنابه ولي الأمر أن يأخذ البيعة من أهل البلد الفلانية، والقبيلة الفلانية؛ أخذ البيعة لولي الأمر بالنيابة، نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة