الجواب: ليس لتحديد المهور أصل يعتمد عليه من شرع الله، لم يرد في الشرع ما يقتضي تحديد المهور، ولهذا فقد همت الدولة مرة، بل غير مرة، ولكن لم يتيسر ذلك، فإنه ليس هناك أصل في الشرع، لا في الكتاب ولا في السنة يعتمد عليه، في تحديد المهور بعشرة آلاف أو عشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر.
ثم إن تحديدها قد لا يتم له إذا حددت فقد يخالف الناس، فماذا يفعل بهم، يضربون على شيء ما حرمه الله، ماذا يفعل بهم، يسجنون، المسألة فيها خطر، فالتحديد فيه صعوبة، لكن إذا تجمّع أناس أو قبيلة، فيما بينهم، أو أهل قرية أو أهل مدينة فيما بينهم، واصطلحوا فيما بينهم على شيء معين، لا حرج إن شاء الله في ذلك.
أما أن الدولة بنفسها تفرض على الناس مهرًا خاصًا، لا يزاد فيه في جميع أجزاء المملكة، فإن هذا في صعوبة، وليس له أصل شرعي معروف يعتمد عليه، حتى تقوم الدولة به، وحتى تعاقب من خالفه، ولكن في النصائح والتوجيه وتعاون أهل الخير، وأعيان الناس وعلمائهم وأمرائهم على التخفيف والتخفيض، في ذلك خير كثير.
وأما انتشار الدنيا بين الناس، وتوسع الناس بالدنيا، فقد صار بعض الناس يقدم أموالا جزيلة، إذا رغب في بنت أحد وآخر لا يستطيع ذلك، وجاء البلاء من هذه الحيثية، بعض الناس عندهم أموال كثيرة لا يبالون، وبعض الناس لا يستطيع، فالحاصل أن التحديد بمال معين، فيه نظر ولا أعلم في الشرع المطهر ما يقتضي التحديد، ولم يعرف هذا، لا في عهد النبي ﷺ، ولا في عهد الصحابة ولا من بعدهم.
وقد جاءت مهور كثيرة في عهد النبي ﷺ، بل في عهد عمر وفي عهد عثمان وبعده، أما في عهد النبي ﷺ فكانت المهور قليلة، ولم يكن النبي يوسع في ذلك ولا أصحابه في عهده عليه الصلاة والسلام، ولكن بعد ذلك لما فاض المال في عهد عمر، وفي عهد عثمان، وبعد ذلك ارتفعت المهور، وصار الرجل يمهر بمائة ألف وما يقاربها، أو بزيادة، وهذا واقع قديمًا، وهكذا اليوم لما انتشرت الدنيا، وفاضت الدنيا على كثير من الناس، توسعوا في المهور.
فالواجب على كل مسلم أن يعنى بالأمر، وأن يجتهد في أسباب تحصيل ما يعفه، وأن يسأل الله العون على ذلك، ويسلك الطرق الممكنة التي أباح الله ، وكل داءٍ له دواء، فارتفاع المهور من الأدواء، ولها دواء بالنصيحة والتوجيه، وقيام الدولة بإعانة المحتاجين على الزواج، بإعانتهم من مال الله، ونرجو أن توفق لهذا الأمر، حتى تعين المحاويج في كل عام، بشيء كبير يعينهم على الزواج ويعينهم على إعفاف أنفسهم، نسأل الله لها الإعانة والتوفيق وللمسلمين[1].
- مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (21/ 219).