معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وشروطها

السؤال: يلاحظ جهل كثير من المحسوبين على الأمة الإسلامية بمعنى لا إله إلا الله وقد ترتب على ذلك الوقوع فيما ينافيها ويضادها أو ينقصها من الأقوال والأعمال فما معنى لا إله إلا الله؟ وما مقتضاها؟ وما شروطها؟

الجواب: لا شك أن هذه الكلمة وهي (لا إله إلا الله) هي أساس الدين، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، مع شهادة أن محمدًا رسول الله، كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ لما بعث معاذا إلى اليمن، قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم الحديث متفق عليه، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وهي تنفي الإلهية بحق عن غير الله سبحانه، وتثبتها بالحق لله وحده، كما قال الله في سورة الحج: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62] وقال سبحانه في سورة المؤمنين: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] وقال في سورة البقرة: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وقال في سورة البينة: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهذه الكلمة العظيمة لا تنفع قائلها ولا تخرجه من دائرة الشرك إلا إذا عرف معناها وعمل به وصدق به. وقد كان المنافقون يقولونها وهم في الدرك الأسفل من النار لأنهم لم يؤمنوا بها ولم يعملوا بها.
وهكذا اليهود تقولها وهم من أكفر الناس -لعدم إيمانهم بها- وهكذا عباد القبور والأولياء من كفار هذه الأمة يقولونها وهم يخالفونها بأقوالهم وأفعالهم وعقيدتهم، فلا تنفعهم ولا يكونون بقولها مسلمين لأنهم ناقضوها بأقوالهم وأعمالهم وعقائدهم.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن شروطها ثمانية جمعها في بيتين فقال:

علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها
وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأشياء قد أُلها

وهذان البيتان قد استوفيا جميع شروطها:

الأول: العلم بمعناها المنافي للجهل، وتقدم أن معناها لا معبود بحق إلا الله فجميع الآلهة التي يعبدها الناس سوى الله سبحانه كلها باطلة.
الثاني: اليقين المنافي للشك، فلابد في حق قائلها أن يكون على يقين بأن الله سبحانه هو المعبود بالحق.
الثالث: الإخلاص، وذلك بأن يخلص العبد لربه سبحانه وهو الله جميع العبادات، فإذا صرف منها شيئا لغير الله من نبي أو ولي أو ملك أو صنم أو جني أو غيرها فقد أشرك بالله ونقض هذا الشرط وهو شرط الإخلاص.
الرابع: الصدق، ومعناه أن يقولها وهو صادق في ذلك، يطابق قلبه لسانه، ولسانه قلبه، فإن قالها باللسان فقط وقلبه لم يؤمن بمعناها فإنها لا تنفعه، ويكون بذلك كافرا كسائر المنافقين.
الخامس: المحبة، ومعناها أن يحب الله ، فإن قالها وهو لا يحب الله صار كافرا لم يدخل في الإسلام كالمنافقين.
ومن أدلة ذلك قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الآية [آل عمران:31]، وقوله سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
السادس: الانقياد لما دلت عليه من المعنى، ومعناه أن يعبد الله وحده وينقاد لشريعته ويؤمن بها، ويعتقد أنها الحق. فإن قالها ولم يعبد الله وحده، ولم ينقد لشريعته بل استكبر عن ذلك، فإنه لا يكون مسلمًا كإبليس وأمثاله.
السابع: القبول لما دلت عليه، ومعناه: أن يقبل ما دلت عليه من إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه وأن يلتزم بذلك ويرضى به.
الثامن: الكفر بما يعبد من دون الله، ومعناه أن يتبرأ من عبادة غير الله ويعتقد أنها باطلة، كما قال الله سبحانه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256].
وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله، وفي رواية عنه ﷺ أنه قال: من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه أخرجهما مسلم في صحيحه.
فالواجب على جميع المسلمين أن يحققوا هذه الكلمة بمراعاة هذه الشروط، ومتى وجد من المسلم معناها والاستقامة عليه فهو مسلم حرام الدم والمال، وإن لم يعرف تفاصيل هذه الشروط لأن المقصود وهو العلم بالحق والعمل به وإن لم يعرف المؤمن تفاصيل الشروط المطلوبة.
والطاغوت: هو كل ما عبد من دون الله كما قال الله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا الآية [البقرة:256].
وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ومن كان لا يرضى بذلك من المعبودين من دون الله كالأنبياء والصالحين والملائكة فإنهم ليسوا بطواغيت، وإنما الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم وزينها للناس، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل سوء، وأما الفرق بين الأعمال التي تنافي هذه الكلمة وهي لا إله إلا الله، والتي تنافي كمالها الواجب، فهو: أن كل عمل أو قول أو اعتقاد يوقع صاحبه في الشرك الأكبر فهو ينافيها بالكلية ويضادها. كدعاء الأموات والملائكة والأصنام والأشجار والأحجار والنجوم ونحو ذلك، والذبح لهم والنذر والسجود لهم وغير ذلك.
فهذا كله ينافي التوحيد بالكلية، ويضاد هذه الكلمة ويبطلها وهي: لا إله إلا الله، ومن ذلك استحلال ما حرم الله من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كالزنا وشرب المسكر وعقوق الوالدين والربا ونحو ذلك، ومن ذلك أيضا جحد ما أوجب الله من الأقوال والأعمال المعلومة من الدين بالضرورة والإجماع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وبر الوالدين والنطق بالشهادتين ونحو ذلك.
أما الأقوال والأعمال والاعتقادات التي تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب فهي كثيرة ومنها: الشرك الأصغر كالرياء والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، أو هذا من الله ومن فلان ونحو ذلك، وهكذا جميع المعاصي كلها تضعف التوحيد والإيمان وتنافي كماله الواجب، فالواجب الحذر من جميع ما ينافي التوحيد والإيمان أو ينقص ثوابه، والإيمان عند أهل السنة والجماعة: قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأدلة على ذلك كثيرة أوضحها أهل العلم في كتب العقيدة وكتب التفسير والحديث فمن أرادها وجدها والحمد لله، ومن ذلك قول الله تعالى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124] وقوله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] وقوله سبحانه: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76] والآيات في هذا المعنى كثيرة[1].

  1. مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (7/ 45).
فتاوى ذات صلة