معنى ما جاء بالحديث من أعمال توجب الجنة

السؤال:
جاء عن رسول الله ﷺ: أنَّ أعرابيًّا جاء إليه فقال: يا رسول الله، دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنة، قال: تعبد الله ولا تُشرك به شيئًا، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا، فلما ولَّى قال النبيُّ ﷺ: مَن سرَّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا متفق عليه.
والسؤال: كيف نُوفِّق بين معنى هذا الحديث لمَن أتى بهذه الأركان وارتكب بعض المعاصي في الدنيا؟

الجواب:
هذا شيءٌ، وهذا شيءٌ، هذا أخبره النبيُّ ﷺ بالفرائض، فقال: لا أزيد على ما فُرض عليَّ، وفي اللفظ الآخر: وعلَّمه بشرائع الإسلام، فقال: لا أزيد ولا أنقص، ولم يذكر له المحارم، وإنما ذكر له الفرائض، وقال: لا يزيد عليها، لا يبتدع، لا يزيد شيئًا، معناه: أنه لو لم يتنفَّل فهو على خيرٍ، حتى ولو ما تنفَّل، لو ما صلَّى مع الصَّلوات نافلةً، ولا صلَّى في  الليل، ولا صلَّى الضُّحى، أجزأه ذلك، وهو من أهل الجنة إذا مات على الإسلام.
لكن مَن تنفَّل وصلَّى في الليل وتهجَّد في الليل وصلَّى الرواتب وصلَّى الضُّحى زاد أجره، وصار من السَّابقين المقرَّبين، فوق الأبرار المقتصدين، ولا بدّ أيضًا من ترك المحارم؛ لأنه ما ذكر له المحارم هنا، إنما ذكر الفرائض، فترك المحارم لا بدّ منه.
ثم النصوص من الكتاب والسنة يُضمّ بعضُها إلى بعضٍ؛ لأن الرسول يذكر المقالة في موضعٍ للترغيب في شيءٍ والتَّحريم في شيءٍ، ثم يذكر مقالًا آخر في شيءٍ آخر، فالنصوص يُضمّ بعضُها إلى بعضٍ؛ لأنها كلها من عند الله، كما قال هنا ما قال، قال الله جلَّ وعلا في الآية الأخرى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، فلعله حين قال له ما ذكر من الزكاة والصلاة والصيام لم يُفرض الحجّ، فجاء الحجُّ بعد ذلك، فلا بدّ من الحجِّ، ولعله حين قال ذلك لم يكن الجهاد مفروضًا، فجاء فرضُ الجهاد بعد ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر جاءت فيه نصوصٌ أخرى، فالنصوص التي جاءت بعد ذلك تُضمّ إلى هذه النصوص، ولا يرد بعضها ببعضٍ، ولا يُكَذّب بعضها ببعضٍ.
فعلينا أن نتتبّع ما قال في جميع الأحاديث، كما نصَّ القرآن في جميع الآيات، والله يقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وهكذا المحارم: فكما أنه ذكر الفرائض هنا ذكر في القرآن المحارم فقال: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ۝ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء:32- 33]، وقال: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ [الأنعام:152]، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] إلى غير هذا من النصوص.
فكما أنه يجب علينا أن نأخذ بما أوجب في هذا الحديث وأحاديث أخرى، كذلك نأخذ بما أوجب في آيات وأحاديث أخرى، ونأخذ بما حرَّم علينا في آيات....؛ لأننا مأمورون بهذا كله، مأمورون أن نقبل ما جاء به كتابُ ربنا وسنةُ نبينا، وألا نُكذب بعضه، ولا نرد بعضه، بل نقبله كله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، ويقول ﷺ: ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم متفق عليه.
فالقاعدة بإجماع أهل العلم: أن على المسلمين أن يتقبَّلوا ما جاء في الكتاب والسنة، وأن يأخذوا به جميعه، ويُضمّ بعضه إلى بعضٍ، وأن يُصدِّقوا بعضه ببعضٍ، وألا يكذبوا بعضه ببعض.
فتاوى ذات صلة