حكم من قال: إن الأنبياء ما حققوا التوحيد

من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ: ع، س، ع، غ. وفقه الله لما فيه رضاه وزاده من العلم والإيمان آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

قد وصلتني الرسالة الموجهة إلى فضيلتكم من الأخ في الله ص، س، ح المتضمن السؤال عن حكم من قال: إن الأنبياء يحتاجون إلى تعليم لا إله إلا الله، وعن حكم من قال: إن الأنبياء ما حققوا التوحيد، ورغبة فضيلتكم بواسطة مندوبكم الإجابة عن السؤال.

والجواب: لا شك أن الأنبياء والمرسلين وغيرهم من العلماء يحتاجون إلى التنبيه من ربهم سبحانه على فضل التوحيد والأعمال الصالحة؛ لأن العلم بجميع أنواعه- أعني العلم الشرعي- إنما يتلقى عن الله سبحانه وهو الذي يبعث الرسل سبحانه وتعالى ويعلمهم ما لم يعلموا حتى يبلغوا رسالاته إلى عباده، كما قال الله عز وجل لنبيه ﷺ في سورة النساء: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء: 113] وقال تعالى في سورة المائدة: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ ۝ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ الآيات [المائدة: 109 - 110].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ومن هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به قال قل يا موسى لا إله إلا الله الحديث أخرجه ابن حبان والحاكم كما في كتاب التوحيد، لكنهم لا يحتاجون أن يعلمهم الناس بل هم الذين يعلمون الناس مما علمهم الله عليهم الصلاة والسلام، ومن زعم أن الأنبياء يحتاجون إلى أن يعلمهم الناس فهو كافر ضال متنقص للأنبياء، وهكذا من قال: إن الأنبياء ما حققوا التوحيد هو كافر ضال متنقص للأنبياء وقاذف لهم بما هم براء منه عليهم الصلاة والسلام، بل هم الذين يعلمون الناس حقيقة التوحيد وجميع أحكام الشرع الذي بعثوا به، وأكملهم في ذلك وأرفعهم منزلة خاتمهم نبينا محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام، وهذا شيء لا يخفى على مثلكم، وقد نص عليه أهل العلم في باب حكم المرتد، ولكن لرغبتكم في الإفادة حسب ما ذكره مندوبكم جرى تحريره.
وأسأل الله أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم الفقه في الدين، ويصلح قادتهم، ويوفق علماءهم للقيام بما يجب عليهم من الدعوة إلى الله سبحانه وإبلاغ شريعته إلى عباده إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[1].
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد

  1. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 7/ 404).
فتاوى ذات صلة