ما موقف المسلم تجاه الجماعات الإسلامية؟

السؤال:
لقد ظهرت في ساحة العمل الإسلامي جماعات شتَّى، فهذه تبليغية، وتلك إخوانية، وأخرى صوفية طرقية، إلى غير ذلك من الفِرَق، وقد التبس بذلك الحقُّ بالباطل على كثيرٍ من المسلمين، فنرجو منكم بيان السبيل الذي يجب أن تسلكه الجماعات المسلمة التي ينبغي الالتزام بها.

الجواب:
الجماعات -مثلما أشار السائل- كثيرون، ولكن ينبغي للمؤمن أن يسلك المسلك الصالح، ويساعد كل جماعةٍ بما عندها من الحقِّ، وينصحها بترك ما عندها من الباطل إذا استطاع ذلك، فإن لم يستطع فليكن مع أقربها إلى الحقِّ: يُعينها، ويُكثّر سوادها، ويُرشدها حتى لا تموت هذه الجماعة، وقد قال النبيُّ ﷺ في الحديث الصحيح -حديث حذيفة- لما سأله حذيفةُ في آخر حديثه، لما قال: يا رسول الله، كنا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءنا الله بهذا الخير –يعني: على يديك- فهل بعد هذا الخير من شرٍّ؟ قال: نعم، فقال حذيفةُ: وهل بعد ذلك الشرّ من خيرٍ؟ قال: نعم، وفيه دَخَنٌ، قلت: وما دخنه؟ قال: قومٌ يهدون بغير هدي، ويستنون بغير سُنتي، تعرف منهم وتُنْكِر، فقال حذيفةُ: وهل بعد ذلك الخير من شرٍّ؟ قال: نعم، دُعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صِفْهُم لنا يا رسول الله، قال: هم من جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، قال: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: وإن لم يكن لهم جماعة؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ على أصل شجرةٍ حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك متفقٌ على صحته.
هذا أمره ﷺ عند تغير الأحوال: أن يلزم جماعة المسلمين، فالجماعة التي ترى أنها أقرب إلى الحقِّ وأقرب إلى الهدى تلزمها وتُعينها، ولو كان فيها نقصٌ، ولو كان فيها أخطاء، تُعينها على الصواب، وتُرشدها إلى الخطأ؛ لأنها جماعة مسلمين، جماعة من المسلمين.
أما إن كانت جماعةً كافرةً: تدعو إلى الباطل، وتدعو إلى خلاف القرآن والسنة، وتدعو إلى غير الدين، لا، حاربها، لا تكن معها، لكن ما دام أنها تدعو إلى الإسلام: كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة أنصار السنة، والجماعات التبليغية، أو غيرهم من الجماعات التي تدعو إلى الإسلام وتقيم الدعوة إلى الإسلام، وتقول: إنها مسلمة، فالواجب أن تُساعدها على الخير، وأن تُرشدها إلى ما عندها من الباطل، وأن تكون أنت وإخوانك عونًا لها على الخير، وعونًا لها على ترك الباطل، حتى لا تهدموها في حقِّها وباطلها، بل تهدم الباطل وترفع الحقَّ، ولا تكونوا إرْبًا على إخوانكم، تُعادونهم، وتُشنعون عليهم لأجل بعض الباطل، وأنت عندك من الباطل أيضًا شيءٌ، ولكن تُعينهم على ما عندهم من الحقِّ، وتجتهد في صفاء القلوب والتأليف بين الجماعات المسلمة، وبما عندها من الحقِّ حتى تثبت عليه، وبيان ما عندها من الباطل حتى تتركه بالدليل، بالأدلة، والتفاهم، والأسلوب الحسن، والنفس الطيبة، لا بالعنف والشدة، هكذا ينبغي.
فالإخوان المسلمون عندهم نقصٌ، وجماعة التبليغ عندها نقصٌ، وجماعة أنصار السنة عندهم نقصٌ، وهكذا، ما أحد عنده الكمال من كل الوجوه، فلا بد من التعاون على الخير، ولا بدّ من الصبر، ولا بدّ من الحكمة، والأسلوب الحسن، وسعة البال، وانشراح الصدر، لا يكون الإنسانُ ضيق العطن عنيفًا في كلامه مع إخوانه؛ فيعود الجميع إلى الشَّحناء والعداوة، لا، بل يكون عنده اللُّطف ورحابة الصدر، والتأمل والتحمّل، وإرشاد الناس إلى الخير، وتثبيتهم عليه، وإرشادهم إلى ما عندهم من الباطل وتحذيرهم منه بالأسلوب الحسن، هكذا ينبغي لك أيها المؤمن، وأيها الطالب، أينما كنت: في مصر، في الشام، في الهند، في باكستان، في أي مكانٍ تكن هكذا، في أي مكانٍ يمكن، مثلًا: في بلادك أو غيرها.
فتاوى ذات صلة