ما موقف طالب العلم عند كثرة الأهواء؟

السؤال: 

يظهر بين الفينة والأخرى بعضُ العلماء في العالم الإسلامي في محاولةٍ لجرِّ الإسلام إلى واقع الناس، وليس رفع هذا الواقع إلى ما يتناسب مع الإسلام، من خلال: تأويلات في النُّصوص، أو تضعيف الصحيح، أو التقليل من شأن المُتمسك بالنص، فما موقف طالب العلم تجاه أولئك العلماء؟

الجواب:

هذا ليس جديدًا، هذا من قديمٍ، من عهد الصحابة، من عهد الصحابة وهذا موجودٌ، وأخبر عنه النبيُّ ﷺ، وأن الأمة تفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة، وأنه يوجد في الناس: مَن يقرأ القرآن لا يُجاوز حناجرَهم، يحقر أحدُنا صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرُقون من الإسلام مروق السَّهم من الرَّمية، فليس هذا بمُسْتَنْكَر.
فقد وُجد في عهد السلف -في عهد الصحابة- مَن تأوَّل النصوص على غير تأويلها، وجرَّها إلى اعتقاده الباطل، وتأوَّلها على تأويله الباطل: من الخوارج، ثم الشيعة في عهد عليٍّ ، ثم مَن حدث بعدهم من المعتزلة والجهمية، ومَن كان بعدهم من أنواع الفرق، كل فرقةٍ ترى أنها هي المصيبة، وتريد جرَّ الإسلام إليها، والدعوة إلى إسلامها الذي تعتقده.
ولم يَنْجُ من هذا -هذا التَّفرق وهذا البلاء- إلا مَن اعتصم بالقرآن العظيم والسنة المطهرة، وتحاكم إليهما -إلى نصوصهما- ولم يُؤول، وتمسك بظاهر النصوص، واستقام عليها، وسار على نهج الصحابة وأرضاهم في ذلك، فأخذ قول الرسول على ظاهره، وأخذ القرآن على ظاهره، وتبع أصحاب النبي ﷺ في ذلك، واستقام على طريقهم الواضح، هؤلاء هم النَّاجون، وهم أهل السنة والجماعة.
ومَن حاد عن هذا السَّبيل من المؤولة والمعطّلة والمحرّفة فهم على طرق ضلالةٍ، وهم متفاوتون في ضلالهم، حتى بلغوا ثنتين وسبعين فرقة، كلها على ضلالٍ، ولم يَنْجُ إلا الفرقة الثالثة والسبعون، وهم الذين كانوا على ما كان عليه النبيُّ وأصحابه قولًا وعملًا وعقيدةً.
فالواجب على طالب العلم أن يتحرى ما سلكه سلفُ هذه الأمة من الصحابة وأتباعهم بإحسانٍ، وهو التمسك بظاهر الكتاب والسنة، والحكم بما دلَّا عليه قولًا وعملًا وعقيدةً، ونبذ كل ما خالف ذلك من تأويلات المؤولين، وتحريف المحرِّفين، وغلو الغالين، وجفاء الجافين، سواء كان ذلك شيعيًّا، أو جهميًّا، أو خارجيًّا، أو مُعتزليًّا، أو مُرجئًا، أو غير ذلك، وهم طوائف كثيرة.
ومع ذلك عليه أن يسأل ربَّه أن يُعينه أن يلجأ إلى الله، ويسأله الثبات على الحقِّ، والبصيرة فيه؛ لئلا يزيغ كما زاغوا، ويهلك كما هلكوا، فعليه أن يسأل ربَّه التوفيق، ويضرع إليه في أوقات الإجابة وغيرها، ويلزم الحقَّ، ويبحث عنه، ويلزم أهله، ويسير على نهجهم، ويسير على خطواتهم الواضحة، وبذلك تحصل له السلامة، كما قال جلَّ وعلا: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ انتبه لقوله: بإحسانٍ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، هؤلاء هم النَّاجون، هم السُّعداء، وهم المذكورون في قوله جلَّ وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، وهم المذكورون في قوله : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35].
هذه هي صفات أهل الإيمان، عشر صفات في هذه الآية للرجال والنساء، ما أبقت شيئًا، ختمها بالذكر: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ يعمّ جميع أنواع الذكر، وأنواع الطاعة، فالصَّادقون هم الذين صدقوا في اتِّباع رسول الله، والاستقامة على أمر الله، وتدبر لكتاب الله، والعناية به، والصابرون كذلك، وقد شملهم قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فما بعده، فهو كالتفسير والتَّخصيص: القانتين، والصادقين، والصابرين، والخاشعين، إلى آخره، كل هذه الصِّفات عطف تخصيصٍ على عامٍّ، فهي صفات داخلة في الإسلام والإيمان، نبَّه عليها لعظم شأنها.
قال: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ فالصَّادق: هو الذي استقام على أمر الله بإخلاصٍ وعنايةٍ، وصبرٍ ومُصابرةٍ، قد وافق ظاهرُه باطنه، وباطنُه ظاهره.
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ على ما هم عليه من الحقِّ، لم يحيدوا عن ذلك.
وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ لله ، الخاضعين لله، المتذللين، المنقادين لأمره في جميع الشؤون.
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ يدخل فيهم المزكّون والمزكيات، ومَن يتصدق صدقة التطوع، كله داخلٌ في ذلك.
وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ كذلك داخلون في المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، ويدخل في ذلك: الصابرون والخاشعون والصادقون، المصلون والقائمون بأمر الله كله، والتاركون لمحارم الله كلها، وهكذا الحافظون لفروجهم، والحافظات كذلك، أهل العفَّة والبُعد عن أسباب الفاحشة.
ثم ختمها بقوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، فهذه جمعت أصناف الخير كله.
فتاوى ذات صلة