معنى الوعيد في "لا يدخل الجنة نمام" ونحوه

السؤال: 

كيف نُفسر هذا الحديث: قول النبي ﷺ: لا يدخل الجنةَ قتَّاتٌ، لا يدخل الجنةَ نمَّامٌ؟ وكيف لا يدخل الجنةَ مع أنه قد يكون مات على التوحيد؟

الجواب:

هذه يُقال لها: أحاديث الوعيد، يُسميها العلماء: أحاديث الوعيد على المعاصي، يتوعدهم النبيُّ ﷺ بما أوحى الله إليه، فقوله: لا يدخل الجنةَ قتَّاتٌ يعني: نمَّامٌ، وما أشبهه، مثل: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارقُ حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، وما أشبه ذلك من الوعيد، كله للتَّحذير من هذه المعاصي.
وقد تأوَّلها العلماء، معناها: لا يدخل الجنةَ، يعني: مع أول الدَّاخلين، أو: حتى يتوب، فليس معناها أنه لن يدخلها بالكلية؛ لأنَّ الرسول أخبرنا أنَّ الموحد يدخل الجنةَ، وأن أهل السيئات قد يُعذَّبون ثم بعد التَّطهير يُخرجهم الله من النار إلى الجنة، وقد يُعفى عنهم كما قال جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فالمعاصي تحت الشرك، تحت المشيئة، قد يدخلون النار ويُعذَّبون ثم يغفر الله لهم، فيُخرجهم من النار، وقد يغفر لهم قبل ذلك.
فالنَّمام من ذلك، وهكذا جميع ما جاء من الوعيد في حرمان دخول الجنة بسبب المعاصي، مثلما ذكر الله في الزاني والقاتل، قال: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ [الفرقان:68- 70]، وقوله : وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وما أشبه ذلك كله من باب الوعيد، فإن تاب تاب الله عليه ودخل الجنة، وإن مات على معصيته من الخمر أو النَّمامة أو القتل أو ما أشبه ذلك فهو تحت مشيئة الله: إن شاء الله غفر له لأعماله الصَّالحة وتوحيده ودخل الجنة، كما يفعل في بعضهم، وإن شاء أدخله النار وعذَّبه فيها على قدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب، ثم يُخرجه الله من النار بإجماع أهل السنة: أنهم يخرجون من النار، أهل التوحيد إذا عُذِّبوا بمعاصيهم لا يُخلَّدون، لكن قد تطول مدّتهم ويُسمَّى: خلودًا، طول المدة يُسمَّى: خلودًا، كما قال: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان:69]، طول المدة يُسمَّى: خلودًا، لكن ليس مثل خلود الكفَّار، العاصي قد يخلد، لكن خلود ليس مثل خلود الكفار، خلود الكفَّار لا نهايةَ له، أبد الآباد، أما خلود العاصي فقد يطول ثم يُخرجه الله من النار، كما أخبر عن القاتل أنه يخلد، والزاني، لكن لا يدوم، بل له نهاية، ثم يُخرجه الله من النار.
هذا قول أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومَن سار في ركابهم، فإنهم يقولون: إنه إذا دخل النارَ لا يخرج منها، وتقول الخوارج: إنه كافر، الزاني كافر عندهم، والسارق كافر، والنمام كافر. هذا قولٌ باطلٌ عند أهل السنة والجماعة، ليس بكافرٍ إذا لم يستحلَّها، العاصي ما استحلَّها؛ ليس بكافرٍ، ولكنه تحت مشيئة الله إذا لم يتب عند أهل السنة والجماعة قاطبةً، ولا يخلد في النار إذا دخلها وهو مُوحِّد لم يُشرك، لا يخلد في النار، بل له نهاية، يُخرجه الله من النار إلى الجنة بفضله ورحمته بإجماع أهل السنة والجماعة، خلافًا للخوارج والمعتزلة ومَن سلك مسلكهم من الإباضية وغيرهم ممن سلك مسلك المعتزلة.
 س: يذكر يا شيخ عن ابن القيم: أن نار العُصاة من المُوحِّدين تفنى؟
الشيخ: هذا صرَّح به في "الوابل"، والله أعلم، لكن على حال الموحد، لا يخلد، له نهاية، سواء فنيت ناره أو ما فنيت ناره، إن فنيت فربُّك على كل شيءٍ قدير، وإن لم تفنَ زِيدت في عذاب الكفار، وأضيفت إلى عذاب الكفار، إن جاء نصٌّ بأنها تفنى، وإلا فالأصل عدم الفناء، لكن إن جاء نصٌّ يدل على أنها تفنى فنعم، وإلا فقول العالم قد يُخطئ ويُصيب، فإن جاء نصٌّ أنها تفنى قلنا به، وإلا فهي تبقى، يخرج منها وتُضاف إلى بقية النار، إلى عذاب الكفَّار -نسأل الله السلامة.
فتاوى ذات صلة