أجوبة متفرقة في الاتصال بالكهنة والمُشعوذين

الجواب:

الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد سبق في سؤال مَن سأل عن دخول الجني في الإنسي، سأل عمَّن يتَّصل بالكهنة والمُشعوذين من أجل القراءة على مَن أُصيب بالجنِّ، أو السعي في إخراج ذلك الجني.

ينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز الاتِّصال بالكهنة والمُنجمين والمُشعوذين، ولا يُسألوا، لا عمَّا يتعلق بالجن، ولا عمَّا يتعلق بالأمراض؛ لقول النبي ﷺ: مَن أتى عرَّافًا فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا رواه مسلم في "الصحيح"، وقوله ﷺ: مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

والكهنة هم الذين يدَّعون بعض الأمور الغيبية، ويسألون أصحابَهم من الجنِّ، ويسألون الإنسان إذا جاءهم عن أبيه وعن أمه وكذا وكذا حتى يجمعوا الحروف بزعمهم ويحتجُّون بها على بعض المغيبات.

هؤلاء كلهم لا يجوز سؤالهم، ولا إتيانهم؛ لأنَّهم ما بين كافرٍ، وما بين مجرمٍ مخالفٍ لشرع الله، فلا يجوز سؤالهم، ولا تصديقهم.

وسأل أيضًا في سؤاله عن الذي في المدينة يقرأ على مَن أُصيب بالجن.

والجواب عن هذا: أنه معروفٌ عندنا، وهو من تلاميذنا، ومن خريجي الجامعة الإسلامية، وهو الشيخ عبدالله بن مشرف العمري، وهو ممن رُزق في هذا بصيرةً وعنايةً، وجرى على يديه خيرٌ كثيرٌ في إخراج بعض الجن، وتوبتهم على يديه، ونصيحته لهم، فهذا لا حرج ولا بأس بإتيانه للقراءة عليهم، والسعي في إخراجهم.

والجني مثل الإنسي: فيهم الطيب والخبيث، الجن فيهم الناس المؤمنون والأخيار، وفيهم الكفار والأشرار، كما قال عنهم أنَّهم قالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11]، وقال عنهم جلَّ وعلا أيضًا: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ۝ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:14- 15].

فالجن فيهم الطيب والخبيث، وفيهم الكافر والمسلم، وفيهم المبتدع والفاسق، فالمؤمن منهم إذا دخل في الإنسي بسبب شيءٍ حصل من الإنسي: إما أذًى له، وإما أسباب أخرى، فإن المؤمن منهم المسلم إذا نُصِحَ وذُكِّرَ بالله وبُيِّنَ له أنَّ هذا حرامٌ، وأنَّ هذا منكرٌ، وأنه لا يجوز إيذاء المسلم ولا ظلمه؛ فقد يُجيب ويهتدي ويرعوي ويخرج ويترك هذا المسلم، كما أن المسلمين كذلك من الإنس، بعضهم إذا وُعِظَ وذُكِّر بالله ترك ما هو عليه من الباطل، وبعض المسلمين من الإنس عندهم فسقٌ، وعندهم معاصٍ، وعندهم اتِّباع للهوى، فقد لا ينصاع للموعظة ولا يقبل، بل يستمر على باطله: من شرب المسكر، أو العقوق، أو القطيعة، ولا يقبل النَّصيحة، فهكذا الجن؛ فيهم العاصي، والفاسق، والمارد الذي لا يقبل النَّصيحة لهواه، وفيهم الكافر الذي لا يقبل أيضًا.

ولهذا كان العلماء الذين يقرؤون على المجانين يضربونهم إذا رأوا منهم عنادًا، والضرب يضرُّ الجني، ولا يضرُّ الإنسي، الضرب على الإنسي ولكنه لا يضرُّه، إنما يضرّ هذا الذي تلبس به وتكلم على لسانه، فقد يرعوي بعد الضرب والوعيد ويخرج.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وقد جرى لي هذا مرات كثيرة"، وقاله ابن القيم أيضًا رحمه الله، قد شاهدوا هذا من شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم، وكان أحمد رحمه الله ومحمد بن المغيرة يفعلون ذلك.

وقد يكون العالم الذي عُرف بالقراءة على المُصابين والوعيد للجن وتحذيرهم قد يكفي إرساله رسولًا فيقول: قال لك فلان: يقول لك الشيخ فلان: اخرج، اتَّقِ الله واخرج، فإذا كان فيه خيرٌ خرج وقال: سمعًا وطاعةً، وخرج، ولو ما حضر العالم أو القاضي.

فالجن يختلفون، والقرّاء يختلفون في دينهم وأمانتهم، فإذا كان القارئ عنده من الدين والقوة والبصيرة والثقة بالله والقوة في دين الله هابه الجنيُّ وخرج في الغالب، وهكذا الجني الذي دخل في الإنسي؛ إذا كان عنده دينٌ، وعنده خيرٌ، وعنده تقوى، إذا وُعِظَ  وذُكِّر خرج وانفصل وترك الإنسي؛ لأنَّ عنده من الإيمان ما يعظه وما يزجره وما يجعله يقبل النَّصيحة.

رزق الله الجميع العافية والسلامة.

فتاوى ذات صلة