حكم العمل في البنوك الربوية لمن كان مضطرا

السؤال:

لقد قدمت إلى هذه الديار الطبية منذ أكثر من خمس سنوات، ولقد عانيت، وتعبت غاية التعب في أول الأمر، ولم يكن عند كفيلي أي عمل يخرجني مما أنا فيه من ضيق وحاجة للمال؛ لتسيير به حياتي، وأنفق على أهل بيتي من الوالدين والإخوان، وبحثت عن عمل، وتنقلت في أكثر من أربعة مؤسسات تجارية، وأخيرًا استقر بي المقام في أحد المصارف هنا في الرياض، ولقد بذلت غاية جهدي، وأخلصت في عملي؛ حتى صرت محاسبًا في الحسابات الجارية، فعلمت أن هذا المصرف يضع أكثر ماله في بنوك داخل المملكة وخارجها بالفائدة الربوية، وهناك حسابين لعملاء تأتينا الأوراق المصرفية بتسجيل فائدة ربوية لحساباتهم طرفنا، وهي من بنوك خارجية، ويعلم الله تعالى أني في غاية الضيق لهذا الأمر، ولم يهدأ لي بال منذ أن عرفت هذا الأمر، علمًا بأني قد تزوجت، وأحضرت زوجتي، ورزقني الله تعالى بولدين، وأنا طالب علم شرعي إلى أن قال: وأحب الفقه في الدين، وأحضر ندوات العلم، ويبين أنه لو ترك هذا العمل سيقع في ضيق، وفي حرج، وسيتأخر في الصرف على أهله وأبيه وأمه، فباله مشغول من ذلك، وينتظر من سماحتكم فتوى بهذا؟ 

الجواب:

الله -جل وعلا- أحل لعباده ما فيه نجاتهم، وقضاء حاجاتهم، وحرم عليهم ما يضرهم، فليس العبد مضطرًا إلى ما حرم الله عليه، بل عليه أن يسعى جهده في طلب الرزق من طريق الحلال، والتوظف في البنوك إعانة لهم على الإثم والعدوان، سواء كان محاسبًا أو كاتبًا أو غير ذلك، فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يبتعد عن البنوك؛ لأن الله يقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]

فالتعاون مع البنوك، أو مع قطاع الطريق، أو مع السراق، أو مع الغشاشين، أو مع أصحاب الرشوة كله تعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز، وما قبضته قبل ذلك -قبل العلم- فلك ما سلف، وما كان بعد العلم فليس لك، يقول الله -جل وعلا-: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]. 

ما قبضته سابقًا قبل أن تعلم فهو لك، وأما بعد أن علمت؛ فعليك أن تغادر هذا العمل، وتترك هذا العمل، وتبذل ما قبضته من طريق الربا، وأنت عالم في جهة البر والخير، كالصدقة على الفقراء والمساكين، إلى غيره؛ حتى تتخلص من هذا المال الذي جاءك بغير وجهه، وقد صح عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء.

فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] فأنت إذا اتقيت الله؛ يسر الله أمرك، ورزقك من حيث لا تحتسب، فالتمس أعمالًا أخرى، ولو بأجر قليل، إذا كنت تأخذ من البنك خمسة آلاف، أو ستة آلاف، أو عشرة آلاف شهريًا؛ فسوف تجد -إن شاء الله- من الأعمال المباحة بمعاش يكفيك، ويبارك الله لك فيه، ولو ألفين، أو ثلاثة، أو أربعة، ولو أقل من ذلك بكثير.

أنت عليك أن تطلب الحلال والله يعوضك، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور وقال أيضًا: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام. 

فتاوى ذات صلة