ما حكم وأهمية دراسة العلوم الدنيوية؟

السؤال:
هنا مجموعة من الأسئلة فضيلة الشيخ، تدور حول دراسة العلوم الدنيوية: هل تُعتبر من الدراسة المُفيدة للمسلم؟

الجواب:
لا شكَّ أن الدراسة للعلوم الدنيوية أمرٌ مطلوبٌ، والله يقول سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فالمسلمون بحاجةٍ إلى العلوم الدنيوية حتى يستعينوا بها على طاعة الله، وعلى الاستغناء عمَّا في أيدي الناس، وعلى جهاد أعداء الله، مع كون المسلمين يتعلَّمون الجيولوجيا والهندسة والطب وغير ذلك مما يُعينهم، وكذلك ما يخترعون في القوة التي يُجاهد بها الأعداء؛ كل ما يُعينهم على جهاد الأعداء واتِّقاء شرِّ الأعداء ويغنيهم عن الأعداء فهو أمرٌ مطلوبٌ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].
فالاشتغال بالعلوم الدنيوية التي تنفع المسلمين إن كان لله؛ أُجِرَ عليها، مع فائدتها العظيمة، وإن كان يتعلَّمها للدنيا ليستفيد في دنياه فهذا مباحٌ ولا يضرُّه ذلك.
لكن العلوم الدينية أهم، فليأخذ منها بنصيبٍ، ويجتهد في تعلم دينه، والتَّفقه في دينه، ثم مع ذلك يتعلم ما ينفعه في دنياه إذا استطاع ذلك، وإذا جمع بين الأمرين فهو خيرٌ إلى خيرٍ، يقول النبيُّ ﷺ: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، فإذا تفقَّه في دينه واستفاد مع ذلك في دنياه طبًّا أو صنعةً أخرى تنفعه أو أشياء مما ينفع العبدَ في هذه الدنيا؛ فذلك خيرٌ إلى خيرٍ.
وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح لما سُئل: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال عليه الصلاة والسلام: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده، كان صاحب حدادةٍ، كان يصنع الدروع عليه الصلاة والسلام، وهو نبي الله، يصنع الدروع التي يُتَّقى بها في الحرب، تُستعمل في الحرب، وكان زكريا نجارًا، وهو نبيٌّ من أنبياء الله عليه الصلاة والسلام.
فإن انتفع بصنعة النِّجارة، أو الدروع، أو المدافع، أو الصواريخ، أو سائر أنواع السلاح؛ فهذا خيرٌ عظيمٌ، ومع النية الصَّالحة، فهو على خيرٍ عظيمٍ، وهو عبادة.
كذلك صحَّ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الساعي على الأرملة والمسكين كالمُجاهد في سبيل الله، قال: وأحسبه قال: وكالصَّائم لا يُفطر، والقائم لا يفتر، فالساعي يعني: العامل على نفع الفقير والأرملة والمسكين، يُعينهم على ما عندهم من فقيرات: بنات، أخوات، وأولاد  فقراء أو يتامى يستسعى عليهم حتى يستغنوا عمَّا في أيدي الناس، حتى ينفق عليهم، كالمُجاهد في سبيل الله، هذا أمرٌ عظيمٌ، وخيرٌ كبيرٌ، فطالب الرزق بالزراعة، بالتجارة، بالصناعة على خيرٍ عظيمٍ.
فتعلم العلوم الدنيوية أمرٌ مفيدٌ ونافعٌ، بشرط ألا يشغل عن علم الآخرة وعمَّا ينفعه في الآخرة، فإن جمع بينهما فقد جمع خيرًا إلى خيرٍ، وإن صلحت نيته في علوم الدنيا كانت عبادةً، وإذا تعلَّمها للدنيا فليس له ولا عليه، تعلم شيئًا مباحًا، لا حرج عليه، لكن متى صلحت نيته وأراد بهذا نفع المسلمين وتقويتهم ضدّ عدوهم؛ جمع الله له الخيرين: الأجر، ومع ذلك النَّفع بهذا المُتعلَّم.
فتاوى ذات صلة