ترك صلاة الجماعة وتبرير ذلك بنظافة القلب

السؤال:
من سائلة من جدة في المملكة العربية السعودية تقول: زوجي رجل ذو خلق يصلي ولكنه لا يصلي في المسجد ولا يصلي السنة، إذا حاولت إيقاظه لصلاة الفجر يصرخ في وجهي مما جعلني لا أحاول إيقاظه حتى لا يصرخ في وجهي، وأحيانًا يتعلل بأنه لا يفعل شيئًا يغضب الله، وأنه نظيف القلب، ويقول هذا يكفي، أرجو توجيه النصح.

الجواب:

الواجب على كل مسلم مكلف أن يصلي الصلوات الخمس مع المسلمين في المسجد، لقول الله : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقوله سبحانه: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ.. الآية [النساء:102] فإذا وجبت الصلاة في الجماعة حال الخوف فوجوبها في حال الأمن أحق وأولى، ولقول النبي ﷺ: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر[1] أخرجه ابن ماجة والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، قيل لابن عباس رضي الله عنهما ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض).
وصح عن رسول الله ﷺ: أنه سأله رجل أعمى قائلا يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له رسول الله ﷺ: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب[2] أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال ابن مسعود : (من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله قد شرع لنبيكم ﷺ سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)[3] أخرجه مسلم في صحيحه.
فالواجب عليك نصيحته بأسلوب حسن، وترغيبه في صلاة الرواتب مع الفرائض، وهي أربع قبل الظهر، يسلم من كل ثنتين، وثنتان بعد الظهر، وثنتان بعد المغرب، وثنتان بعد العشاء، وثنتان قبل صلاة الصبح، الجميع اثنتا عشرة ركعة وتسمى الرواتب، وقد كان النبي ﷺ يحافظ عليهن، ويقول ﷺ: من صلى في يومه وليلته اثنتي عشرة ركعة تطوعًا بني له بهن بيت في الجنة[4].
وصح عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه فسر هذه الركعات بهذه الرواتب. ويستحب للمسلم أن يصلي قبل العصر أربعًا، لقول النبي ﷺ: رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا[5].
والأفضل أن يسلم من كل ثنتين؛ لقول النبي ﷺ: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى[6] أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح.
والأفضل أيضا أن يصلي بعد الظهر أربعًا كما صلى قبلها أربعًا، يسلم من كل ثنتين، لقول النبي ﷺ: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار[7] أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ.
ويجب على زوجك، أن يحذر تأخير صلاة الفجر عن وقتها؛ لأن ذلك كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي ﷺ: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة[8] أخرجه مسلم في صحيحه.
وقول النبي ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر[9] أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
والأحاديث في عظم شأن الصلاة، والحث على أدائها في الوقت وفي الجماعة كثيرة جدًا، ونسأل الله أن يهدي زوجك وكافة المسلمين لكل خير، وأن يعيذه من شر نفسه وهواه، وأن يجعلك من خير أعوانه في الخير، إنه سميع قريب.
وأما قول زوجك: إنه لا يفعل شيئًا يغضب الله، وأنه نظيف القلب، فهذا غرور وتزكية للنفس، ولا شك أن تأخير الصلاة عن وقتها، وعدم أدائها في الجماعة في المسجد كلاهما يغضب الله سبحانه، ولا شك أن نظيف القلب الذي قد عمر الله قلبه بالإيمان والتقوى لا يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا يتأخر عن الصلاة في الجماعة في المسجد؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب[10] متفق على صحته. والله ولي التوفيق[11].

  1. رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793). 
  2. رواه الإمام مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653)، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، برقم (850).
  3. رواه الإمام مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم (654)، وابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب المشي إلى الصلاة، برقم (777).
  4. رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26228) ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، برقم (728).
  5. رواه الترمذي في (الصلاة) باب ما جاء في الأربع قبل العصر برقم (430)، وأبو داود في (الصلاة) باب الصلاة قبل العصر، برقم (1271).
  6. رواه الترمذي في (الجمعة) باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (597)، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى برقم (1322) 
  7. رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26232)، والترمذي في (الصلاة) برقم (428)، وأبو داود في (الصلاة) باب الأربع قبل الظهر وبعدها، برقم (1269). 
  8. رواه الإمام أحمد في (مسند جابر بن عبدالله) برقم (14762)، ومسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82).
  9. رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22428)، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621).
  10. رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث النعمان بن بشير برقم (27638)، والبخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52)، ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم (1599).
  11. نشرت في (جريدة المسلمون). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/31)
فتاوى ذات صلة