الجواب:
ليس هناك تعارض بين الأحاديث والآية التي ذكرتها عائشة رضي الله عنها فقد ثبت عن رسول الله ﷺ من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة وغيرهما في الصحيحين وليس في البخاري وحده أن النبي ﷺ قال: إن الميت يعذب بما يناح عليه[1] وفي رواية للبخاري: ببكاء أهله عليه[2] والمراد بالبكاء النياحة وهي رفع الصوت، أما البكاء الذي هو دمع العين فهذا لا يضر، وإنما الذي يضر هو رفع الصوت بالبكاء وهو المسمى بالنياحة، والرسول ﷺ قصد بهذا منع الناس من النياحة على موتاهم وأن يتحلوا بالصبر ويكفوا عن النوح، ولا بأس بدمع العين وحزن القلب، كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون[3].
فالميت يعذب بالنياحة عليه من أهله والله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه النياحة، وهذا مستثنى من قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] فإن القرآن والسنة لا يتعارضان، بل يصدق أحدهما الآخر ويفسر أحدهما الآخر؛ فالآية عامة والحديث خاص، والسنة تفسر القرآن وتبين معناه؛ فيكون تعذيب الميت بنياحة أهله عليه مستثنى من الآية الكريمة ولا تعارض بينها وبين الأحاديث.
وأما قول عائشة رضي الله عنها فهذا من اجتهادها وحرصها على الخير، وما قاله النبي ﷺ مقدم على قولها وقول غيرها لقول الله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] وقوله : فَإِنْْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] والآيات في هذا المعنى كثيرة، والله الموفق[4].
- رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) من حديث المغيرة بن شعبة برقم (17737)، والبخاري في (الجنائز)، باب ما يكره من النياحة على الميت برقم (1291)، ومسلم في (الجنائز) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (933).
- رواه البخاري في (الجنائز) باب قول النبي ﷺ: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه" برقم (1288).
- رواه البخاري في الجنائز برقم 1220، واللفظ له، ومسلم في الفضائل برقم 4269.
- من برنامج (نور على الدرب). (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 13/ 417).