هل يجوز الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام؟

س: هل يجوز الحلف بالنبي ﷺ؟

الجواب: لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات، لا بالنبي ﷺ ولا بالكعبة ولا بالأمانة ولا غير ذلك في قول جمهور أهل العلم، بل حكاه بعضهم[1] إجماعًا، وقد روي خلاف شاذ في جوازه بالنبي ﷺ، وهو قول لا وجه له، بل هو باطل، وخلاف لما سبقه من إجماع أهل العلم، وخلاف للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، ومنها ما خرجه الشيخان عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت وفي الصحيحين عن أبي هريرة-رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ووجه ذلك أن الحالف بغير الله قد أتى بنوع من الشرك، فكفارة ذلك أن يأتي بكلمة التوحيد عن صدق وإخلاص ليكفر بها ما وقع منه من الشرك.
وخرج الترمذي والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك[2]، وخرج أبو داود من حديث بريدة بن الحصيب أن النبي ﷺ قال: من حلف بالأمانة فليس منا، وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون أخرجه أبو داود والنسائي،
وممن حكى الإجماع في تحريم الحلف بغير الله الإمام أبو عمر بن عبدالبر النمري رحمه الله. وقد أطلق بعض أهل العلم الكراهة فيجب أن تحمل على كراهة التحريم عملًا بالنصوص وإحسانًا للظن بأهل العلم، وقد تعلل بعض من سهل في ذلك بما جاء في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال في حق الذي سأله عن شرائع الإسلام: أفلح وأبيه إن صدق.
والجواب: أن هذه رواية شاذة مخالفة للأحاديث الصحيحة، لا يجوز أن يتعلق بها، وهذا حكم الشاذ عند أهل العلم، وهو ما خالف فيه الفرد جماعة الثقات، ويحتمل أن هذا اللفظ تصحيف كما قال ابن عبدالبر رحمه الله وأن الأصل أفلح والله فصحفه بعض الكتاب أو الرواة، ويحتمل أن يكون النبي ﷺ قال ذلك قبل النهي عن الحلف بغير الله، وبكل حال فهي رواية فردة شاذة لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتشبث بها ويخالف الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الحلف بغير الله وأنه من المحرمات الشركية.
وقد خرج النسائي بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص أنه حلف باللات والعزى، فسأل النبي ﷺ عن ذلك فقال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وانفث عن يسارك ثلاثًا، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تعد وهذا اللفظ يؤكد شدة تحريم الحلف بغير الله وأنه من الشرك ومن همزات الشيطان، وفيه التصريح بالنهي عن العود إلى ذلك.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، وصلاح القصد والعمل، وأن يعيذنا والمسلمين من اتباع الهوى ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب. والله يتولانا وإياكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته[3].

  1. وهو الإمام أبو عمر بن عبدالبر-رحمه الله. المؤلف
  2. وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال من حلف بشيء دون الله فقد أشرك المؤلف.
  3. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/142)
فتاوى ذات صلة