حقيقة الشرك ومعناه

السؤال: وهذه أول رسالة في البرنامج وردت من جماعة من الإخوة من الأردن الشقيق، يقولون فيها: ما هو الشرك أفيدونا أفادكم الله؟ 

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الشرك هو أعظم الذنوب، وهو أعظم الجرائم، وهو الذي جرى بين الرسل وبين الأمم فيه النزاع، فالأمم كانت على الشرك إلا من هداه الله وحفظ من أفراد الناس، والرسل تدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وكان هذا الشرك قد حدث في قوم نوح بأسباب غلوهم في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، لما غلوا فيهم وعظموهم التعظيم الذي نهى الله عنه، وقعوا في الشرك بعد ذلك، وصاروا يستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم، فلما ظهر فيهم هذا الشرك بعث الله إليهم نوحـاً عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى توحيد الله، وينذرهم هذا الشرك ويحذرهم منه، ولم يزل فيهم يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالإخلاص لله والتوبة إلى الله من شركهم، ولكنهم استمروا على طغيانهم وضلالهم إلا القليل، فبعد ذلك أمره الله بصنع السفينة وأن يحمل فيها من آمن معه ومن كل زوجين اثنين، وأهلك الله أهل الأرض وأغرقهم بسبب كفرهم وشركهم بالله .
وهكذا بعد ذلك الأمم من قوم هود وقوم صالح ومن بعدهم، أرسل الله إليهم الرسل تدعوهم إلى توحيد الله، وتنذرهم الشرك بالله عز وجل، ولم يؤمن إلا القليل، وأكثر الخلق غلب عليه طاعة الهوى والشيطان، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم بعثه الله إلى هذه الأمة لينذرها الشرك بالله، ويدعوها إلى توحيد الله ، وكان الشرك في وقته قد انتشر في الأرض، وعم ولم يبق على التوحيد إلا البقايا القليلة من أهل الكتاب، فأنذرهم عليه الصلاة والسلام من هذا الشرك، وكانوا يتعلقون على الأشجار والأحجار والأصنام، ويدعون الأنبياء والصالحين ويستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويقولون: إنهم شفعاؤنا عند الله، وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى، كما ذكر الله ذلك عنهم في قوله سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، قال الله سبحانه راداً عليهم: قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس:18]، هذا شأن المشركين يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار والأولياء والأنبياء، وبهم يستغيثون، ولهم ينذرون، وإليهم يتقربون بالذبائح، هذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو الذي أنكرته الرسل، وأنكره أتباعهم من دعاة الحق، وقال الله فيه سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال فيه : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقال فيه سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال فيه : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وفي الآية الأخرى: فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]، وبهذا نعلم حقيقة الشرك، وأنه تشريك غير الله مع الله بعباده ، من أولياء أو أنبياء أو جن أو ملائكة أو أحجار أو أصنام أو شجر أو غير ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو الذنب الأعظم الذي نهت عنه الرسل، وأنزل الله فيه الكتب سبحانه وتعالى، وتوعد عليه عز وجل بعدم المغفرة وبعدم دخول الجنة، وهكذا يلحق بذلك جميع أنواع الكفر، كلها حكمها حكم الشرك، كمن سب الله، أو سب رسوله، أو استهزأ بالدين، أو تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم، أو طعن في رسالته عليه الصلاة والسلام، أو جحد بعض ما أوجب الله من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، كأن جحد وجوب الصلاة، الصلوات الخمس، أو جحد وجوب زكاة المال، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا، أو جحد تحريم الخمر، أو جحد تحريم السرقة، أو ما أشبه ذلك، كل هذا يسمى كفراً ويسمى شركاً بالله ، وصاحبه إذا مات عليه يخلد في النار نعوذ بالله، والجنة عليه حرام، وأعماله حابطة، كما قال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال : وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5].
والواجب على جميع المكلفين الحذر من هذا الشرك، وأن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة لغير الله، وتثبت العبادة لله سبحانه وتعالى، كما قال : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وهذا التوحيد هو الذي خلق الله من أجله الثقلين، كما في قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، المعنى: إلا ليخصوني بالعبادة، ليفردوني بعبادتي، من صوم وصلاة ودعاء وخوف ورجاء وغير ذلك، فهذا هو واجب المكلفين جميعاً أن يعبدوا الله وحده، ويخصوه بعباداتهم دون كل ما سواه.
أما الرسل والأنبياء فحقهم الاتباع والمحبة والطاعة، أما العبادة فحق الله ، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] .. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] .. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].
وهكذا الأولياء حقهم أن يحبوا في الله، وأن يسلك سبيلهم الطيب، في طاعة الله ورسوله، أما أن يعبدوا مع الله، لا، العبادة حق الله، لا يعبد مع الله أحد لا ملك ولا نبي ولا ولي ولا غير ذلك.
والواجب على جميع المكلفين أن يكون اهتمامهم بهذا الأمر أعظم اهتمام؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة، وهو أعظم واجب وأهم واجب؛ ولأن الشرك هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم، فوجب أن يكون اهتمام المسلمين واهتمام طلاب العلم بهذا الأمر أعظم من كل اهتمام، وأولى من كل أمر، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. نعم. 
فتاوى ذات صلة