السؤال: هذه رسالة من السائل أحمد علي حسن الزهراني له فيها عدة أسئلة وإن كان قد تكرر أكثرها سؤال حول تارك الصلاة وهل يدفن في مقابر المسلمين، وسؤال حول غلاء المهور وما نتج عنه من تعطل كثير من الشباب والفتيات عن الزواج بسبب غلاء المهور، ويطلب وضع حل لهذه المشكلة، وسؤال آخر عن دعاء الشياطين والبناء على القبور، هذه خلاصة الأسئلة التي وردت في رسالته؟
الجواب: أما السؤال الأول وهو تارك الصلاة هل يدفن في مقابر المسلمين؟ فقد تنازع العلماء في حكمه إذا تركها تهاونًا وهو لم يحل وجوبها بل يؤمن بأن الصلاة فريضة، ولكن تركها تهاونا وكسلًا، فذهب قوم إلى أنه لا يكفر بذلك كفرًا أكبر بل كفر أصغر وأنه يدفن مع المسلمين ويغسل ويصلى عليه، وهذا قول معروف عند جمع كبير من أهل العلم.
والقول الثاني أنه يكفر كفرًا أكبر وهذا هو الأصح والأرجح.
فعلى هذا لا يدفن مع المسلمين بل يدفن في محل بعيد عن الناس لا يعرف ويسوى عليه الأرض كسائر الكفرة؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ولم يستثن أحدًا، ولم يقل: إذا كان جاحدًا لوجوبها، وهذا حديث صحيح رواه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، وروى مسلم في صحيحه عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة والكفر معرف والشرك معرف يرجع للكفر الأكبر والشرك الأكبر، هذا هو الأصح والأرجح لأدلة أخرى كثيرة تدل على أن المتهاون في ترك الصلاة ليس معه من الإسلام شيء بل قد فارق الإسلام نسأل الله العافية والسلامة.
وأما المهور وما يتعلق بغلائها فهذا قد سبق فيه فتاوى كثيرة ونشرنا عن ذلك نشرات كثيرة، وكتب مجلس هيئة كبار العلماء في ذلك كتابات في الحث على عدم المغالاة والاقتصاد في المهور والولائم وهذا حق، فالواجب على المسلمين أن يتعاونوا في هذا وأن يقتصدوا في المهور والولائم حتى يمكنوا المتوسط في الدخل ومن يعجز عن كثير من المهور ومن مئونة الولائم حتى يمكنوهم من الزواج ويسهلوا لهم الزواج.
فالمقصود أن هذا شيء يجب على المسلمين التعاون فيه وعلى ولاة الأمور التعاون مع الناس في ذلك حتى يتركوا هذه المغالاة في المهور وفي الولائم، وهذا حق على الجميع واوجب على الجميع أن يتعاونوا فيه وأن يتواصوا به لعل الله جل وعلا يمن بترك الناس لهذا الشيء حتى يحسنوا بذلك إلى فقرائهم وإخوانهم الذين يعجزون عن هذه الأمور.
وأما ما يتعلق بدعوة الشياطين والاستغاثة بالجن وبأصحاب القبور فهذا من الشرك بالله ، فدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم وطلبهم المدد هذا من الكفر الأكبر، وهذا واقع في كثير من الناس في بلدان كثيرة ودول كثيرة يأتي إلى الميت المشهور الذي يسمونه ولي، فيقول: يا سيدي! اشف مريضي رد غائبي المدد المدد، وهذا كفر أكبر بإجماع أهل السنة والجماعة ولا عبرة بمن خالف من المتأخرين الذي جهلوا هذا الأمر ولم يعرفوه وظنوا أن الشرك توحيد وأن التوحيد شرك فهؤلاء لا عبرة بهم.
فالأدلة من الكتاب والسنة كلها تدل على أن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات وطلبهم المدد من جنس دعاء الأصنام ومن جنس دعاء الكواكب ومن جنس دعاء الأشجار والأحجار كله شرك بالله، كله من عمل الجاهلية، من جنس عمل أبي جهل وأشباهه من كفار قريش حين دعوا العزى وهي شجرة، وحين دعا أهل الطائفة اللات في عهد النبي ﷺ وهي صخرة كان يلت عليها رجل صالح السويق فعظموها وصاروا يعبدونها من دون الله، هذا كله باب واحد فدعاء الأموات والاستغاثة بالأشجار وبالأحجار وبالأصنام وبالكواكب وبالجن كله باب واحد وكله من الشرك بالله .
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا هذه الأمور وأن يحذروها الناس، والواجب على العلماء أن يبذلوا وسعهم في هذا الأمر وأن يجتهدوا في تبيين هذا الأمر للناس في الوسائل وسائل الإعلام المنظورة والمقروءة والمسموعة حتى يكون الناس على بينة، فإن كثيرًا من الناس قد وقع في هذا في بلدان كثيرة ودول متعددة يطوف بالقبر ويدعو صاحبه ويستغيث به وينذر له ويذبح له ويطلبه المدد والغوث ويعرض عن الله عز وجل، وهذا من البلاء العظيم.
فالواجب صرف هذه العبادات لله وحده كما قال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال سبحانه: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] وقال سبحانه: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وقال : وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] وقال : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] فسماهم كفرة بهذا الدعاء ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال : ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14] فسمى دعاءهم لغير الله شركًا، وهذا يعم دعاء الأموات من الصالحين والأنبياء ويعم دعاء الجن ودعاء الأصنام وغير ذلك، كله شرك بالله وكله باطل.
وبين سبحانه أن المدعوين لا يسمعون دعاء الداعي ولا يستجيبون لو سمعوا، فهو خاسر في الدنيا والآخرة هو خاسر في الدنيا والآخرة، ولكن الشياطين قد تقضي له بعض حاجاته فيظن أن الميت قضى حاجته، وهذا من الجهل بالله والجهل بدينه، فالميت عاجز عن ذلك مرتهن بعمله ليس له قدرة أن يقضي حاجتك، وليس له قدرة أن يسمع دعاءك ولا أن يستجيب لك إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ [فاطر:14] هذا كلام الرب أصدق القائلين ، هذا كلام ربنا وهو أصدق القائلين وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] فهذا يبين لنا أن دعاءهم باطل وأنه شرك أكبر وأن صاحبه خاسر لا يستجاب له ولا يسمع دعاؤه، ولكن الجن الذين هم الشياطين الذين هم يدعون الناس إلى النار هؤلاء قد يستجيبون وقد يأتون لصاحب الدعاء بشيء من حاجاته الدنيوية، وقد يزينون له أن دعاء الأموات طيب وأنه مستجاب فيقضوا بعض حاجاته، وقد يتعرض لمرض بعض أقاربه فإذا دعاهم واستغاث بهم كفوا عنه وتركوا ما قد فعلوا به، فالشياطين لهم وسائل كثيرة ولهم حيل كثيرة في إيقاع الناس في الشرك الأكبر نعوذ بالله كما قال : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] نعوذ بالله! وأما البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب هذا من البدع وهذا من وسائل الشرك، وقد وقع هذا من دهور طويلة في القرن الثاني وبعده من الغلاة من بعض الشيعة وغير الشيعة بعضهم غلا في قبور أهل البيت وبعضهم غلا في قبور غيرهم فوقع هذا البلاء من أصناف كثيرة من الشيعة وغير الشيعة، من الغلاة الجهلة، فلما بنيت المساجد على القبور وبني عليها القباب وعظمها الجهال بالفرش والأطياب ظن العامة والجهلة أنهم ينفعون ويضرون وأنه يستجيب لداعيهم وأنهم يقضون حاجاته، وأنهم يمدونه بشفاء مريضه فوقع الشرك الأكبر بذلك، فصارت هذه البنايات على القبور والقباب والمساجد وسيلة للشرك بالله عز وجل، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أيضًا: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك خرجه مسلم في صحيحه، والأول خرجه الشيخان في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها فيجب على أهل الإسلام أن يحذروا هذه الشرور ويجب على العلماء أن يحذروا الناس ويجب على ولاة الأمور أهل الحل والعقد يجب عليهم أن يأخذوا على أيدي السفهاء والجهلة وأن يمنعوهم من هذا الشرك، وأن يهدموا مع القبور مساجد وقباب حتى تكون القبور ضاحية للناس بارزة كما كانت في عهد النبي ﷺ في البقيع وغيره فهكذا يجب أن تكون بارزة في الصحراء مكشوفة ليس عليها أبنية يعرفها الناس أنها قبور حتى يزوروها للسلام عليها والدعاء لهم، هكذا شرع الله جل وعلا، قال النبي ﷺ: زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة فيزورها المسلم ويسلم عليهم قائلًا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ويدعو لهم بالمغفرة.
فالزيارة الشرعية للذكرى وللدعاء للميت والترحم عليه، لكن هؤلاء المشركون عكسوا القضية صاروا يأتونها ليدعوها من دون الله، ليستغيثوا بها لينذروا لها يطلبوها المدد، وهذا من أبطل الباطل، والمشروع لنا أن نزورها لندعو لهم.. نستغفر لهم.. نترحم عليهم لا لندعوهم من دون الله لا، ولكن ندعو لهم بالمغفرة.. ندعو لهم بالرحمة.. نستغفر الله لهم.. نتذكر الآخرة.. نتذكر الموت، وكان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية وفي لفظ قال: يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وكان يزور القبور عليه الصلاة والسلام ويقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أتاكم ما توعدون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد هكذا كان يفعل وأصحابه يزورون القبور يدعون للموتى يترحمون عليهم من المسلمين يستغفرون لهم، وبهذا يذكرون الآخرة يذكرون الموت حتى يعدوا له عدته.
بخلاف ما فعله .... المشركون الذين جهلوا الأمر وجهلوا الحق فغيروا وبدلوا، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله أن يهدي المسلمين وأن يبصرهم بدينهم، وأن يوفق علماءهم وحكامهم لتنبيههم وتعليمهم وإرشادهم ومنعهم من الباطل والشرك إنه خير مسئول سبحانه وتعالى.
المقدم: جزاكم الله خير.