من عبدالعزيز بن عبدالله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ: ع، ح، خ. وفقه الله لما فيه رضاه وزاده من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 24 / محرم / 1411 هـ وصلكم الله بهداه، واطلعت على جميع ما ذكرتم، ويسرني أن أخبركم أن الأحاديث المتعلقة بالفتن والتحذير منها محمولة عند أهل العلم على الفتن التي لا يعرف فيها المحق من المبطل فهذه الفتن المشروع للمؤمن الحذر منها، وهي التي قصدها النبي ﷺ بقوله: القاعد فيها خير من القائم والماشي خير من الساعي...[1] الحديث.
أما الفتن التي يعرف فيها المحق من المبطل والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة بل قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصر المحق والمظلوم على الباغي والظالم، ومن هذا الباب ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. فإن المصيب عند أهل السنة هو علي وهو مجتهد وله أجران. ومعاوية ومن معه مخطئون وبغاة عليه لكنهم مجتهدون طالبون للحق فلهم أجر واحد رضي الله عن الجميع.
وأما الاستعانة ببعض الكفار في قتال الكفار عند الحاجة أو الضرورة؛ فالصواب أنه لا حرج في ذلك إذا رأى ولي الأمر الاستعانة بأفراد منهم، أو دولة في قتال الدولة المعتدية لصد عدوانها؛ عملًا بالأدلة كلها. فعند عدم الحاجة والضرورة لا يستعان بهم، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، للذي أراد أن يخرج معه في بدر وهو مشرك: ارجع فلن نستعين بمشرك[2] وعند الحاجة والضرورة يستعان بهم على وجه ينفع المسلمين ولا يضرهم، وفي هذا جمع بين الأدلة الشرعية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استعان بالمطعم بن عدي لما رجع من الطائف ودخل في مكة بجواره، واستعان بعبدالله بن أريقط الديلي ليدله على طريق المدينة وكلاهما مشرك، وسمح للمهاجرين من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة مع كونها دولة نصرانية لما في ذلك من المصلحة للمسلمين وبعدهم عن أذى قومهم من أهل مكة من الكفار. واستعان بدروع من صفوان بن أمية يوم حنين وهو كافر، وأقر اليهود بخيبر بعد ذلك، واستعان بهم في القيام على مزارعها ونخيلها لحاجة المسلمين إليه واشتغال الصحابة بالجهاد، فلما استغنى عنهم أجلاهم عمر رضي الله عنه والأدلة في هذا كثيرة.
والواجب على أهل العلم الجمع بين النصوص وعدم ضرب بعضها ببعض.
ودولة البعث أخطر على المسلمين من دولة النصارى؛ لأن الملحد أكفر من الكتابي كما لا يخفى، وما فعله حاكم العراق البعثي في الكويت يدل على الحقد العظيم والكيد للإسلام وأهله.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض الناس قد يظن أن الاستعانة بأهل الشرك تعتبر موالاة لهم، وليس الأمر كذلك فالاستعانة شيء والموالاة شيء آخر. فلم يكن النبي ﷺ حين استعان بالمطعم بن عدي، أو بعبدالله بن أريقط، أو بيهود خيبر مواليًا لأهل الشرك، ولا متخذًا لهم بطانة، وإنما فعل ذلك للحاجة إليهم واستخدامهم في أمور تنفع المسلمين ولا تضرهم، وهكذا بعثه المهاجرين من مكة إلى بلاد الحبشة ليس ذلك موالاة للنصارى، وإنما فعل ذلك لمصلحة المسلمين وتخفيف الشر عنهم.
فيجب على المسلم أن يفرق ما فرق الله بينه، وأن ينزل الأدلة منازلها، والله سبحانه هو الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 24 / محرم / 1411 هـ وصلكم الله بهداه، واطلعت على جميع ما ذكرتم، ويسرني أن أخبركم أن الأحاديث المتعلقة بالفتن والتحذير منها محمولة عند أهل العلم على الفتن التي لا يعرف فيها المحق من المبطل فهذه الفتن المشروع للمؤمن الحذر منها، وهي التي قصدها النبي ﷺ بقوله: القاعد فيها خير من القائم والماشي خير من الساعي...[1] الحديث.
أما الفتن التي يعرف فيها المحق من المبطل والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة بل قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصر المحق والمظلوم على الباغي والظالم، ومن هذا الباب ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. فإن المصيب عند أهل السنة هو علي وهو مجتهد وله أجران. ومعاوية ومن معه مخطئون وبغاة عليه لكنهم مجتهدون طالبون للحق فلهم أجر واحد رضي الله عن الجميع.
وأما الاستعانة ببعض الكفار في قتال الكفار عند الحاجة أو الضرورة؛ فالصواب أنه لا حرج في ذلك إذا رأى ولي الأمر الاستعانة بأفراد منهم، أو دولة في قتال الدولة المعتدية لصد عدوانها؛ عملًا بالأدلة كلها. فعند عدم الحاجة والضرورة لا يستعان بهم، كما في حديث عائشة رضي الله عنها، للذي أراد أن يخرج معه في بدر وهو مشرك: ارجع فلن نستعين بمشرك[2] وعند الحاجة والضرورة يستعان بهم على وجه ينفع المسلمين ولا يضرهم، وفي هذا جمع بين الأدلة الشرعية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استعان بالمطعم بن عدي لما رجع من الطائف ودخل في مكة بجواره، واستعان بعبدالله بن أريقط الديلي ليدله على طريق المدينة وكلاهما مشرك، وسمح للمهاجرين من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة مع كونها دولة نصرانية لما في ذلك من المصلحة للمسلمين وبعدهم عن أذى قومهم من أهل مكة من الكفار. واستعان بدروع من صفوان بن أمية يوم حنين وهو كافر، وأقر اليهود بخيبر بعد ذلك، واستعان بهم في القيام على مزارعها ونخيلها لحاجة المسلمين إليه واشتغال الصحابة بالجهاد، فلما استغنى عنهم أجلاهم عمر رضي الله عنه والأدلة في هذا كثيرة.
والواجب على أهل العلم الجمع بين النصوص وعدم ضرب بعضها ببعض.
ودولة البعث أخطر على المسلمين من دولة النصارى؛ لأن الملحد أكفر من الكتابي كما لا يخفى، وما فعله حاكم العراق البعثي في الكويت يدل على الحقد العظيم والكيد للإسلام وأهله.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض الناس قد يظن أن الاستعانة بأهل الشرك تعتبر موالاة لهم، وليس الأمر كذلك فالاستعانة شيء والموالاة شيء آخر. فلم يكن النبي ﷺ حين استعان بالمطعم بن عدي، أو بعبدالله بن أريقط، أو بيهود خيبر مواليًا لأهل الشرك، ولا متخذًا لهم بطانة، وإنما فعل ذلك للحاجة إليهم واستخدامهم في أمور تنفع المسلمين ولا تضرهم، وهكذا بعثه المهاجرين من مكة إلى بلاد الحبشة ليس ذلك موالاة للنصارى، وإنما فعل ذلك لمصلحة المسلمين وتخفيف الشر عنهم.
فيجب على المسلم أن يفرق ما فرق الله بينه، وأن ينزل الأدلة منازلها، والله سبحانه هو الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه.
وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد[3]
- أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب تكون فتن القاعد فيها خير من القائم، برقم 6554، ومسلم في كتاب الفتن، باب نزول الفتن كمواقع القطر برقم 5136.
- أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر، برقم 3388.
- صدر من مكتب سماحته برقم 275/ خ وتاريخ 5/3/1411هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 25/ 381).