بَابُ سُنَنِ الْفِطْرَةِ
128- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الِاسْتِحْدَادُ، وَالْخِتَانُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
129- وَعَنْ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا تُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، وَقَالُوا فيه: "وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".
130- وَعَنْ زَكَرِيَّا ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ يَعْنِي: الِاسْتِنْجَاءَ، قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ مُصْعَبٌ: "وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
بَابُ الْخِتَانِ
131- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُر السِّنِينَ.
132- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: "أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
133- وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، قَالَ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ، يَقُولُ: احْلِقْ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي آخَرُ مَعَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِآخَرَ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ، وَاخْتَتِنْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
بَابُ أَخْذِ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ
134- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
135- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.
136- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَاحْفُوا الشَّوَارِبَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ الْبُخَارِيُّ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ.
بَابُ كَرَاهَةِ نَتْفِ الشَّيْبِ
137- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ؛ فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث في سُنن الفطرة، وفي إعفاء اللِّحَى وإكرامها وتوفيرها، وقصّ الشوارب، وفي كراهة نتف الشَّيب، كلها دالة على أن سُنن الفطرة ينبغي للمؤمن أن يُحافظ عليها، وأن يعتني بها كما بيَّنه الرسولُ ﷺ، قال: خمسٌ من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقصّ الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الآباط، فهذه من السنن التي فطر الله العباد عليها، وشرعها لهم.
فيُسن للمؤمن والمؤمنة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الآباط، هذا مُشترك بين الجميع، ما عدا قصّ الشارب، فهو معلومٌ من اختصاص الرجال، أما الاستحداد وقلم الأظفار ونتف الآباط وحلق العانة فهذا مشتركٌ للجميع، ومُستحبٌّ للجميع.
وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى وجوب الختان على الرجال، وجاء عن ابن عباسٍ فيه التَّشديد، وذهب إليه جماعةٌ من أهل العلم، والجمهور على أنه سنة مُؤكدة كبقية سُنن الفطرة.
وفي حديث أنسٍ: "وُقِّت لنا في قصِّ الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة؛ ألا يُترك ذلك أكثر من أربعين ليلة"، أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظ: "وُقِّت لنا".
ومعلومٌ أن الصحابي إذا قال: "وُقِّت لنا" أو "أُمرنا" أو "نُهينا" فالمراد به النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد أخرجه -كما ذكره المؤلف- أحمد والنَّسائي وجماعة بالرفع، قال: "وقَّت لنا رسولُ الله ﷺ في قصِّ الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة، ألا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة"، لكن في رواية المرفوع ضعف؛ لأنها من رواية صدقة بن موسى المعروف، وهو مضعف في الحديث، والرواية التي فيها: "وُقِّت لنا" التي رواها مسلمٌ أصحّ.
وبكل حالٍ، فالمعنى واحد، فإنَّ الرواية المصرحة بالرفع موضحة ومبينة، وهي المرادة، وإن لم يكن سندُها جيدًا.
وفي هذا دلالة على أنه لا ينبغي للمؤمن ولا للمؤمنة التَّساهل بهذا الأمر، بل ينبغي العناية بهذا: قلم الأظفار، نتف الآباط، حلق العانة ينبغي للجميع أن يُلاحظ ذلك، وألا يُترك أكثر من أربعين ليلة، بل يجتهد في حلق العانة، وقلم الظفر، ونتف الإبط.
هكذا الرجل: قصّ الشارب كما أرشد إليه النبيُّ عليه الصلاة والسلام؛ ولأنها إذا طالت قد تُسيئ إلى المنظر، وربما ترتب عليها شيء من الأوساخ، وربما تغيرت الروائح كما في الإبط.
فالحاصل أنَّ مُلاحظتها والعناية بها فيه شيء من التَّأدب كما بيَّنه النبيُّ عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: عشرٌ من الفطرة: قصّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، وقلم الأظفار، ونتف الآباط، وحلق العانة، وغسل البراجم، وانتقاص الماء، هذه كلها مشروعة، وبعضها واجب: كإعفاء اللحية، وقصّ الشارب، وبعضها مُستحبّ: كالسواك، وانتقاص الماء أيضًا مُفترض، والاستنجاء إما بالماء، وإما بالحجارة.
فهذه السنن فيها الواجب، وفيها المستحبّ، فينبغي للمؤمن أن يُحافظ عليها، وأن يعتني بها.
أما تعلق مَن تعلَّق بهذا الحديث في جعل إعفاء اللحية من المستحبَّات؛ فهو تعلُّق باطل، فإن الرسول ﷺ أمر بهذا الأمر، قال: قصوا الشوارب، وأعفوا اللِّحَى، خالفوا المشركيننهأنها، وقال: جزُّوا الشَّوارب، وأعفوا اللِّحَى، خالفوا المجوس، وقال: خالفوا المشركين؛ أحفوا الشوارب، ووفِّروا اللِّحَى، فهذه أوامر تدل على الفرضية.
وقال أبو محمد ابن حزم: اتَّفق العلماء على أنَّ قصَّ الشارب وتوفير اللحية أمرٌ مفترضٌ، وهذا منه يدل على أنَّ هذا هو المعروف عند أهل العلم، وإن كان بعضُ الناس قد لا يُسلم هذا الاتِّفاق؛ لأنَّ بعض أهل العلم أجازوا أخذ بعضها إذا طالت وفحشت، قال: يجوز أن يأخذ منها شيئًا من باب التَّجمل.
والصواب أنه لا يُؤخذ منها شيء، الصواب قول مَن قال: إنه واجب إعفاؤها وتوفيرها وإرخاؤها وعدم التَّعرض لها.
أما ما ذكره البخاريُّ عن ابن عمر: أنه كان في الحجِّ إذا حلَّ أخذ من لحيته ما زاد على القبضة، فهذا من اجتهاده ، ومن تحريه، فلا يُسلم له ذلك؛ فإنَّ السنة مُقدَّمة على كل أحدٍ، فالاجتهادات لا تُعارض بها السنن، لا من الصحابة، ولا من غيرهم، فالواجب الأخذ بالسنة، والتَّمسك بها، والعَضّ عليها بالنواجذ، وألا يُلتفت إلى مَن خالفها، وإنما يُدعى له بالمغفرة، ويُدعى له بالعفو لاجتهاده.
ويدل على هذا المعنى أنَّ حديث عائشة ليس فيه محض السنن، بل فيه ما هو واجب، وفيه ما هو مستحب، فذكر اللِّحى هناك لا يدل على أنه من قسم المستحب، بدليل أحاديث أخرى دالة على فرضية الوجوب، وهذا هو الأصل في أوامره عليه الصلاة والسلام.
ثم هي شعار المسلم، خلاف الكفرة، وهي شعار الرجل، خلاف المرأة، وفي بقائها وتوفيرها مخالفة للنساء، ومخالفة لمن يُعاديها من الكفرة.
وأما ما رواه الترمذي: عن أبي هريرة قال: "كان النبيُّ يأخذ من لحيته من طولها وعرضها"، كما قد تعلَّق به قومٌ، فهو أيضًا خبر لا يصحّ عن النبي ﷺ، وليس لهم فيه تعلّق ولا حُجَّة؛ لأنه خبر غير صحيحٍ بسبب انفراد عمر بن هارون البلخي المعروف بهذه الرواية، وهو متَّهم بالكذب، فلا يتعلق بروايته.
فالواجب هو التمسك بما جاء في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن عمر: قصّوا الشَّوارب، ووفِّروا اللحى، قصُّوا الشوارب، وأعفوا اللحى، وما جاء في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة: جزُّوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس.
فترك هذه المحكمات وهذه الأوامر الواضحات لأشياء ضعيفة، أو أشياء اجتهد فيها بعضُ الناس؛ هذا ليس من أمر المؤمن، وليس من أمر الحيطة للدِّين.
وفي حديث نتف الشَّيب دلالة على كراهة نتف الشيب، وأن من السنة أن يُبقيه؛ لأنَّ فيه ذكرى أن يستعدَّ لآخرته، فإنَّ مَن شاب فقد مات بعضُه، فينبغي له أن يستعدَّ للقاء الله، وألا يتعرض للشيب بشيءٍ؛ لما فيه من الذكرى.
علَّق عليه عندك؟
الطالب: قال: أخرجه أيضًا الترمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ، وقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث قتادة، عن أنس بن مالكٍ: "كنا نكره أن ينتف الرجلُ الشعرةَ البيضاءَ من رأسه ولحيته".
الشيخ: وأما ختان إبراهيم: فهو اختتن وهو كبير السن عليه الصلاة والسلام بالقدوم بالتَّخفيف، ذُكر فيها التَّخفيف، وقال قومٌ بالتَّشديد -من أئمَّة اللغة- ولكن الأشهر فيها التَّخفيف، وأنها موضع معروف، قيل: في الشام، وقيل: في غيره، عليه الصلاة والسلام.
وقال بعضُهم: إنها الآلة المعروفة، ولكن هذا القول مرجوح، والصواب أنَّ المراد المحلّ الذي وقع فيه اختتانه.
وأما سرُّ كونه اختتن وهو ابن ثمانين سنة: فلعله والله أعلم لم يبلغ ذلك إلا بعدما كبر سنه، يعني: لم يُشرع له ذلك، ولم يبلغ إلا بعد أن بلغ هذا السن، أما في شريعة محمدٍ ﷺ فالسنة البدار بذلك، وأن يكون الأمر ......
وقال الأطباء: إنه كلما كان في الصِّغر فهو أقلّ تعبًا وكُلفةً، فمَن اختتن وهو صغيرٌ كان أسلم وأنجح وأسرع للبُرْءِ.
وأما حديث إلقاء الشعر والاختتان لمن أسلم: هو حديثٌ ضعيفٌ عند أهل العلم، ولم يثبت عنه ﷺ، لما أسلم الناسُ في عام الفتح لم يثبت عنه أنه أمرهم بالاختتان، فدلَّ ذلك على أنه مُستحب، سنة.
والاختتان في حقِّ الكبير قد يضرّه ويُنفره من الإسلام أيضًا، فينبغي لمن يتولى النظر في إسلام الناس وتلقينهم الإسلام ألا يُنفرهم بالاختتان إلا بعدما يستقروا في الإسلام، فإذا استقرُّوا في الإسلام فلا مانعَ أن يُخبرهم بأنه سنة إذا تيسر الاختتانُ من دون خطرٍ، أما أن يُبادر به من حين الإسلام فقد يكون فيه شيء من التَّنفير، ويدل على هذا أنه ﷺ لم يُؤثر عنه لما أسلم الناسُ عام الفتح أنه قال لهم: اختتنوا.
أما حديث حُذيفة هذا فضعيفٌ لا يُعوَّل عليه، وكذلك في إلقاء الشعر، إنما ثبت الغسل من حديث قيس بن عاصم، يُشرع له الغُسل، وأما الوضوء ففيه نظر، لكن يُشرع له الغسل إذا أسلم، ويدل على عدم الوجوب أنه لم يأمر الناسَ لما أسلموا عام الفتح بالغسل ولا بالاختتان، فدلَّ على عدم الوجوب، وإنما يُستحب فقط، ولهذا أمر به قيس بن عاصم، وأمر به بعضَ الناس، يدل على الشرعية، لا على الوجوب، والله أعلم.
الأسئلة:
س: القول بأنَّ بقاء شيءٍ من البول أو من النَّجاسة في القلفة هذه؟
ج: المتعاهد بها لا يبقى شيء.
س: كراهة نتف الشَّيب للتنزيه أو للتَّحريم؟
ج: الله أعلم.
س: الاختتان للرجل؟
ج: مُستحب، نعم مُستحب.
س: قول ابن عباس: "وكانوا لا يختنون الرجلَ حتى .."؟
ج: يعني ......
س: الشارب المشروع فيه القصّ أو الحلق؟
ج: القصّ.
س: ما جاء عن أبي هريرة مثلما جاء عن ابن عمر بأنه كان يأخذ ...؟
ج: إن ثبت عنه يكون حكمه ..... من باب أولى.
س: ...... الفُقهاء أخذًا بقول ابن عمر ..... ما زاد عن القبضة منها؟
ج: نعم، نعم، أخذًا بقول ابن عمر ..... السلف.
س: الختان يُستحب بالنسبة للمرأة؟
ج: نعم.
س: ............؟
ج: يُكره.
س: ......... قبل دفنه؟
ج: لا، لا يُتعرض له.
بَابُ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِمَا وَكَرَاهَةِ السَّوَاد
138- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: جِيْءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَكَأَنَّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اذْهَبُوا بِهِ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
139- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ شَابَ إلَّا يَسِيرًا، وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما بَعْدَهُ خَضَّبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَزَادَ أَحْمَدُ قَالَ: وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِي قُحَافَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ، حتى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَبِي بَكْرٍ: لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ؛ تَكْرِمَةً لِأَبِي بَكْرٍ، فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: غَيِّرُوهُمَا، وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ.
140- وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، فَأَخْرَجَتْ إلَيْنَا مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا هُوَ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ.
141- وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَفْعَلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
142- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ هَذَا الشَّيْبَ بالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
143- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
144- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ قَدْ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا!، فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، فَمَرَّ آخَرُ وَقَدْ خَضَّبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
145- وَعَنْ أَبِي رَمْثَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ مَعَ أَبِي، وَلَهُ لِمَّةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاء". رَدْعٌ -بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ- أَيْ: لَطْخٌ يُقَالُ بِهِ: رَدْعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلفُ كلها تتعلق بالخِضاب، وهو خضب الشَّيب وتغييره، وقد دلَّت الأحاديثُ الكثيرة الصَّحيحة المستفيضة عن الرسول ﷺ على استحباب تغيير الشيب، وألا يُترك أبيض، بل يُستحب تغييره؛ ولهذا قال ﷺ: إنَّ اليهود والنَّصارى لا يصبغون، فخالفوهم، أخرجه الجماعة.
والمراد بالجماعة: أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، هذا المراد بالجماعة عند المؤلف، وهكذا عند الحافظ في "البلوغ" إذا قال: الجماعة، أو السبعة، فالمراد به هؤلاء رحمهم الله.
فدلَّ ذلك على أن السنة أن نُخالف اليهود والنصارى في ذلك، وأن نصبُغ؛ لأنهم لا يصبغون، وقد شرع الله لنا أن نُخالفهم في أزيائهم.
فيُسن للمؤمن والمؤمنة تغيير الشَّيب خلافًا لليهود: بالصفرة، أو بالحمرة، أو بالحناء والكتم، السنة التَّغيير بأي أمرٍ كان، ما عدا السواد، ودلَّت الأحاديث على أن أفضل التَّغيير الحناء والكتم، أو الحناء فقط، أما رواية أنه ذكر الصُّفرة، وأنها أحسن، فهو حديثٌ ضعيفٌ ومعلولٌ، ولكن دلَّت الأحاديث على أنَّ التغيير يكون بالحناء وحده، أو بالحناء والكتم، وإذا غيَّر بالصُّفرة فلا بأس، والحناء إذا لم يكن غليظًا، وفيه شيء من الإشباع يكون صفرةً، فإذا غلظ قد يميل إلى السواد، ولكن لا يكون سوادًا، فإذا كان معه كتم صبغ صبغة بين الحُمرة والسَّواد.
فالحاصل أنه يغير الشّيب بصفرةٍ أو حمرةٍ أو بين ذلك: كالحناء والكتم.
وأما رواية مَن قال: إنه ﷺ لم يصبغ، وأن الشيب كان فيه قليلًا، فالظاهر أنَّ أسباب ذلك أنه ﷺ كان ربما مضى عليه بعض الوقت ولم يصبغ، فإنَّ الصبغ يزول ويبقى الشعر أبيض في بعض الأحيان، وربما رآه بعضُ الناس وظنَّ أنه لا يصبغ عليه الصلاة والسلام، فإنَّ الإنسان قد تفوته أيام لم يستدرك الصبغ بسبب المشاغل ونحو ذلك، فمَن رآه أبيض ظنَّ أنه لم يصبغ، ومَن رآه حين صبغ نقل عنه الصبغ عليه الصلاة والسلام.
وكان شعره الذي شاب قليلًا، نحو عشرين شعرة قد أصابها الشَّيبُ، في لحيته وعنفقته ورأسه عليه الصلاة والسلام، وغالب شعره أسود عليه الصلاة والسلام؛ لأنه مات وعمره ثلاث وستون سنة، لم يرتفع به السن عليه الصلاة والسلام، كما ذكر ابنُ عمر وأنس: أنَّ شعراته التي ابيضَّت قليلة، وغالب شعر رأسه ولحيته السواد عليه الصلاة والسلام.
وفي حديث جابرٍ: أنه ﷺ قال في قصة أبي قُحافة: جنِّبوه السواد لما جيء بأبي قحافة، وهو والد الصديق، واسمه عثمان بن عامر، والصديق اسمه عبدالله، وأبوه اسمه عثمان بن عامر، وكان شيخًا كبيرًا، أسلم عام الفتح، فلما أحضره الصديقُ إلى النبي ﷺ قال: غيِّروا هذا الشيبَ، وجنِّبوه السواد، وقال: كان رأسه ولحيته كالثَّغامة -بفتح الثاء- نوعٌ من الحشيش يكون أبيض، فالمعنى أنه كانت اللحية والرأس أبيض جدًّا، ولهذا أمر بهذا، أمر النبيُّ ﷺ أن يُغيَّر هذا الشَّيب وقال: وجنِّبوه السواد.
وفي رواية أنسٍ عند أحمد: أن الصديق جاء به إليه يحمله رضي الله عنه، فلما جاء أقعده بين يدي النبي ﷺ، فقال: لو أقررتَ الشيخَ في بيته لأتيناه؛ تكرمةً لأبي بكر، من أجل أبي بكر، لكن الصديق لم يرضَ بهذا، بل أتى به هو، ولذلك قال: "إنه أحقُّ أن يأتي إليك يا رسول الله"، فأتى به، وسلَّم على النبي ﷺ، وأسلم .
وفيه من الفوائد: البر بالوالد، والعناية بالوالد، فالصديق جاء به يحمله رضي الله عنه وأرضاه، وفي هذا أيضًا فضل التَّغيير، وأنه السنة، وأن الأفضل للمؤمن أن يتحرى هذه السنة، ويحرص عليها؛ لقول النبي ﷺ: غيِّروا هذا الشَّيب، وقوله: إنَّ اليهود والنَّصارى لا يصبغون، فخالفوهم.
وفي حديث أنسٍ، وفي حديث جابر: وجنِّبوه السواد دلالة على أنه لا يجوز الصبغ بالسواد؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عنه وقال: جنِّبوه السواد في حديث جابر، رواه مسلم رحمه الله في "الصحيح"، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، فيدل على تحريم الصبغ بالسواد.
وهكذا رواية أنسٍ عند أحمد، وسندها عند أحمد جيد، وهي مُوافقة لحديث جابر.
وهكذا ما رواه أحمد، وأبو داود، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: يأتي في آخر الزمان قومٌ يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يرحون رائحة الجنة، وهذا وعيدٌ يدل على أنه لا يجوز، وأنه من الكبائر.
فالحاصل أنَّ حديث ابن عباس، وحديث جابر، وحديث أنس، هذه الثلاثة وما جاء في معناها من الأحاديث كلها دالَّة على تحريم الصبغ بالسواد الخالص، ولكن بالحناء، أو الحناء والكتم، أو بالصُّفرة كما روى ابنُ عمر: "كان النبيُّ ﷺ يصبغ بالصُّفرة"، في "الصحيحين" عن ابن عمر: أن النبي ﷺ كان يصبغ بالصُّفرة، وكان ابنُ عمر يصبغ بها، فدلَّ ذلك على أن الرسول كان تارةً وتارةً، تارة بالحناء، وتارة بالحناء والكتم، وتارة بالصُّفرة، وهكذا أبو بكر الصديق، وهكذا عمر رضي الله عنهما، وهكذا الصحابة صبغوا، فدلَّ ذلك على أنها السنة، وهكذا حديث أبي رمثة.
كل هذه الأحاديث دالة على شرعية الصبغ، وأنه يكون بالصُّفرة، أو بالحمرة، أو بالحمرة ومعها شيء من السواد؛ كالحناء والكتم، أما السواد الخالص فهو الذي جاء فيه النَّهي والمنع.
وفَّق الله الجميع، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه.
الأسئلة:
س: حديث يأتي قومٌ يصبغون كحواصل الحمام صحيح؟
ج: لا بأس به، إسناده جيد، بعضهم أعلَّه بأنَّ فيه عبدالكريم .......، وهو غلطٌ، الذي فيه عبدالكريم الجزري، وهو ثقة.
س: هل يقتضي أنه من الكبائر؟
ج: يقتضي أنه من الكبائر؛ لأنهم لا يريحون رائحةَ الجنة.
س: حديث "خالفوهم" ما الذي صرفها عن الوجوب؟
ج: كأنه والله أعلم وجود البياض في عهد النبي ﷺ، فالصحابة كانوا في بعض الأحيان يتأخَّر عليهم الصبغُ أيامًا.
س: في حديث أنسٍ: "لم يكن شابَ إلا يسيرًا"، وحديث أم سلمة: "فإذا هو مخضوبٌ بالحناء والكتم"؟
ج: هذا يدل على أنَّ شعرات صبغها عليه الصلاة والسلام، لكن خفي على أنسٍ، والسر في ذلك أن النبي ﷺ قد يجعلها بيضاء في بعض الأحيان بسبب مشاغله عليه الصلاة والسلام، فظنَّ أنسٌ وغيره من بعض الصحابة الذين قالوا: "ما صبغ" بأنه خفي عليهم هذا؛ لأنَّ الشيب قليل، وفي آخر حياته قد يتخلَّف بعض الأحيان للشغل، ويبقى أبيض؛ فظنّوا أنه لم يصبغ، ومَن حفظ حُجَّة على مَن لم يحفظ.
س: هم يقولون: إنَّ هذا ..... أنها كانت تخضب الشعر كله؟
ج: لا، لا.
س: وجنِّبوه السواد؟
ج: نعم.
س: قال: إنما أعلوها؟
ج: لا، هذا غلط، الذي قال ..... كلام النبي ﷺ واضح في الأحاديث الصَّحيحة: غيِّروا، وجنِّبوا أين الإدراج؟!
س: ما في رواية دون هذه الزيادة من غير توقُّف ابن جريج عن أبي الزُّبير؟
ج: ولا في غيِّروها بشيءٍ، لكن زادوا: وجنِّبوه السواد حُجَّة، زيادة الثقة حُجَّة، ثم ليس بحُجَّة لوحده، جاء في الحديث: من حديث جابر .....، حديث أنس، حديث ابن عباس ليس فيه إدراجٌ عند الجميع.
س: ...............؟
ج: محل نظرٍ، الله أعلم.
بَابُ جَوَازِ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ وَإِكْرَامِهِ وَاسْتِحْبَابِ تَقْصِيرِهِ
146- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ شَعْرُ النبي ﷺ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
147- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَضْرِبُ شَعْرُهُ مَنْكِبَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: كَانَ شَعْرُهُ رَجِلًا، لَيْسَ بِالْجَعْدِ، وَلا السَّبْطِ، بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. أَخْرَجَاهُ.
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: كَانَ شَعْرُهُ إلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ.
الوفرة: الشعرة إلى شحمة الأذن، فإذا جاوزها فهو اللّمة، فإذا بلغ المنكبين فهو الجمّة.
148- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ.
149- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
150- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ ضَخْمَةٌ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إلَيْهَا، وَأَنْ يَتَرَجَّلَ كُلَّ يَوْمٍ.
بَابُ مَا جَاءَ فِي كراهة الْقَزَعِ وَالرُّخْصَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ
151- عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْقَزَعِ"، فَقِيلَ لِنَافِعٍ: مَا الْقَزَعُ؟ قَالَ: أَنْ يُحْلَقَ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ، وَيُتْرَكَ بَعْضٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
152- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ رَأْسِهِ وَتُرِكَ بَعْضُهُ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: احْلِقُوا كُلَّهُ، أَوْ ذَرُوا كُلَّهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
153- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمْهَلَ آلَ جَعْفَرٍ ثَلَاثًا أَنْ يَأْتِيَهُمْ، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَالَ: لَا تَبْكُوا عَلَى أَخِي بَعْدَ الْيَوْمِ، ادْعُوا لِي بَنِي أَخِي، قَالَ: فَجِيءَ بِنَا كَأَنَّنَا أَفْرُخٌ، فَقَالَ: ادْعُوا لِيَ الْحَلَّاقَ، قَالَ: فَجِيءَ بِالْحَلَّاقِ، فَحَلَقَ رُؤوسَنَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: هذه الأحاديث في تربية الرأس وإكرامه، والنهي عن القزع.
أما تربية الرأس: فقد ثبت عنه ﷺ أنه كان ذا لمةٍ عليه الصلاة والسلام، وكان يُسرح شعره، ويُرجّله عليه الصلاة والسلام بنفسه، وربما رجَّلته له إحدى زوجاته عليه الصلاة والسلام، وكان تارةً يطول إلى الأذن، وتارةً ينزل، وتارةً يضرب إلى المنكبين، كما جاء في عدَّة أحاديث عنه ﷺ؛ مثلما قال البراء: "ما رأيتُ من ذي لمةٍ أحسن من رسول الله ﷺ"، كان له شعر يضرب إلى منكبيه، فهي تختلف: تارةً تطول إذا ..... حلق، وتارة تخفّ إذا حلق، وقد حلق في حياته في حجّة الوداع، وتُوفي ﷺ وليس له جمّة ولا شيء؛ لأنه قد حلقها في حجّة الوداع، وكان شعره ذاك الوقت شعرًا قصيرًا؛ لأنه قد حلق قبل موته بنحو شهرين وأيام في حجّة الوداع، وكان في العمرة يُقصّر عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أنه كان يطول ويبلغ المنكبين إذا تُرك، وإذا حُلق ذهب، والأمر معلوم، وكذلك في التَّقصير؛ يُقصر في العمرة، وقد اعتمر عمرة الحديبية، وعمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وقصَّر فيها كلها عليه الصلاة والسلام.
كذلك حديث عبدالله بن مغفل في إكرام الشعر، وكذلك حديث أبي قتادة، كل هذا يدل على أن مَن كان له شعر فالسنة له أن يُلاحظه، وألا يدعه في حالةٍ سيئةٍ ومنظرٍ سيئ، بل يدهنه ويُسرحه ويحسنه؛ حتى لا يكون في منظرٍ غير مناسبٍ.
والأفضل ألا يكون إلا غبًّا ........، إلا أبا قتادة، وقد رخَّص له النبيُّ ﷺ، كان له جمّة كبيرة، ورخَّص له النبيُّ ﷺ أن يُرجِّلها كل يوم، وكان من خيرة الصحابة، وكان من الفرسان المعروفين رضي الله عنهم وأرضاهم.
أما إذا اتّخذت هذه الجمم لمقاصد سيئةٍ فإنها تُحلق وتُمنع، ولهذا لما اتّخذ نصرُ بن الحجاج في قصّته المشهورة، وافتتن به الناسُ؛ أمر عمرُ بحلق رأسه وإبعاده إلى العراق.
فالحاصل أنه إذا كان اتّخاذها للتّسنن والسنة من غير قصد عملٍ سيئ فإنه لا بأس بذلك، ولا حرج في ذلك، أما مَن اتّخذها من الشباب أو غير الشباب لمقاصد سيئةٍ: للفتنة، وتقصد النساء، والحرص على الفواحش، فهذا يُعاقَب بحلقها وبما يراه وليُّ الأمر من سجنٍ، أو إبعادٍ إلى مكانٍ آخر، كما فعل عمرُ رضي الله عنه وأرضاه.
وفي حديث ابن عمر وغيره في قصة القزع، وحديث عبدالله بن جعفر أيضًا؛ الدلالة على أنه لا بأس بحلق الرأس، فمَن حلق فلا بأس، ومَن ربَّاه فلا بأس، وإذا دعت الحاجةُ إلى حلقه شُرع حلقه: لمرضٍ، وحاجةٍ من الحاجات، كما حلقه كعبُ بن عجرة في الحُديبية لما آذته هوامُّ رأسه.
فإذا دعت الحاجةُ إلى حلقِه حَلَقَه، وإذا رأى تربيته فلا بأس، فالحلق جائز، والتربية جائزة، ولكن لا يجوز القزع، فإما أن يحلقه كله، وإما أن يتركه كله، ولهذا قال: احلقوه كله، أو دعوه كله، فدلَّ ذلك على أنه لا يجوز التَّبعيض.
وأطلق بعضُ أهل العلم الكراهة، ولكن ظاهر النَّهي التحريم؛ لأنه تشويه للخلقة، ومنظر لا يناسب، فلهذا كرهه النبيُّ ﷺ، ونهى عنه، فإما أن يحلق جميعَه، وإما أن يترك جميعه، فلما دعت المصلحةُ إلى حلق رؤوس أولاد جعفر دعاهم عليه الصلاة والسلام، وأمر بحلق رؤوسهم للمصلحة؛ لأنَّ بقاء الرأس كان يضرّهم لأسبابٍ وغير ذلك، فلهذا أمر بحلق رؤوسهم، وكانوا صغارًا، وكان أكبرهم عبدالله، كان حين مات النبيُّ ﷺ في سنِّ العاشرة تقريبًا، وكان أبوهم قُتل في يوم مؤتة شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه، في غزوة الشام -غزوة الروم- سنة ثمانٍ من الهجرة، قُتل هو، وعبدالله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وجماعة من المسلمين شُهداء، وخلَّف أيتامًا صغارًا: عبدالله ومحمد وعون، وعاش عبدُالله حتى مات سنة 80 للهجرة رضي الله عنهم جميعًا.
الأسئلة:
س: إمهالهم ثلاثة أيام؟
ج: كأنه يعني حتى تخفف، مقصوده يعني: لما جاءهم الخبرُ أمهلهم ثلاثة أيام، ثم جاءهم بعد ذلك، يعني: للنظر في شؤونهم.
س: قوله: ............. التَّفصيل يا شيخ في الأمر؟
ج: الأمر واسع ........ إذا كان له عمائم يأخذ مثل العمامة فأقل.
س: قول النبي أحسن الله إليك؟
ج: لا ينبغي، يقول بعضُ أهل العلم: لكن كونه يعمّه بالتَّقصير للعمرة والحجّ يكون أفضل، لكن ......، والواجب لظاهر الأحاديث القزع والتَّعليق ...... كله بالعمرة.
باب الاكتحال والادّهان والتَّطيب
154- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
155- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ، وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ.
156- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: حُبِّبَ إلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ، وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
157- وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَسْتَجْمِرُ بِالْأَلُوَّةِ غَيْرَ مُطْرَاةٍ، وَبِكَافُورٍ يَطْرَحُهُ مَعَ الْأَلُوَّةِ، وَيَقُولُ: "هَكَذَا كَانَ يَسْتَجْمِرُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الْأَلُوَّةُ: الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ.
158- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد.
159- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي الْمِسْكِ: هُوَ أَطْيَبُ الطِّيب. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَابْنَ مَاجَهْ.
160- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَطَيَّبُ؟ قَالَتْ: "نَعَمْ، بِذِكَارَةِ الطِّيبِ: الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".
161- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إنَّ طِيبَ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ، وَخَفِيَ لَوْنُهُ، وَطِيبَ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَخَفِيَ رِيحُهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
بَابُ الْإِطْلَاءِ بِالنُّورَةِ
162- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا اطَّلَى بَدَأَ بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنُّورَةِ، وَسَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالطيب، والاكتحال، والطلاء بالنورة لإزالة شعر العانة، قد ثبت في هذه الأحاديث وغيرها ما يدل على أنه ﷺ كان يعتني بالطيب، وكان يعتاد الطيب عليه الصلاة والسلام، وقد تواترت الأحاديثُ الكثيرة الدالة على ذلك في الجمعة وغيرها، فالمشروع للمؤمن أن يعتني بالطيب.
وكان النبي يتطيَّب بذكارة الطيب: المسك والعنبر، الذّكارة: ما تيسر، يعني: أطيب الطيب، وأقواه رائحة، والمسك هو من أطيب الطيب، وقد سمَّاه النبيُّ أطيب الطيب عليه الصلاة والسلام.
فهذا مما يدل على شرعية التَّطيب دائمًا، وأن يكون المؤمنُ بعيدًا عن الروائح الكريهة، ويعتاد العناية بالروائح الطيبة؛ اقتداءً به ﷺ، ولأنَّ هذا شيء مُحبب للنفوس.
وفيه أيضًا: الإحسان إلى الجليس، وإلى مَن يتَّصل به من أهله وأولاده ونحو ذلك؛ فإنَّ الرائحة الطيبة محبوبة، وهكذا الملائكة تُحبّ الرائحة الطيبة، وتكره الرائحة الخبيثة، ولهذا قال ﷺ: إن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم، لما نهى عن الصلاة لمن أكل ثومًا أو بصلًا أن يقرب المسجد، وقال: إن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم، فدلَّ ذلك على أنَّ الملائكة تُحبّ الطيبَ؛ لأنها طيبة، وتكره الروائح الكريهة.
أما الاكتحال: فقد دلَّت الأحاديثُ أيضًا على شرعية الكحل، وأنه مما يزيد البصر؛ ولهذا قال في الإثمد: إنه يجلو البصر، ويُنبت الشعر، وقد جاءت فيه عدّة أحاديث تدل على أنه من أفضل الكحل، ولهذا في حديث أبي هريرة: إنَّ من خير أكحالكم الإثمد؛ فإنه يجلو البصر، ويُنبت الشعر، وفي اللفظ الآخر: عليكم بالإثمد؛ فإنه يُنبت الشعر، ويجلو البصر، فهو من أحسن ما يُكتحل به، والأفضل أن يكون ثلاثة أميال لهذه ولهذه.
وأما حديث أبي هريرة: مَن اكتحل فليُوتر، ومَن فعل فقد أحسن، ومَن لا فلا حرج فحديثٌ فيه ضعفٌ، رواه أبو داود وجماعة، ولكنه من طريق أبي سعيدٍ الحمراني، ومن طريق الحصين الحمراني، عن أبي سعيدٍ، وكلاهما مجهولٌ كما قال الحافظُ، وهو حديثٌ ضعيفٌ، لكن قد يُستشهد له بالأحاديث الدالة على شرعية الإيتار في الاستجمار وفي غيره، وبكل حالٍ فالعمدة في هذا على كونه ﷺ يكتحل بثلاثة أميالٍ في كل عينٍ.
وفي حديث أبي هريرة: أنه ﷺ قال: مَن عُرض عليه الريحان فلا يردّه، "يردُّه" بضم الدال، وبفتح الدال "يردَّه"؛ لإتباع الدال الهاء، فردَّه على الأصل بفتح الدال؛ لأنه مُشدد مجزوم فيُفتح.
وفي لفظ مسلم: "ريحان" بدل "الطيب"، والريحان: هو كل نبتٍ له رائحة طيبة، يُقال له: ريحان، والمحفوظ في الرواية: "كان لا يردّ الطيبَ عليه الصلاة والسلام".
فالسنة لمن عُرض عليه الطيبُ ألا يردّه، وأن يتطيب؛ لأنه شيء ينفع ويسر، وهو خفيف المحمل، لا يُكلِّف شيئًا، ولهذا شُرع لمن عُرض عليه الطيب ألا يردّ الطيب، سواء كان مسكًا، أو عنبرًا، أو ريحانًا، أو غير ذلك مما تحسُن رائحته.
وفي حديث أبي هريرة الدلالة على أن طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، فهذا الحديث في إسناده نظر، فإنه رواه النَّسائي من رواية أبي نضرة، عن رجلٍ، عن أبي هريرة، فرجلٌ مُبهم، وفي روايةٍ عن أبي نضرة، عن ......، عن أبي هريرة، وفي سنده نظر، وله شواهد.
وبكل حالٍ، فالأفضل للمرأة أن يكون طيبُها مما يخفى ريحه، يعني: إذا ظهرت في الأسواق، ظهرت للناس، أما عند زوجها فإنها تتطيب بما شاءت من الطيب، وإنما هذا كله فيما إذا كانت تخرج إلى خارج البيت، فإنها إذا خرجت لخارج البيت قد يفتتن بها غيرها إذا أروح الطيب، فالذي ينبغي لها والواجب عليها أن تبتعد عن ذلك، وأن تفعل الطيب الذي يُرى لونه إذا احتاجت إلى ذلك؛ عند زيارتها للنساء ونحو ذلك، ولهذا في بعض الروايات: "كل عين زانية"، و"المرأة إذا استعطرت وخرجت إلى السوق فهي كذا وكذا زانية".
فالمقصود التحذير من هذا؛ لأنَّ التعطر والتَّبرج باللباس وإظهار المحاسن كله من أسباب الفاحشة، كله من أسباب الفساد، ولهذا قال الله جلَّ وعلا: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].
فالمقصود من هذا أن الواجب العناية بالبعد عن أسباب الفتنة، لا بإظهار المحاسن، ولا بالتبرج، ولا بالطيب الذي له رائحة في الأسواق، أما عند زوجها وبين أهلها فالأمر في هذا واسع.
وأما الاطلاء بالنّورة: فقد جاء في هذا الحديث، وقد حرصتُ على أن أجد سنده في ابن ماجه فلم يتيسر لي حتى الآن، وقد ذكر الحافظُ ابن كثيرٍ رحمه الله أنَّ سنده جيد، وهذا والله أعلم عند عدم تيسر الاستحداد، وإلا فالسنة الاستحداد، ولهذا قال ﷺ: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ..، فالاستحداد هو إزالة الشعر بالحديد –يعني: الحلق- فإذا لم يتيسر ذلك لأنَّ الرجل لا يُحسن أخذه بالحديد فلا بأس أن يُزيله بما تيسر من الأدوية: كالنورة وغيرها، لمن يُحسن ذلك.
وهكذا الإبط: يُسن نتفه، فإذا صعب وأزاله بغير النتف فلا بأس.
وهكذا الشعر: السنة قصه بالمقراض وجزه، هذا هو السنة.
وهكذا الأظفار: قلمها، فإذا قصَّها أو أزالها بشيءٍ آخر فلا بأس.
وإنما الأفضل الاعتناء بما جاء في السنة من الاستحداد في العانة، والنتف في الإبط، والقص في الشارب، والقلم في الأظفار، هذا هو الأفضل فيها كلها، وإذا أزال ذلك بشيءٍ آخر فلا حرج، المقصود الإزالة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ.
كذلك حديث أنس: حُبِّب إليَّ من دُنياكم: النساء، والطيب، وجُعلت قُرَّة عيني في الصلاة، هذا الحديث أيضًا رواه النسائي، ورواه أحمد بإسنادٍ جيدٍ، وله أسانيد ......، وهو يدل على أنه ﷺ كان يُحب النساء والطِّيب عليه الصلاة والسلام، ولهذا تزوَّج عدة من النساء، وله تسع نسوة حين مات عليه الصلاة والسلام، وكان يُحب النساء لما في الزواج من العفَّة وقضاء الوطر وغضِّ البصر، وكلما زادت الزوجات كان هذا أقرب إلى العفَّة، وإلى غضِّ البصر، وإلى حصول المقصود، وإلى كثرة النَّسل، ومثل هذا مصالح كثيرة.
والطِّيب معروفٌ تقدم، الطيب فيه إيقاظ الرائحة الطيبة، وهو يَسُرُّ الجليس، ويُنعش النَّفس، ويُناسب الملائكة، فالطِّيب كله خير، ولهذا حُبِّب إلى رسول الله: النساء والطِّيب.
قال: وجُعلت قُرَّة عيني في الصلاة، فالصلاة هي قرة العين، وهي راحة القلب، ونعيم الروح، فينبغي للمؤمن أن يُقبل عليها بقلبه وقالبه، وأن يخشع فيها ويطمئنّ فيها، وأن تستقرَّ عينه فيها؛ لأنها قرة العين.
أما رواية الثلاث فقال الحافظُ: لا أصل لها ......، إنما الرواية: حُبِّب إليَّ من دُنياكم: النساء، والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة، لكن زاد بعضُ العامَّة وبعضُ الناس غلطًا: "ثلاثًا"، والصلاة ليست من أمر الدنيا، الصلاة من أمر الآخرة، وهي من أمر الدين، قال الحافظ رحمه الله: وقد غلط أبو بكر ابن فورك فصنَّف جزءًا في ذلك وقال: "ثلاث"، وهكذا صاحب "الإحياء" قال: "ثلاث"، ولعلهم قالوا هذا من باب أنها الواقع، أنها ثلاث، لكنها ليست من الدنيا؛ ثنتان من الدنيا: النساء والطيب، أما قرة العين في الصلاة فهي من الآخرة، من أمر الدين.
الأسئلة:
س: المسك والريحان مُضرٌّ على مَن به رمد أو به جرح؟
ج: إذا كان يتأثر به أحدٌ لا يدخل عليهم جزاك الله خيرًا ..... المريض، أقول: إذا كان يتضرر به أحدٌ لا يدخل عليهم، لا يستعمله إذا .....
س: ..........؟
ج: يعني تولى الأمر هو، والبقية لأهله، هذا ما يُصحح خبره، وفي صحَّته عندي نظر، ولو قال الحافظ فيه ما قال.
س: بقية الجسد؟
ج: بقية الجسد نعم، هذا المراد لو صحَّ.
س: حديث ...........؟
ج: يعني: إزالة الشعر الذي فيه والأوساخ؛ لأنَّ بعض الناس قد يكون في شعره كثرة: في خاله، وفي صدره، وفي بطنه، وفي ساقه.
مداخلة: وقال الحافظ ابنُ كثير في كتابه الذي ألَّفه ابن همام: هذا إسناد جيد، وقد أخرجه ابن ماجه أيضًا من طريق .....، رواه عبدالرزاق عن .....
ج: قرأتُ هذا، قرأته، لكن أنا غير مقتنع، في صحته عندي نظر، يحتاج إلى مراجعةٍ، ويحتاج إلى تتبع أسانيده.
س: الألوه سنة، وإلا لأجل ...... في الجسم؟
ج: لا، سنة، سنة؛ لفعل النبي ﷺ.
س: تقليم الأظافر يعني خاصّ بالرجال؟
ج: لا، للرجال والنساء جميعًا، سنة قلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة للجميع، للرجال والنساء.
س: الكالونيا .....؟
ج: الكالونيا لا ينبغي استعمالها؛ لأنَّ فيها ..... مُسْكِر.
س: هل هي نجاسة عينية؟
ج: المقصود أنها ممنوعة؛ لأنَّ فيها مسكر، والجمهور يرونها نجسة، جمهور أهل العلم يقولون: كل مسكر نجس.
س: يجب غسلها قبل الوضوء؟
ج: إذا غسلها احتياطًا حسن، لكن لا يستعملها أصلًا، لا يجوز استعمالها أصلًا.
س: تزيين المرأة لزوجها ..... فيه الصدر والوجه بالأصباغ المعروفة؟
ج: إذا كان ما يضرّ ما يضرّ، إذا كان صبغًا لا يضرّ، يُلون الوجهَ ولكن لا يضرّ بالوجه.
أَبْوَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ فَرْضِهِ وَسُنَنِهِ
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ لَهُ
163- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَإلى رَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
بَابُ التَّسْمِيَةِ لِلْوُضُوءِ
164- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَم يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تعالى.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ، وَالْجَمِيعُ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ قَرِيبٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، يَعْنِي: حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ.
وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُويَه: أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وَتَأْكِيدِهِ لِنَوْمِ اللَّيْل
165- عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ، فَاسْتَوْكَفَ ثَلَاثًا" أَيْ: غَسَلَ كَفَّيْهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
166- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قَالَ: إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ.
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ، إلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُر الْعَدَدَ، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ.
167- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَها ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ –أَوْ: أَيْنَ طَافَتْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادٌ حَسَنٌ.
وأكثر العلماء حملوا هذا على الاستحباب مثلما رواه أبو هريرة : أن النبي ﷺ قال: إذا استيقظ أحدُكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات؛ فإنَّ الشيطان يبيتُ على خياشيمه متفق عليه.
بَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
168- عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لم يُحَدِّثْ فِيهِمَا نَفْسَهُ؛ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
169- وَعَنْ عَلِيٍّ : أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ، فَتَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَنَثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا طُهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وفيه مع الذي قبله دليلٌ على أنَّ السنة أن يستنشق باليمين، ويستنثر باليُسرى.
170- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لينتثر مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
171- وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ".
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وقال: لم يُسنده عن حماد غير هدبة وداود بن المحبر، وغيرهما يرويه عنه عن عمار، عن النبي ﷺ، لا يذكر أبا هريرة .
قلتُ: وهذا لا يضرّ؛ لأنَّ هدبة ثقة مخرج عنه في "الصحيحين"؛ فيُقبل رفعه وما يتفرد به.
بَابُ مَا جَاءَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِمَا عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ
172- عَنِ الْمِقْدَامِ بْن مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ؛ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَحْمَدُ وَزَادَ: "وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا".
173- وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَن الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها، قَالَ: أَتَيْتهَا فَأَخْرَجَتْ إلَيَّ إنَاءً، فَقَالَتْ: فِي هَذَا كُنْتُ أُخْرِجُ الْوَضُوءَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَيَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الإناء ثَلَاثًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يُمَضْمِضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ.
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي حَدَّثَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ بَدَأَ بِالْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَقَدْ حَدَّثَ أَهْلُ بَدْرٍ -مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ- أَنَّهُ بَدَأَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَبْلَ الْوَجْهِ، وَالنَّاسُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
بَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ
174- عَنْ لَقِيطِ بْنِ صبرة قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: أَسْبِغِ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
175- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث في صفة الوضوء، وبيان فضله، والتسمية فيه، والترتيب فيه والموالاة، بيَّن المؤلفُ رحمه الله جملةً من الأحاديث الواردة في ذلك، فهي دالة على أمور:
الأول: النية: فإن الوضوء عبادة، فلا بدّ له من نية، كما قال ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وذكر حديث عمر في ذلك، وهو حديث أخرجه الجماعة، والجماعة عند المؤلف هم: الإمام أحمد، وأصحاب الكتب الستة، هم الجماعة، يعني سبعة: الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهكذا عند صاحب "البلوغ" هم الجماعة.
ورواه المؤلف بقوله: إنما الأعمال بالنية، وإنما لمرئٍ ما نوى، وهذا أحد الألفاظ، وجاء في اللفظ الآخر: إنما الأعمال بالنيات بالجمع وإنما لكل امرئ ما نوى، وهو ثابتٌ في "الصحيحين" وغيرهما كما تقدم، وهو دليلٌ على أن العمل لا بدّ له من نيةٍ، والمراد هنا الأعمال التَّعبدية التي يتعبد بها الإنسانُ، فلا بدّ لها من نية: صلاة، ووضوء، وغير ذلك؛ حتى يميزها عن العادات.
ثم ضرب النبي ﷺ مثلًا بذلك فقال: فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، فكما أن الهجرة تختلف فهكذا الأعمال الأخرى، فيُميزها المؤمن بالنية، فقد يغسل يديه للتَّبرد أو للنَّظافة، وقد يتروش للنظافة، فيُميز وضوءه وغسله بالنية.
وهذا الحديث أصلٌ عظيم في أبواب العبادات، قال الشافعي رحمه الله: إنه يدخل في سبعين بابًا من الفقه، والمقصود أنه حديث عظيم، وقال بعضُهم: إنه ربع الدين، كما قال بعضُ الأئمة:
عمدة الدين عندنا كلمات | أربع من كلام خير البريه |
اتَّق الشبهات وازهد ودع | ما ليس يعنيك واعملن بنيه |
وقال بعضُهم: إنه نصف الدين، يعني شطر الإسلام؛ لأن الإسلام شطران: أعمال ظاهرة، وأعمال باطنة، فحديث النية يتعلق بالأعمال الباطنة، وحديث: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ يتعلق بالأعمال الظاهرة، وبكل حال فهو حديثٌ عظيم الشَّأن.
ثم ذكر المؤلفُ أحاديث التَّسمية عن أبي هريرة، وعن سعيد بن زيد، وعن أبي سعيد الخدري، وقد جاء في المعنى عدة أحاديث أخرى عن عائشة وعن غيرها، لكنها كلها فيها ضعف، كل أسانيد التسمية فيها ضعف، فاختلف العلماء فيها:
فالجمهور على أنها لا يُحتجُّ بها، وأنها سنة فقط، مُستحبة فقط، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
وقال أحمد رحمه الله: إنه لا يثبت منها شيء -أحاديث التسمية في الوضوء.
وقال آخرون من أهل العلم: إن مجموعها يشدّ بعضُه بعضًا، فتكون من قبيل الحسن لغيره، وصرح بهذا الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قوله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]عأعمال قال: إنها تشدّ بعضها بعضًا، وتكون من قبيل الحسن لغيره، ولهذا ذهب أحمد رحمه الله في مشروعيتها إلى وجوبها مع الذِّكْر، فينبغي للمؤمن ألا يدعها مع الذكر، ينبغي له ألا يدعها؛ خروجًا من الخلاف، في أقل أحوالها أنها سنة مؤكدة، والخلاف في وجوبها كما سمعت على حسب ما يقال في الأحاديث، والقول بأنها متقاربة، وأن مجموعها يقتضي أن الحديث حسن لغيره قول جيد وليس بالبعيد.
وفي الأحاديث الأخرى الدلالة على شرعية الوضوء ثلاثًا ثلاثًا؛ لأن هذا هو الغالب من فعله ﷺ أنه كان يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا: يغسل كفيه ثلاثًا، ويتمضمض ثلاثًا، ويغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا مع المرفقين، إلا الرأس فإنها واحدة، يمسحها واحدة مُقبلًا ومُدبرًا، ويغسل قدميه ثلاثًا، هذا هو الأفضل، وهذا هو الكمال.
وثبت عنه ﷺ أنه توضأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، فدلَّ ذلك على أن الثلاث ليست واجبة: لا في المضمضة، ولا في الاستنشاق، ولا في غسل الوجه، ولا في بقية الأعضاء، الثلاث مُستحبة ومتأكدة وليست واجبة، فلو توضأ مرةً مرةً صحَّ، كما رواه ابن عباس عن النبي ﷺ، كما في البخاري وغيره.
فالحاصل أن التكرار أفضل إلى ثلاث غسلات، ما عدا الرأس فمسحه واحدة، وإن لم يُكرر، بل توضأ مرة مرة، أو مرتين مرتين، أو بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، أو بعض الأعضاء مرتين، وبعضها مرة، كل ذلك صحيح، ولا حرج فيه، والحمد لله.
وأما حديث المقدام ففي صحَّته نظر، وهو تأخير المضمضة إلى ما بعد اليدين، والظاهر أنه شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، فلا يُعول عليه، وقد ثبت في الأحاديث عن رسول الله ﷺ واستفاضت عنه في "الصحيحين" وغيرهما أنه كان يتمضمض مع غسل وجهه، هذا هو المعروف عنه ﷺ، وحديث المقدام هذا إن سلم سنده فهو من باب الأحاديث الشَّاذة المخالفة للأحاديث الصحيحة الدالة على أنه يتمضمض ويستنشق عند غسل الوجه.
وهكذا رواية الربيع: من أخَّر المضمضة حتى غسل الوجه، محل نظر، ولكنه يكون فيه سهلًا؛ لأن تقديمها على غسل الوجه وتقديم المضمضة والاستنشاق أو تأخيرها الأمر في هذا واسع؛ لأنه لا يزال في غسل الوجه، لكن تقديمها كما في الأحاديث الصحيحة أولى وأكثر.
وفيه الحثُّ على المبالغة في الاستنشاق والمضمضة؛ لما في ذلك من التَّنظيف، فإنه قد يكون في الفم شيء، وفي الأنف شيء، فإذا بالغ وكرر ثلاثًا كان أكمل في النقاء والنظافة وراحة الإنسان في صلاته وغيرها، هذا هو الأفضل، وإن اكتفى بواحدةٍ فلا بأس كما تقدَّم، والله أعلم.
الأسئلة:
س: الاستنشاق مرة واحدة كافٍ؟
ج: نعم.
س: وغسل يده مرةً كافٍ؟
ج: نعم.
س: ورجله كذلك؟
ج: نعم، والموالاة، الصحيح لا بد من الموالاة والترتيب، يبدأ بالوجه، ثم اليدين، ثم الرأس، ثم الرجلين، ويُوالي بينها، ولهذا أمر مَن تركه معه أن يُعيد الوضوء عليه الصلاة والسلام.
س: غسل اليدين قبل الوضوء؟
ج: السنة ثلاثة إلا من النوم، فالظاهر أن السنة الوجوب، إذا قام من نوم الليل وجب أن يغسلها ثلاثًا؛ لأنَّ فيها أوامر ونواهٍ، فالأفضل الأخذ بها، والقول بوجوبها؛ لأنَّ هذا هو الأصل في الأوامر والنواهي –الوجوب- فذهب الجمهورُ إلى أنها سنة كبقية الأوامر في الوضوء، ولكن ما ورد في غسل اليدين عند القيام من النوم فواضح في الوجوب، فينبغي للمؤمن أن يغسلها ثلاثًا قبل أن يُدخلها في الإناء، أما في النهار ونوم النهار فالأمر أوسع.
وبكل حال إذا قام من النوم حتى في النهار ينبغي أن يغسلها ثلاثًا؛ لأنَّ بعض أهل العلم ألحق نوم النهار بنوم الليل على ظاهر بعض الأحاديث، أما إذا كان على غير النوم فهي سنة، إن شاء ثلاثًا مطلقًا سنة.
س: ..... الجمهور ..... حملها على الاستحباب؟
ج: أحاديث الوضوء.
س: السنة أن يستنشق باليمين ويستنثر باليُسرى؟
ج: كذلك السنة أن يستنشق باليمين؛ لأن الاستنشاق عبادة مقصودة، والانتثار إزالة للأذى، الاستنشاق باليمين، والاستنثار يكون باليسار، هذا هو الأفضل.
س: ............؟
ج: لا ينبغي، لا، زيادة رابعة لا أصلَ لها.
س: هل يحرم؟
ج: هناك خلاف: بعض أهل العلم قال: يحرم، وبعضهم قال: يُكره، وفي بعض الروايات: فقد أساء وتعدَّى، والأقرب التحريم.
بَابُ غَسْلِ الْمُسْتَرْسِلِ مِنَ اللِّحْيَةِ
176- عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي عَنِ الْوُضُوءِ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا فِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ إذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. أَخَرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى.
فهذا يدل على أن غسل الوجه المأمور به يشتمل على وصول الماء إلى أطراف اللّحية.
وفيه دليلٌ على أن داخل الفم والأنف ليس من الوجه، حيث بيَّن أنَّ غسل الوجه المأمور به غيرهما.
ويدل على مسح كل الرأس، حيث بيَّن أن المسح المأمور به يشتمل على وصول الماء إلى أطراف الشعر.
ويدل على وجوب الترتيب في الوضوء؛ لأنه وصفه مرتَّبًا، وقال في مواضع منه: كما أمره الله تعالى.
بَابٌ فِي أَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ لَا يَجِبُ
177- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا -أَضَافَهَا إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى- فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وقد علم أنَّ النبي ﷺ كان كثَّ اللحية، وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثَّة مع غسل جميع الوجه، فعُلم أنه لا يجب.
وفيه أنه مضمض واستنشق بماءٍ واحدٍ.
بَابُ اسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ
178- عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ.
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
179- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ، وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
بَابُ تَعَاهُدِ الْمَاقَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غُضُونِ الْوَجْهِ بِزِيَادَةٍ مَا
180- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ : أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ: ثَلَاثًا، ثَلَاثًا، قَالَ: "وَكَانَ يَتَعَاهَدُ الْمَاقَيْنِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
181- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلَا أَتَوَضَّأُ لَكَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قُلْتُ: بَلَى، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: فَوَضَعَ إنَاءً فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدَيْهِ فَصَكَّ وَجْهَهُ، وَأَلْقَمَ إبْهَامَيْهِ مَا أَقْبَلَ مِنْ أُذُنَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ عَادَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا من ماءٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، فَأَفْرَغَهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَدَهُ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْوُضُوءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
وفيه حُجَّة لمَن رأى أنَّ ما أقبل من الأُذنين من الوجه.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بصفة الوضوء، وتقدم جملة من ذلك، وأراد المؤلفُ منها هنا ما يتعلق بإرسال الماء على اللحية، وعدم وجوب تخليلها، والأحاديث في هذا الباب كثيرة -في صفة وضوئه ﷺ- فإن مَن تأمَّلها عرف منها أن التخليل ليس بواجبٍ إذا كانت كثَّةً، ولهذا جاء في عدّة أحاديث أنه غسل وجهه حتى سال الماء على لحيته عليه الصلاة والسلام، وفي بعضها غسل وجهه كما أمره الله، وفي بعضها: فإذا غسل وجهه خرجت خطايا وجهه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وليس فيه ذكر التخليل؛ فدلَّ ذلك على أنه متى عمّها بالماء وأرسل عليها الماء كفى ذلك.
وفيه من الدلالة: أن الواجب هو أن يفعل ما أمره الله به في آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، وذكره غسل الوجه كما أمر الله، وعدم ذكر المضمضة تُفسّره النصوص الأخرى، فإذا سكت عنه في حديث فيذكر ذلك في الأحاديث الأخرى الدالة على أن المضمضة والاستنشاق من الوجه، وهذا شيء مُستفيض عن النبي ﷺ، بل مُتواتر عن النبي ﷺ -المضمضة والاستنشاق- فهي داخلة في الوجه وإن لم تُذكر في بعض الروايات.
وقيل: غسل وجهه كما أمر الله، فإن غسل الوجه كما أمر الله يدخل فيه المضمضة والاستنشاق، فإنهما في المعنى الظاهر في معنى الجبهة والخدّ ونحو ذلك، فالأنف له حكم الظاهر، والفم له حكم الظاهر؛ ولهذا كان يتمضمض ويستنشق عليه الصلاة والسلام في جميع وضوئه عليه الصلاة والسلام، فعلًا وأمرًا عليه الصلاة والسلام، وقد أمر بهذا وفعله، فدلَّ ذلك على وجوب المضمضة والاستنشاق، وأنهما داخلان في الوجه.
وفي هذا من الفوائد: أن الوضوء يتنوع، وأنه لا بأس أن يكون مرةً مرةً، ويغسل كل عضو مرةً: وجهه ويديه ورجليه، كما يمسح رأسه مرةً واحدةً، هذا هو المجزئ، ويجوز أن يكون مكررًا بمرتين للوجه واليدين والرجلين، وثلاثًا ثلاثًا، وهو الأكمل كما في حديث عليٍّ الأخير، وفي أحاديث أخرى: حديث عبدالله بن زيد، وحديث عثمان، وغيرها من الأحاديث الدالة على التثليث.
وقد ثبت في الصحيح أنه توضأ مرةً مرةً، ومرتين مرتين، وثلاثًا ثلاثًا، فالمرة هي أقل الواجب، والثنتان أفضل من المرة، والثلاثة هي الكمال، ما عدا الرأس، فإنه يمسحه مسحةً واحدةً، وما ورد في بعض الروايات من الثليث في الرأس فغلط، والصواب أن الرأس مسحة واحدة مع الأذنين كما جاء في الأحاديث الصحيحة: من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، ومن حديث عبدالله بن زيد، ومن حديث عثمان، وأحاديث أخرى كلها دالة على أنه مسحة واحدة.
وفي كون لحيته كثَّة عليه الصلاة والسلام دلالة على أنه كان يكتفي بمرور الماء عليها، وقد ثبت من حديث جابر بن سمرة أنه كان كثير شعر اللحية، فكان يكفيه أن يمر الماء عليها عليه الصلاة والسلام، ولم يُحافظ على تخليلها.
واختلف الناسُ فيما ورد من التَّخليل هل هو صحيح أم لا؟
فقال أحمد رحمه الله وأبو حاتم الرازي وأبو محمد ابن حزم وجماعة: إن أحاديث التَّخليل ليست بثابتة، بل كل واحدٍ منها فيه ضعف، ولم يثبت في هذا شيء.
وقال آخرون: بل مجموعها يشدّ بعضُه بعضًا، وهو من قبيل الحسن كما قال ابنُ القيم رحمه الله وجماعة، وهذا هو الأقرب؛ أنها بمجموعها من باب الحسن لغيره، فيُستحب تخليلها إذا كانت كثيفةً، وإذا كانت خفيفة تبدو منها البشرة غسل البشرة غسلًا تامًّا، أما إن كانت كثيفةً كفى مرور الماء عليها، وإذا خللها كان أفضل.
وحديث عثمان خرجه الترمذي رحمه الله وجماعة، وصحَّحه ابنُ خزيمة في تخليل اللحية، وهو من أمثلها، وقد ذكره صاحب "البلوغ" وقال: أخرجه الترمذي، وصحَّحه ابن خزيمة، ولم يتعقّبه، وهكذا حديث أنس، وهكذا الأحاديث الأخرى الدالة الواردة في المعنى، كلها وإن كان فيها بعض الضَّعف لكن مجموعها وطرقها لا شكّ أنه يشدّ بعضُها بعضًا، وتدل على السنية، وأن تخليل اللحية الكثيفة أولى وأفضل إذا تيسر ذلك.
كذلك تعاهد الماقين: وتعاهد الماقين مثل تعاهد المغابن في الغسل، يعني: المواضع التي ينبو عنها الماء، فالمغتسل يُلاحظها، مثل: الإبطين، ومثل: ما بين الفخذين، ومثل: ..... الركب، وما أشباه ذلك مما قد ينبو عنها الماء، يُلاحظ ذلك.
وهكذا الماقان، الماقان: أطراف العينين مما يلي الأذن، يُقال له: ماق، ويُسمَّى: موق، ما يلي الأنف يُسمَّى: موق، قد ينبو عنه الماء، هذا قد ينبو عند غسل الوجه، قد ينبو، ولا سيما إذا كانت مرة واحدة قد ينبو، فينبغي أن يُلاحظ ذلك.
وفَّق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمدٍ.
الأسئلة:
س: ..... في صفة التَّخليل كيفيته، وإلا أي تخليل ..؟
ج: المقصود أي تخليل، وفي حديث أنسٍ أنه وضعها هكذا وخللها، وبكل حالٍ إذا عركها بالماء هذا التَّخليل.
س: ..... على أن داخل الفم والأنف ليس من الوجه؟
ج: ظاهر الإطلاق ليس بجيدٍ؛ لأن الأحاديث يُفسّر بعضُها بعضًا، قوله: كما أمره الله إذا أطلقه فالمراد به غسل الوجه وما في حكمه، فالأنف والفم في الأحاديث الصحيحة الكثيرة كلها دالة على أنه من الوجه.
س: يعني يُريد أنه ..؟
ج: يعني بهذا اللَّفظ، وأما الألفاظ الأخرى .....، والقاعدة أنَّ النصوص يُفسّر بعضُها بعضًا، الأحاديث نفسها يُفسر بعضُها بعضًا، وهكذا مجمل القرآن، ومطلق القرآن تُفسره السنة.
س: كذلك ما أخبر أن الأذنين من الوجه ..؟
ج: واضح، كذلك هو الصواب والحق.
س: إدخال الأصابع عند المضمضة؟
ج: سنة كما في حديث لقيط: "وخلل بين الأصابع"، كان يُخلل أصابعه، لكن لو كانت أصابعه فيها ضيق، ويخشى أنه ينبو عنها الماء؛ وجب أن يُخللها، أما الأصابع العادية فهو يتخللها الماء، لكن إذا خللها يكون أفضل؛ حتى يتيقن وتزول الشّبهة.
س: إدخال الأصبع في الفم عند المضمضة؟
ج: لا، ما هو لازم، المضمضة تكفي، إنما الاستنان؛ وهو أن يستاك بالسواك، هذا أفضل، أو بإصبعه أفضل، هذا ما هو لازم، فإذا أدخل الماء ثم ألقاه كفى.
س: قال: هكذا أمرني ربي ..؟
ج: هذا لو صحَّ، لكن الأحاديث فيها ضعف، لكن يشدّ بعضُها بعضًا.
س: مسح الأذنين مع الوجه أو بعد الرأس؟
ج: مع الرأس بارك الله فيك؛ لأنَّ الأذنان من الرأس.
س: يُدخل الأصابع اليُمنى أو اليُسرى في الفم؟
ج: اليُسرى بارك الله فيك؛ لأنَّه من باب جهة الأذى، من باب جهة الوسخ.
بَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَإِطَالَةِ الْغُرَّةِ
182- عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّهُ قَالَ: "هَلُمَّ أَتَوَضَّأُ لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى مَسَّ أَطْرَافَ الْعَضُدَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِيَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ وَلِحْيَتِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
183- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتُم الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ، فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ويتوجه منه وجوب غسل المرفقين؛ لأنَّ نصَّ الكتاب يحتمله، وهو مجمل فيه، وفعله بيان لمجمل الكتاب، ومجاوزته للمرفق ليس في محل الإجمال ليجب بذلك.
الشيخ: علَّق على حديث عثمان في الحاشية؟
الطالب: فيه محمد بن إسحاق، وهو ثقة، لكنه متَّهم بالتدليس، لم يُخرج له البخاري إلا تعليقًا، ومسلم إلا مقرونًا، وقد عنعن هذا الحديث، والعضد ما بعد المرفق إلى الكفِّ.
بَابُ تَحْرِيكِ الْخَاتَمِ وَتَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَدَلْكِ مَا يَحْتَاجُ إلَى دَلْكٍ
184- عَنْ أَبِي رَافِعٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ حَرَّكَ خَاتَمَهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
185- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ.
186- وَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ.
187- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ فَجَعَلَ يَقُولُ هَكَذَا يَدْلُكُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
بَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَصِفَتِهِ وَمَا جَاءَ فِي مَسْحِ بَعْضِهِ
188- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بدأ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
189- وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ فَوْقِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لَا يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَفِي لَفْظٍ: "مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ، بَدَأَ بِمُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ، وَبِأُذُنَيْهِ كِلْتَيْهِمَا، ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَا: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
190- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ من تَحْتِ الْعِمَامَةِ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَنْقُض الْعِمَامَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
بَابُ هَلْ يُسَنُّ تَكْرَارُ مَسْحِ الرَّأْسِ أَمْ لَا
191- عَنْ أَبِي حَيَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ حَتَّى أَنْقَاهُمَا، ثُمَّ مَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً، ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: "أَحْبَبْتُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
192- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه ﷺ يَتَوَضَّأُ .. فَذَكَر الْحَدِيثَ كُلَّهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، قال: "وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد.
193- وَلِأَبِي دَاوُد: عَنْ عُثْمَانَ : أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِثْلَ ذَلِكَ وقَالَ: "هَكَذَا رأيتُ رسول اللَّهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ".
وقد سبق حديثُ عثمان المتَّفق عليه بذكر العدد: ثلاثًا ثلاثًا، إلا في الرأس.
قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا وقالوا فيه: "ومسح رأسه"، ولم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره.
بَابٌ في أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ وَأَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَائِهِ
194- قَدْ سَبَقَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ.
195- وَعَنِ الصُّنَابِحِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ .. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: إِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ. رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وقوله: تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه دليلٌ على أن الأذنين داخلتان في مُسماه، ومن جُملته.
بَابُ مَسْحِ ظَاهِرِ الْأُذُنَيْنِ وَبَاطِنِهِمَا
196- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا بإبهاميه. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلِلنَّسَائِيِّ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ؛ بَاطِنَهُمَا بالسباحتين، وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ.
بَابُ مَسْحِ الصُّدْغَيْنِ وَأَنَّهُمَا مِنَ الرَّأْسِ
197- عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها قَالَتْ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ، وَصُدْغَيْهِ، وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَا: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
بَابُ مَسْحِ الْعُنُقِ
198- عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بغسل اليدين والرِّجْلين ومسح الرأس، فكل الأحاديث الواردة في هذا الباب -وهي كثيرة جدًّا- كلها تدل على الترتيب كما رتَّب الله ، وأن المؤمن في وضوئه يبدأ بوجهه، ثم يديه، ثم رأسه، ثم رجليه، هكذا جاء الترتيب في كتاب الله ، وهكذا جاء الترتيب من فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
وهكذا الموالاة؛ لأنه توضأ مُواليًا عليه الصلاة والسلام، وفعله يُفسّر كتاب الله ، فوجب أن يكون الوضوء مُرَتَّبًا ومُتواليًا.
وفيه الدلالة على أن اليدين تُغسلان مع المرفقين، وهكذا الرِّجْلان تُغسلان مع الكعبين، وفي القرآن الكريم: إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] إلى الكعبين، فلم يُوضح في الكتاب العزيز هل هما مغسولان أم خارجان من الغسل؟ فإنَّ "إلى" تارةً تكون هي النهاية، ويكون ما بعدها ليس داخلًا فيما قبلها، وتارةً تكون بمعنى مع، ويكون ما بعدها داخلًا فيما قبلها، مثل قوله جلَّ وعلا: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2] يعني: مع أموالكم.
وقد دلت السنةُ وأصرحها حديث أبي هريرة الذي تقدَّم لك في أول هذه الأبواب، والذي رواه مسلم في "الصحيح" أنه لما غسل ذراعيه أشرع في العضد، ولما غسل رجليه شرع في الساق، وهذا الحديث أصحها وأصرحها في إدخال المرفقين وإدخال الكعبين في الوضوء، وأنهما مغسولان، وأن معنى "إلى" يعني "مع"، فما بعدها داخلٌ فيما قبلها، فالمرفقان والكعبان مغسولان، وهذا واجبٌ فسَّره فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
ودلت الأحاديثُ أيضًا على أن الأذنين من الرأس من فعله ﷺ، فإن الأحاديث متَّفقة على أنه ﷺ مسح الأذنين مع الرأس، فدلَّ على أنهما من جملة الرأس، ولذا قال: الأذنان من الرأس، وإن كان فيها كلام، لكن طرقها كثيرة، وهي مطابقة لما جاء في الأحاديث الصحيحة، فما جاء أن مسح الأذنين مع الرأس كافٍ في ذلك، ورواية: الأذنان من الرأس تُؤيد ذلك، وتُوافق ذلك.
فالأذنان ممسوحان مع الرأس، وهما من جملته، وهذا شيء واضح من الأحاديث الصحيحة، ومن الخلقة الواقعة، فهما من جملة الرأس، وكان النبي ﷺ يمسحهما مع الرأس، يمسح ظاهرهما وباطنهما، ودلَّت السنةُ على أن الرأس يُمسح مرةً واحدةً، وإن ثلَّث في الأعضاء كلها فالسنة أن يُثَلِّث، هذا هو الأفضل، وإن لم يُثلث، بل غسل بعض الأعضاء ثنتين، وبعضها ثلاثًا، وغسل بعضها واحدةً؛ فلا بأس، ولو اقتصر على واحدةٍ في الأعضاء كلها أو ثنتين فلا بأس، ولكن الأفضل فيها ثلاثًا ما عدا الرأس، فقد دلَّت السنةُ على أنه يمسح مسحةً واحدةً، وما جاء في بعضها مرتين فهو إشارة إلى إقباله وإدباره.
وثبت في الصحيح من حديث عبدالله بن زيد: أنه كان يبدأ بمقدم رأسه، ثم يرد يديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ورواية الربيع لا تُنافي ذلك، لكن حديث عبدالله بن زيد أصرح وأصح، وأما رواية الربيع فهي تدل على أنه مسح المقدم من منحدر الشعر، ثم مسح المؤخر من منحدر الشعر، وهذا لا مُنافاة، وإن صحَّ فهو في بعض الأحيان، ولكن رواية عبدالله بن زيد بن عاصم أصرح وأوضح، وأنه كان يفعل هكذا، ثم يردّهما إلى هكذا في مسح رأسه عليه الصلاة والسلام، هذا هو الأفضل.
وكيف مسح أجزأ، لو مسح بيدٍ واحدةٍ، أو مسح مُؤخرًا ثم مقدّمًا، أو جانبًا وجانبًا، كله مُجزئ، المهم أن يعمَّ الرأس بالمسح، لكن الأفضل والأولى ما دلَّ عليه حديث عبدالله بن زيد، وهو يبدأ بالمقدم، ثم يتوجه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، هذا هو أصحهما؛ أصح الروايات عن النبي ﷺ في مسح الرأس.
وأما في الأذنين: فالسنة أن يمسح بالسباحتين داخل أذنيه، وبإبهاميه ظاهر أذنيه، وقد جاء هذا المعنى في حديث ابن عباس، وفي حديث الربيع، وفي حديث عبدالله بن عمرو، وفي عدة أحاديث كلها دالة على أنه يمسحهما ظاهرهما وباطنهما، فيُدخل أُصبعيه السَّباحتين في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
وفيها دلالة على الدلك أيضًا، وأنه مستحبٌّ أن يدلك ذراعيه ورجليه في بعض الأحيان؛ لأنه كان يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام بعض الأحيان، وربما أجرى الماء ولم يدلك، وربما دلك، فدلَّ ذلك على أنه تارةً يدلك ويُلاحظ دلكه ..، وتارةً يدع ذلك ويمر الماء عليهما، على كلتا ذراعيه، وعلى رجليه، ويكتفي بذلك، ولكن يدلك يديه، يمسحهما، يعني: بقوةٍ عليه الصلاة والسلام حتى يزال ما هناك من وسخٍ قد يكون له لصوق، فبالدلك الذي هو المسح القوي يزول ما قد يكون هنالك.
وفَّق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله.
الأسئلة:
س: .............؟
ج: هكذا، يعني: هكذا وهكذا حتى لا يشوش الشعر إذا كان هكذا، لكن حديث عبدالله بن زيد فيه العموم.
س: ...... الشعر يمينًا وشمالًا؟
ج: لا، هكذا منحدر الشعر –الناصية- وهكذا من وراء، لكن يحتاج إلى تأمُّلٍ .....
س: غسل القفا يا شيخ؟
ج: أما القفا فلا يُشرع، الحديث ضعيف، حديث طلحة بن مصرف هذا حديث ضعيف لا تقوم به الحُجَّة، ولا يمسح العنقَ، إنما المسح في الرأس، وأما طلحة بن مصرف هذا فهو ضعيف.
س: المسح مرة واحدة؟
ج: مرة واحدة نعم.
مداخلة: والحديث أخرجه أحمد، وبلفظ قريب، وابن ماجه، والبيهقي، ومداره عند الجميع على عبدالله بن محمد بن عقيل، وفيه مقال قد تقدَّم.
ج: ...... في "الصحيحين" حصل له تغير ...... فيه شيء، فيه لين، المقصود لا يُعارض بحديث عبدالله بن زيد.
س: حصل تغير له؟
ج: في آخره نعم.
س: .............. قوله في استنباط المؤلف: ويتوجّه منه وجوب غسل المرفقين؛ لأنَّ نصَّ الكتاب يحتمله، وهو مجمل فيه، وفعله عليه الصلاة والسلام بيان لمجمل الكتاب، ومجاوزته للمرفق ليس في محل الإجمال ليجب بذلك؟
ج: نعم، المقصود المرفقين فقط، أما العضد ما يجب شيء؛ لأن المقصود أشرع في العضد، يعني لإدخال المرفقين، هذا المقصود، المقصود شرع في العضد؛ ليعلم الناس أن المرفقين مغسولان، وهكذا شروعه في الساق؛ ليعلم الناس أن الكعبين داخلان، أما ما كان يفعله أبو هريرة من الإطالة إلى الركبة واليدين إلى المنكب فهذا من اجتهاده رضي الله عنه وأرضاه، والسنة بخلافه.
س: عبارة "وهو مجمل فيه"، ثم قال: "ومجاوزته للمرفق" ليس في محل الإجمال؟
ج: لأنه ما في إلى المرفقين فقط، ما في إلى العضدين، إلى المرفقين، فمن حيث الإجمال هو محلّ ذلك القدر، هل هما داخلان أم لا.
س: أما المُجاوزة؟
ج: المجاوزة ما دخلت في الإجمال.
س: ما يُشير حفظكم الله بهذا أحمد بن حنبل، ما يُشير إلى قول أحمد: إلى حرف انتهاء، قد يكون إلى المرافق؟
ج: المقصود من هذا بيان أن "إلى" حرف لا يدخل ما بعدها فيما قبلها، لكن ..... لا بدخوله في هذا المقام، هذا هو المقصود، المقصود المرافق، أما العضد ما له دخل في هذا.
س: بالنسبة لمسح الرأس: إذا كان شعره كثيفًا؛ لأنه ربما إذا أدبر به اندثر شعره، يكفيه مرة واحدة؟
ج: المرة كافية، ولكن كونه يُقبل ويُدبر أفضل من باب الأفضلية.
س: إذا زاد رابعًا، إذا زاد عن الثلاث؟
ج: ...... بعض الروايات: فقد أساء وتعدَّى، حديث ...... لا بأس به.
س: بعض الصحابة ..... كعدم المُوالاة، كابن عمر وغيره؟
ج: نعم؟
س: ما رُوي عن بعض الصحابة: عدم المُوالاة بين أعضاء الوضوء؟
ج: ما أعرف الصحة، أقول: ما أذكر فيها صحَّة، غير صحيح، ولو وجد فهو محجوج بسنة النبي ﷺ، أقول: لو وُجد صحيحًا عن بعض السلف، أو عن بعض السلف، فهو محجوجٌ بفعل النبي ﷺ، فإنه يفسّره القرآن ويُبيِّنه عليه الصلاة والسلام.
س: صفة تخليل الأصابع لم ترد فيها صفة صحيحة بالأصبع؟
ج: في حديث لقيط: "وخلل بين الأصابع".
س: لكن تخصيص الخنصر؟
ج: كيفما خلل حصل المقصود، المقصود دخول الماء بينها حتى لا ينبو عنها الماء.
س: الزيادة عن الثلاث يكون حرامًا أو مكروهًا؟
ج: ظاهر الحديث المنع، التحريم.
س: ظاهر الأذنين؟
ج: السنة ألا يأخذ، السنة أن يكون الأذنان تابعتين للرأس، هذا هو الأفضل، فلا يحتاج إلى ماءٍ جديدٍ، المحفوظ أنه أخذ لرأسه ماءً جديدًا غير فضل يديه، وإن كان ابنُ عمر يأخذ للأذنين ماءً جديدًا، ولكن الأفضل عدم ذلك، إلا إذا يبست يداه، كان الماء قليلًا يبست يداه، يأخذ لأذنيه ماءً جديدًا لا بأس، أما ما زال الماء في يديه والرطوبة موجودة فيمسحهما مع رأسه، هذا هو السنة.
س: المراد بظاهر الأُذنين الذي يمسح .....؟
ج: الذي فوق .....
س: مما يلي الصّماخ؟
ج: مما يلي الرأس.
س: والذي يلي الصّماخ؟
ج: ما له تعلق، الممسوح الصّماخين وما فوق ..... مما يلي الرأس، هذا هو الظاهر، ظاهر الأذنين.
س: مسح الصّدغين؟
ج: الصّدغين تبع الرأس.
س: التَّخليل هو نفس تشبيك الأصابع؟
ج: نعم.
س: هو منهيٌّ عن التَّشبيك؟
ج: هذا ما هو محل النَّهي، هذا مأمور به ......، مكروه للذي ذهب يقصد الصلاة، أو يعزم .....، أما هذا يستعدّ لطهارتها.
س: خلاصة البحث هذا؟
ج: مثلما سمعت، خلاصة البحث أن صالح البشر مُقدَّم عند الله على الملائكة، وأفضل، فيهم الأنبياء والرسل، وفيهم الأخيار، قد امتحنهم الله وابتلاهم بالشهوات والأعداء والشياطين والنفس الأمَّارة بالسوء والشهوة، كما خلصه الله من هذا، واستقام على أمر ربه، فلا يعدله شيء.