كتاب المناسك
بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَثَوَابِهِمَا
1783- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُم الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.
1784- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُم الْحَجُّ، فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا، وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
1785- وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ : أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، فَقَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
1786- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ.
1787- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فقَالَ: إيمَانٌ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ نَفْلَ الْحَجِّ عَلَى نَفْلِ الصَّدَقَةِ.
1788- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ وَتَعْتَمِرَ، وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَتُتِمَّ الْوُضُوءَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، وَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: هَذَا إسْنَادٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى "الصَّحِيحَيْنِ".
1789- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
هذه الأحاديث العدة كلها في الحجِّ وفرضيته، وقد بيَّن الله جلَّ وعلا ذلك في كتابه العظيم فقال سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وبيَّن وجوب إتمامه بعد الشروع فيه في قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فالحج فريضة بإجماع المسلمين على مَن استطاع، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة كما في حديث ابن عمر: بُني الإسلامُ على خمسٍ، وهكذا لما سُئل النبيُّ ﷺ عن الإسلام في حديث جبرائيل، لما سأله جبرائيلُ في حديث عمر: ذكر أركان الإسلام الخمسة، والخامس الحج.
وقال ﷺ في حديث أبي هريرة والأقرع بن حابس: إنَّ الله فرض عليكم الحجَّ فحجُّوا، وفي اللفظ الآخر: كتب عليكم الحجَّ فحجُّوا، فقال: يا رسول الله، أفي كلِّ عام؟ فقال ﷺ: لو قلتُ نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، وما زاد فهو تطوع، وهذا من رحمة الله جلَّ وعلا؛ أنه جعله مرةً في العمر؛ لأنَّ له كلفةً، والناس متفرقون في البلاد، وهو في محلٍّ واحدٍ معينٍ: مكة، فمن رحمة الله أن جعله مرةً في العمر على مَن استطاع، وهكذا العُمرة على الصحيح؛ مرة في العمر.
وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّ العمرة سنة، والصواب أنها فرض مرة في العمر؛ لحديث: حُجَّ عن أبيك واعتمر، ولحديث عائشة: عليهن جهادٌ لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، ولما رواه الدَّارقطني وابنُ خزيمة وجماعة والجوزقي وجماعة في حديث جبرائيل لما سأل عن الإسلام قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتحجَّ وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتُتم الوضوء، وتصوم رمضان، قال الدارقطني: إسناده ثابت صحيح. وهكذا رواه ابن خزيمة وصحَّحه، ورواه غيرهم.
المقصود أنَّ هذا يدل على فرض العمرة، وأنها فرض عمري، مرة في العمر كالحجِّ، على الرجال والنساء.
وفيه الحج عن الميت: حُجَّ عن أبيك واعتمر، وأنه يُشرع للمؤمن أن يحجَّ عن أبيه ويعتمر عن أبيه، وهكذا إذا كان شيخًا كبيرًا كما في حديث الخثعمية، قال: حُجِّي عن أبيكِ، فيُشرع للولد أن يحجَّ عن أبيه ويعتمر، ولا يجب عليه؛ لقوله جلَّ وعلا: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، لكن يُشرع له ذلك، وإذا كان الميت ترك مالًا وجب إخراجُ الحجِّ من ماله؛ لأنها فريضة تدخلها النيابة، فيُخرج عنه ما يُحج عنه به، كما لو ترك الصيام فلم يصم، فصيم عنه، فيُخرج من ماله ما يُكفَّر به عنه؛ لقوله ﷺ كما تقدم: مَن مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه، المقصود أنَّ الحج والعمرة فرضان في العمر، مرة على مَن استطاع السبيل إلى ذلك.
وقوله ﷺ: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة فيه الحثُّ على الاستكثار من الحجِّ والعمرة، الفرض مرة، لكن يُستحب الاستكثار منهما.
الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة هذا يدل على أفضلية الاستكثار من ذلك، وهكذا قوله: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما يدل على استحباب الاستكثار منها، وهكذا حديث قوله ﷺ لما سُئل: أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور يفيد استعمال كثرة الحج، وأنَّ الجهاد أفضل منه، وأنَّ مَن تطوع للجهاد أفضل، ويدل على أن التطوع بالحجِّ أفضل من الصَّدقة.
وفي حديث عائشة الدلالة على أنَّ النساء ليس عليهن جهاد، وفي رواية البخاري قالت: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضل العمل، أفلا نُجاهد؟ قال: لكُنَّ جهاد لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، فدلَّ على أن النساء ليس عليهن جهاد، وإنما هو من شأن الرجال، ولكن جهادهن الحجّ والعمرة، وفيه الدلالة على الاستكثار من الحجِّ والعمرة للنساء كالرجال، وهو مما يُضعف حديث .....، فيُستحب لهن الحجّ والعمرة إذا تيسر ذلك كالرجال.
عندكم في الحاشية غلط، حاشية الشيخ حامد، عندكم: "نرى الحج أفضل الجهاد" صوابه: "نرى الجهاد" في رواية البخاري، "نرى الجهاد أفضل الأعمال" هكذا في البخاري، أفلا نُجاهد؟ فقال: لكُنَّ جهاد لا قتالَ فيه: الحج والعمرة، في لفظ البخاري عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضل العمل، أفلا نُجاهد؟ فقال: لكُنَّ جهاد لا قتالَ فيه: الحج والعمرة.
وفَّق الله الجميع.
س: ............؟
ج: قد يكون له وجه إذا اشتدَّ الزحام ورأى أنَّ يُنفِّس على مسلمٍ، قد يكون له وجه إذا كان قد أكثر الحجَّ، ليس ببعيدٍ، وأما الأصل شرعية الاستكثار من الحج والعمرة، هذا هو الأصل، لكن إذا ترك ذلك بنيةٍ صالحةٍ نرجو له الخير.
س: مشاركة النساء في الجهاد؟
ج: ليس عليهن جهاد، لكن إذا شاركن لمصلحة المسلمين مثل: التمريض وسقي الجرحى، ومثل: حفظ المتاع، مثلما كان يغزو بعضُ النساء مع النبي ﷺ لمصلحةٍ لا لمباشرة القتال.
س: حديث ابن مسعود: أن النبي ﷺ سُئل عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: لا؟
ج: ضعيف.
بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ
1790- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ- فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1791- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَن الْفَضْلِ -أَوْ أَحَدُهُمَا عَن الْآخَرِ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ، وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ.
الشيخ: هذا الباب في وجوب الحج على الفور، ذكر المؤلفُ حديثَ ابن عباس: تعجَّلوا إلى الحجِّ يعني الفريضة، وحديث الفضل: مَن أراد الحجَّ فليتعجّل، وأشار إلى حديث: مَن كُسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحجُّ من قابلٍ، كل هذا يُستدل به على وجوب الحجِّ على الفور لمن قدر، وحديث: تعجلوا إلى الحجِّ في سنده ضعف، وهكذا حديث الفضل، لكن في قوله جلَّ وعلا: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] ما يُشير إلى وجوب الحجِّ على الفور؛ لأنَّ الأوامر على الفور إلا بعذرٍ، وهكذا قوله ﷺ: إنَّ الله كتب عليكم الحجَّ فحجُّوا كما تقدم، هذا كله يدل على الفورية، وإذا ذكره المؤلفُ هنا كان أنسب من الأحاديث التي فيها ضعف، الأحاديث المتقدمة واضحة في المعنى.
والمقصود أنَّ الحقَّ وأنَّ الصواب في هذه المسألة أنَّ الحجَّ على الفور لمن استطاع، وقول مَن قال بأنه على التراخي ليس بجيدٍ، وكون النبي ﷺ أخَّر الحجَّ لأسبابٍ اقتضت تأخيره: إما لأنه لم يُفرض إلا في السنة العاشرة، وإما لأسبابٍ أخرى، فمَن استطاع الحجَّ فالواجب عليه البدار والمسارعة حتى يُؤدي الفرض.
الشيخ: وهذا كالذي قبله فيه التَّحذير من التَّساهل، والواجب المبادرة، وهذا الأثر فيه كلامٌ من أهل العلم في صحَّته، لكن مهما كان على تقدير صحَّته معناه التَّحذير من التَّساهل، وعدم المبادرة في الحج في الفريضة.
س: حديث أحمد: تعجَّلوا إلى الحجِّ يعني الفريضة؟
ج: في إسناده رجلٌ يقال له: إسماعيل بن خليفة، قال الحافظ فيه: إنه سيئ الحفظ. لكن العمدة على غيره، العمدة على الآية الكريمة: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران:97]، وحديث: إنَّ الله كتب عليكم الحجَّ فحجُّوا، هذه واضحة، الأمر على الفور، هذا الأصل، الأوامر على الفور إلا ما دلَّ الدليل على التراخي فيه.
بَابُ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَعْضُوبِ إذَا أَمْكَنَتْهُ الِاسْتِنَابَة
وَعَن الْمَيِّتِ إذَا كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ
1793- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ، قَالَ: فَحُجِّي عَنْهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1794- وَعَنْ عَلِيٍّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ مِنْ خَثْعَمَ فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي كَبِيرٌ، وَقَدْ أَفْنَدَ، وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا، فَيَجْزِي عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَعَمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1795- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ، وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، أَكَانَ يجْزِي ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
الشيخ: وهذا يدل على وجوب الحجِّ على الشيخ الكبير والمعضوب إذا قدر من ماله؛ لأنه أقرَّهم على قسمة الفريضة والمكتوبة، فدلَّ على أنَّ من عجز عن الحجِّ بنفسه أنه يحج عنه غيرُه: كولده وغيره؛ لهذه الأحاديث، ولحديث أبي رزين العقيلي قال: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ ولا الظَّعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر، هذه كلها تدل على أنَّ العاجز يُحجُّ عنه إذا تيسر، إن كان له مالٌ من ماله، وإن تيسر أن يحج أولاده شُرع لهم ذلك، سواء كان شيخًا كبيرًا أو مريضًا لا يُرجى برؤه، أما إذا كان لا مالَ ولا ولدَ فلا شيء عليه، لكن إذا تيسر له الولدُ فالسنة لهم أن يحجُّوا عنه.
س: لو ترك الحجَّ تكاسُلًا؟
ج: ولو، يُحجُّ عنه، يأثم ويُحجُّ عنه من ماله إن كان عنده مال.
1796- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِيهَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ. وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحَجِّ عَن الْمَيِّتِ مِنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ، حَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ: أَوَارِثٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَشَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ.
الشيخ: وهذا واضحٌ في وجوب حجّ النذر، إذا نذر حجًّا أو عمرةً وجب الوفاء، فإن كان حيًّا أوفى، وإن مات أُدِّي عنه كالدَّين، يحجّ عنه ولده أو غيره، أو يُخرج من ماله مَن يحجّ عنه.
1797- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَبَاكَ تَرَكَ دَيْنًا عَلَيْهِ أَقَضَيْتَهُ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاحْجُجْ عَنْ أَبِيكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
بَابُ اعْتِبَارِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ
1798- عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فِي قَوْلِهِ : مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
1799- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: السبيل هو القُدرة على الحجِّ، والحديثان في سندهما ضعف، لكن أجمع المسلمون على أن المراد بالسبيل القدرة، فإذا استطاع الحجَّ وجب عليه الحجُّ على حسب حاله، فقد يكون يستطيع الحج بنفسه لأنه قريبٌ في مكة، في وسط مكة، ما يحتاج سيارةً ولا غيرها؛ لأنه في مكة، أو في قربها، فوجب عليه الحج، وقد يكون بعيدًا فيلزمه الحج إن استطاع السبيل: الزاد والراحلة، الراحلة تشمل السيارة والطائرة الآن والباخرة والسفينة، وغير ذلك.
المقصود عند أهل العلم أن يستطيع الوصول إلى مكة بأي طريقٍ، سواء طريق السيارات أو غيرها، حسب الحال في بلده وزمانه؛ لأنَّ الله قال: مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وهذا يعمُّ جميع أنواع الاستطاعة، سواء كانت الاستطاعة أن يحجَّ عن طريق الإبل، عن طريق السيارة، عن طريق القطار، أو طريق الطائرة، من أي طريقٍ يتمكَّن في وقته وفي بلاده، ومَن عجز فالله يعذره ، فإن مات ولم يفعله المستطيع أُخرج من ماله إن كان له مالٌ، أو حجَّ عنه بعضُ أقاربه أو غيرهم.
س: استطاع الوصول ولم يكن عنده مالٌ للرجوع؟
ج: لا بدَّ أن تكون عنده استطاعة للسبيلين: ذهاب، وإياب.
س: تطوع أبناؤه بحجٍّ عن أبيهم، فحجَّ ثلاثة في وقتٍ واحدٍ؟
ج: ما يُخالف، أو عشرة، الحمد لله.
س: النَّفقة على أهله داخلة في الاستطاعة؟
ج: إلزامًا عليه النَّفقة، حتى يرجع يُنفق على مَن بقي من أهله.
س: تأخير النبي ﷺ الحج؟
ج: الأقرب والله أعلم أنه لم يُفرض إلا مُتأخِّرًا، أو لأنَّ هناك مشاغل شغلته عن الحجِّ سنة تسعٍ، فأمر أبا بكرٍ كالتَّوطئة.
س: في السنة التاسعة أمر أبا بكر؟
ج: أن يحجَّ بالناس: إما لأنه تمهيد لحجِّه ﷺ، أو لأنه لم يُفرض ذاك الوقت، أو لم يتمكن ﷺ؛ لأنَّ حجه يحتاج إلى مؤنةٍ لم تتيسر ذاك الوقت، الأصل والقاعدة أنَّ الأوامر على الفور، هذا هو الأصل.
بَابُ رُكُوبِ الْبَحْرِ لِلْحَاجِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ
1800- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَرْكَب الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِمَا".
1801- وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ: وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ إجَّارٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فالحديث الأول حديث عبدالله بن عمرو في تحريم ركوب البحر إلا غازيًا أو مُعتمرًا أو حاجًّا، بيَّن أهلُ العلم ضعفه؛ لأنَّ في إسناده مَن لا يُعرف من المجهولين، وهو حديث ضعيف، وقد ركب الصحابةُ البحرَ وغزوا وجاهدوا وقاتلوا، والأصل السلامة، إلا إذا كان في حالةٍ يخشى منها فيتوقف: كهيجانه واضطرابه، فيتوقف حتى يهدأ، المقصود أنَّ ركوب البحر لا حرج فيه مطلقًا ولو للتجارة، فالحديث المذكور ضعيف لا يُحتج به.
وأما ما يتعلق بالسطح الذي ليس له إجار ...... فهذا لا شكَّ أنه وإن كان الحديثُ في سنده نظر، لكن لا شكَّ أنَّ فيه خطأ، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك، وأن يبيت في سقفٍ ليس له إجار؛ لأنه قد ينعس، قد يغفل فيسقط، فينبغي أن يكون محجورًا مربوطًا حتى لا يقع الخطأ.
وكذلك إذا ارتجَّ البحرُ واشتدَّت ظلمتُه ينبغي التَّوقف عن السير حتى يهدأ، من باب توقِّي الشرّ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا بِمَحْرَمٍ
1802- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَخْطُبُ يَقُولُ: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِر الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَانْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ.
1803- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُسَافِر الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةً إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1804- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ زَوْجُهَا أَو ابْنُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ.
1805- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا تُسَافِر امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ رَوَاهُنَّ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: بَرِيدًا.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على تحريم سفر المرأة بغير محرمٍ؛ لأنها عورة وفتنة، وإذا لم يكن معها محرم يطمع فيها السُّفهاء والفُسَّاق، فالواجب أن لا تُسافر إلا مع ذي محرم، وفي حديث ابن عباسٍ إطلاق السفر، يقول: رواه الشيخان في "الصحيحين" من غير تقييدٍ، وهذا هو المعتمد، كل ما يُسمَّى: سفرًا، فسَّره الصحابةُ بيومٍ وليلةٍ: من مكة والطائف، مكة وجدة، وما أشبه ذلك: كثمانين كيلو تقريبًا، بخلاف ما كان حول البلد وأطراف البلد فلا يُسمَّى: سفرًا، فلا مانع أن تذهب إليه النساء من دون محرمٍ، أما ما يُسمَّى: سفرًا، قد جاء في الرواية الأخيرة: بريد، نصف يومٍ يعني، فرواية بريدٍ تحتاج إلى عنايةٍ لجمع طرقها، يكون عليها كلام بعد هذا إن شاء الله.
أما الروايات الأخرى: يوم وليلة، يوم، وثلاثة أيام، ويومان، فقد ذكر العلماءُ أنَّ هذا بسبب اختلاف الأسئلة، فأجاب كلَّ سائلٍ على سؤاله عليه الصلاة والسلام، واستقرت الشريعةُ على أنَّ المراد السفر، الحكم مُناطٌ بالسفر، ما يُسمَّى: سفرًا عُرفًا يُخشى على المرأة فيه من الفتنة فهذا هو السفر، وأقله يوم وليلة، مثلما بين مكة والطائف وأشباه ذلك، بالنسبة إلى الأقدام والإبل، لا بالنسبة إلى السيارات والطائرات، فما كان يُسمَّى: سفرًا بالنسبة إلى ما كان في عهد النبي ﷺ من الإبل والأقدام فلا تُسافر فيه المرأة إلا مع محرم، وما كان حول البلد وأطراف البلد مثلما كانت تخرج أسماء إلى مزرعة الزبير خارج المدينة فهذا يُعدّ من البلد ومن أطرافها ولا يُسمَّى: سفرًا.
والحاصل والخلاصة أنَّ العُمدة في هذا اسم السفر، ولا يتقيد بثلاثة أيام، ولا بيومين، ولا بيومين وليلتين، ما كان يُسمَّى: سفرًا عُرفًا، وقد ذكر ابنُ عباسٍ وجماعة أنه يوم وليلة، ومثَّلوا له بمكة والطائف، ومكة وجدة، فهذه أشياء يضبطها الخوفُ على المرأة من الفتنة.
علَّق عندك على "بريد"؟
الطالب: ما علَّق عليه.
الشيخ: تجمع طرق رواية "بريد"؟
الطالب: إن شاء الله.
س: .............؟
ج: المصارعة مُحرَّمة، المصارعة التي بالضرب، أما المصارعة الطارحة ما فيها شيء، أما المصارعة: يضرب حيث أراد من ظهره، ومن رأسه، ومن كذا، هذه ما تجوز، هذه خطر.
س: ..........؟
ج: أما المسابقة بالأقدام، بالخيل والإبل فهذه لا بأس بها، جاءت فيها السنة، أما المسابقة بالسيارات لا شكَّ أنها خطيرة، والقول بتحريمها وجيه، لا يظهر لي وجهٌ في المسابقة بالسيارات أو بالطائرات، الوجه وجيهٌ بالتحريم؛ لأنه خطرٌ عظيمٌ.
س: مجموعة نساء يخرجن للحجِّ بدون محرمٍ؟
ج: ما يجوز هذا، الأحاديث تعمُّ هذا.
س: بعض النساء المُدرسات يذهبن إلى الخارج نصف يوم ثم يرجعن؟
ج: الذي يظهر لي أنه ممنوع، ظاهر السنة المنع، لكن بعض العلماء يتساهل في جماعة النساء، لكن ما يظهر لي وجه للتَّساهل في هذا؛ لأنَّ هذا يفتح باب شرٍّ خطر، فالواجب التقيد بالسنة.
س: يقولون من باب الضَّرورة العلمية؟
ج: أين الضرورة؟! كل بلدٍ يلتمس مدرسوها منها، وإلا يُرافقها وليُّها: أخوها، عمها، زوجها يصبر.
س: حتى وإن كان السائقُ معه زوجته؟
ج: ولو معه زوجته، هي ما هي بمحرمٍ لهن.
س: السفر بالخادمة للحج؟
ج: ولو للحجِّ، شرط وجوبه عليها وجود المحرم؛ لأنَّ الأحاديث عامَّة.
س: .........؟
ج: والطائرة والسيارة كلها، لا تُسافر في الطائرة ولا في السيارة إلا بمحرمٍ.
س: ............؟
ج: لا، المحرم البالغ.
س: بعض الخادمات يُرسلونها بدون محرمٍ؟
ج: الإثم على مَن أرسلها، ولو خادمة ما تُرسل إلا بمحرمٍ، يُوصلها ويروح.
س: ............؟
ج: لا بد من البلوغ.
س: لو كان مجنونًا؟
ج: لا، لا بدَّ أن يكون عاقلًا، المجنون يضرُّها ولا ينفعها.
س: ............؟
ج: تجمع طرقه أنت والشيخ عبدالعزيز.
بَابُ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ
1806- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي، أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ: فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ قَالَ: هَذِهِ عَنْكَ، وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ.
الشيخ: هذا في سنده مقال، وبعضهم وقفه، وبكل حالٍ ينبغي للمؤمن أن لا يحجَّ عن غيره إلا بعدما يحجّ عن نفسه، يبدأ بحجِّه الذي فرضه الله عليه، الله أوجب عليه الحجَّ، فلا يحجّ عن الناس إلا بعدما يحج عن نفسه لهذا الحديث؛ ولما هو معروف أن يبدأ بنفسه فيما أوجب الله عليه قبل الناس: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97]، فالواجب عليه أن يبدأ عن نفسه، وأن يحجَّ عن نفسه، ثم بعد ذلك يتبرع لمن شاء.
س: يُؤخذ من هذا الحديث تغيير النية بعد عقد نية الإحرام؟
ج: تقع عن نفسه.
س: بعد عقد النية؟
ج: نعم، يكون عن نفسه، ينعقد عن نفسه، لا عن الشخص الذي أراد الحجَّ عنه؛ لأنه مأمورٌ أن يحجَّ عن نفسه قبل أن يحجَّ عن غيره.
بَابُ صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ لَهُ عَلَيْهِمَا
1807- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: مَن الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1808- وَعَن السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1809- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَن الصِّبْيَانِ، وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1810- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أَدْرَكَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مَمْلُوكٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ فَمَاتَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، فَإِنْ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِاللَّهِ هَكَذَا مُرْسَلًا.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فقد تقدم الكلامُ على حديث شبرمة، وأن الحجَّ يجب على الإنسان قبل أن يحجَّ عن غيره، وأن يبدأ بنفسه في حجِّه، ثم إذا أراد الحجَّ يحج عن غيره بعد ذلك، وتقدم الكلامُ في شبرمة، وأنه موقوف، والموقوف لا يُقال من جهة الرأي.
والحاصل أنَّ الواجب على المكلَّف أن يحجَّ عن نفسه أولًا إن استطاع، ثم يحجّ عن غيره إذا أراد ذلك، فإذا أحرم بها عن غيره صار عن نفسه، ويحجّ عن غيره بعد ذلك.
وأما حديث المرأة: "ألهذا حجٌّ؟" وحديث السائب بن يزيد: "حُجَّ بي مع النبي وأنا ابن سبع سنين"، وحديث أيّما صبيٍّ حجَّ ثم بلغ فعليه حجَّة أخرى، وأيما عبدٍ حجَّ ثم أعتق فعليه حجَّة أخرى كل هذا يدل على أنَّ حج الصبيان، وحديث جابر: حجّ معه الصبيان والنساء، فلبُّوا عن الصبيان، ورموا عنهم، كل هذا يدل على أنَّ حجَّ الصبي جائز، لا بأس، ولو كان صغيرًا بالنية، إن كان دون السبع نوى عنه وليُّه، وهو الذي قام عنه من أمٍّ أو أبٍ، وإن كان قد بلغ السبع فأكثر يُعلَّم حتى يُلبِّي بالحجِّ أو بالعمرة، وحتى يعمل أعمال الحج؛ ولهذا قالت: يا رسول الله، ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولكِ أجرٌ، دلَّ على أنَّ حجَّه صحيح، وأنه نافلة، والذي يحججه له أجر: من أبيه، أو أمه، أو غيرهما، وهكذا قول السائب بن يزيد: "حُجَّ بي مع النبي وأنا ابن سبع سنين"، كل هذا يدل على أنَّ حج الصبيان لا حرجَ فيه، وهكذا حديث جابر، وحديث محمد بن كعب، لكن متى بلغ الصبيُّ وجب عليه حجَّة الإسلام إذا استطاع.
وهكذا العبد الرقيق إذا حُجَّ به مع سادته فالحج صحيح، لكن لا يُجزئ عن حجَّة الإسلام، وإن مات فلا شيء عليه، إن مات في الرقِّ أو مات قبل أن يستطيع فلا شيء عليه، وهكذا الصبي إذا مات لا شيء عليه، لكن متى بلغ واستطاع الحجَّ وجب عليه الحجُّ، ومتى عتق العبد واستطاع الحجَّ وجب عليه أن يحجَّ، وما كان في الرقِّ أو في الصغر نافلة.
س: الصبي يُلبي عنه وليُّه؟
ج: دون السبع يُلبي عنه وليُّه.
س: بعد السبع يختلفون الصبيان في التَّمييز؟
ج: يُعلَّم إذا بلغ السبع، هذا محل الأمر بالصلاة والعبادة، يُعلَّم، وإذا ما لبَّى الأمر سهل، التلبية سنة، كذلك يلبس الإحرام.
س: ...........؟
ج: يلبس، لا يحطّ عليه قميصًا ولا شيئًا.
س: قال أبو حنيفة: لا يصح إحرامه ..........؟
ج: ليس بشيءٍ، أحاديث النبي ﷺ واضحة.
س: حديث شبرمة الصواب أنه موقوف؟
ج: موقوف له حكم المرفوع.
أَبْوَابُ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ وَصِفَتِهِ وَأَحْكَامِهِ
بَابُ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ، وَجَوَازِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهَا
1811- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، قَالَ: فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا.
1812- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِن الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَذُكِرَ لِي وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَمَهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: قال ابنُ عمر: وَقَاسَ النَّاسُ ذَاتَ عِرْقٍ بِقَرْنٍ.
1813- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَإِنَّهُ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: "فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ"، قَالَ: فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1814- وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1815- وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا سُئِلَ عَن الْمَهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ -أَحْسَبُهُ رُفِعَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ- قَالَ: مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الْجُحْفَةُ، وَمَهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ، وَمَهَلُّ أَهْلِ نجدٍ من قرن المنازل، ومهل أهل اليمن من يلملم رواه مسلم، وكذلك أحمد، وابن ماجه ورفعه من غير شكٍّ، والنص بتوقيت "ذات عرق" ليس في القوة كغيره، فإن ثبت فليس ببدعٍ وقوع اجتهاد عمر على وفقه؛ فإنه كان مُوافقًا للصواب.
1816- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَر فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْن، وَعُمْرَتهُ مَعَ حَجَّتِهِ.
1817- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِن الْحَرَمِ، فَتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَإِنَّمَا أَنْتَظِركُمَا هَاهُنَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا، فَأَهْلَلْتُ، ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلِّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
هذا الباب في المواقيت، ذكر فيه المؤلفُ حديثَ ابن عباس، وحديثَ ابن عمر في "الصحيحين": أن النبي وقَّت لأهل المدينة ذي الحُليفة، ولأهل الشام الجُحفة، ولأهل نجدٍ قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال في حديث ابن عباسٍ: هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ ممن أراد الحجَّ أو العمرة، وما كان دون ذلك فمهلّه من حيث أنشأ، مهله يعني: محل إهلاله من حيث أنشأ، حتى أهلُ مكة يُهلُّون من مكة.
وابن عمر روى مثلما روى ابن عباس، إلا أنه لم يسمع توقيت النبي ﷺ لأهل اليمن، ولكن بلغه من غيره.
هذه المواقيت وقَّتها النبي لأهلها للمدن والجهاد، فمَن أحرم من المدينة أو جهة المدينة يُحرم من ذي الحليفة، وهكذا مَن جاء من طريق المدينة من سائر الأمصار فمن ذي الحليفة، فمَن جاء من طريق الشام أو من طريق المغرب أو من طريق مصر يكون من الجُحفة من جهة الساحل، والجُحفة قرية كانت خربة، والناس يُحرمون الآن من رابغ قبلها بيسير، فإذا جاء من طريقها -وهو الطريق الآخر من جهة المدينة، طريق الساحل- يُحرم من الجُحفة، وهكذا أهل إفريقية والمغرب إذا وازنوا الجُحفة أحرموا من طريق البحر، أو جاءوا من طريق البحر عن طريق الساحل كذلك، أما أهل نجدٍ والطائف ومَن جاء من طريقهم فقرن، وادي قرن، ويُسمَّى: السيل كما هو معروف، وأما أهل اليمن فميقاتهم معروف وهو يلملم.
وهذه لأهلها ولمن أتى عليها من سائر الناس، وهكذا ذات عرقٍ لأهل العراق، وقَّتها النبيُّ ﷺ، في حديث عائشة: "وقَّت النبيُّ ﷺ ذات عرقٍ لأهل العراق" رواه أبو داود والنَّسائي بإسنادٍ صحيحٍ، والمؤلف خفيت عليه صحَّته فقال: "رُوي" بصيغة التَّمريض، وقال: سنده ليس بذاك، والحديث صحيح؛ رواه أبو داود بسندٍ صحيحٍ، ورواه النَّسائي بإسنادٍ صحيحٍ عن عائشة: أن النبي وقَّت ذات عرقٍ لأهل العراق، فصارت خمسةً.
هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ ممن أراد الحجَّ أو العمرة فهذا يدل على أنَّ الإنسان إذا جاء مكة ما أراد حجًّا ولا عمرةً ما يلزمه الإحرام، إذا أتى مكة للتِّجارة أو لزيارة أقاربه أو لأسبابٍ أخرى ما أراد حجًّا ولا عمرةً لا يلزمه الإحرام، هذا هو الصواب، هذا هو الحق، وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه متى أتاها يُحرم بكل حالٍ، وليس هذا بجيدٍ، والصواب أنه لا يلزمه إلا إذا أراد حجًّا أو عمرةً؛ لقوله ﷺ: ممن أراد الحجَّ أو العمرة شرط.
وفيه من الفوائد: أنَّ عمر وقَّت ذات عرقٍ لأهل العراق، وكأنه لم يعلم بخبر عائشة، فوافق اجتهاده ما جاء به النصُّ، وهكذا حديث جابر، وإن كان شكَّ جابرٌ في رفعه، لكن هو موافق للمرفوع في توقيت ذات عرقٍ مع بقية المواقيت، فصارت خمسةً بالنص: ذو الحليفة لأهل المدينة ومَن جاء من طريق المدينة، الجُحفة -وهي رابغ الآن- لأهل الساحل ومَن جاء من طريق الساحل ومَن طريق المدينة الآخر، وذات عرقٍ لأهل العراق، ويلملم لأهل اليمن، وواد قرن لأهل الطائف وأهل نجدٍ ومَن جاء من طريقهم.
أما مَن سوى ذلك: فكل مَن وازن ميقاتًا أحرم منه، الذي يأتي من طريق البحر يُحرم من أول ميقات يُوازنه، السودان أو بقية إفريقيا إذا وازنوا الجُحفة أحرموا، وإن جاءوا من طريق الجو أحرموا من الميقات الذي يُوازنونه من جهة الجو: من طريق المدينة ميقات المدينة، من طريق اليمن ميقات اليمن، من طريق نجد ميقات نجد، وهكذا مثلما قال عمر لأهل العراق: "حذوها من طريقكم"، فالجو والأرض واحد، مَن جاء من طريق الأرض ليس على ميقاتٍ إذا وازنه أحرم، ومن طريق الجو إذا وازنه أحرم.
أما مَن كان دون ذلك من أهل ........ والبحرة وأشباههم: فهؤلاء يُحرمون من مكانهم، كل مَن كان دون المواقيت يُحرم من مكانه، يُلبي بالحجِّ والعمرة من مكانه، وهكذا لو أتى جدة لعملٍ، لحاجةٍ، من أي مِصْرٍ، ثم طلع عليه أن يحجَّ يُحرم من جدة، إذا كان حين مرَّ بالميقات ما نوى شيئًا، لكن لما فرغ من عمله في جدة نوى يُحرم من جدة، وهكذا لو كان في بحرةٍ يُحرم من بحرة، وهكذا لو كان في الجعرانة يُحرم من الجعرانة، كما أحرم النبيُّ من الجعرانة لما فرغ من قسم الغنائم يوم حنين، أحرم من الجعرانة بعمرةٍ.
وقد اعتمر أربع عمر عليه الصلاة والسلام:
العمرة الأولى وهو في الحديبية، حيل بينه وبينها، فهي عمرة له؛ لأنه تركها من غير اختياره، والإنسان إذا مُنع من العمل وهو يُريده يكون له أجر، كما في الحديث الصحيح: إذا مرض العبدُ أو سافر كتب الله ما كان يعمله وهو صحيح مقيم.
والعمرة الثانية: عمرة القضاء التي أتى بها النبيُّ ﷺ عام سبعٍ، ودخل مكة حسب الشروط، وأقام بها ثلاثة أيام ثم خرج.
والثالثة: عمرة الجعرانة سنة ثمانٍ، بعدما قسم غنائم حنين أحرم من الجعرانة بعمرةٍ.
والرابعة مع حجة الوداع، وأنه حجَّ قارنًا على الصحيح.
وفَّق الله الجميع.
س: ........؟
ج: ميقاته محلّه، من ميقات بيته، يعني بلده، ما هو بلزوم بيته، ميقات بلده، مراد النبي ﷺ من أهله: بلده التي هو فيها: جدة أو الجعرانة.
س: ...........؟
ج: ما في بأس، الأمر واسع، البلد كلها محل إحرامٍ، مثل: التنعيم كلها محل إحرام لأهل مكة، مثل: الجعرانة محل إحرامٍ كلها.
س: لو أتى مكة ولم يكن اعتمر عمرةَ الإسلام ألا يلزمه الإحرام؟
ج: نعم يلزمه من الحلِّ، إذا كان أتاها ما نوى عمرةً يُحرم من الحلِّ.
س: .............؟
ج: إذا كان ...... المدينة يُحرم من ميقات المدينة.
س: .............؟
ج: إذا كان من طريق المدينة يُحرم من ميقات المدينة، وإذا جاء من طريق السيل يُحرم من السيل، وإذا جاء من ميقات اليمن يُحرم من ميقات اليمن.
س: ما يجوز لأهل المدينة أن يُحرموا من السيل لو قالوا: أقرب لنا؟
ج: لا يلزمهم ميقاتهم.
س: مَن ذهب إلى جدة لعملٍ وهو ناوٍ العمرة؟
ج: يرجع إلى الميقات الذي مرَّ عليه، إن كان جاء من نجدٍ أو من الطائف لجدة لعملٍ وهو ناوٍ لعمرة يرجع إلى الميقات ويُحرم منه، أما إذا ما نوى، جاء لحاجةٍ ثم طلع عليه في جدة قال: ما دام أني وصلتُ هذا المحلّ أود أن آخذ عمرةً، فيُحرم من مكانه.
1817- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِن الْحَرَمِ، فَتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَإِنَّمَا أَنْتَظِركُمَا هَاهُنَا، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا، فَأَهْلَلْتُ، ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَذَّنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ، فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ، فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَدِينَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1818- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ فِيهِ الْعُمْرَةَ دُونَ الْحَجَّةِ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذا حديث عائشة رضي الله عنها في اعتمارها، كانت رضي الله عنها قدمت قارنةً في حجَّة الوداع، فلما كانت بسرف -قرب مكة- نزل بها الحيض، فلم تطف مع الناس، فطهرت بعد ذلك يوم النحر، وقالت بعد فراغها من الحجِّ: يا رسول الله، تنطلقون بحجةٍ وعمرةٍ، وأنطلق بحجٍّ؟ فأمرها النبيُّ أن تُلبي بالحجِّ مع العمرة، وأن تفسخ الحجَّ إلى العمرة؛ أن تُلبي بالحجِّ لأنها كانت قارنةً، أحرمت بعمرةٍ، أزواج النبي أحرمن بالعمرة، فلما نزل بها الحيض ودنا الحجُّ أمرها النبيُّ ﷺ بالحجِّ مع العمرة، تكون قارنةً، فلبَّت وحجَّت مع الناس قارنةً، ثم قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجةٍ وعمرةٍ، وأنا أنطلق بحجٍّ؟ يعني لأنَّ عمرتي ما كملتها، فأمر أخاها عبدالرحمن أن يعمرها من التَّنعيم ليلة أربع عشرة، فذهب بها عبدُالرحمن ليلة التنعيم واعتمرت، والنبي ينتظرهما في المحصب، فلما جاءت ارتحلوا من المحصب، نزل إلى المسجد الحرام، وطاف طواف الوداع آخر الليل، ثم صلَّى بالناس الفجر، وقرأ بسورة الطور في صلاة الفجر عليه الصلاة والسلام، فلما فرغ من الصلاة ارتحل في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة، يوم الأربعاء؛ لأنَّ ذاك الشهر دخل في الخميس.
ففي هذا من الفوائد:
أن الإنسان إذا منعه مانعٌ من اكتمال عمرته وحضر وقتُ الحج ولم يتيسر له أداء العمرة يُلبي بالحجِّ: كأن حُصر، أو نزل بها حيض المرأة أو نفاس، أو أشياء من الموانع؛ يُلبي بالحجِّ، يكون قارنًا، ويعمل أعمال الحجِّ من الطواف والسعي وغير ذلك، وإذا أحبَّ أن يأخذ عمرةً بعد ذلك فلا بأس، مثلما فعلت عائشة رضي الله عنها.
وأما الصحابة الذين معه فقد أدّوا العمرة قبلُ، ما أخذوا عمرةً، كفت عمرتهم، وهو ﷺ كذلك ما أخذ عمرةً، حجَّ قارنًا ولم يأخذ عمرةً بعد الحجِّ، تكفيه عمرة القران، لكن مَن أخذ عمرةً فلا بأس كما فعلت عائشةُ رضي الله عنها بأمره عليه الصلاة والسلام، وقد قال ﷺم: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة متفق عليه.
وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن الرسول ﷺ قال: مَن أحرم بعمرةٍ من بيت المقدس غُفر له أو وجبت له الجنة، وحديث أم سلمة فيه كلامٌ؛ لأنه من رواية امرأة يُقال لها: أم حكيم، عن عائشة، وهي مقبولة كما في "التقريب"، ليست مشهورةً بالرواية، وقال فيه البخاري: لا يثبت، ورواه عنها شخصان: سليمان بن سحيم، قال في "التقريب": صدوق، ورواه عنها ابن بنتها يحيى ابن أبي سفيان، وقال في "التقريب" أنه مستور، وقال في "تهذيب التهذيب" أنه وثَّقه ابنُ حبان، فالحديث غير مشهور، وليس رواته بذاك، فلا يصلح شاهدًا لهذا الأمر، وهو الإحرام بعيدًا عن المواقيت، من الشام أو غيرها.
والأقرب فيه ما قاله البخاري: أنه لا يُعتمد عليه، ولا يثبت هذا السند؛ لأنَّ مداره على أم حكيم، وهي غير مشهورةٍ، وغير معروفةٍ بالثقة، وهو مخالفٌ لأحاديث التوقيت، النبيُّ وقَّت المواقيت، وبيَّن المواقيت، فالسنة للمؤمن أن يُحرم من المواقيت التي وقَّتها النبيُّ ﷺ، لا يتقدم عليها، هذا هو السنة، فدلَّ على أنهم يُحرمون من هذه المواقيت، لا قبلها، والنبي ﷺ أحرم منها، خرج من المدينة وأحرم من ذي الحُليفة، ما أحرم من نفس المدينة، هذا هو الأولى، والحديث هذا إما ضعيف كما هو الظاهر، وإذا شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصحيحة، والشاذُّ يُسمَّى: ضعيفًا، فالأقرب في حديث أم سلمة مثلما قال المؤلفُ: لا يُعتمد عليه، ولا يُلتفت إليه من جهة السند، ولا تُعارض به السنة الثابتة في المواقيت.
س: ..........؟
ج: نعم في "الصحيحين".
س: لو أحرم من قبل الميقات ...؟
ج: نعم ينعقد ويلزمه، لو أحرم من بلده أو من غيره يلزمه أن يتجنَّب محظورات الإحرام، لكنه خالف السنة.
بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِعُذْرٍ
1819- عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1820- وَعَنْ مَالِكٍ، عَن ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
الشيخ: وهذان الحديثان فيهما الدلالة على جواز دخول مكة بغير إحرامٍ إذا كان ما قصد حجًّا ولا عمرةً، وإنما جاء لحاجةٍ أخرى: كالتجارة، أو زيارة لبعض أقاربه، أو لحاجةٍ أخرى لا يلزمه الإحرام، فإن الرسول ﷺ قال لما وقَّت المواقيت: هُنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحجَّ أو العمرة، فجعل الوجوب على مَن أراد الحجَّ أو العمرة، أما مَن دخلها ولم يُرد حجًّا ولا عمرةً فلا يلزمه الإحرام؛ ولهذا لما دخلها عام الفتح ﷺ دخلها وعلى رأسه المغفر، وعليه عمامة سوداء، لم يُحرم؛ لأنه ما جاء لعمرةٍ، جاء للفتح، لجهاد المشركين وفتح البلاد وتخليصها منهم، فلا يلزمه الإحرام.
وقول المؤلف: "لعذرٍ" ليس بجيدٍ، إلا أن يُحمل على العذر، يعني: ما قصد حجًّا ولا عمرةً، لكن ظاهره يُوهم أنه لعذرٍ مطلقًا؛ أنه لا يترك الإحرامَ إلا لعذرٍ: كدخول النبي ﷺ لأجل فتح مكة.
والصواب أن يقال: يجوز دخولها بغير إحرامٍ لمن لم يُرد حجًّا ولا عمرةً ولو كان بغير عذرٍ، ولو دخل بمجرد السياحة أو الزيارة، لكن الأفضل العُمرة، مَن جاء إلى مكة الأفضل أن يُحرم بعمرةٍ، هذا الأفضل له، وهذه غنيمة، يعني متى يُحصِّلها، فرصة إذا تيسر له ذلك، لكن لا يلزمه إلا إذا أراد الإحرامَ قبل أن يأتي المواقيت يُحرم من الميقات، وإن أراد العمرة بعد ذلك أحرم من محلِّه، ولو من المواقيت، فإن لم ينوِ الإحرام إلا وهو في مكة يخرج إلى الحلِّ، إذا طرأ عليه وهو في مكة يخرج إلى الحلِّ كما خرجت عائشةُ، يُحرم من الميقات.
س: ...........؟
ج: ولو قبل الحج.
س: لو أحرمت المرأةُ بالعمرة ثم جاءها الحيضُ وأرادت أن ترجع إلى بلدها بدون عمرةٍ، يلزمها دمٌ؟
ج: ليس لها ذلك، لا بد أن تكمل عمرةً، بعدما تطهر تكمل العمرة، تبقى في مكة حتى تكمل، فإن اضطرَّت للخروج تخرج إلى جدة، إلى الطائف، ثم ترجع وتُكمل، إذا صارت مشقة على أوليائها يخرجون إلى جدة أو الطائف أو غيرهما ثم يرجعون.
س: وإذا خرجت عليها دم؟
ج: لا، ما عليها شيء، ترجع فقط وتكمل، عليها أن تأتي وتُكمل عمرتها.
س: ...........؟
ج: ............
بَابُ مَا جَاءَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ بِهِ قَبْلَهَا
1821- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلَهُ عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "أَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّال وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحجَّةِ". وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ.
1822- وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1823- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ أشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، سُميت: أشهرًا، وهي شهران وبعض الشهر، وهذا يدل على أنَّ البعض يُلحق بالكل في مثل هذا، ولا يُحرم بالحجِّ إلا في هذه الأشهر، وهذه السنة، ولا يُحرم بالحجِّ في رمضان، لا، يُحرم بعمرةٍ، وإذا أراد الحجَّ يكون إحرامه في شوال، أو في ذي القعدة، أو في ذي الحجة، وإذا قدم مبكرًا فالسنة أن يجعلها عمرةً مثلما أمر النبيُّ أصحابه؛ حتى يتحلل ويستريح، ما يتكلَّف، إن جاء مُبكرًا يُحرم بالعمرة، هذا هو الأفضل، يطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، فإذا جاء يوم الثامن يُلبي بالحجِّ كما أمر النبيُّ ﷺ الصحابة بذلك؛ لما فيه من التَّيسير والتَّسهيل.
ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر؛ لأنَّ فيه أعمال الحجِّ: كالطواف، وفيه السعي، وفيه رمي الجمار، هو يوم الحج الأكبر، ويليه في الفضل يوم عرفة، لكن لو أحرم بالحجِّ قبل ذلك لزمه الحجُّ؛ لأنَّ الله قال: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، فلو أحرم به في رمضان لزمه، لكن له أن يفسخ ويجعلها عمرةً، يلزمه الإحرام ولكن يفسخ ويجعلها عمرةً ويجعل الحجَّ في وقته؛ حتى لا يشقَّ على نفسه.
وفي يوم النحر خطب الناسَ، وفي يوم عرفة كذلك خطب الناس وقال: إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، وفي اللفظ الآخر: وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، يعني بلَّغ الناس على رؤوس الأشهاد؛ لأنَّ هذا أمر عظيم: دماؤهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرامٌ، يجب على أهل الإسلام أن يحذروا الدِّماء والأموال والأعراض، فدماؤهم عليهم حرام وأموالهم؛ لا بالسرقة، ولا بالنهبة، ولا بالخيانة، ولا بغير هذا من أنواع الظلم، لا يجوز ظلم الإنسان في ماله، ولا في دمه، ولا في عرضه، لا في مكة، ولا في غيرها، يجب احترام مال المسلم وعرضه ودمه كما قاله النبيُّ ﷺ: إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا -يوم النحر- في شهركم هذا -ذو الحجة- في بلدكم هذا -يعني مكة يعني تحريمًا مُشدَّدًا، ألا هل بلَّغْتُ؟ ألا هل بلَّغْتُ؟ فقالوا: نعم.
قال: أنتم تُسألون عني وهم في عرفة، أنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنَّك قد بلَّغتَ وأدَّيتَ ونصحتَ، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، يعني: اللهم اشهد عليهم أني بلَّغتُهم، وعليهم أن يُبَلِّغوا مَن وراءهم، وهذا واجبٌ على أهل العلم؛ أن يُبلِّغوا أينما كانوا، أن يُبلِّغوا دعوة الله ورسالة الله إلى أهل الأرض حسب الطاقة، فالعلماء هم خلفاء الرسل، فعليهم أن يُبلغوا رسالة الله في التوحيد والشرائع في تحريم المحرَّمات في جميع ما جاء به الشرع مما يتعلق بالواجبات والمحرمات، عليهم أن يُبلغوا حتى تبرأ الذمةُ، ويقول الله جلَّ وعلا: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، ويقول ﷺ: بلِّغوا عني ولو آية، ويقول ﷺ: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، أيُّ خيرٍ، قليل أو كثير، فله مثل أجر فاعله، يعني: أرشد إليه، فإذا قلتَ لأخيك: حافظ على الصلاة في جماعةٍ. فحافظ بأسبابك، فلك مثل أجره، وإذا قلتَ له: برّ والديك. فبرّهما بأسباب نصيحتك لك مثل أجره، وإذا قلتَ له: أحسن إلى زوجتك، أحسن العشرة، اتَّقِ الله. فانتفع بكلامك فلك مثل أجره، فإذا قلتَ: تصدَّق، أحسن، أنفق من هذا المال. وانتفع لك مثل أجره، إذا قلتَ له: احفظ لسانك من الغيبة والسَّب والشتم والكلام السيئ. فانتفع بكلامك، فلك مثل أجره، إن قلتَ: بادر بالحجِّ. فحجَّ بأسبابك، فلك مثل أجره، وهكذا كل ما فعل من الخير بأسبابك فلك مثل أجره.
س: كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج للتنزيه؟
ج: الأقرب والله أعلم هو هذا؛ لأنها من السنة، ما قال: لا تفعلوا، قال: من السنة، يعني سنة النبي ﷺ.
س: لكن تجاوز تحديد أشهر الحجّ؟
ج: الأقرب والله أعلم أنه للكراهة، إذا أحرم بالحجِّ قبل وقت الحجِّ يكون للكراهة، ويجعلها عمرةً، وهكذا لو أحرم بالحجِّ أو العمرة قبل الميقات يلزمه، وقد فعل ما لا ينبغي.
س: يلزمه لكن هل يأثم؟
ج: الله أعلم، الأقرب عدم الإثم، وخالف السنة.
س: لا يحجّ بعد العام مُشركٌ؟
ج: المشرك ما له حجٌّ، يُمنع، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، إن استطاع وليُّ الأمر أن يمنعهم منعهم.
س: ...........؟
ج: يخرج إلى الحلِّ مثلما خرجت عائشة.
س: إذا أتى الرجلُ إلى مكة ولم يُرد العمرة، ولكنه لم يسبق له أن اعتمر عمرة الإسلام، هل يلزمه الإحرام؟
ج: يخرج إلى الحلِّ ويُحرم وتكفيه عن عمرة الإسلام.
س: ..........؟
ج: يلزمه أن يُؤدي عمرة الإسلام.
س: يعني في هذه الحالة يجب عليه ولو ما أراد؟
ج: إذا أتى مكةَ وما بعد اعتمر يلزمه، أو جاء مكة وقت الحجِّ يلزمه الحج؛ لأنه استطاع.
س: ولو قال: ما أريد الآن، أريد في وقتٍ آخر؟
ج: لا، يلزمه.
بَابُ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ
1824- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: عُمْرَةُ رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ حَدِيث أُمِّ مَعْقِلٍ.
1825- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا، إحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1826- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ: عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1827- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "فِي كُلِّ شَهْرٍ عُمْرَةٌ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
الشيخ: العمرة مشروعة في جميع السنة، وهي زيارة البيت، متى تيسرت يعتمر، والنبي ﷺ اعتمر أربع عمر، كلها في ذي القعدة كما في "الصحيحين" وغيرهما: عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، وعمرة الحديبية سنة ستٍّ، له أجرها وإن كانت ما تمَّت لكن له أجرها؛ صُدَّ عنها بغير حقٍّ، وعمرة الجعرانة سنة ثمانٍ لما فرغ من قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجَّته، أما رواية أنه اعتمر في رجب فهي وهمٌ من الراوي كما ذكر المؤلفُ عن ابن عباسٍ، وجاء عن ابن عمر أيضًا، وأنَّ عُمره محفوظة، كلها في ذي القعدة، لم يعتمر في رجبٍ عليه الصلاة والسلام ولا في غيره، كل عمره في ذي القعدة.
وفي حديث أم معقل وغيره: عمرة في رمضان تعدل حجَّةً يدل على فضل العمرة في رمضان، وأن فضلها عظيم، وأنها تعدل حجةً، وفي رواية: حجة معي عليه الصلاة والسلام.
وتُستحب العمرة في جميع الأوقات، وحديث علي: "في كل شهرٍ عمرة"، التوقيت ليس عليه دليلٌ، ولكن هذا من اجتهاد عليٍّ ، فليس بمرفوعٍ، وظاهر الأحاديث أنه لا يتقيد بالشهر، قال ﷺ: العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، وعائشة اعتمرت عمرتين في أقل من عشرين يومًا: عمرة في حجَّتها، وعمرة في أربعة عشر، ما بينهما إلا يومين أو ثلاثة .......، فلا يُشترط أن يكون بينهما شهرٌ.
س: هذا اجتهادٌ من عليٍّ؟
ج: الظاهر أنه اجتهادٌ من عليٍّ، لكن ما عزاه للنبي ﷺ، فكأنه رأى أنَّ هذا أيسر وأسهل.
س: وقوله عائشة: وعمرة في شوال؟
ج: الظاهر أنه وهمٌ، لم يعتمر في شوال عليه الصلاة والسلام، إنما اعتمر في ذي القعدة، غنائم حنين وزَّعها في ذي القعدة.
س: تقول عائشة: "ينطلق الناسُ بحجٍّ وعمرةٍ وأنطلق بحجٍّ"، ما يخفى عليها أنَّ عمرتها تامَّة، فكيف تقول هذا؟
ج: كأنها خفي عليها حتى أخبرها النبيُّ ﷺ، النبي ﷺ قال: طوافك بالبيت ..... يكفيك لحجِّك وعُمرتك.
س: ...........؟
ج: يُحرم من جديدٍ من مكانه.
س: ............؟
ج: لا، ما دام ما نوى إلا من جدة، كما قال النبيُّ ﷺ: ومَن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأه، الإنسان إذا أتى جدة .....، فلما جاء الحجَّ نوى أن يحجَّ، فيُحرم من مكانه: ومَن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأه.
س: ............؟
ج: التَّمتع في أشهر الحج، لا يكون تمتعًا إلا في أشهر الحج، لو أحرم بالعمرة في آخر رمضان ما يكون تمتعًا.
بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنَ الْغُسْلِ وَالتَّطَيُّبِ وَنَزْعِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ
1828- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ: إنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
1829- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ ﷺ عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ".
وَفِي رِوَايَةٍ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ تَطَيَّبَ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الدُّهْنِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ". أَخْرَجَاهُمَا.
1830- وَعَن ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1831- وَعَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ"، يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: "مَا أَهَلَّ إلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ". أَخْرَجَاهُ.
وَلِلْبُخَارِيِّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةُ طِيبٍ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ".
1832- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1833- وَعَنْ جَابِرٍ: أَنَّ إهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ: رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ.
1834- وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي إهْلَالِهِ! فَقَالَ: "إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنَالِكَ اخْتَلَفُوا، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظُوا عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، فَأَدْرَكَ ذَاكَ أَقْوَامٌ فَقَالُوا: إنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ، وَاَيْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَلِبَقِيَّةِ الْخَمْسَةِ مِنْهُ مُخْتَصَرًا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: هذه الأحاديث كلها تتعلق بكيفية الإحرام، قد دلَّت الأحاديث الصحيحة على أن السنة للمُحرم أن يغتسل، وأن يتطيب، ويلبس الإزار والرداء، ثم يُلبي بعدما يركب دابته إن كانت عنده دابة، هذا هو السنة، كما ذكر ابنُ عمر وابنُ عباس في الأحاديث الصَّحيحة عنه، وجابر، وغيرهم: أنه إنما أهلَّ ولبَّى بعدما استقلَّت به راحلتُه، لكنه تأهَّب في الأرض؛ اغتسل وتطيَّب ولبس الإزار والرداء في المدينة، خرج بإزاره وردائه واغتسل وتطيَّب، ثم ركب الدابة ولبَّى، وطيَّبته عائشةُ من أحسن الطيب، هذا هو المعتمد.
أما الرواية أنه أهلَّ من مُصلاه: فهي رواية ضعيفة من رواية خصيف، وإنما أهلَّ بعدما استوت به راحلته، هذا هو الثابت في الأحاديث، والسنة للإنسان أن يتأهَّب في الأرض بغسله ووضوئه ولباسه وطيبه، وأن يُصلي ركعتين سنة الوضوء؛ أو لعموم: أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجةٍ، فيُستحب له أن يُصلي ركعتين بعد الوضوء، سنة الوضوء؛ أخذًا بعموم هذا الحديث كما قال الجمهور، ثم يركب.
أما ما جاء في رواية جابرٍ وغيره وأنس: أنه أهلَّ على البيداء، فهذا تكرار؛ حتى يسمعه الناسُ، أهلَّ عندما استوت به راحلته، وأهلَّ عندما استوت به على البيداء؛ حتى يسمع الناس ويبلغ الناس عليه الصلاة والسلام، ثم استمر بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك، استمرَّ في هذه التَّلبية حتى وصل إلى المسجد الحرام، فهذا هو السنة للمُحرم في الحجِّ والعمرة.
أما في حديث ابن عمر: أنه كان يدهن بغير طيبٍ، فقد خفيت عليه السنةُ في الطيب، وكأنه ما بلغه خبرُ عائشة، فلهذا كان لا يتطيب، والصواب أنه يتطيب؛ لأنَّ المحرم قد يبقى أيامًا ما يمسّ الطيب، فربما تثور له الرائحة الكريهة، فالسنة أن يتطيب عند الإحرام؛ حتى يبقى معه هذا الطيب مدة إحرامه، ولا سيما مَن كان ميقاته بعيدًا: كأهل المدينة حين كانوا يركبون الإبل، فإنَّ المدة قد تطول، أيام، أما اليوم فقد تيسرت هذه المراكب السريعة.
وبكل حالٍ فالسنة التَّطيب مطلقًا، التَّطيب والاغتسال كما فعله النبيُّ ﷺ.
كذلك يدل على استحباب أن يكون الإحرام بالإزار والرداء ونعلين.
وقد ذكر الهيثمي أنَّ هذا الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادٍ حسنٍ، وقد التمستُه في "المسند" فلم أجده، والمؤلف عزاه للمسند، وحتى الآن لم نجده في "المسند"، وربما يوجد؛ لأنَّ مسند ابن عمر طويل.
س: صلاة ركعتين للإحرام لها أصل؟
ج: ....... أو عموم حديث: إنه أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي، النبي صلَّى فيه، صلَّى الظهر وأحرم وركب في حجة الوداع، فإذا وافق فريضةً كفت الفريضة، وأما إذا كان ما هو بوقت فريضةٍ وتوضَّأ فسنة الوضوء تكفي؛ أخذًا بالعموم: صلِّ في هذا الوادي المبارك.
س: هل ثبت في الغسل شيء غير أمر الحائض والنُّفساء؟
ج: حديث: "تجرد لإهلاله واغتسل"، حديث زيدٍ، وحديث ابن عمر: "من السنة أن يغتسل"، وفي حديث: أنَّ الحائض والنُّفساء اغتسلتا، وفي حديث جابرٍ: أنَّ أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبي بكر في ذي الحليفة، فأمرها النبيُّ أن تغتسل، وهكذا عائشة أمرها أن تغتسل، فإذا كانت الحائض تغتسل والنُّفساء وهما لا صلاةَ عليهما، ولا طهارةَ لهما، فغيرهما من باب أولى.
س: لبس الجوربين للمرأة؟
ج: لا بأس بالجوربين للمرأة، تلبس الجوربين، أما الرجل فلا، لا يلبس الخفَّين ولا الجوربين، يلبس النَّعلين، إلا إذا عدمهما جاز له لبس الخفَّين.
س: ...........؟
ج: الصواب لا يقطع، منسوخ؛ لأنَّ الرسول ﷺ خطب الناسَ في عرفات ولم يذكر القطعَ عليه الصلاة والسلام.
س: البرتقال له رائحة؟
ج: ما هو بطِيبٍ يا ولدي، كُلْ وأنت مُحْرِم، ما هو بطِيبٍ.
س: أحرم من بلده وأتى شيئًا من محذورات الإحرام، فهل تلزمه فدية؟
ج: نعم تلزمه إذا كان مُتعمِّدًا، وإذا كان ناسيًا ما عليه شيء.
س: ولو كان قبل الميقات؟
ج: ولو كان قبل الميقات.
س: النبي ﷺ لبس الإزار والرداء في المدينة قبل ذي الحُليفة؟
ج: خرج من بيته في إزاره وردائه.
س: ثم اغتسل في ذي الحُليفة؟
ج: نعم.
س: قول ابن عمر: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله"؟
ج: ما انتبه للمقصود، المقصود أنه كرر الإحرام، ابن عمر صادق، وجابر صادق، وأنس صادق، كلهم صادقون، وليس بكذبٍ، لكن كأنَّه لم يبلغه عن أنسٍ وعن جابرٍ، ليس قصده تكذيبهم، تكذيب الإشاعات، وإلا فابن عمر صادق، وأنس صادق، وجابر صادق، كلهم صادقون، هذا أخبر عمَّا سمع، وهذا أخبر عمَّا سمع، هذا ابن عمر سمعه لبَّى لما قامت به راحلتُه، وهكذا قال ابنُ عباس، وجابر وأنس أخبرا عمَّا سمعا من إهلاله على البيداء، كونه يُلبي على البيداء بالحجِّ والعمرة، فلا منافاةَ حتى يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام.
س: ...........؟
ج: نعم، المحرم لا يجعل زعفرانًا، الزعفران طيب.
س: ابن عمر يدَّهن بدهنٍ ليس له رائحة؟
ج: هذا ما بلغه الطِّيب، ظنَّ أنه ما هو بمشروع، والقاعدة أنَّ الحافظ مُقدَّم على مَن لم يحفظ، الحافظ للسنة حُجَّة على مَن لم يحفظ من الصحابة ومَن بعدهم، فعائشة حفظت، وابن عمر لم يحفظ هذا الشيء، فهي مُقدَّمة، وهي باشرت هذا الشيء، والقاعدة أيضًا أن المثبت مُقدَّم على النَّافي.
س: يرى أنه ممنوعٌ يعني؟
ج: يرى أنه غير مشروعٍ، ما بعد دخل في الإحرام.
س: بعض الناس يُبالغ في الطِّيب قبل أن يُحرم، فإذا صار مُحْرِمًا .....؟
ج: ما يضرُّ، ما يضرُّ، ما دام ما تعمَّد التَّطيب ما يصير شيء.