بَابُ الِاشْتِرَاطِ فِي الْإِحْرَامِ
1835- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أُهِلُّ؟ فَقَالَ: أَهِلِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، قَالَ: فَأَدْرَكَتْ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ: فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ.
1836- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1837- وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَحْرِمِي وَقُولِي: إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي، فَإِنْ حُبِسْتِ أَوْ مَرِضْتِ فَقَدْ حَلَلْتِ مِنْ ذَلِكَ بِشَرْطِكِ عَلَى رَبِّكِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: وهذا فيه جواز الاشتراط إذا كان الإنسانُ مريضًا أو خائفًا من حربٍ، يشترط إن كانت هناك حربٌ، أو خوفٌ، أو شيء آخر، أو مرضٌ، يُستحب له أن يشترط؛ حتى لا يتعب، مثلما قال النبي لضباعة بنت عمِّه الزبير بن عبد المطلب، قال: حُجِّي واشترطي أنَّ محلِّي حيث حبستني، قولي: "لبيك اللهم لبيك، ومحلِّي حيث حبستني"، هذا الاشتراط، فإذا عرض له عارضٌ يمنعه من الكمال حلَّ من دون حاجةٍ إلى فديةٍ، ما يصير مُحْصَرًا له حكم المحصر، بل له التَّخلص وترك الإحرام من دون فديةٍ، أما غيره فيكون محصرًا إذا عرض له عارضٌ، يكون محصرًا عليه أن ينحر ويحلق، مثلما فعل النبيُّ ﷺ يوم الحُديبية، إذا جاء وحال بينه وبين مكة حائلٌ: عدو أو غيره، ينحر الهدي إن كان عنده هدي، أو يصوم عشرة أيام ويحلق، أو يقصر ويحلّ.
س: الذي لا يخاف مرضًا ما يشترط؟
ج: الأفضل عدم الاشتراط؛ لأنَّ الرسول لم يشترط عليه الصلاة والسلام.
س: الفقهاء يستدلُّون بهذا الحديث: فإنَّ لك على ربِّك ما استثنيت فيه الاشتراط في الاعتكاف، هل هذا سائغ؟
ج: القاعدة أنَّ العبادات توقيفية، والاعتكاف ما هو بواجبٍ، إذا خرج فلا بأس، يكون نافلةً مستحبًّا، إذا أراد أن يقطعه فلا حرج عليه.
س: لو استطاع الوقوف بعرفة، لكن لا يستطيع دخول مكة؟
ج: يُسمَّى: مُحْصَرًا، لا يستثني، يفعل ما يفعله المحصر.
س: بعث الهدي في غير أشهر الحج؟
ج: لا بأس، يبعث الهدي ولا عليه شيء، النبي بعث الهدي مرات وبقي عند أهله حلالًا.
س: في غير أشهر الحج؟
ج: في غير أشهر الحج.
س: في مثل هذه الأيام؟
ج: إذا بعثه يُنحر في مكة ويُقسم على الفقراء، الحمد لله.
س: يُصلي ركعتي الإحرام في وقت النَّهي؟
ج: إنسان توضَّأ، سنة الوضوء ما لها وقت نهي، وسنة تحية المسجد، وسنة الكسوف، كلها من ذوات الأسباب.
س: التَّطيب يكون على الإحرام أو على الجسد؟
ج: في الجسد، الطيب في الجسد، الإحرام ما يُطيب، يكون الطيب في الجسد؛ في الرأس واللحية.
س: في كلام لك سابق يا شيخ قلت: يُشرع للمُحرم في هذا الزمن الاشتراط .....؟
ج: إن اشترط لا بأس، إذا خاف من حوادث السيارات لا بأس، أما إذا كان آمن فالأفضل تركه.
س: إذا أصاب الإحرام شيء من الطيب الذي على بدنه، هل يلزمه غسله أو يُعفى عنه؟
ج: الأقرب غسله، إذا تيسر غسله أحوط وأحسن؛ لحديث: لا تلبسوا شيئًا من الثياب مسَّه زعفران أو ورس.
س: الاغتسال للإحرام سنة؟
ج: سنة نعم.
بَابُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَبَيَانِ أَفْضَلِهَا
1838- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، قَالَتْ: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ مَعَهُ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1839- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ: "وَنَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى"، يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ، "وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ آيَةَ مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ".
1840- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً، فقَالَ عَلِيٌّ: "لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، فَقَالَ عُثْمَانُ: "أَجَلْ، وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1841- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أَهَلَّ النَّبِيُّ ﷺ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ أَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، فَلَمْ يَحِلَّ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَلَّ بَقِيَّتُهُمْ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ، وَأَوَّلُ مَنْ نَهَى عَنْهَا مُعَاوِيَةُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
1842- وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إنِّي قَلَّدْتُ هَدْيِي، وَلَبَّدْتُ رَأْسِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1843- وَعَنْ غُنَيْمِ بْنِ قيسٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ، فَقَالَ: "فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُوشِ" يَعْنِي: بُيُوتَ مَكَّةَ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1844- وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحِلَّ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَلْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ.
وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنَ السَّبْعِ، وَمَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حين قَضَى طَوَافه بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ.
وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِثْلُ حَدِيثِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1845- وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْرَدَ الْحَجَّ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
1846- وَعَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا.
1847- وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا، يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1848- وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ: خَرَجْنَا نَصْرُخُ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً، وَلَكِنْ سُقْتُ الْهَدْيَ، وَقَرَنْتُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1849- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَقُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ.
1850- وَعَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ ذَلِكَ أَهَلَّ بِهِمَا: "لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ"، وَقَالَ: "مَا كُنْتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ لقَوْلِ أَحَدٍ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
1851- وَعَن الصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمْتُ، فَأَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، قَالَ: فَسَمِعَنِي زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا، فَقَالَا: لَهَذَا أَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ، فَكَأَنَّمَا حُمِلَ عَلَيَّ بِكَلِمَتَيْهِمَا جَبَلٌ، فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا فَلَامَهُمَا، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: "هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
1852- وَعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَقَرَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1853- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَجَدْتُ فَاطِمَةَ قَدْ لَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا، وَقَدْ نَضَحَتِ الْبَيْتَ بِنَضُوحٍ، فَقَالَتْ: مَا لَكَ؟ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَحَلُّوا، قَالَ: قُلْتُ لَهَا: إنِّي أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ! قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: كَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنِّي قَدْ سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، فَقَالَ لِيَ: انْحَرْ مِنَ الْبُدْنِ سَبْعًا وَسِتِّينَ، أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَانْسُكْ لِنَفْسِكَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَأَمْسِكْ لِي مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ مِنْهَا بَضْعَةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
هذه الأحاديث التي ساقها المؤلفُ رحمه الله فيما يتعلق بالإحرام بالحج والعمرة، والحج مُفردًا، وبالعمرة وحدها، يبين بذلك ما وقع في عهده ﷺ في حجَّة الوداع، وما جرى من بعض الخلاف في عهد عثمان، وبعد ذلك في عهد معاوية، والمحفوظ في هذا أنه ﷺ لبَّى بالحجِّ والعمرة جميعًا كما في حديث ابن عمر في "الصحيحين"، وحديث أنس، وحديث عمران بن حصين، وغيرهم ممن روى هذه السنة، وقول عمر للصُّبي بن معبد: "هُديتَ لسنة نبيك ﷺ، قد أحرم بهما".
فقد استفاضت الأحاديث عنه ﷺ بأنه أحرم بهما جميعًا، وهكذا جماعة من الصحابة أحرموا بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطائفة أحرموا بالحجِّ مفردًا، وطائفة أحرموا بالعمرة مفردةً، وقد خيَّرهم النبيُّ ﷺ في الميقات، خيَّرهم بذلك؛ فمنهم مَن لبَّى بحجٍّ مُفردًا، ومنهم مَن لبَّى بالعمرة مفردة، ومنهم مَن جمع بينهما، وهذه الأنساك الثلاثة، النبيُّ جمع بينهما عليه الصلاة والسلام فيما صحَّت به الأخبار عنه عليه الصلاة والسلام.
وقال عمر أنه سمع النبيَّ يقول: إنه أتاه آتٍ من ربِّه فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وهو وادٍ بالعقيق، وقل: عمرة في حجَّةٍ، فلبَّى بهما، هذا هو المحفوظ، ووقع لعائشة وابن عمر وعدد من الصحابة بعض الروايات أنه لبَّى بالحجِّ، وكأنهم أرادوا بذلك أنه لبَّى بالحج يعني مع العمرة، فلم ينقل ذلك مَن رواه عنهم، قد يكونوا اختصروا الرواية في بعض الأحيان، فظنَّ بعضُ الناس أنه لم يهلَّ بالعمرة، ويحتمل أنَّ بعضهم نسي ذلك.
فالمقصود أنَّ رواية مَن روى بالحجِّ -أفرد بالحجِّ- فهو وهمٌ أو نسيانٌ، ما وقع من النبي ﷺ، والقاعدة أنَّ المثبت مُقدَّمٌ على مَن نفى، فمَن أثبت الزيادة مُقدَّم، ثبتت الأحاديث المستفيضة عن النبي ﷺ في "الصحيحين" وغيرهما أنه أحرم بهما جميعًا، وقال: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديتُ، ولجعلتُها عمرةً، وكان لما قدم مكة عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يجعلوها عمرةً إلا مَن ساق الهدي، فأمر مَن لبَّى بالحجٍّ مُفردًا أو بهما جميعًا أن يجعلها عمرةً ويتحلل؛ لأنه أرفق بالناس، فحلُّوا جميعًا إلا مَن كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه، ومنهم النبي عليه الصلاة والسلام بقي على إحرامه، فلما كان يوم النحر أحلَّ عليه الصلاة والسلام، وأمر عليًّا أن يُقدِّم له ثلاثًا وستين من الإبل، وقد أهدى مئةً، فنحرها بيده، ونحر عليٌّ البقية، وهي سبع وثلاثون، وأشركه في هديه، فلم يحلّ عليٌّ وبقي على إحرامه.
ولما حلَّ الناسُ يوم النحر ورأت فاطمةُ رضي الله عنها عليًّا لم يحلّ سألته عن ذلك، قالت: ما شأن الناس حلُّوا ولم تحلّ أنت؟! فالمقصود أنه أخبرها أنه أهلَّ بإهلال النبي ﷺ، والنبي لم يحلّ لأنه ساق الهدي، وعلي أيضًا أشركه النبيُّ في هديه ولم يحلّ، فهذا هو السنة، السنة الإحرام بالعمرة، إلا مَن ساق الهدي فإنَّ السنة أن يُحرم بهما جميعًا، ويبقى على إحرامه حتى يحلَّ منهما يوم النَّحر، أما مَن ليس معه هديٌ فإنَّ السنة أن يُحرم بعمرةٍ ويتحلل ثم يُلبي بالحجِّ اليوم الثاني كما أرشد النبيُّ ﷺ إلى ذلك؛ لأنه أرفق بالناس، وفيه جمع بين النُّسكين، كل واحدٍ على حدة، فهو أكمل في أعمالهما.
وكان الصديق وعمر بعد ذلك أحبا للناس أن يُفردوا الحجَّ وحده؛ حتى يكثر الحجاجُ والعمَّارُ، مع علمهما بأنه ﷺ قرن، لكن رأيًا منهما رأياه أن يُفرد الناسُ بالحجِّ من باب المشورة، وتبعهما عثمان، وكان يرى الإفراد بالحجِّ، فخالف عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه في وقت عثمان، وأهلَّ بهما جميعًا ليعلم الناس السنة، قال: "ما كنتُ لأدع سنة رسول الله لأحدٍ من الناس"؛ ليعلم الناس السنة، وأنه لا حرج في إحرامهما جميعًا في أيام الحج ممن ساق الهدي، أما مَن لم يسقِ الهدي فإنَّ السنة أن يُحرم بالعمرة مفردةً ويطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، ثم يُلبِّي بالحجِّ في اليوم الثامن، هذه هي السنة المستقرة، وما سوى ذلك فهو وهمٌ ممن رواه، لكن مَن أراد أن يُحرم بالحج وحده فلا حرج، لكن الأفضل والأولى أن يجعلها عمرةً كما أرشد النبيُّ الصحابةَ في ذلك، وجعلوها عمرةً بأمره ﷺ؛ لأنه أرفق بهم، وأكثر عملًا، وأكثر أجرًا.
وحديث الصبي بن معبد التَّغلبي أنه أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، فأنكر عليه سلمانُ بن ربيعة وزيدُ بن صوحان؛ ظنًّا منهما أنه لا يُحرم بهما جميعًا إلا مَن ساق الهدي، فلما قدم على عمر في المدينة قال له: "هُديتَ لسنة نبيك ﷺ"، فدلَّ على أنَّ أمر عمر والصديق للناس بالإفراد ليس على سبيل الإلزام، إنما هو على سبيل الاختيار؛ ولهذا قال لصبي: "هُديتَ لسنة نبيك ﷺ"، وهذا هو الذي التبس على كثيرٍ من الناس، ولو سمَّاه بعضُ الناس: معاوية، فمعاوية سلك مسلك عثمان، فيه مشورة على الناس بالحجِّ فقط، ويرى العمرة تُؤجل إلى وقتٍ آخر؛ سيرًا من معاوية على ما فعله عثمان رضي الله عنه وأرضاه، والأفضل والأولى هو مثلما فعل عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه: أنَّ مَن ساق الهدي أحرم بهما جميعًا، ومَن لم يسقِ الهدي يُحرم بالعمرة، هذا هو الأفضل، وما رآه الصديق وعمر وعثمان رأي لهم، والسنة بخلافهم؛ ولهذا لما خاصم بعضُ الناس ابن عباسٍ وقالوا له: إنَّك تأمر الناسَ بالعمرة والصديقُ وعمرُ يأمران بالحجِّ، قال: "يُوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!"، فدلَّ ذلك على أنَّ السنة إذا اتضحت فالواجب الأخذ بها، والسير عليها، وأن لا تُترك السنة لقول أحدٍ: لا للصديق، ولا لعمر، ولا لعثمان، ولا لمن دونهم، السنة مُقدَّمة على الجميع، وإنما رأيا رأيًا اجتهدا فيه رضي الله عنهما، والصواب خلاف ذلك، وما رأياه بجعل العمرة في رجب أو في شعبان أو في وقتٍ آخر وإفراد الحجِّ فلا حرج، لكن ما جاءت به السنة هو الأفضل؛ أن يُحرم بالعمرة في أشهر الحجِّ، ويحلّ إذا جاء مكة، ثم يُلبي بالحج اليوم الثامن، هذا هو الأفضل لمن جاء مكة في أشهر الحجِّ.
وفَّق الله الجميع.
س: قول عثمان: "إنا كنا خائفين"؟
ج: هذا ليس بظاهر، الظاهر أنه وهم بعض الرواة، أو نسيان منهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فالناس في حجة الوداع في غاية الأمن، قد أزال الله الشرك، وقضى عليه، وأمن الناسُ، واستقرَّ الإسلامُ في مكة من عام الفتح إلى حجَّة الوداع وما بعد ذلك.
س: في حديث ابن عباسٍ قال: أهللنا بعمرةٍ، وأهلَّ أصحابُه بالحجِّ؟
ج: هذه الرواية وهمٌ من بعض الرواة، في "الصحيحين" أنه أهلَّ بهما جميعًا.
س: مَن حجَّ مُفردًا بعد الطواف والسعي هل له أن يتحلل؟
ج: يفسخ إلى عمرةٍ.
س: ولكنه لبَّى مُفردًا؟
ج: ولو، السنة أن يحلَّ، يسعى ويُقصر ويحلّ ويجعلها عمرةً.
س: ...........؟
ج: ورد من بعض الرواة أنَّ النبي قرن بينهم، حجَّة واحدة عليه الصلاة والسلام.
س: في "صحيح مسلم"؟
ج: ولو في "الصحيحين" ........
س: قول شيخ الإسلام: مَن أتى بعمرةٍ مفردةٍ في رمضان وبقي في مكة إلى الحج أفضل ممن أتى مُتمتعًا أثناء الحج؟
ج: هذا محل نظرٍ، والأمر واسع، إذا أتى بعمرةٍ في رمضان وبقي حتى يُحرم بالحجِّ لا بأس، وإن أراد أن يأخذ عمرةً بأشهر الحجِّ فلا بأس، لكن المقصود الذي فيه الأحاديث إذا قدم في أشهر الحجِّ هذا محل البحث، أما مَن قدم في رمضان فالسنة أن يُحرم بعمرةٍ فقط.
س: إسلام معاوية ألم يكن مُتقدمًا؟ قول سعد: "وهذا كافرٌ بالعروش"؟
ج: يعني: قبل أن يُسلم، هو أسلم عام الفتح، أو عام عمرة القضاء.
س: معاوية أسلم يوم الفتح؟
ج: هذا المشهور يوم الفتح، وقيل: عام عمرة القضاء قبل الفتح بسنةٍ.
س: قول سعد بن أبي وقاص: "وهو كافرٌ بالعروش"؟
ج: يقضي أنه ما أسلم إلا عام الفتح.
س: قول النبي ﷺ: إني قلَّدتُ هديي، ولبَّدتُ رأسي، فلا أحلّ حتى أنحر الهدي؟
ج: هذه السنة، مَن أهدى يبقى حتى يحلَّ يوم النحر.
بَابُ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ
1854- عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ الْحَجَّ عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، فَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، إذَنْ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً"، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: "مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي"، وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَانْطَلَقَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْم النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: "هَكَذَا صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1855- وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِف عَرَكَتْ حَتَّى إذَا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْكَعْبَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَحِلَّ مِنَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، قَالَ: فَقُلْنَا: حِلُّ مَاذَا؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ، فَوَاقَعْنَا النِّسَاءَ، وَتَطَيَّبْنَا بِالطِّيبِ، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إلَّا أَرْبَعُ لَيَالٍ، ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ، وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الْآنَ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلَتْ، وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ، حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجَّتِكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حِينَ حَجَجْتُ، قَالَ: فَاذْهَبْ بِهَا يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذان الحديثان في إدخال الحجِّ على العمرة، المشروع الأنساك ثلاثة: إحرام بالحجِّ وحده، أو بالعمرة وحدها، أو بهما جميعًا، ويجوز أن يُحرم بالعمرة، ثم يُدخل عليها الحجَّ، والحديث والباب في هذه المسألة، فلا حرج أن يُحرم الناسُ بالعمرة، ثم يُدخلون عليها الحجَّ كما فعل الصحابةُ بأمر النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا لما قيل لابن عمر في ذلك عام خروج الخوارج -..... الحروري وجماعته- قال: إن صدُّوني فعلتُ مثلما فعل النبيُّ ﷺ. ثم أحرم بعمرةٍ، ثم أدخل عليها الحجَّ، فلما قدم مكةَ وطاف وسعى وبقي على إحرامه، وكان قد ساق هديًا من قديد، فلما كان يوم النحر حلق رأسه وحلَّ، ورأى أنه قد تمَّ حجُّه بطوافه وسعيه الأول.
هذا الذي فعله ابن عمر كله صحيح، فإنَّ المحرم له أن يُحرم بالعمرة والحجِّ جميعًا كما فعل النبيُّ ﷺ في حجة الوداع، فإنه أحرم بهما جميعًا، وأحرم بهما جماعة، وله أن يُحرم بالحجِّ مفردًا كما أحرم به جماعةٌ: كعائشة وجماعة، كذلك جاء عن غير عائشة: أحرموا بالحج مفردًا، وله أن يُحرم بالعمرة، لكن إن ساق الهدي فالسنة أن يُحرم بهما جميعًا كما فعل النبيُّ ﷺ، وهذا هو الأفضل؛ يُحرم بهما جميعًا ويبقى على إحرامه حتى يحلَّ منهما جميعًا، فإن لم يسقِ الهدي فالسنة أن يُحرم بعمرةٍ كما أمر النبيُّ ﷺ الصحابة، واستقرَّت عليه السنة؛ أن يُحرم بعمرةٍ، ويطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، ثم يُلبي بالحجِّ يوم التروية كما أمر النبيُّ الصحابةَ رضي الله عنهم وأرضاهم، لمن كان معه الهدي.
فابن عمر فعل ما فعل في أيام الحرورية، وقدم مكة قارنًا سائقًا للهدي، فطاف وسعى، وبقي على إحرامه، ثم نحر يوم النَّحر وتحلل، ورأى أنَّ طوافه وسعيه قد أدَّى عنهم مناسك الحج والعمرة جميعًا، وظاهر هذا أنه لم يطف بعد ذلك -بعد يوم النحر- وهذا وهمٌ منه ونسيان، فإن النبي ﷺ طاف يوم النحر، ولم يكتفِ بطواف القدوم، بل طاف طواف الإفاضة يوم النحر، وهذا هو الحقّ، وطواف الحجِّ لا بدَّ أن يكون يوم النحر أو بعده، فإن لم يكن في الحديث اختصار من فعل ابن عمر، وإلا فظاهره أنه لم يطف يوم النحر، والصواب أنه لا بدَّ من طوافٍ يوم النحر في حقِّ الحجاج جميعًا، قارنيهم ومُفرديهم ومَن أدخل الحجَّ على العمرة، كلهم عليهم أن يطوفوا ليلة النحر، أو في يوم النحر، أو بعدها، كما فعله الرسولُ ﷺ وفعله الصحابةُ، فإنهم طافوا يوم النحر، طاف النبيُّ يوم النحر، وقد طاف طواف القدوم وهو قارنٌ عليه الصلاة والسلام.
وهكذا الحائض إذا قدمت وهي قد أحرمت بعمرةٍ أو النُّفساء تُلبي بالحجِّ، فتكون قارنةً كما أمر النبيُّ عائشة فلبَّت بالحجِّ وحجَّت مع الناس قارنةً، وقال لها النبيُّ ﷺ: طوافُك في البيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجِّك وعُمرتك جميعًا؛ لأنها صارت أخيرًا قارنةً، فعُلم بذلك أنه لا بأس بالقران وإن كان أحرم بالحجِّ مُتأخرًا، لكنها قالت رضي الله عنها أنها تجد في نفسها أن لم تطف حين قدمت، فأمر النبيُّ ﷺ عبدالرحمن أخاها أن يُعمرها من التَّنعيم، فاعتمرت بعد الحجِّ عمرةً مستقلةً ليلة الحصباء، ليلة أربع عشرة، وفي صباحها خرج النبيُّ إلى المدينة قافلًا عليه الصلاة والسلام.
فهذا يدل على أنَّ النفساء والحائض إذا قدمتا مُحرمتين بعمرةٍ أنهما يُلبيان بالحجِّ، ويُدخلانه على العمرة، وتكون قارنةً، وتطوف وتسعى بعد الحجِّ، ويكفيها ذلك لحجَّتها وعُمرتها.
س: قولها: "إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت" مع أنها طافت؟
ج: لأنَّ ضرَّاتها طُفن طواف العمرة وأحللن منها، ثم لبَّين بالحجِّ، فأحبَّتْ أن تكون لها عمرة مفردة مثلما حصل لضرائرها.
س: حديث ابن عمر ما يُحمل على أنَّ المراد بالطواف بالصفا والمروة كما في حديث عائشة السابق: ورأى أن قد قضى طواف الحجِّ والعمرة بطوافه الأول، يعني في طواف الصفا والمروة؟
ج: يُحمل على السعي، كان أسلم من ظني أنه نسي، فيكون جمعًا بين النصوص، والأقرب أنَّ المراد بالطواف الأول يعني طوافه بين الصفا والمروة.
س: مَن أتى بالحجِّ مُفردًا، وأراد عمرةً بعد الحجِّ، يأتي بها من التنعيم أم من المواقيت؟
ج: من التنعيم مثلما فعلت عائشةُ ويكفي، يعني من الحلِّ.
س:كون النبي ﷺ أمر مَن لم يسقِ الهدي بالإحلال، ولم يأذن إلا لعائشة، ما يدل على وجوب أنَّ مَن لم يسق الهدي أن يحلَّ إلا مَن عنده عذر كعائشة؟
ج: هذا قول بعض أهل العلم، والمشهور أنه للسنية، وابن القيم رحمه الله يميل إلى الوجوب لظاهر الأوامر، والشيخ تقي الدين يقول: إنه واجب على الصحابة، سنة في حقِّ غيرهم. ولكن الجمهور على أنه مُستحب للجميع، مَن حجَّ قارنًا ولم يسقِ الهدي السنة له أن يحلَّ، وقد يستدلون له بحديث عروة بن مضرس؛ فإنه حجَّ ولم يأمره النبيُّ ﷺ بأن يتحلل، لكنه إنما سأل النبيَّ ﷺ ليلة عرفة، فليس فيه حُجَّة ظاهرة.
والمقصود أنَّ القول بوجوب الفسخ قول قوي؛ لظاهر الأوامر، وإليه يميل ابنُ القيم رحمه الله مطلقًا، وهو المشهور عن ابن عباسٍ، قال: "مَن حجَّ هذا البيت وطاف وسعى فقد حلَّ"، يعني إذا لم يسقِ الهدي.
س: وجه تقييد شيخ الإسلام للصحابة بالخصوص؟
ج: ليس بظاهر، النبي باشرهم بالأمر، لكن أمره لهم أمر لغيرهم، وكلام ابن القيم في هذا أقوى من كلام شيخ الإسلام، القول بالوجوب أقوى في الأدلة.
س: حديث سُراقة: بل لأبد الأبد؟
ج: عام للجميع، ويستدل الجمهورُ بما فعل الصديقُ وعمر وعثمان؛ كانوا يُحرمون بالحجِّ ولا يحلُّون إلا بعد ذلك، وكان عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه وابن عباسٍ يحثُّوا الناس على العمرة، والصديق وعمر وعثمان رأوا أن يقدم بحجٍّ؛ حتى يكون للعمرة وقتٌ آخر؛ حتى يكثر الزوار في البيت والعُمَّار والحُجَّاج، من باب الاجتهاد.
س: ما ذكر توجيهًا لما اختاره شيخ الإسلام؟
ج: ما أتذكر شيئًا واضحًا.
س: .............؟
ج: هذا ليس بشيءٍ، عامَّة؛ النبي قال: لأبد الأبد، غلط قول أبي ذرٍّ.
س: ............؟
ج: أفضل، أفضل ولو في الثامن؛ يحلّ ثم يُحرم بالحجِّ والحمد لله، ما فيه إشكال.
س: ولو في أول اليوم التاسع؟
ج: ولا مانع في اليوم التاسع.
س: إذا لم يتمكن المُتمتع من الإهلال هل تكفيه النيةُ ويدخل في الحجِّ مباشرةً؟
ج: ما في بأس، الأمر واسع، إن تطيَّب فهو سنة، وإن لم يتطيب فالحمد لله.
س: إذا أحرم مُتمتعًا، وضاق الوقتُ عن العمرة، يدخل في الحجِّ ثم يأتي بعمرةٍ بعده؟
ج: يُلبِّي بالحجِّ ويصير قارنًا.
بَابُ مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا أَوْ قَالَ: أَحْرَمْتُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ
1856- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ من اليمن، فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَالَ: فَقَالَ لِعَلِيٍّ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
1857- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ، فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: فقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ حِينَ أَحْرَمْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ. وَذَكَرَهُ. أَخْرَجَاهُ.
الشيخ: وهذا يدل على جواز الإهلال بما أهلَّ به فلانٌ، وأنه لا حرج في أن يقول عند الإحرام: "أهللتُ بما أهلَّ به فلانٌ"، كما فعل عليٌّ وأبو موسى، فإن كان معه الهدي بقي على إحرامه، وإن كان ليس معه هدي حلَّ كما فعل أبو موسى، وكان عليٌّ معه الهدي؛ ولهذا بقي على إحرامه، كما بقي النبي على إحرامه، وإن لم يكن معه هدي حلَّ كما حلَّ أبو موسى، فإذا اتَّضح أنَّ صاحبه أهلَّ بحجٍّ فإنه يفسخه إلى عمرةٍ، كما أمر النبيُّ الصحابةَ بذلك.
بَابُ التَّلْبِيَةِ وَصِفَتِهَا وَأَحْكَامِهَا
1858- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ، وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَزِيدُ مَعَ هَذَا: "لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1859- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ"، فَذَكَرَ التَّلْبِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: "ذَا الْمَعَارِجِ" وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد، وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ.
1860- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
1861- وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: كُنْ عَجَّاجًا ثَجَّاجًا، وَالْعَجُّ: التَّلْبِيَةُ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الْبُدْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1862- وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ.
1863- وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
1864- وَعَن الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنهما قَالَ: "كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ جَمْعٍ إلَى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَعَنْ عَطَاءٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما -قَالَ: يَرْفَعُ الْحَدِيثَ: "إنَّهُ كَانَ يُمْسِكُ عَنِ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
1865- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تتعلق بالتلبية، وهي سنة -التلبية وألفاظ التلبية ومحلّها- السنة في التلبية أنه من حين يُحرم يُلبِّي المحرم، يُلبِّي في الحجِّ إلى أن يشرع في رمي جمرة العقبة، وهو يُلبي في الطريق، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وفي الطريق حتى يرمي جمرة العقبة، كما فعله النبيُّ ﷺ، وفي العمرة يُلبي حتى يشرع في الطواف، فإذا شرع في الطواف قطع التَّلبية واشتغل بأذكار الطواف والسعي.
والسنة للحاج والمعتمر أن يبدأ حين تقوم به الدابة، كما كان النبيُّ ﷺ إذا استقلت به دابته لبَّى، هذا هو الأفضل، أما الحديث الذي يُروى عن ابن عباسٍ أنه لبَّى بعدما صلَّى، ولبَّى أيضًا بعدما ركب راحلته، ولبَّى لما استوت به على البيداء، فهو ضعيف؛ لأنه من طريق خصيف الجزري، وإلا فالصواب الثابت في "الصحيحين" وغيرهما أنه كان يُلبي إذا استقلَّت به راحلته، إذا صلَّى الفريضة أو سنة الوضوء يركب ثم يُلبي، يلبس ثيابه -ملابس الإحرام- ويتأهَّب ويتطيب ويُصلي ركعتين إذا تيسر ذلك، إن كانت فريضةً، كما أحرم النبيُّ ﷺ بعد الفريضة في حجة الوداع عند التَّطهر، أو توضأ ويُصلي ركعتي الوضوء؛ لحديث أنه أتاني آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة، فصلَّى ولبَّى عليه الصلاة والسلام.
فالسنة أن يستعدَّ ويتأهَّب في لباس إزاره وردائه وطيبه وصلاته إذا تيسرت الفريضة أو النافلة، ثم يُلبي بعد الركوب -بعد ركوب الدابة وقيامها- إذا استقلَّت به دابته يُلبي: "لبيك عمرة" أو "لبيك حجًّا" أو "عمرة وحجًّا" على حسب نسكه، ثم يقول: "لبيك اللهم لبيك" يأتي بالتلبية الشرعية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريكَ لك"، ويستمر في التَّلبية هكذا في الطريق، وإن سبَّح وهلل في أثنائه لا بأس، وإن دعا كما في حديث: أنه كان إذا خرج سأله رضوانه والجنة، وسأله النَّجاة من النار، وإن كان الحديث ضعيفًا لكن لا حرج إذا دعا به أثناء التلبية، لا بأس أن يدعو ويُسبح ويُهلل.
وكان النبي ﷺ يسمع الناس يُلبون: "لبيك ذا المعارج، لبيك حقًّا حقًّا، تعبُّدًا ورقًّا"، يسمع ولا يُنكر عليهم، وقال أنس: "كان يُهلّ منا المهلّ ولا يُنكر عليه، ويُكبر منا المكبر ولا يُنكر عليه" وهم في طريقهم إلى عرفات.
المقصود أنه يُكثر من التَّلبية، ومَن أدخل بينها التَّسبيح أو التَّهليل أو التَّلبية بألفاظٍ أخرى، أو دعا، أو صلَّى على النبي ﷺ، كل ذلك لا بأس به، كله ذكرٌ في ذكرٍ، ولا حرج في ذلك، والسنة أن يستمر في التلبية من الميقات إلى أن يصل مكة، فإذا شرع في طواف العمرة قطع، وفي الحجِّ يستمر في التلبية حتى يشرع في رمي الجمرة يوم العيد، هذا هو المشروع.
وفَّق الله الجميع.
س: المُتمتع إذا انتهت عمرته يقطع التَّلبية إلى حين الدخول في الحج؟
ج: يقطع التلبية حين يشرع في العمرة، فإذا لبَّى بالحج بعد ذلك شرع في التَّلبية.
س: مَن أخطأ وتطيب بعد أن صلَّى في الميقات؟
ج: له أن يتطيب حتى يركب دابته ويُحرم.
س: تطيب بعد أن صلَّى ونوى؟
ج: نوى الدخول في النُّسُك؟
س: نعم.
ج: إن كان ناسيًا ما عليه شيء، أو جاهلًا ما عليه شيء.
س: نعم، ناسيًا وجاهلًا؟
ج: لا عليه شيء.
س: في التلبية يرفع صوته، ولكن الدعاء والصلاة على النبي يرفع الصوت؟
ج: كله، السنة رفع الصوت حتى يسمع الناس، حتى يُذكر الناس ويستفيدوا.
س: الصلاة على النبي يرفع الصوت؟
ج: نعم.
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ
1866- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ وَنَجْعَلَهَا عُمْرَةً، فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيْنَا، وَضَاقَتْ بِهِ صُدُورُنَا، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِلُّوا، فَلَوْلَا الْهَدْيُ مَعِي فَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ، قَالَ: فَأَحْلَلْنَا حَتَّى وَطِئْنَا النِّسَاءَ، وَفَعَلْنَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: "أَهْلَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحَجِّ خَالِصًا لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ، فَقَدِمْنَا مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَطُفْنَا وَسَعَيْنَا، ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ: لَوْلَا هَدْيي لَأَحْلَلْتُ، ثُمَّ قَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ رسولُ الله ﷺ: بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ.
1867- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَرُحْنَا إلَى مِنًى أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ" رَوَاهُ أحمدُ ومُسْلِمٌ.
1868- وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: "خَرَجْنَا مُحْرِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُقِمْ عَلَى إحْرَامِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ، فَلَمْ يَكُنْ مَعِي هَدْيٌ فَحَلَلْتُ، وَكَانَ مَعَ الزُّبَيْرِ هَدْيٌ فَلَمْ يَحْلِلْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: "قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ".
1869- وَعَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَا نَرَى إلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: "فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ"، وَذَكَرَتْ قِصَّتَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1870- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرَ، وَيَقُولُونَ: إذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الْأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1871- وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِل الْحِلَّ كُلَّهُ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1872- وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ: أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا إهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، وَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا، وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] إلَى أَمْصَارِكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1873- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، قَالَ: وَنَحَرَ النَّبِيُّ ﷺ سَبْعَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ بِالْمُدْيَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْن. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
الشيخ: الظاهر أنها بالمدية، بالسكين، يعني الإبل نحرها، وضحَّى بالكبشين في منى بالمدية، يعني ذبحها بالمدية، ما هو بالنَّحر.
س: ما المقصود في سنة أخرى في المدينة؟
ج: المراد هذه السنة -حجة الوداع- يُخبر عن حجَّة الوداع، يعني سبع بدنات، إما أنها زائدة على المئة، أو من جملة الثلاثة والستين التي نحرها بيده، وأمر عليًّا أن يذبح البقية سبعة وثلاثين.
1874- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَرُوحُ أَحَدُنَا إلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا؟! قَالَ: نَعَمْ، وَسَطَعَتِ الْمَجَامِرُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1875- وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبُرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتَّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً، فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ حَلَّ، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
1876- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: فَأَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً، قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ، كَيْفَ نَجْعَلُهَا عُمْرَةً؟! قَالَ: انْظُرُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا، فَرَدُّوا عَلَيْهِ الْقَوْلَ فَغَضِبَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ غَضْبَانُ، فَرَأَتِ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: مَنْ أَغْضَبَكَ أَغْضَبَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: وَمَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا أُتَّبَعُ؟! رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
1877- وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً؟ قَالَ: بَلْ لَنَا خَاصَّةً رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ.
1878- وَعَنْ سُلَيْمِ بْنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا بِعُمْرَةٍ: "لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "كَانَتِ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ خَاصَّةً".
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدِي لَيْسَ يَثْبُتُ، وَلَا أَقُولُ بِهِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ، يَعْنِي: الْحَارِثَ بْنَ بِلَالٍ.
وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ يَرَوْنَ مَا يَرَوْنَ مِنَ الْفَسْخِ، أَيْنَ يَقَعُ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ مِنْهُمْ؟!
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً، وَهَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَشَطْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ.
قُلْتُ: وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفٌ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الكثيرة وما جاء في معناها عن النبي ﷺ كلها تدل على أنَّ الصحابة مع نبيهم ﷺ في حجَّة الوداع أحرموا بالأنساك الثلاثة، خيَّرهم النبيُّ ﷺ؛ فطائفة أحرمت بالحجِّ مفردًا، وطائفة أحرمت بالعمرة مُفردةً، وطائفة أحرموا بالعمرة والحج جميعًا ومنهم النبي ﷺ؛ فإنه أحرم بالعمرة والحج جميعًا، قال أنس: "كنا نصرخ بهم صراخًا" بالحج والعمرة، وكان منهم مَن أهدى، منهم النبي ﷺ، ومنهم مَن لم يُهدِ، فلما قدموا مكة أمرهم ﷺ أن يجعلوها عمرةً، قالوا: يا رسول الله، كيف نجعلها عمرةً وقد سمينا الحجَّ؟! قال: افعلوا ما أمرتكم به؛ وذلك لأنَّ قريشًا كانوا يعتبرون العمرة في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور، ويرون أن أشهر الحج ما فيها إلا حج، ما فيها عمرة، فأراد أن يُخالفهم، وأن يُبطل هذه العادة التي ساروا عليها واعتقدوها، فأمر النبي ﷺ أن يجعلوها عمرةً حتى يشتهر ذلك، وهذا في آخر حياته في حجة الوداع، وقد أدَّى العمرة أيضًا في أشهر الحج، في عمرة القضاء، وفي عمرة الحديبية، وفي عمرة الجعرانة، كلها في ذي القعدة خلافًا للجاهلية وما كانوا يعتقدون من أنها من أفجر الفجور، فأبطل ذلك بأفعاله ﷺ، وبقوله في حجة الوداع: اجعلوها عمرةً، فقصروا وحلّوا وجعلوها عمرةً وسمعوا وأطاعوا، إلا مَن كان معه الهدي، وقال: لولا أني معي الهدي لأحللتُ، قال: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما أهديتُ، ولجعلتُها عمرةً.
فعُلم بهذه الأحاديث الصحيحة الكثيرة أنَّ السنة لمن قدم مكة وليس معه هدي أن يجعلها عمرةً إذا كان في أشهر الحج: شوال أو ذي القعدة أو في العشر الأول من ذي الحجة، يجعلها عمرةً: يطوف ويسعى ويقصر ويحلّ، ثم يُلبي بالحج اليوم الثامن كما فعل الصحابةُ بأمره ﷺ؛ لبُّوا بالحج في اليوم الثامن، وهذا هو السنة، إلا مَن كان معه الهدي من إبلٍ أو بقرٍ أو غنمٍ، فهذا يبقى على إحرامه، ولو ذبيحة واحدة إذا ساقها من الحلِّ يبقى على إحرامه، قال سراقة: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل لأبدٍ، وفي رواية: بل لأبد الأبد، فدلَّ ذلك على أنَّ هذا سنة مستمرة، شريعة مستمرة.
وأما حديث الحارث بن بلال فهو ضعيف؛ لأنَّ الحارث لا يُحتج به، وقول أبي ذرٍّ أنه خاصٌّ هو اجتهادٌ منه، ورأي منه، وليست خاصةً بأصحاب النبي ﷺ، بل قال فيها النبيُّ: بل لأبد الأبد، والأصل في أعماله ﷺ وأقواله العموم: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فأبو ذرٍّ ظنَّ هذا واعتقد هذا، وليس الأمر كما قال، وحديث الحارث مثلما قال أحمد: لا يُحتج به، والصواب أنَّ السنة فيمَن قدم في أشهر الحجِّ أن يجعلها عمرةً، إلا مَن كان معه الهدي، وكان ابن عباس يرى هذا واجبًا، ويقول: "مَن طاف وسعى فقد حلَّ شاء أم أبى"، فعليه أن يقصر ويحلّ.
قال ابنُ القيم: وإلى ما قاله ابنُ عباس أميل، بوجوب الفسخ.
والشيخ تقي الدين يرى أنَّ هذا واجب على الصحابة، مستحبٌّ في حقِّ غيرهم، ولكن ما قاله ابن القيم وابن عباس أظهر، وقول الشيخ تقي الدين في هذا ليس بظاهرٍ، التفريق بين الصحابة وغيرهم ليس بظاهرٍ، ولا دليلَ عليه، وإنما الصواب ما قاله ابن عباس، وما مال إليه ابنُ القيم رحمه الله في أنَّ ظاهر أمره ﷺ وما أكَّد به على أصحابه الوجوب حتى تستقرَّ هذه السنة.
وذهب الجمهورُ إلى أنها مُستحبة، وقال بعضُهم: إنها خاصة بأصحاب النبي ﷺ، وأرجح الأقوال أنها ليست بخاصةٍ، بل هي عامَّة للأمة كلها كما قال أحمد رحمه الله والجمهور، وحديث الحارث لا يُحتج به، ولأبي ذرٍّ رأي خاص، وإذا بقي على إحرامه كما قال جماعةٌ من أهل العلم فالأمر فيه سعة إن شاء الله، لكن الذي ينبغي للمؤمن إذا قدم أن يحلّ: يطوف ويسعى ويُقصر؛ لأنَّ القول بالوجوب قول قوي، وظاهر السنة، والنبي غضب لما أمرهم وتوقَّف بعضُهم، فالأظهر في هذا والأقرب في هذا قول من قال بالوجوب، إلا مَن كان معه الهدي.
وأما حديث عروة بن مضرس: فهو جاء في آخر الوقت في ليلة النحر، ما يمكنه أن يتحلل؛ ولهذا أمره النبي ﷺ أن يُكمل حجَّه وقال: مَن أدرك صلاتنا هذه في مُزدلفة ووقف بعرفة قبل ذلك فقد تم حجُّه، ولم نقف على شيءٍ يدل على أنه رخَّص لأحدٍ بالبقاء على إحرامه، بل أمرهم جميعًا بالتَّحلل إلا مَن كان معه الهدي.
وفيه من الفوائد: أن المتحللين يطوفون طوافًا آخر، ويسعون سعيًا آخر لحجِّهم، الطواف الأول للعمرة، والسعي الأول للعمرة، يقصر ويحلّ، هذا الأفضل في حقِّه التقصير حتى يكون الحلق للحجِّ؛ ولهذا قال: وقصِّروا، فتكون العمرةُ كاملةً، والحجُّ كاملًا، وفي هذا إبطال عادة الجاهلية من إنكار العُمرة في أشهر الحج، وأنها من أفجر الفجور.
وقد رأى الصديقُ وعمر وعثمان : أن البقاء على الحجِّ أفضل، وهو غريب منهم ، قالوا: ليكثر الحُجَّاج والعُمَّار في جميع السنة. وخالفهم عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه، فكان يُلبي بالحجِّ والعمرة جميعًا في أشهر الحج، ويحلّ، إلا مَن كان معه الهدي، ويقول: "لا أدع سنةَ رسول الله لقول أحدٍ من الناس".
وكان ابنُ عباس يُشدد في هذا ويقول: "يُوشك .." لما قال له بعضُ الناس، لما كان يأمر بالعمرة قال له بعضُ الناس: كيف تأمر بالعمرة وقد قال الصديقُ وعمر؟! قال: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!" فإذا كان هذا في حقِّ مَن يُعارض بقول أبي بكر وعمر، فكيف بمَن يُعارض بقول فلانٍ وفلانٍ ممن هو دونهم بمراتب؟!
فالسنة لا معارضَ لها، يجب الأخذ بها، والاعتماد عليها؛ لأنها هي الوحي الذي أمر الله الأمة أن تأخذ به: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، والصديق وعمر اجتهدا، وتابعهما عثمان؛ ليكثر الحُجَّاج والعُمَّار، والله يغفر لهم، ويرضى عنهم، ولكن مع اجتهادهم ما أنكروا على مَن قرن بين الحجِّ والعمرة، ما أنكروا عليه، فإن الصبيغ بن معبد التَّغلبي لما أحرم بالحجِّ والعمرة وأنكر عليه سلمانُ بن ربيعة وزيد بن صوحان قدم المدينة وأتى عمر فقال له: "هُديتَ لسنة نبيك"، بيَّن عمر أنَّ الإحرام بالحج والعمرة سنة النبي ﷺ، ولكنهما رأيا إفراد الحجِّ اجتهادًا منهما؛ ليكثر العُمَّار في رمضان وفي رجب وفي غيرهما من بقية السنة؛ حتى تكون مكة والحرم مطروقين في جميع السنة، هذا اجتهاد منهما، ولكن السنة مُقدَّمة على رأيهما، وعلى رأي غيرهما رضي الله عنهما وأرضاهما، وعلى رأي مَن تابعهما كعثمان ، فهم اجتهدوا ولهم أجرهم في اجتهادهم، ولكن السنة مع مَن رأى العمرة في أشهر الحجِّ، وأن مَن أحرم بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعًا أنه يفسخ ....... كما قال عليٌّ وابن عباس ومَن تابعهما من أهل العلم والإيمان.
وفَّق الله الجميع.
س: مَن قال أنها خاصَّة بالصحابة يعني على سبيل الإيجاب؟
ج: كأن قصد أبي ذرّ هذا.
س: على سبيل الإيجاب، ومَن عداهم على سبيل الاستحباب؟
ج: ولو، يحمل هذا، له محمل حسن، وأظن الشيخ تقي الدين مال إلى هذا، يعني كأنه رأى حمل أبي ذرٍّ على هذا، وأن الإيجاب خاصٌّ بهم، والاستحباب لغيرهم، لكن ما يظهر لي فيه دليل واضح.
س: قوله: "ولم أحلل" يعني فيها الوجهان؟
ج: نعم، يقال: "حلَّ وأحلّ" لغتان بالثلاثي والرباعي.
س: كذلك يُحلل؟
ج: نعم.
س: ما يكون قول أبي ذرٍّ أنه خاصٌّ بالصحابة من التَّشريع، والتشريع لا يُقال بالرأي؟
ج: لا، هذا اجتهاده، قد يجتهد أبو ذرٍّ كما اجتهد الصديقُ وعمر.
س: متى يقال أنَّ هذا حكمه حكم الرفع، وأن هذا موقوف من اجتهاد الصَّحابي؟
ج: إذا لم يُعارض ما هو أقوى منه، فهذا عارضته الأحاديث الصَّحيحة.
س: التعليل للخلفاء الثلاثة هل رُوي عنهم أو هو اجتهاد أهل العلم؟
ج: غالب ظني أنه رُوي عن عمر أنه صرَّح بهذا: ليكثر الحجَّاج والعُمَّار.
س: قوله في الحديث: "ولا نرى إلا أنه الحج"، نَرى: بالفتح، يعني: نعلم، أو نُرى؟
ج: نَرى نعلم، ونُرى نظن.
س: ما هو بالأقرب أنَّهم لا يعلمون إلا هذا؟
ج: هو الأقرب على عادة الجاهلية.
س: ما يعرفون العمرة؟
ج: هذه عادة الجاهلية.
س: الكبشان أُضحية أم هدي؟
ج: أضحية، كان يُضحي بكبشين في المدينة، وضحَّى بهما في مكة.
س: فهذا يدل على أن الحاج يجوز له الجمع ..؟
ج: نعم، الهدي واجب، والضحية سنة.
س: الرد على مَن قال أن المُسافر لا أضحية عليه؟
ج: هذا قول لا وجهَ له.
س: الكبشان ذبحهما في المدينة أو في مكة؟
ج: في مكة، في منى، وفي المدينة .......
س: قول ابن عمر: أن النبي لبَّى بالحجِّ مُفردًا في "صحيح مسلم"؟
ج: هذا قالت عائشة وجماعة أنه غلط، خفي عليهم أو نسوا، وصرحت الأحاديث الصحيحة أنه لبَّى بهما جميعًا في "الصحيحين" من حديث ابن عمر، ومن حديث أنس، وغيرهما، الأحاديث الثابتة كثيرة أنه قرن بينهما ﷺ.
س: بالنسبة للأضحية إذا كان أهله في الرياض وهو حجَّ وحده يُضحِّي في مكة أم في الرياض؟
ج: مُخيَّر: إن شاء ضحَّى بمكة، وإن شاء ضحَّى بالرياض، وقد يكون عند أهله أولى؛ لأنهم أحوج إليه، الناس في منًى عندهم لحم كثير، ولكن في بلاده وعند أهله أولى.
أبواب ما يجتنبه المُحرم وما يُباح له
بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ
1879- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ، وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ. وَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى فِي الْمَسْجِدِ: مَاذَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟
1880- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَنْهَى النِّسَاءَ فِي الْإِحْرَامِ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ، وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَزَادَ: "وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ: مُعَصْفَرًا، أَوْ خَزًّا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ قَمِيصًا".
1881- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1882- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ أَخْبَرَهُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا وَوَجَدَ سَرَاوِيلَ فَلْيَلْبَسْهَا، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ فَلْيَلْبَسْهُمَا، قُلْتُ: وَلَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا؟ قَالَ: لَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهَذَا بِظَاهِرِهِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: يَقْطَع الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِعَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا سَبَقَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ.
1883- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1884- وَعَنْ سَالِمٍ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ -يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ- كَانَ يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ حَدِيثَ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ قَدْ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
ذكر المؤلفُ رحمه الله ما ورد فيما يلبس المحرمُ، وما يمنع منه المحرم، هذه الأحاديث كلها تدل على أن المحرم يمنع من اللباس إذا كان ذكرًا من المخيط خاصةً؛ لأنَّ الإحرام له حالة من التَّقشف وإظهار الانكسار بين يدي الله، وتذكر الآخرة، والوقوف بين يدي الله، فله لباس خاص، ومن ذلك كشف الرأس، وموقف الناس في الحج يُشبه موقف يوم القيامة، ويُذكر بموقف يوم القيامة، يأتي الناس بزيٍّ واحدٍ، كاشفي الرؤوس، ليس عليهم قمص، فهو موقف عظيم يُذكر بالموقف يوم القيامة.
فالمحرم لا يلبس قميصًا، القميص هو ما يُجعل على قدر البدن، ولا العمامة: ما يُوضع على الرأس، ولا الخفاف، ولا السراويلات، ولا البرانس، البرانس: ثياب تأتي من المغرب لها رؤوس متَّصلة بأصل القميص، كل هذا لا يلبسه المحرم الذكر، والخفاف يقطعها أسفل من الكعبين؛ حتى تبدو الكعبان، هكذا خطب النبيُّ ﷺ في المدينة.
ولا يلبس أيضًا شيئًا مسَّه الزعفران أو الورس؛ لأن الزعفران طيب، والورس كذلك، ثم له صورة أيضًا، فلا يلبس المحرم شيئًا مسَّه زعفران ولا ورس، لكن يتطيب في بطنه، يتطيب بالطيب الذي له صفة: كالورد والعود وأشباه ذلك، أما ما كان خلوقًا مثل الزعفران وما ينضم إليه من أنواع الطيب فهذه لا يفعلها المحرم؛ ولهذا لما فعلها الأعرابيُّ أمره النبيُّ أن يغسل عنه الخلوق، ويخلع الجبَّة، ويلبس الإزار والرداء، هذا هو واجب المحرم، إذا كان ذكرًا يكون إزار ورداء، إلا إذا عدم الإزار يلبس السراويل، وإذا عدم النَّعلين يلبس الخفَّين.
وأما المرأة فإنها تلبس السراويل، وتلبس القميص، وتلبس الخفاف؛ لأنها عورة؛ ولهذا لما كان عبدالله بن عمر يأمر المرأة أن تقطع أخذًا بالعموم أخبرته صفيةُ عن عائشةَ: أن النبي أذن للمرأة بلبس الخفين؛ لأنها عورة.
واختلف العلماء في القطع: هل هو منسوخ أو محكم؟
فذهب قومٌ إلى أنه محكم، وأنه يقطع، إذا لم يجد نعلًا قطع الخفين.
وذهب آخرون إلى أنه منسوخ؛ لأنه ﷺ لما خطب الناس في عرفات لم يأمرهم بالقطع، وعرفات هي المجمع العظيم الذي لم يحضره المدينة، ولم يحضر خطبة المدينة، فدلَّ ذلك على أن القطع إما مندوب فقط، وإما منسوخ، والأقرب النسخ؛ لأنه لو كان واجبًا أو مشروعًا لبيَّنه لأهل الموقف في عرفات؛ ولأنَّ فيه نوع إفسادٍ للخفِّ، ومن كمال الشريعة الإصلاح وعدم إفساد المال، هذا هو المعروف من الشريعة، فالقطع فيه شيء من إفساد الخفِّ، فقد يخرق، وقد يتأثر، فمن رحمة الله أن نسخ ذلك كما نسخ عن هذه الأمة الآصار والأغلال، وجعل شريعة محمدٍ شريعة فيها الرخاء والتيسير والتَّسهيل رحمةً منه لعباده .
وفيه من الفوائد: أنَّ المحرم إذا لم يجد الإزار يلبس السراويل، وليس يقطع السراويل، بل يلبسها على حالها، وهذا مما يُؤيد أنَّ قطع الخفِّ منسوخ؛ حتى يكون الخفُّ والسراويل بديلين للإزار والنَّعلين على حالهما.
س: مَن قال أنَّ القطع للاستحباب يلزم عليه الإفساد على القول بالاستحباب؟
ج: القول بالاستحباب يُغتفر في جنب المصلحة، يعني هذا القطع لمفسدةٍ قليلةٍ.
س: ............؟
ج: إذا لم يجد نعلًا نعم.
س: ...........؟
ج: لا، النَّعل أولى من المقطوع، والمقطوع جائز، لكن النَّعل هي الأصل، والمقطوع مثل النَّعل، إذا كان خفًّا قصيرًا تحت الكعبين فهو مثل النَّعل.
س: ...........؟
ج: القفازين كذلك لا بأس بهما في حقِّ المرأة في غير الإحرام، أما في الإحرام لا، لا تلبس القفازين، ولا تنتقب، والنقاب هو أن تلبس شيئًا على وجهها ينقب فيه العينين أو إحداهما، فالمرأة في حال الإحرام تُنهى عن ذلك، ولكن تُغطي وجهها بغير ذلك كما ذكرت عائشةُ: كان إذا دنا منها الركبان سدلت المرأةُ جلبابها على وجهها. وهكذا جاء عن أسماء بنت أبي بكر -أخت عائشة- أيضًا، فهذا يقوم مقام النِّقاب، فالنِّقاب شيء يُصنع للوجه، كما يُصنع الخفُّ للرجل، فلا تلبس المرأة النِّقاب ولا الخفّ ولا القفاز، القفازان لليدين، والنقاب للوجه، تُمنع منهما المحرمة، وتُغطي يديها بغير ذلك: كالعباءة أو غيرها، وتُغطي وجهها بغير النِّقاب: كالخمار ونحوه.
س: وكذلك الخفّ؟
ج: المرأة مأذون لها بلبس الخفِّ، ما هي ممنوعة، المنع للرجل.
س: بالنسبة للطيب عند الإحرام هل يُجنبه الإحرام؟
ج: نعم، يكون الطيبُ في البدن.
بَابُ مَا يَصْنَعُ مَنْ أَحْرَمَ فِي قَمِيصٍ
1885- عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا؟ فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ، فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي الْعُمْرَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ: وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِالْخَلُوقِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ.
وظاهره أنَّ اللبس جهلًا لا يُوجب الفدية، وقد احتجَّ به مَن منع من استدامة الطيب، وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكونه لكراهة التَّزعفر للرجل، لا لكونه مُحرمًا.
الشيخ: وهذا يدل على أنَّ الخلوق الذي يكون في البدن يُغسل، أو في الثوب، الخلوق: طيب مخلوط يكون فيه زعفران ويُضم إليه غيره، كما قال في "النهاية": الخلوق: طيب له لون من الزعفران ونحوه، يكون له صبغة، وله أثر؛ ولهذا أمره بغسله، بخلاف الطيب الذي لا صورةَ له، إنما له الرائحة، طيب المحرم.
والجبَّة كذلك لا يلبسها المحرم، وإنما يلبس الإزار والرداء، ولم يأمره بالفدية لأنه جاهل، فدلَّ ذلك على أنَّ الجاهل لو لبس المخيط أو تطيَّب فلا شيء عليه من أجل الجهل، ويُعَلَّم؛ لأنَّ الرسول لم يأمر بفديةٍ، وإنما بغسل الخلوق ونزع الجبة، وقال: اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجَّتك، يعني: يطوف ويسعى ويقصر كما يفعل في الحج.
س: قوله: وقد احتجَّ به مَن منع من استدامة الطيب، وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكونه لكراهة التزعفر للرجل؟
ج: نعم، لا لأجل الطيب، النبي تطيَّب عند الإحرام، طيَّبته عائشةُ عند الإحرام، وهو لم يمنع غسل الخلوق لأجل الطيب، بل لأنَّ له صورةً؛ لأنَّ له صفةَ الخلوق، شيء يُعمل من أنواع الطيب له صورة من زعفران يُضم إليه غيره، بخلاف الطيب الذي طيَّبته منه عائشة، طيَّبته بالمسك، وهكذا مثل: الورد، ومثل: العود، وأشباهها مما لا صورةَ له، ولا يُضم إليه شيء، ويكون في البدن، لا في الثياب.
س: احتجاج مَن احتجَّ به من منع استدامة الطِّيب؟
ج: لا حجَّة له في ذلك، النبي ﷺ استدام الطيب، وكان يُوضع على مفارقه ﷺ وهو محرم، وإنما أمر بغسله لأنَّ له صفةً، له لونًا؛ ولهذا أمر بغسل الخلوق الذي عليه، أما جنس الطيب فهو مأمورٌ به المحرم، سنة في حقِّ المحرم أن يتطيَّب عند إحرامه، كما تطيَّب النبيُّ عند إحرامه بأنواع الطيب التي ليس لها صورة من الورد والمسك وغيرها.
س: كأن التعليل الذي بعده يقول: وقد احتجَّ به مَن لا يمنع استدامة الطيب، وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكونه لكراهة التَّزعفر؟
ج: لا حجَّة له في ذلك، بعض الناس، ابن عمر كان لا يتطيب، ولا يمسّ الطيب، فلا حجَّة فيه، فالمحرم يتطيب ويستديم الطيب كما فعله النبيُّ ﷺ، والحديث هذا لا حجَّة فيه؛ لأنه إنما أمره بغسله لأنه خلوق له لون وله صورة، فلهذا أمره بإزالته.
س: ما يكون التعليل قوله: "وإنما وجهه" يُؤيد أنَّ المراد: وقد احتجَّ به مَن لا يمنع استدامة الطيب؟
ج: نعم.
س: مَن وقع على ثوبه طيب ولم يعلم؟
ج: ما يضرُّه، وإن عرف مكانه له لون أزاله، وإن كان ما عرف مكانه فالحمد لله، النبي قال: لا تلبس شيئًا مسَّه الزعفران أو الورس، الشيء له لون.
س: ...........؟
ج: ما يضرُّ، لا يُسمَّى: طيبًا، لكن إذا تركه المحرم، الصابون الممسك إذا تركه لا بأس، وإلا هو ما يُسمَّى: طيبًا، الذي يغسل بالصابون ما يقول: تطيَّب، والليمون ليس بطيبٍ، والأترج ليس بطيبٍ.
س: بعض الناس في أيام التَّشريق في أيام منى يذهبون في النَّهار إلى جدة أو إلى الطائف، فإذا جاء الليل يأتون للمبيت، فهل يجوز فعلهم هذا؟
ج: تركه أفضل، تركه أحوط؛ لأنَّ النبي ﷺ أقام في منى، تركه أحوط، والواجب المبيت، أما إذا خرج من منى لحاجات لا بأس، لكن كونه يُقيم في منى كما أقام النبيُّ ﷺ والصحابة يكون هذا هو الأفضل.
س: ليس عليهم شيء؟
ج: ما عليهم شيء لا.
س: .......... العطورات الحديثة هل فيها كحول؟
ج: الطيب مطلوب بجميع أنواع الطيب، إلا إذا عرف أنَّ نوعًا منها يُسكر، فما أسكر كثيره فقليله حرام، مثل: الكالونيا مسكرة لا تُستعمل؛ لأنَّ فيها ما يحصل به الإسكار، فيجتنبها، وهكذا لو وجد طيبًا آخر فيه ما يُسكر يمنع، أما الطيب السليم فالسنة التَّطيب، وهو مشروع، وكان يُحب الطيبَ عليه الصلاة والسلام، ويتطيب، ومشروع للمؤمن أن يتطيَّب.
س: ما يخلو من نسبةٍ ولو قليلة من الكحول؟
ج: ما أسكر كثيره فقليله حرام، إذا كان يُسكر كثيره فهذا الممنوع، أما إذا كان لا يُسكر فلا يُمنع.
باب تَظَلُّلِ الْمُحْرِمِ مِنَ الْحَرِّ أَوْ غَيْرِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ
1886- عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُ أُسَامَةَ وَبِلَالًا وَأَحَدُهُمَا آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ يَسْتُرُهُ مِنَ الْحَرِّ، حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ، أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ، وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ يُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْسِ. رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
1887- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.
ذكر المؤلفُ هنا رحمه الله أحاديث بأنَّ النبي ﷺ رمى الجمرة وقد أظلَّه بلالٌ بالثوب أو أسامة، وحديث الذي وقصته راحلتُه، فهذا يدل على أنه لا حرج في أن يستظلَّ الإنسانُ وهو مُحْرِمٌ بالشجر أو بالخيمة أو بالشمسية التي تُرفع على الرأس كالثوب، إنما الممنوع أن يضع على رأسه شيئًا يُلاصق الرأس: كالطاقية والعمامة، أما شيء مرفوع كالخيمة والشجرة والشمسية فلا حرج في ذلك، فإن الشمسية مثل الثوب.
وفيه أنه جاء في الرواية الأخرى: أنه وقف بين الجمرات يسأله الناس عن أحكام دينهم، فهذا يقول: نحرتُ قبل أن أطوف، فقال: لا حرج، وهذا يقول: ...... قبل أن أرمي، فيقول: لا حرج، وهذا يقول: حلقتُ قبل أن أذبح، فيقول: لا حرج، ثم قال: فما سُئل عن شيءٍ قُدِّم إلا قال: لا حرج، كما يأتي إن شاء الله.
وفي حديث ابن عباسٍ: أن رجلًا وقصته راحلتُه، فقال النبيُّ ﷺ: اغسلوه بماءٍ وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تُخمِّروا رأسه ولا وجهه، هذا يدل على أنه إذا مات في الإحرام قبل أن يحلَّ فإنه يُكفن في ثوبيه -يعني: إزاره ورداءه- ولا يُخمَّر رأسه، ولا يلبس القميص، فإنه بقي على إحرامه؛ ولهذا قال: فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبِّيًا يعني: مُحْرِمًا، ولا يُطيَّب، ومعنى قوله: لا تُحَنِّطوه يعني الطيب، ولا تُخَمِّروا رأسه ولا وجهه هكذا في "صحيح مسلم"، والحديث أصله متَّفق عليه، وفي لفظٍ: ولا تُخَمِّروا رأسه، زاد مسلم: ولا وجهه، فهذا يدل على أنه بقي على إحرامه، وأنه لا يُطيَّب، ولا يُخَمَّر رأسه ولا وجهه، ولا يُلبَس القميص، بل يُكفَّن في ثوبيه –يعني: إزاره ورداءه- ويُغسل بالماء والسدر، هذا حكم مَن مات قبل التَّحلل الأول.
س: هذا دليلٌ على أنه ما يُكْمَل عنه الحجّ؟
ج: ولا يُكمل عنه، دليل على أنه لا يُكمل عنه، حجُّه تام؛ ولهذا لم يأمر النبيُّ أن يُكملوا عنه ﷺ.
س: ما يُفرق بين الذي وقف بعرفة فلا يُكمل عنه؛ لأنَّ الحجَّ عرفة، ومَن مات قبلها؟
ج: عام، الحديث عام، هذا وقف بعرفة قد أدَّى الركن.