بَابُ مَا جَاءَ فِي اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمَا يُقَالُ حِينَئِذٍ
1953- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَأْتِي هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، وَيَشْهَدُ لِمَن اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
1954- وَعَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ وَيَقُولُ: "إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
1955- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَسُئِلَ عَنِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَقَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْتَلِمُهُ ويُقَبِّلُهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
1956- وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ: "مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1957- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "طَافَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: "طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.
1958- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
1959- وَعَنْ عُمَرَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، إنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على شرعية استلام الحجر الأسود وتقبيله إذا تيسر ذلك، فإنه يتسلمه بيده اليمنى ويُقبله، فإذا لم يتيسر استلمه بيده وقبَّل يده، أو استلمه بعودٍ وقبَّل طرف العود، فإذا لم يتيسر أشار إليه وكبَّر، هذه السنة، ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يستلمه بيده ويُقبله، وهذه أكملها عند القُدرة، ويقول: الله أكبر.
الثانية: أن يستلمه بيده ولا يُقبله عند الزحمة، أو يستلمه بعودٍ أو بعصا ويُقبِّل يده أو طرف العود الذي مسَّ الحجر.
الحالة الثالثة: لا يستطيع لا هذا ولا هذا؛ لا التقبيل، ولا استلام باليد، ولا بالعصا، كما فعل النبي ﷺ عندما طاف وهو راكبٌ أشار إليه، فيُشير ويركب هكذا، يشير بيده: الله أكبر، ويمشي، ويكفي مرة واحدة: الله أكبر، ويمشي.
وفي هذا أنه طاف على بعيرٍ، وهذا في طواف الإفاضة أو طواف الوداع؛ لأنه في طواف القدوم طاف على رجليه، ويحتمل أنه في آخر الطواف لما كثر عليه الناس، كثروا عليه فركب.
المقصود أنَّ السنة أن يطوف ماشيًا، إلا إذا احتاج إلى ذلك: كالمريض والعاجز يطوف راكبًا على بعيرٍ، على عربة، أو على رؤوس الرجال، لا بأس، وإلا فالسنة أن يطوف ماشيًا كما طاف النبيُّ ﷺ.
وفيه من الفوائد: قول عمر لما قبَّل الحجر: "إني أعلم أنَّك حجر لا تضر ولا تنفع، ولكني أُقبلك لأني رأيتُ النبيَّ يُقبلك"، يُبين أنَّ الحجر ليس معبودًا، ولا يُقبَّل لأجل طلب البركة منه، وإنما يُقبَّل تأسيًا بالنبي ﷺ، لا لأنه ينفعنا أو يضرُّنا، لكن يشهد لمن استلمه بحقٍّ كما تقدم في الحديث، والضر والنفع بيد الله جلَّ وعلا، ولكن المؤمنين يتأسّون بطوافهم وبمسِّهم الحجر وتقبيله واستلامه، كل هذا للتأسي، حتى الكعبة نفسها الطواف بها ليس لأنها تضرُّ أو تنفع، لا، بل نطوف بها تأسيًا بالنبي ﷺ، وعملًا بقول الله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29].
المقصود أنَّ الكعبة والحجر وجميع المخلوقات لا ينفعون ولا يضرون، فالنافع والضَّار هو الله، وبيده الضر والنفع، والعطاء والمنع، وهو المعبود بالحق ، وإنما العباد عليهم أن يعملوا ما شرع الله، وأن يفعلوا ما أوجب الله عليهم، وأن يتأسوا بنبيهم ﷺ في جميع الأمور: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]؛ ولهذا لما قال عمر: "فيمَ الرَّملان وقد أطأ الله الإسلام وأزال الكفر وأهله؟" يعني: فيم الرملان؟ وفيم الكشف؟ لماذا نكشف عن المناكب؟ ثم قال: "لا ندع سنة نبينا"، وإن كان الخوف قد زال وفتح الله على المسلمين، لكن لا ندع السنة، فرمل وكشف العضد، يعني: اضطبع تأسيًا بالنبي ﷺ، فالسنة باقية؛ ولهذا رمل ﷺ في حجة الوداع بعدما أقرَّ الله له العين بإزالة الشرك وأهله، وفتح البلاد على المسلمين، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، بقيت هذه السنة.
س: قوله: فاستقبله وهلِّل وكبِّر؟
ج: أما قوله لعمر: إنَّك رجلٌ قوي فلا تُزاحم عند الحجر فهو حديث ضعيف، في إسناده شيخ مجهول، ولكن معناه صحيح، معناه: أن السنة أن لا يُزاحم ولا يُؤذي الناس، إن وجد فجوةً استلم، وإن لم يجد فجوةً أشار له إشارةً، لا يُزاحم ولا يُؤذي الناس، ولا سيما أن بعض الناس قد يكون قويًّا فيُؤذي، فالسنة أن يُشير ويمشي ولا يُؤذي أحدًا ولا يُزاحم.
وهذا الحديث يُؤيد ذلك وإن كان ضعيفًا، لكن يُؤيد المعنى، والسنة أن النبي كان يقول: الله أكبر.
س: زيادة: وهلِّل وكبِّر؟
ج: هذا حديث ضعيف، المعروف عن النبي ﷺ أنه كان يُكبِّر.
س: الصحابي عامر بن واثلة؟
ج: واثلة بالثاء، هذا آخر الصحابة موتًا، أبو الطفيل هذا عامر بن واثلة هو آخر الصحابة موتًا، مات سنة عشر ومئة.
س: ............؟
ج: هذا من التيسير، عدم المزاحمة من التيسير.
س: ...........؟
ج: السنة أن يطوف ماشيًا، الركوب فيه خلاف إلا لعذرٍ شرعيٍّ.
س: يستقبل الحجر بكل ......؟
ج: يُقابله، يستقبل الحجر ويستلمه إذا تيسر، وإن أعطاه جنبه واستلمه ما في شيء، الأمر واسع.
س: ...............؟
ج: كان يفعله ابنُ عمر : بسم الله، والله أكبر، الأمر واسع، ما أعرف شيئًا صحيحًا ثابتًا، إنما هو من فعل ابن عمر.
س: في كل الأشواط أو في الأول؟
ج: في جميع الأشواط، أولها وآخرها، حتى الشوط الأخير، كلما حاذى يُكبر ثم ينتهي.
س: السجود على الحجر ورد في هذا شيء؟
ج: السجود على الحجر ورد في بعض الأحاديث، لا بأس به، فيه مرفوع وموقوف على ابن عباسٍ، ولكن الأحاديث الثابتة فيها التَّقبيل، يكفي التَّقبيل.
س: التَّسمية في الشوط الأول من فعل ابن عمر؟
ج: نعم، كان يفعله ابنُ عمر، والظاهر أنه يفعله عند كل شوطٍ، وأما الأحاديث الثابتة فيها التَّكبير.
بَابُ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مَعَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ دُونَ الْآخَرَيْنِ
1960- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ يَحُطُّ الْخَطَايَا حَطًّا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
1961- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "لَمْ أَرَ النَّبِيَّ ﷺ يَمَسُّ مِن الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، لَكِنْ لَهُ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
1962- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ فِي كُلِّ طَوَافِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1963- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَيَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ". رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
1964- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ قَبَّلَهُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".
الشيخ: هذه الأحاديث فيها الدلالة على شرعية الطواف، وأنه من أسباب تكفير الخطايا، وأن الطائف يُستحب له أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، وكان لا يستلم إلا الركنين اليماني والأسود فقط، وهذا السنة في جميع الأطواف، في القدوم وغير القدوم، أما الرمل فهو في طواف القدوم في الثلاثة الأشواط الأول، في طواف القدوم في العمرة والحج، أما الاستلام فيستلمهما في جميع الطواف إذا تيسر من دون مُزاحمةٍ ولا مشقَّةٍ.
وفي فضل الطواف أنه من أسباب حطِّ الخطايا، والحديث في سنده عطاء بن السائب، وهو قد اختلط، فإنه ينظر في سنده، ولم يتيسر لي مراجعته لبعض المشاغل، فإن كان الراوي عنه ممن سمع منه قبل الاختلاط فيكون الحديث جيدًا في فضل الطواف، وإن كان من رواية من سمعهم بعد الاختلاط فيكون ضعيفًا، وقد سمع جماعة بعد الاختلاط، سمع السّفيانان، وشعبة، وحماد بن زيد، وجماعة، فإذا روى مَن سمع منه قبل الاختلاط فهو ثقة.
أما ما ورد من تقبيل الركن اليماني فهو ضعيف، وإنما المحفوظ الاستلام فقط والتكبير، أما تقبيله فهو ضعيف ليس بثابتٍ عن النبي ﷺ، وإنما التقبيل للحجر الأسود خاصةً.
بَابُ الطَّائِفِ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَيَخْرُجُ فِي طَوَافِهِ عَنِ الْحِجْرِ
1965- عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَتَى الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
1966- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الْحِجْرِ: أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟! قَالَ: إنَّ قَوْمَكِ قَصرَتْ بِهِم النَّفَقَةُ، قَالَتْ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْحِجْرَ فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالتَ: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، فَقَالَ لِي: صَلِّي فِي الْحِجْرِ إذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ، وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوا حِينَ بَنَوا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وفيه إثبات التَّنفل في الكعبة.
الشيخ: وهذه الأحاديث فيها دلالة على أنَّ الحجر من البيت، وأن الصلاة فيه كصلاةٍ في البيت؛ ولهذا قال لعائشة: صلِّي في الحجر؛ فإنه من البيت، دلَّ ذلك على أنَّ الصلاة فيه لا بأس بها، والنبي صلى فيه ركعتين ﷺ يوم الفتح، ولم يُحفظ أنه دخل الكعبة إلا يوم الفتح، لم يدخلها في عمرة القضاء، ولا في حجة الوداع، وإنما دخلها عام الفتح صلَّى فيها ركعتين، وأزال ما فيها من الصور، سألته عائشةُ رضي الله عنها: ما باله مخرج من البيت؟ قال النبي: قصرت بهم النَّفقة.
وكانوا قد جمعوا للنَّفقة مالًا طيبًا، كانت قريش قد جمعت أموالًا طيبةً لتعمير البيت قبل النبوة بخمس سنين، كان النبيُّ ﷺ عمره خمسًا وثلاثين حين التَّعمير، قبل أن يُوحى إليه بخمس سنين، جمعوا مالًا طيبًا ليس فيه خمر، وليس فيه من فروج الزنا، ولا من غير ذلك من الأكساب الخبيثة، فلم يفِ بالمطلوب، وقصرت بهم النَّفقة؛ فأخرجوا الحجر من البيت.
قال عليه الصلاة والسلام: لولا أن قومكِ حديثُ عهدٍ بكفرٍ لنقضت الكعبةَ، وجعلتُ لها بابين، وأدخلتُ الحجر فيها، وألصقت بابها بالأرض، سألته عائشة: لماذا رفعوا الباب؟ قال: ليُدْخِلوا مَن شاءوا، ويمنعوا مَن شاءوا.
وفي هذا من الفوائد: أنَّ على ولي الأمر مُراعاة المصالح العامَّة فيما يأتي وفيما يذر، فإذا كان بعض الأعمال التي تُستحب قد تترتب عليها فتنة تُترك؛ ولهذا ترك هدم الكعبة وجعلها على قواعد إبراهيم؛ خوفًا من الفتنة، وكان لا يستلم إلا الركنين اليمانيين؛ لأنَّ الركنين الآخرين ليسا على قواعد إبراهيم في نفس البيت، كان يطوف من وراء الحِجْر، فواجب على الطائف أن يطوف من وراء الحجر؛ لأنَّ الحجر من البيت، معظمه من البيت، وهو سبعة أذرع عند المنحنى، فالطائف يطوف خارج الحجر؛ حتى يطوف بالبيت كله.
س: إذا لم يتيسر استلامه للركن اليماني هل يُشير إليه؟
ج: يشير إلى الحجر الأسود فقط، ما ثبت عنه ﷺ إلى اليماني، اليماني ما يُشير إليه، إن تيسر استلمه وإلا مشى، ما ثبتت عن النبي الإشارة إلا عند الحجر الأسود.
س: هل يُكبر في الركن اليماني؟
ج: يُكبر إذا استلمه، وإذا ما استلمه يمشي، ورد عند الطبراني بسندٍ جيدٍ: أنه كان إذا استلم الركن اليماني قال: بسم الله، والله أكبر.
بَابُ الطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ لِلطَّوَافِ
1967- فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
1968- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "إنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
1969- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّعْيِ مَعَ الْحَدَثِ.
1970- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا نَذْكُرُ إلَّا الْحَجَّ، حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا لَكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطَهَّرِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على أنه لا بدَّ من الطهارة والستر في الطواف كالصلاة، فلا يطوف إلا مستورًا وطاهرًا؛ لقوله ﷺ: لا يطوف بالبيت عريان، وكانت قريش وغيرهم يطوفون عُراة إلا مَن كان عنده ثوب من الحمس، فنهى النبيُّ عن ذلك قال: لا يطوف بالبيت عريان.
وكذلك لما قدم وأراد الطواف توضَّأ، تقول عائشةُ رضي الله عنها في المتفق عليه: أنه توضأ ثم طاف، فدلَّ على أنه يتوضأ للصلاة، وثبت عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: "الطوف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام"، وهو في حكم المرفوع.
فالواجب على مَن أراد الطواف أن يطوف وهو على طهارةٍ وعلى سترٍ للعورة، الرجل والمرأة جميعًا، ويكون البيت عن يساره، يطوف ويجعل البيت عن يساره، كما فعل النبيُّ ﷺ، حتى يُكمل سبعة أشواط، يُكبِّر عند نهاية كل شوطٍ، يبدأ بالتكبير، وينتهي بالتكبير عند الحجر الأسود، يبدأ بالتكبير وتكون نهايته التكبير عند الحجر الأسود، خاتمة الطواف، ويستلم الركنين في الطواف كله إذا تيسر ذلك من دون مُزاحمةٍ.
ويأتي في الطواف ما يسَّر الله من الذكر والدعاء، ليس فيه ذكر مخصوص، يذكر الله ويدعو بما تيسر، إلا أنه يُستحب أن يقول بين الركنين: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، كان النبيُّ يقول هذه الدَّعوة بين الركنين: بين الركن اليماني والحجر الأسود، في آخر كل شوطٍ، ويدعو لنفسه، ويدعو لوالديه، ويدعو للمسلمين، الأمر واسع، في هذا يقول ﷺ: إنما جُعل الطوافُ بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله يعني: شُرعت لذكر الله: للتسبيح والتهليل والتحميد والدعاء في هذا الطواف.
وفيه دلالة على أنَّ السعي لا تُشترط فيه الطَّهارة؛ ولهذا منع الحائض من الطواف حتى تطهر، ولم يقل السعي، فدلَّ على أنها إذا طهرت تطوف وتسعى، فلو أنها حاضت بعد الطواف كملت، فتسعى ولا حرج عليها، فليس من شرط السعي الطَّهارة، ولكنه من شرط الطواف.
بَابُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الطَّوَافِ
1971- عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحِجْرِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ.
1972- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: وُكِّلَ بِهِ -يَعْنِي: الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ- سَبْعُونَ مَلَكًا، فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قَالُوا: آمِين.
1973- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ، مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَرُفِعَ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ.
1974- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَفْظُهُ: إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
الشيخ: هذه الأحاديث في سندها نظر، إلا الحديث الأخير: إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله فهذا سنده لا بأس به.
والمقصود بكل حالٍ أن الطواف يُشرع فيه للمؤمن أن يذكر الله فيه ويدعو كما فعل النبيُّ ﷺ، العمدة على فعله ﷺ، أما الأحاديث التي قبله ففيها مقال وضعف إلا حديث: إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله هذا لا بأس بسنده، جيد، والعادة من أهل العلم أنهم يتساهلون في أحاديث الفضائل ويذكرونها وإن كان فيها ضعفٌ، لكن المؤمن يجتهد في الدعاء وذكر الله جلَّ وعلا، ويرجو من ربِّه أن الله يُجيب دعوته ويُعتقهم من النار، ولا يعتمد على الأحاديث الضعيفة، بل يعتمد على فضل الله وجوده، وأنه الرحمن الرحيم، الجواد الكريم، ويجتهد في الطواف، وفي الصلاة، وفي جميع العبادات، ويتقرب إلى الله ويريد فضله وإحسانه ، وإقامة ذكر الله فيه خير عظيم، وفضل كبير، وأجر عظيم.
والمؤلف رحمه الله على طريقة أهل العلم؛ يذكرون في كثيرٍ من المقامات الأحاديث الضعيفة؛ لأن أهل العلم ذكروا أنه لا بأس بذكرها في الفضائل.
س: لو بدا شيء من العورة مع الزحام في الطواف هل يُؤثر على الطَّواف؟
ج: الشيء القليل يُعفى عنه ...... مثل الصلاة.
س: الحائض تسعى مع دخول المسعى المسجد الحرام؟
ج: ولو، ولو، لا بأس، تسعى ولو أنها على غير طهارةٍ، إذا صار الطواف وهي طاهرة فالحمد لله تسعى، ولو أنَّ المسعى داخلٌ ما يضرُّ.
س: لو وضع يده على الحجر وهو يطوف، جدار الحجر؟
ج: هو الشاذروان، جدار الحجر ما يضرُّ، لو لمس الجدار أو اتكأ عليه ما يضرُّ، هو طاف بالبيت.
س: لو قدَّمت المرأةُ السعي على الطَّواف؟
ج: المشروع أن تبقى حتى تطوف، السعي بعد الطواف، وهو يُجزئ على الصحيح، لكن المشروع لها أن تبقى حتى تطهر ثم تطوف وتسعى.
وصحَّ عنه ﷺ أنه سئل: يا رسول الله، سعيتُ قبل أن أطوف؟ قال: لا حرج، لكن السنة أن المؤمن يطوف ثم يسعى كما فعله النبيُّ ﷺ، والحائض تبقى حتى تطهر، فإذا طهرت طافت وسعت.
س: حديث السائل ما هو خاصًّا بتقديم السعي في الحج؟
ج: الرسول لم يستفصل السائل.
س: في الطواف والسعي بعض الناس يأخذون كتيبات ويُرددونها بصوتٍ جماعي ..؟
ج: الأحسن أن الإنسان يدعو ربَّه بينه وبين نفسه، لا يُشوش على الناس، ولو معه كتاب يقرأه بينه وبين نفسه، لا يُشوش على الطائفين .......، فإذا تيسر أن يقرأ من نفسه، من كتاب، من شيء بيده، أو يقرأ ما تيسر من حفظه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، أولى من التشويش على الناس، ويكفي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا كرر هذه في الطواف هذا خير عظيم، أو دعا: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم أعتقني من النار، اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين، يدعو ولا يتكلَّف والحمد لله، ما له حاجة إلى الدَّعوات الكثيرة التي يكتبونها هم ويشغلون بها الناس في الطواف، ما تيسر يكفي من ذكر الله.
س: يكون هذا الشيء بدعةً؟
ج: الأمر واسع.
س: في حال استلام الركن اليماني والحجر الأسود فيه طيب كثير يُؤثر على الإحرام؟
ج: لا ما يُؤثر، إذا كان رطبًا لا تلمسه، وإذا لمسته وأنت لا تدري ما يضرُّك، الحمد لله الأمر واسع.
س: إذا كان الزحام شديدًا؟
ج: لا تُزاحم، لا تُزاحم، طُفْ من وراء الناس، كن بعيدًا، كلما وازيت الحجر الأسود قل: الله أكبر، ويكفي ولا تُزاحم.
س: حديث عبدالله بن السائب؟
ج: لا بأس به، نعم.
س: يلزمه إعادة الوضوء مع الزحام الشَّديد؟
ج: لماذا؟
س: أحدث.
ج: يُعيد الوضوء، سواء زحام أو ما هو بزحام يُعيد الوضوء، مثل الذي أحدث في الصلاة يُعيد الصلاة.
بَابُ الطَّوَافِ رَاكِبًا لِعُذْرٍ
1975- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَدِمَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.
1976- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "طَافَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ؛ لَأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشَوْهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
1977- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "طَافَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ النَّاسَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1978- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي، فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَنَاخَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1979- وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْنِي عَن الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا: أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ! قَالَ: "صَدَقُوا وَكَذَبُوا"، قُلْتُ: وَمَا قَوْلُكَ: "صَدَقُوا وَكَذَبُوا"؟ قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْبُيُوتِ"، قَالَ: "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرُوا عَلَيْهِ رَكِبَ، وَالْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
الشيخ: هذه الأحاديث في الطواف راكبًا، والطواف ماشيًا هو الأفضل كما طاف النبيُّ ماشيًا، إذا تيسر ذلك، فإذا لم يتيسر طاف راكبًا؛ ولهذا قال النبيُّ لأم سلمة لما اشتكت: طوفي من وراء الناس وأنتِ راكبة، فطافت من وراء الناس في حجة الوداع، والنبي يُصلي بالناس الفجر، قالت: فطفتُ من وراء الناس والنبي يُصلي بالناس الفجر، وقرأ في الصلاة بسورة الطور: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور]، فدلَّ ذلك على أنه لا بأس.
وهذا الطواف يحتمل أنه طواف الإفاضة، ويحتمل أنه طواف الوداع، المقصود أنه لا حرج بالطواف راكبًا، والسعي راكبًا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، والطواف ماشيًا أفضل إذا تيسر ذلك، وهكذا النبي ﷺ طاف راكبًا وسعى راكبًا لما غشيه الناسُ وكثروا، وكان لا يُضرب الناسُ بين يديه، ركب وطاف حتى يراه الناس ويسمعوا كلامه ويتأسّوا به عليه الصلاة والسلام، وكان طاف بعض الطواف ماشيًا؛ ولهذا ثبت عنه ﷺ أنه لم يرمل في الطواف الذي طافه في حجة الوداع -في طواف الإفاضة- لكنه في أثنائه ركب لما غشيه الناسُ، وهكذا في السعي طاف ماشيًا، فلما غشيه الناسُ ركب، وكان يمشي من الصفا إلى بطن الوادي، ثم يُهرول، ثم لما صعد من بطن الوادي مشى، وفي أثناء السَّعي ركب عليه الصلاة والسلام، وفيه دلالة على أنَّ السنة المشي، ولكن إذا دعت الحاجةُ إلى الركوب لا حرج في ذلك.
بَابُ رَكْعَتَي الطَّوَافِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَاسْتِلَامِ الرُّكْنِ بَعْدَهُمَا
رَوَاهُمَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ سَبَقَ.
1980- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ قَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقَرَأَ: فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، ثُمَّ عَادَ إلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّفَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ.
وَقِيلَ لِلزُّهْرِيِّ: إنَّ عَطَاء يَقُولُ: تُجْزِئُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَي الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ ﷺ أُسْبُوعًا إلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
الشيخ: وهذا هو السنة في الطواف، يُصلي ركعتين، والنبي ﷺ لما طاف صلَّى ركعتين قرأ فيهما بسورتي الإخلاص: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون]، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]، دلَّ على أنهما خفيفتان؛ لأنَّ المقام مقام زحامٍ، فالسنة التَّخفيف، يُصلي ركعتين خفيفتين يقرأ فيهما بعد الفاتحة بـقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؛ تأسيًا بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم إذا تيسر له أن يمرَّ بالركن قبل السعي مرَّ واستلمه إن تيسر له ذلك، ثم خرج إلى الصفا وسعى عليه الصلاة والسلام بين الصَّفا والمروة، هذا هو السنة في كل طواف، إذا كمل السبعة يُصلي ركعتين خلف المقام، وإن صلَّاهما في بقية المسجد أو في بقية الحرم فلا بأس، فإن أمَّ سلمة صلَّت ثَمَّ خارج الحرم، خارج المسجد، وهكذا عمر صلَّاهما بعد الطواف خارج الحرم، والحاصل أنَّ السنة خلف المقام، وإذا صلَّاهما في أي مكانٍ أجزأ.
س: مَن فرَّق بين السعي والطواف في الركوب، وأن السعي بعذرٍ وبدون عذرٍ، وأما الطواف؟
ج: ما أعلم، معروف أن الطواف ألصق بالبيت، وألصق بالطواف، ولكن لا تفريق بينهما.
س: إذا لم يتيسر له استلام الحجر؟
ج: يُشير ويُكبر بيده أو بعصا كما فعل النبيُّ ﷺ.
س: بعد ركعتي الطَّواف؟
ج: لا، لا، ما ورد الاستلام، الإشارة وردت في الطواف، الصواب أنه لا حرج.
س: ركعتي الطواف تُجزئ عنها الرَّاتبة.
ج: لا، سنة مستقلة؛ ولهذا قال الزهري: السنة أفضل مما قال بعضُ الناس، السنة أن يُصلي ركعتين مُستقلتين.
س: ............؟
ج: المعروف عند العلماء أنهما سنة، والقول بالوجوب قول قوي، لكن المعروف عند أهل العلم أنهما سنة؛ لقول النبي ﷺ لما سأله بعضُ الصحابة لما ذكر الصَّلوات الخمس قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع.
س: مَن ركب حال السعي والطواف من غير حاجةٍ ماذا عليه؟
ج: الطواف صحيح، والسعي صحيح؛ لأنَّ النبي طاف وهو صحيح، أما حديث ابن عباسٍ أنه اشتكى فهو ضعيف، حديث ابن عباس أنه اشتكى فركب ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد، والصواب أنه ركب لدفع المشقَّة عن الناس؛ لئلا يتأذَّوا أو يُؤذوه.
س: الشخص العادي الذي يطوف راكبًا من غير سببٍ؟
ج: يُعلَّم أن السنة الطواف ماشيًا.
وفيه من الفوائد: طهارة البعير، وأنَّ روثه طاهر، وبوله طاهر، البعير لا حرج فيه، ولكن إذا تيسر أن يطوف ماشيًا فهذا هو السنة كما طاف النبيُّ عليه الصلاة والسلام ماشيًا.
س: الدعاء عند الصَّفا والمروة: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]؟
ج: في أول شوط، أول شوط يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ كما قال النبيُّ ﷺ ثم يصعد.
بَابُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
1981- عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، يَدُورُ بِهِ إزَارُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُم السَّعْيَ.
1982- وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ﷺ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَقُولُ: كُتِبَ عَلَيْكُم السَّعْيُ، فَاسْعَوْا رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
1983- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو مَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
1984- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَافَ وَسَعَى، رَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ قَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ، وَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، فَابْدَؤوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا دَنَا مِن الصَّفَا قَرَأَ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِي عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إذَا صَعِدْنَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
الشيخ: وهذا يدل على وجوب السعي وأهمية السعي، وأنه لا بدَّ من السعي؛ لأنَّ الرسول سعى وقال: خذوا عني مناسككم، فلا بدَّ من السعي في الحجِّ، ولا بدَّ من السعي في العمرة.
وفيه من الفوائد: أنه ﷺ صعد الصفا، وقال عند صعوده: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به، وفي رواية: نبدأ بما بدأ الله به، وفي رواية النَّسائي: ابدؤوا بما بدأ الله به، فسعى سبعة أشواطٍ، فلما صعد على الصفا استقبل القبلة ورفع يديه وحمد الله وكبَّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، وكرر هذا ثلاث مرات؛ يحمد الله ويُكبر ويُهلل ويدعو ثلاث مرات، هذا هو الأفضل، ثم ينزل، وهكذا فعل على المروة مثلما فعل على الصفا؛ ذهابه سعية، ومجيئه سعية، سبعة أشواط، بدأ بالصفا وختم بالمروة، هذا في العمرة والحج جميعًا، يُكثر من ذكر الله، ويُكثر من الدعاء بين الصفا والمروة حتى يُكمل، وعلى الصفا والمروة، يحمد الله ويُكبره ويُهلله ويدعو ثلاث مرات، رافعًا يديه، مستقبلًا القبلة، هذا هو السنة.
س: ............؟
ج: يرفع يديه عند التكبير والدعاء جميعًا حال استقبال القبلة، على الصفا والمروة جميعًا.
س: ...........؟
ج: العمرة مثل الحج؛ يطوف ويسعى مثلما يطوف ويسعى للحج، سواء بسواءٍ.
س: يطوف لها للوداع؟
ج: ما هو بلازم، الصواب لا يجب لها وداع، وإن ودَّع حسن إن شاء الله، وإلا فالصواب أنه لا يجب لها وداع.
س: هل وردت الإشارة إلى البيت حال الصعود؟
ج: ما أذكر شيئًا في هذا، ما أعلم شيئًا في هذا، رفع يديه واستقبل القبلة.
س: آية إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] يُكملها إلى آخرها؟
ج: فقط إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فقط ما كمَّلها النبيُّ ﷺ.
س: يفعل هذا في آخر شوطٍ؟
ج: الشوط الأول عند البدء، هذا السنة.
س: رفع اليدين والدعاء حتى في آخر شوطٍ؟
ج: نعم، حتى في آخر شوطٍ في الطواف والسعي، كله، في الطواف يرفع يديه ويُكبر في آخر شوطٍ عند الخاتمة، وفي السعي كذلك عند المروة في آخر شوطٍ يرفع يديه ويدعو.
س: الآن هل يلزمه الصعود إلى الصخور؟
ج: هذه السنة، وإلا الواجب ما بينهما، لكن الصعود هو السنة.
س: هل يرقى على الصخرة نفسها أم على المُرتفع المُبلط؟
ج: المعروف الذي يقف عليه الناس الآن.
س: إذا ما صعد على شيء؟
ج: إذا طاف بينهما أجزأ، والصعود سنة.
س: في الحديث يقول: ففعل على المروة كما فعل على الصفا. معناه يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158].
ج: لا، فعل عليها من الدعاء والذكر ورفع اليدين، وإلا إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ عند البدء فقط.
بَابُ النَّهْيِ عَن التَّحَلُّلِ بَعْدَ السَّعْيِ إلَّا لِلتَّمَتُّعِ إذَا لَمْ يَسُقْ هَدْيًا
وَبَيَانِ مَتَى يَتَوَجَّهُ الْمُتَمَتِّعُ إلَى مِنًى، وَمَتَى يُحْرِمُ بِالْحَجِّ
1985- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَأَحَلُّوا حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يُحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ".
1986- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ، وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟! فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَفَعَلُوا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفَسْخِ، وَعَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ وَأَخْذِ الشَّعْرِ لِلتَّحَلُّلِ فِي الْعُمْرَةِ.
1987- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَحْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى، فَأَهْلَلْنَا مِنَ الْأَبْطَحِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1988- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: "قَصَّرْتُ مِنْ رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِشْقَصٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلَفْظُ أَحْمَدَ: "أَخَذْتُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ بِمِشْقَصٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ".
1989- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ إذَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
1990- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَالْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِمِنًى". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ بِمِنًى خَمْسَ صَلَوَاتٍ".
1991- وَعَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقِلْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: "بِمِنًى"، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: "بِالْأَبْطَحِ"، ثُمَّ قَالَ: "افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1992- وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ، وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَة، فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَة، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ مُسْلِمٍ.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تتعلق بالإحرام، وفسخ الحجِّ إلى عمرةٍ، والتَّوجه إلى منًى، وماذا يُقيم في منى؟ وكيف صلَّى في منى وعرفات؟ كلها صحيحة ما عدا رواية أحمد عن معاوية: أنه قصَّر عنه في شهر ذي الحجة، فهذا وهمٌ، وإنما الصواب أنه قصَّر في عمرة الجعرانة سنة ثمانٍ بعدما فرغ من أمر حنين، اعتمر وقصَّر عنه معاوية ذاك الوقت بعدما أسلم معاوية.
وهذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ الصحابة مع نبيهم أحرموا من الميقات من المدينة في حجَّة الوداع، منهم مَن أهلَّ بالحج مُفردًا، ومنهم مَن أهلَّ بالحج والعمرة جميعًا، ومنهم مَن أهلَّ بالعمرة مُفردة، والنبي خيَّرهم في الأنساك ثلاثة، فلما قدموا مكة، قبل أن يقدموا أشار عليهم بأن يجعلوها عمرةً؛ مَن كان أحرم بالحج أو بالحجِّ والعمرة وليس معه هدي، فلما قدموا عزم عليهم وأمرهم أن يجعلوها عمرةً، فيطوفوا ويسعوا ويقصروا ويحلّوا إلا مَن كان معه الهدي، قالوا: كيف نجعلها عمرةً وقد سمينا الحجَّ؟! قال: افعلوا ما أمرتكم به، فطافوا وسعوا وقصَّروا وحلوا، وصارت عمرةً، أما هو فبقي على إحرامه؛ لأنه قد ساق الهدي، وقد لبَّى بالحجِّ والعمرة جميعًا، ولم يحل إلا يوم النحر، هذا هو المحفوظ.
وأما قول عائشة هنا وجابر : أن النبي أهلَّ بالحج، فهو ليس بمحفوظ، وخفي عليهما إحرامه بالعمرة، وثبت من عدة أحاديث كثيرة جدًّا أنهم أحرم بهما جميعًا: الحج والعمرة، كما ثبت من حديث أنسٍ في "الصحيحين" ومن حديث ابن عمر ومن أحاديث أخرى كلها تدل على أنه أحرم بهما جميعًا، لكن خفي على عائشة وعلى جابر إحرامه بالعمرة مع الحجِّ.
وكذلك قول عائشة رضي الله عنها: "فأما الذين أهلُّوا بالحج فلم يحلّوا حتى كان يوم النحر"، هذا فيه إطلاق، والمقصود الذين ساقوا الهدي هم الذين لم يحلّوا، فقد دلَّت الأحاديث الصحيحة على أنهم لم يحلّوا، والذين لم يسوقوا الهدي حلّوا بأمر النبي ﷺ، طافوا وسعوا وحلوا؛ لأنهم ليس معهم هدي، وإنما الذين بقوا ولم يحلّوا هم الذين كان معهم الهدي، بقوا معه ﷺ: كطلحة والزبير وجماعة ليسوا بالكثير.
وفي هذه الأحاديث دلالة على أنَّ السنة للمُحلِّين بمكة من المعتمرين وغيرهم أن يتوجَّهوا إلى منًى يوم الثامن، يُلبوا بالحج في اليوم الثامن ويتوجَّهوا إلى منى، فيُصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ليلة التاسع، فإذا طلعت الشمسُ يوم عرفة شرع التَّوجه إلى عرفات كما فعله النبيُّ ﷺ، بعد طلوع الشمس توجَّه النبيُّ إلى عرفات، وكان الصحابة منهم المهلّ، ومنهم المكبِّر، والأمر واسع؛ مَن لبَّى فهو أفضل، ومَن كبَّر فلا بأس، فلا زال في قبَّته التي ضُربت له في نمرة، وجلس بها حتى زاغت الشمسُ، فلما زاغت الشمسُ يوم عرفة أمر بناقته القصواء فرُحلت له، ثم ركبها وخطب الناس في وادي عرنة خطبةً عظيمةً ذكر فيها: أنَّ دماء الجاهلية موضوعة، وأن الربا موضوع كله، وأن دماء الجاهلية موضوعة، ونصحهم ووصَّاهم وأخبرهم ببعض ما يتعلق بالحجِّ، وأوصاهم بالنساء خيرًا، وقال للنساء: لهن كسوتهن ورزقهنَّ بالمعروف.
وأوصاهم بالقرآن وقال: إني تاركٌ فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتُم به: كتاب الله، وفي روايةٍ: وسنتي، ثم قال: وأنتم تُسألون عني، فما أنتم قائلون؟ يعني يوم القيامة تُسألون: هل بلَّغتُكم؟ فقالوا: نعم، نشهد أنَّك قد بلغتَ ونصحتَ وأديتَ، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني عليهم أنهم اعترفوا بالبلاغ بأنه بلَّغهم عليه الصلاة والسلام.
وفيه من الفوائد: أنَّ القرآن هو طريق العصمة، فمَن اعتصم به واستقام عليه فهو النَّاجي، ومن حاد عن القرآن فهو الهالك: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، فالقرآن هو طريق النَّجاة: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155].
والسنة من القرآن؛ لأنَّ الله أمرنا في القرآن باتباع السنة والأخذ بها، فمَن اعتصم بالقرآن اعتصم بالسنة: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فالحث على الاعتصام بالقرآن معناه الاعتصام بالسنة أيضًا كما في الرواية الأخرى: وسُنَّتي؛ لأن الرسول ﷺ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحى؛ ولهذا أمر الله المسلمين بطاعة الرسول واتِّباعه في كتاب الله : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].
وفيه من الفوائد: أن الصلاة يوم النفر تكون في مكة، يوم الثاني عشر والثالث عشر يوم النفر يؤجل صلاة الظهر والعصر في مكة، يرمي الجمار يوم الثاني عشر أو الثالث عشر ولا يُصلي في منى، ينتقل يُصلي في مكة: في الأبطح أو في غيره، كما فعل النبيُّ ﷺ، فالظهر يوم التروية في منى، والظهر يوم النفر في مكة -اليوم الأخير- سواء مَن تعجَّل أو لم يتعجَّل.
وفيه من الفوائد: أن السنة التبكير للظهر والعصر يوم عرفة، السنة أن يُصليها مبكرةً من حين تزول الشمس، بأذنٍ وإقامتين كما فعل النبيُّ ﷺ: أذَّن ثم أقام فصلَّى الظهر، ثم أقام لصلاة العصر، جمعًا وقصرًا، جمع تقديم بعد الخطبة.
وفيه أن السنة للإمام أن يخطب الناس أو نائب الإمام يخطب الناس ويُذكرهم كما فعله ﷺ قبل الصلاة، فإذا فرغ من الخطبة يُؤذن للصلاة ويُقام كما فعله ﷺ، ثم يقف بعد الصلاة إلى غروب الشمس كما وقف النبيُّ ﷺ، فلما صلَّى الجمع أتى الموقف، فوقف في عرفات مستقبل القبلة، رافعًا يديه يدعو ربه حتى غابت الشمسُ، هذا مشروع للحجاج؛ إذا صلوا الجمع أن يقفوا بعرفة، الذي في خيمته، والذي ضاحيًا، والذي على مطيته يقفون مستقبلي القبلة، هذا هو الأفضل، ويدعو ربه، ويرفع يديه في الدعاء، ويُلح في الدعاء، ويُكرر في الدعاء، كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام حتى تغيب الشمسُ، فإذا غابت انصرفوا إلى مُزدلفة بعد غروب الشمس، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، وعليهم بالسكينة والوقار، لا يعجلون، مَن انصرف من عرفات عليه السكينة والوقار حتى لا يضرَّ أحدٌ أحدًا؛ لأنه لما انصرف كان يقول للناس: السكينة، السكينة ويُشير إليهم بيده ويقول: يا أيها الناس، إنَّ البرَّ ليس في الإيضاع حتى وصل إلى مُزدلفة عليه الصلاة والسلام.
بَابُ الْمَسِيرِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفِ بِهَا وَأَحْكَامِهِ
1993- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ عَن التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: "كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
1994- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "غَدَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ مِنًى حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ عَرَفَةَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَنَزَلَ بِنَمِرَةَ، وَهِيَ مَنْزِلُ الْإِمَامِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ بِعَرَفَةَ، حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُهَجِّرًا، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ رَاحَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَوْقِفِ مِنْ عَرَفَةَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
1995- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ، أَكْلَلْتُ رَاحِلَتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حَبْلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا؛ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي أَنَّ نَهَارَ عَرَفَةَ كُلَّهُ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ.
1996- وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فَسَأَلُوهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فنادى: الْحَجُّ عَرَفَةَ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ، أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَأَرْدَفَ رَجُلًا يُنَادِي بِهِنَّ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
1997- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
وَلِابْنِ مَاجَهْ وَأَحْمَدَ أَيْضًا نَحْوُهُ، وَفِيهِ: وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ.
1998- وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ ﷺ بِعَرَفَاتٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ، فَسَقَطَ خِطَامُهَا، فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
1999- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاء يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
2000- وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَاءَ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ، فَقَالَ: "الرَّوَاحَ إنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ"، فَقَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ سَالِمٌ: فَقُلْتُ لِلْحَجَّاجِ: إنْ كُنْتَ تُرِيدُ تُصِيبُ السُّنَّةَ فَاقْصُر الْخُطْبَةَ وَعَجِّل الصَّلَاةَ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ: "صَدَقَ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
2001- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "رَاحَ النَّبِيُّ ﷺ إلَى الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ، فَخَطَبَ النَّاسَ الْخُطْبَةَ الْأُولَى، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، فَفَرَغَ مِنَ الْخُطْبَةِ وَبِلَالٌ مِن الْأَذَانِ، ثُمَّ أَقَامَ بِلَالٌ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث مثلما تقدم تقدَّم بعضُها، وهذه كلها تدل على ما تقدم، وأنَّ السنة التوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس من منًى، والسنة أن ينزل في نمرة إذا تيسر فيُقيم بها إلى الزوال، والإمام يخطب الناس أو نائبه قبل الصلاة، يخطبهم قبل الصلاة، ثم بعد الخطبة يُؤذن ويُقيم ويُصلي الظهر، ثم يُقيم ويُصلي العصر بأذانٍ وإقامتين.
أما القول فيما يُروى عن الشافعي أنه خطب خطبتين، وأن الخطبة الثانية بعد الأذان، فهذا ضعيفٌ، حديث موضوع لا صحَّة له، في إسناده: إبراهيم ابن أبي يحيى، وهو متروك الحديث، لا يُعول عليه، الصواب ما ثبت في حديث جابر الذي رواه مسلم في الصحيح وغيره: أن النبي ﷺ خطب قبل الأذان، خطب الناس قبل الأذان، ثم لما فرغ من الخطبة أمر بالأذان، ثم أُقيمت الصلاةُ، فصلَّى الظهر ركعتين، ثم أُقيمت العصر فصلَّى العصر، هذا هو المحفوظ.
أما أنه خطب خطبتين، أو أن الخطبة الثانية كانت بعد الأذان فهذا غلط، وخبر غير صحيح الذي رواه الشافعي، وهو الخبر الأخير، ليس بصحيحٍ، بل خطب الناس قبل ذلك، ثم لما فرغ من خطبته أمر بالأذان بعد الزوال، فأذن بلال، ثم أُقيمت صلاة الظهر فصلَّاها ركعتين، ثم أُقيمت العصر فصلَّاها ركعتين، بأذانٍ واحدٍ وإقامتين.
وفيه من الفوائد: أنه ﷺ رفع يديه في الدعاء في عرفة حتى غابت الشمس.
وفي حديث عروة بن مضرس الدلالة على أنَّ مَن أدرك عرفة فقد أدرك الحجَّ، وظاهره أنه يعمُّ يوم عرفة كله؛ ولهذا قال المؤلف أنه يدل على أنَّ يوم عرفة كله موقف.
والجمهور على أن الوقوف يكون بعد الزوال، فمَن وقف قبل الزوال فلا وقوفَ له، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم؛ لأن الرسول وقف بعد الزوال وقال: خذوا عني مناسككم، وفي حديث عروة: وقد وقف بعرفة قبل ذلك، فيُحمل على الموقف الشرعي، وهو بعد الزوال، هذا هو الأحوط للمؤمن، ولا يقف إلا بعد الزوال؛ لفعل النبي ﷺ.
ويدل حديث عبدالرحمن بن يعمر -وهو الديلي، من بني الديل- على أنَّ مَن وقف بالليل أجزأه الوقوف ليلة عرفة، ليلة النحر تُسمَّى: ليلة عرفة، أو ليلة النحر، فيوم عرفة بعد الزوال، وهكذا ليلة النحر كلها موقف، فمَن وقف بعرفة ليلًا ليلة العيد أجزأه الوقوف إذا كان وقوفه قبل طلوع الفجر، وأدرك الحج بذلك.
وأيام منى ثلاثة: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، هذه أيام منى، يوم العيد ما هو داخل في هذه الأيام، أيام منى ثلاثة، ومَن تعجَّل في يومين وهو الثاني عشر فلا حرج، ومَن تأخَّر في الثالث عشر فلا حرج، وهي المرادة بقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]، فيوم النحر هو اليوم العاشر.
وفيه من الفوائد: أن الحاج يُلبي في انصرافه من عرفات إلى مزدلفة، ومن مزدلفة إلى منى، كلها تلبية، محل تلبية، كما لبَّى النبيُّ ﷺ في الطريق، فإذا وصل منى رمى الجمرة قطع التلبية، يشرع في الرمي بالتكبير ويقطع التلبية، والمعتمر إذا شرع في الطواف قطع التلبية.
وفَّق الله الجميع، والوقوف كما تقدم إلى طلوع الفجر، ينتهي بطلوع الفجر.
س: إذا وقف الإنسانُ في عرفة ثم خرج قبل الغروب يصير خلاف السنة أو حجُّه باطل؟
ج: حجه صحيح، لكن عليه دمٌ، إذا خرج من عرفة قبل غروب الشمس عليه دم، وحجه صحيح.
س: يوم التروية السنة الإتمام أم القصر؟
ج: قصر ثنتين مثلما صلَّى النبي ﷺ يوم التروية.
س: إذا كانوا جماعةً لا يسمعون خطبة الإمام، فهل يخطب لهم أحدهم؟
ج: ما يُخالف، إذا صلُّوا جميعًا يخطب بهم، إذا كان فيهم طالبُ علمٍ.
س: الذين أحرموا بحجٍّ مفردٍ هل أُمروا أن يحلُّوا؟
ج: أن يجعلوها عمرةً، أمرهم النبي أن يحلّوا، الذين أحرموا بحجٍّ وعمرةٍ أو بحجٍّ مفردٍ وليس معهم الهدي أمرهم النبيُّ أن يحلّوا ويجعلوها عمرةً.
س: المُفرد هل عليه هدي؟
ج: يصير عمرةً، جعلها عمرة، انتقل من الحجِّ إلى العمرة، فسخها، ثم يُلبي بالحجِّ يوم الثامن، يصير قارنًا.
س: .........؟
ج: الذي ما حجَّ يُصلي أربعًا، إن صلَّوا أربعًا فلا بأس، وإن صلَّوا مع الناس ثنتين أجزأهم، إذا كانوا حجاجًا إن صلَّوا أربعًا فلا بأس؛ لأنَّ بعض أهل العلم يرى ذلك، وإن صلوا ثنتين فهو أفضل، أما الذين ما هم بحجاج -الذين يأتون من عمالٍ وغيرهم- يُصلون أربعًا.
س: أهل مكة قصرهم للنُّسك؟
ج: تبع الحُجَّاج؛ لأنَّ الرسول أقرَّهم، ما نهاهم، ما قال: يا أهل مكة، أتمُّوا. مثلما قال لهم يوم الفتح: أتمُّوا فإنَّا قوم سفر.
س: إذا كانوا بعيدين عن مسجد نمرة ولا يسمعون الخطبة؟
ج: يُصلون وحدهم الظهر والعصر جمعًا في منازلهم.
س: ويخطب بهم أحدهم؟
ج: إذا خطب بهم أحدهم لا بأس، وإن استمعوا من طريق مكبرات الصوت أو من طريق المذياع فالحمد لله.
س: .............؟
ج: ......... هذا الإمام أو نائبه، المسجد الآن في عرنة، مسجد نمرة بعضه في عرنة، وبعضه خارج عرنة، الحمد لله الأمر واسع.
س: مَن وقف بعرفة ليلًا ثم فاته المبيت بمُزدلفة؟
ج: إذا كان معذورًا لا بأس، إذا كان معذورًا ما عليه شيء، مثل عروة جاء مصيف، النبي ما أمره بدمٍ، أما إذا كان مُتساهلًا فعليه دم.
س: إذا وقف ساعةً في عرفة؟
ج: إذا جاء آخر الليل كفاه.
س: قول بعض أهل العلم أنَّ قصر أهل مكة للسفر، هل هو وجيه؟
ج: لا، ما هو بواردٍ، ما بين منى ومكة مدة سفر، ما بين منى وعرفة سفر قصير.
س: ضابط الإعذار لمَن فاته المبيت بمُزدلفة؟
ج: عدم القُدرة، مثل: تعطلت سيارته ولم يستطع أن يصل، أو مرض منعه، أو ضلَّ الطريق، أو ما أشبه ذلك من الأعذار الشرعية.
س: بالنسبة لصلاة النبي ﷺ: في الحديث ورد أنه صلى في مكة .......، ولكن إذا نظرنا إلى الأعمال التي قام بها النبيُّ ﷺ قد تستهلك أكثر الوقت، فقد نحر ثلاثة وستين بدنة بيده عليه الصلاة والسلام، وانتظر حتى قسمت ثم طُبخت ثم شرب من مرقها وأكل من لحمها، ثم قبل هذا قصَّر من رأسه، وبيَّن للناس أحكام ذلك، وسألوه، فقد يستهلك هذا وقت، وقد لا يستطيع أن يذهب إلى مكة؟!
ج: اليوم طويل، حجة النبي في أيام الحرِّ، أيام طويلة، وهو نحر مبكرًا وأكلوا منها، ثم ذهب وصلَّى في مكة ﷺ، الوقت واسع، والضحى طويل في أيام الحرِّ، أيام الصيف، قريب من ثماني ساعات من الفجر إلى الظهر، فإذا رمى الجمرة بعد طلوع الشمس يمكن، قريب من خمس ساعات، يمكن؛ انتهى من نحر الإبل والطبخ لها في ثلاث ساعات أو حولها أو أربع، ثم راح مكة قبل الزوال بساعةٍ أو نحوها، يمكن، الأمر واسع؛ لأنَّ النهار طويل، والضحى طويل أيام الغيض.
س: كذلك الزحام ما كان مثل اليوم؟
ج: والزحام قليل.
باب الدفع إلى المُزدلفة ثم منها إلى منى وما يتعلق بذلك
2002- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2003- وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَكَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: عَلَيْكُم السَّكِينَةُ، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا، وَهُوَ مِنْ مِنًى، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2004- وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ القصوى حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا -حَصَى الْخَذْفِ- حَتَّى رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2005- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، فَخَالَفَهُم النَّبِيُّ ﷺ فَأَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ.
2006- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ، فَأَذِنَ لَهَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2007- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2008- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَذِنَ لِضَعَفَةِ النَّاسِ مِن الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2009- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالدفع من عرفة إلى مُزدلفة، ومن مُزدلفة إلى منى.
النبي ﷺ في حجة الوداع لما غابت الشمسُ دفع إلى مُزدلفة، وكان ﷺ صلَّى الظهر والعصر في وادي عُرنة جمعًا وقصرًا، جمع تقديم، بأذانٍ واحدٍ وإقامتين بعدما زالت الشمس، وهو على راحلته خطب الناس قبل الصلاة، خطبهم وذكَّرهم، ثم نزل وأمر بالأذان، فأذَّن بلالٌ ثم أقام، فصلى الظهر ركعتين، ثم أقام فصلى العصر ركعتين، صلاهما بإقامتين مع أذانٍ واحدٍ، وصلَّى الظهر والعصر جمع تقديم، ثم انصرف إلى الموقف، ووقف واستقبل القبلة ودعا ربَّه، ولم يزل يدعو ويضرع إلى الله رافعًا يديه حتى غابت الشمس، فلما غابت الشمسُ انصرف إلى مُزدلفة، وكان يقول للناس: أيها الناس، السكينة، السكينة ويُشير بيده عليه الصلاة والسلام: فإنَّ البرَّ ليس بالإيضاع ليس بالإسراع.
وكان معه عند الانصراف أسامة بن زيد رادفًا له، وإذا وجد فجوةً –متَّسعًا- نصَّ –أسرع- حتى أتى مُزدلفة، وهو يُلبي في منصرفه من عرفة، وفي عرفة وفي طريقه من منى إلى عرفة كلها للتَّلبية، من حين مشى من مكة إلى منى تلبية، ومن منى إلى عرفات تلبية، هكذا، ومن عرفات إلى مُزدلفة تلبية.
فلما وصل مُزدلفة بعدما انصرف بعد غروب الشمس صلَّى بها المغرب والعشاء أول ما وصلها قبل حطِّ الرِّحال، فأذَّن، أمر بالأذان، فأذَّن بلال، ثم صلَّى المغرب بإقامةٍ، ثم صلَّى العشاء بإقامةٍ ركعتين، ولم يُصلِّ بينهما شيئًا كما فعل في عرفة، لم يُصلِّ بينهما شيئًا، قصرًا وجمعًا بدون أن يُصلي بينهما أو بعدهما شيئًا.
هذا هو السنة للحُجَّاج: أن يُصلوا الظهر والعصر بعرفات جمع تقديم بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، ولا يُصل بينهما ولا بعدهما شيئًا، وفي مُزدلفة المغرب والعشاء قصرًا وجمعًا، المغرب ثلاثًا، والعشاء ركعتين، قصرًا وجمعًا بأذانٍ واحدٍ وإقامتين حين يصل مُزدلفة، قبل حطِّ الرِّحال كما فعله النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ثم بات في مُزدلفة، اضطجع ونام في مُزدلفة عليه الصلاة والسلام، فلما طلع الفجر أمر بلالًا فأذَّن مُبكرًا في أول الوقت، فصلَّى الفجر مع سنَّتها –راتبتها- ثم انطلق إلى قزح –الجبل- ووقف هناك، ودعا ربَّه، واستغفره، وهلل، ورفع يديه، ولم يزل يدعو حتى أسفر، فلما أسفر انصرف إلى منى قبل أن تطلع الشمسُ، وكان المشركون لا ينصرفون إلا بعد طلوع الشمس كما قال عمر، فخالفهم النبيُّ ﷺ وانصرف لما أسفر جدًّا قبل طلوع الشمس، وهذا هو السنة: أن يبقى الناسُ في مُزدلفة حتى يُصلوا بها الفجر بأذانٍ وإقامةٍ مبكرين، ثم يجتهدوا في الدعاء والذكر، مُستقبلي القبلة في مُزدلفة، كل في مكانه كما قال ﷺ: وقفتُ هاهنا، وجمع كلها موقف، وقال في عرفة: وقفتُ هاهنا، وعرفة كلها موقف، كل في مكانه، يستقبل القبلة ويدعو ربه، ويذكر الله، ويدعو ويُلبي حتى أسفر، فلما أسفر انصرف إلى منى مُلبيًا، وأردف الفضل بن العباس.
ولم يزل يُلبي حتى رمى الجمرة، فلما شرع في رمي الجمرة قطع التَّلبية واشتغل بالتكبير، رماها بعد طلوع الشمس، ولما وصل مُحسِّرًا أسرع قليلًا؛ لأنه محلٌّ جرى فيه المشبه على الحبشة، على فيلهم، حبس الله فيلهم، وكان محلَّ عقوبةٍ، فعندما مرَّ به أسرع عليه الصلاة والسلام.
وأذن للضَّعفة أن ينصرفوا ليلًا من مُزدلفة بعدما غاب القمرُ، يعني في النصف الأخير، فهذا السنة؛ الضُّعفاء ينصرفون لا بأس من مُزدلفة: النساء والكبار والمرضى ومَن معهم حتى يذهبوا إلى منى قبل حطمة الناس، قبل الزحمة، وإذا وصلوا منى يرمون الجمرة في آخر الليل كما فعلت أمُّ سلمة وأسماء بنت أبي بكر، الضَّعفة لما أُذن لهم يرمون في آخر الليل.
وأما الأقوياء فالسنة أن يبقوا حتى يُصلوا الفجر في مزدلفة، وحتى يقفوا هناك، يجلسوا في مُزدلفة يذكرون الله ويدعونه في مُزدلفة حتى يُسفروا، هذا هو السنة للأقوياء؛ يُصلون في مزدلفة الفجر، ويبقون فيها مُهللين ذاكرين داعين حتى يُسفروا، فإذا أسفروا انصرفوا إلى منى، وأما الضَّعفة فلا بأس بعد نصف الليل، بعدما يغيب القمر، هذا هو الأفضل؛ أن ينصرفوا إلى منى بعد غروب القمر، يعني في النصف الأخير، كما أذن لهم النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وإذا رموا قبل الفجر فلا بأس، وإن صبروا حتى يرموا بعد طلوع الشمس فلا بأس، الأمر واسع.
والنبي ﷺ رمى ضُحًى بعدما طلعت الشمس، رمى الجمرة ضُحًى بعدما طلعت الشمس، يُكبِّر مع كل حصاةٍ، رماها بسبع حصيات، ومَن لم يتيسر له الرمي يوم العيد رمى في الليل ليلة إحدى عشر، ومَن لم يرمِ ضُحًى رمى آخر النهار، لا بأس، كالظهر والعصر، ومَن فاته الرمي جاز له أن يرمي بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر ليلة إحدى عشر، أما بقية أيام منى كما يأتي فرماها بعد ذلك، بعد الزوال، في بقية أيام منى الثلاث: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر تُرمى بعد الزوال.
س: بالنسبة للمُرافق للضُّعفاء القوي؟
ج: نعم مثل الضُّعفاء، مَن كان معهم ينصرف معهم في آخر الليل، ويرمي معهم لا حرج.
س: هل أوتر الرسول ﷺ في مُزدلفة؟
ج: ما ذكر شيئًا، لكن الظاهر أنه على عادته؛ لأنه اضطجع بعد التَّعب، وقد يكون أوتر قبل أن ينام؛ لأنه اضطجع بعد تعب وقوفه في مُزدلفة من بعد الظهر إلى غروب الشمس، لا شكَّ أنه في يوم حارٍّ، فلا بدَّ من تعبٍ؛ ولهذا اضطجع حتى طلع الفجرُ، لعله قد يكون شُغل عن ذلك بالتَّعب، أو أنه أوتر قبل النوم، تقول عائشةُ رضي الله عنها: "كان إذا شغله عن التَّهجد بالليل مرضٌ أو نومٌ صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة"، السنة أن يُوتر الإنسان ولو قبل النوم في مُزدلفة وغيرها، وفي السفر والحضر، سنة دائمة.
بَابُ رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَحْكَامِهِ
2010- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "رَمَى النَّبِيُّ ﷺ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ". أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ.
2011- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي: لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هَذِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
2012- وَعَن ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: "هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: أَنَّهُ انْتَهَى إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا"، ثُمَّ قَالَ: "هَاهُنَا كَانَ يَقُومُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".
2013- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ، فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ: أُبَيْنِيَّ، لَا تَرْمُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ: قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ وَقَالَ: لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
2014- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ، فَأَفَاضَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" يَعْنِي: عِنْدَهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
2015- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها: أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَت الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّت الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا، فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ، مَا أُرَانَا إلَّا قَدْ غَلَّسْنَا، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَذِنَ لِلظُّعُنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2016- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ بِهِ مَعَ أَهْلِهِ إلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، فَرَمَوا الْجَمْرَةَ مَعَ الْفَجْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: هذا مثلما تقدم، هذه الأحاديث كلها تدل على أنه ﷺ رمى الجمرة ضُحًى بعد طلوع الشمس، رماها بسبع حصيات، يُكبِّر مع كل حصاةٍ، وقال: خذوا عني مناسككم؛ فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا؛ ولهذا سُميت: حجة الوداع؛ لأنه ودَّع الناسَ وعلَّمهم في خطبه عليه الصلاة والسلام حتى يأخذوا عنه المناسك ويحفظوها.
وأذن للظّعن -وهم النساء، جمع ظعينة- ومَن معهن من أوليائهن والصبية أن ينصرفوا بليلٍ كما تقدَّم، والسنة أن يُلبوا في هذا الطريق، المنصرفون يلبون حتى يرموا جمرة العقبة، هذا هو السنة، ومَن مع الضَّعفة من أوليائهم وخدمهم فحكمه حكمهم، يرمون معهم، وينصرفون معهم، ومَن تأخَّر ورمى ضُحًى فلا بأس.
وأما حديث ابن عباسٍ: لا ترموا الجمرةَ حتى تطلع الشمس ....... فهو حديث ضعيف؛ لأنَّ فيه انقطاعًا بين الراوي الحسن العرني، وبين ابن عباسٍ، وله شاهدان ضعيفان أيضًا.
فالصواب أنه لا بأس أن يرموا قبل طلوع الشمس الضَّعفة والصغار، وكيف يقول لهم: لا ترموا حتى تطلع الشمس وهم ضعفة؟! لأنَّ بعد طلوع الشمس وقت الزحمة، وهم لا يتحمَّلون الزحفة الضعفة والصبيان، فهذا من نكارة المتن أيضًا، فإن بعد طلوع الشمس حضور الناس وازدحامهم، فالضَّعفة لا يتحمَّلون ذلك، فيرمون قبل ذلك، هذا هو الصواب.
وفَّق الله الجميع.
س: إذا جاء حديثٌ صحيح مُطلق، وجاء حديثٌ أقل درجة في الصحة منه فقيد هذا الحديث؟
ج: إذا كان كلاهما صحيحًا فالمطلق يُحمل على المقيد، أما إذا كان ضعيفًا لا، الضعيف ما يُعمل به، مُقدَّم عليه الصحيح.
س: رمي الأقوياء قبل طلوع الفجر؟
ج: يُجزئ لكن تركوا الأفضل، مَن رمى قبل طلوع الشمس أجزأ، لكن ترك الأفضل.
س: ما معنى: "إذا وجد فجوةً نصَّ"؟
ج: يعني أسرع، مُتَّسعًا، إذا وجد مُتَّسعًا أسرع.
س: وقد نهى عن الإسراع؟
ج: إذا كان ما في فجوة؛ لكي لا يضرَّ بعضُهم بعضًا، فإذا كانت هناك فجوة –متَّسع- ما في زحمة حرَّك الدابة قليلًا.
س: إذا كانت الزحمةُ حبستني حتى طلع الفجر وما قد وصلت مُزدلفة؟
ج: معذور، ما عليك شيء، هذا عذر شرعي.
س: الشارح يقول أنَّ حديث ابن عباس الأخير أصله في "الصحيحين"؟
ج: أصله في "الصحيحين": أذن له أن ينصرف. هذا الذي في "الصحيحين"، أما الرمي بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس فهذا ما هو في "الصحيحين"، في "الصحيحين" أنه أذن له أن ينصرف مع أهله الضُّعفاء.
س: الضعفاء .........؟
ج: قبل الفجر.