بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
2065- عَنْ عِكْرِمَةَ، عَن الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ، وَعَلَيْهِ حجَّةٌ أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَا: صَدَقَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ: مَنْ عَرَجَ أَوْ كُسِرَ أَوْ مَرِضَ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزيِّ: مَنْ حُبِسَ بِكَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ.
2066- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّة رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟! إنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَن الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِيَ، أَوْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
2067- وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا أَيُّوبَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حِينَ فَاتَهُمَا الْحَجُّ فَأَتَيَا يَوْمَ النَّحْرِ: أَنْ يَحِلَّا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ يَرْجِعَا حَلَالًا، ثُمَّ يَحُجَّا عَامًا قَابِلًا، وَيُهْدِيَا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ.
2068- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ ابْنَ حُزَابَةَ الْمَخْزُومِيَّ صُرِعَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، فَسَأَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَوَجَدَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَمَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَذَكَرَ لَهُم الَّذِي عَرَضَ لَهُ، وَكُلُّهُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَتَدَاوَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَيَفْتَدِيَ، فَإِذَا صَحَّ اعْتَمَرَ، فَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا وَيُهْدِيَ.
2069- وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ". وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ فِي "الموطأ".
2070- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "لَا حَصْرَ إلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ". رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ".
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ الإنسان إذا حُصر يفعل ما فعله النبيُّ ﷺ، سواء كُسر أو عرج أو مرض أو غير ذلك، وهو أنه يحلق أو يُقصر وينحر هديه، ويحلق أو يُقصر فقد حلَّ، ويُشرع له أن يقضي، ولكن النبي ﷺ ما أوجب ذلك على الناس، وقضى عمرة القضاء -عمرة الحُديبية- ولم يُوجب على الناس ذلك، وقال في بضاعة بنت الزبير لما مرضت: حجي واشترطي أنَّ محلِّي حيث حبستني، فإذا فاته الحجُّ تحلل بعمرةٍ؛ طاف وسعى وقصَّر وحلَّ، ثم يُشرع له أن يحجَّ من العام القابل كما قال عمر، ويهدي هديًا، فإن عجز صام ثلاثة أيام في الحجِّ وسبعةً إذا رجع إلى أهله، وهكذا ذكر ابن عمر وغيره.
أما قول ابن عباس: "لا حصر إلا حصران" فهو خالفه غيره، والصواب أنه لا يختص بحصر العدو، مَن حُصر بغير العدو: ضاعت رفقته، أو ضلَّ السبيل، أو مرض، فيتحلل وينحر هديه ثم يحلق أو يُقصر ثم يحلّ، فإن لم يكن معه هدي صام عشرة أيام ثم حلق أو قصَّر وحلَّ؛ لأن سنته ﷺ واضحة في هذا من جهة الحصر ومن جهة الاستثناء، الحصر ينحر ويحلق أو يُقصر ويحلّ، فإن كان يمكنه الطواف وجاء الحجّ ويمكنه العمرة تحلل بعمرةٍ؛ طاف وسعى وقصَّر وجعلها عمرةً، كما لو قدم بقرانٍ أو حجٍّ وليس معه هدي، يطوف ويسعى ويُقصر ويحل ثم يحجّ.
هذا أولى وأولى لمن مُنع من الحجِّ وحيل بينه وبينه، ولكن إن أمكنه أن يطوف يطوف ويسعى ويُقصر ويجعلها عمرةً.
أما إن كان اشترط: "فمحلِّي حيث حبستني"، كما في قصة ضباعة، فإنه لا شيء عليه، متى كُسر أو عرج أو أصابه مانعٌ فحلّه حيث حُبس، ولا فدية عليه إذا قال عند الإحرام: "فمحلِّي حيث حبستني"، أو "فإن حبسني حابسٌ فمحلي حيث حبستني"، أو "إن عرض لي عارضٌ فمحلي حيث حبستني"، يكون له شرط: فإنَّ لك على ربِّك ما استثنيتَ.
س: قوله: "مَن كُسر أو عرج فقد حلَّ وعليه حجَّة أخرى" ما ذكر الاشتراط، يحلّ؟
ج: يعني: محمول على ما فعله النبيُّ يوم الحديبية، يعني فعل ما يفعله المحصر؛ لأنَّ هذا نوع من الحصر؛ لهذا قال لضباعة: قولي: فمحلِّي حيث حبستني، فدل على أنها إن لم تقل ذلك تكون محصرةً، لكن قال: قولي: فمحلي حيث حبستني حتى لا يكون عليها شيء.
وحديث حجاج بن عمرو فيه إطلاق، ولكن يُحمل على المقيد كما جاء في قصة الحُديبية وإفتاء الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذا عذرٌ له أن يحلَّ إذا كُسر أو عرج أو مرض أو ضاعت نفقته، لكن بين أمرين: إن استطاع أن يطوف ويسعى ويتحلل فعل، وإلا نحر هديه وحلق أو قصَّر وكفى.
س: الإهداء في الحجة القادمة؟
ج: هذا مثلما أفتى عمر وجماعة.
س: واجب الإهداء؟
ج: ما عليه دليل ظاهر؛ لأنه معذور، لكن هذا اجتهاد من عمر رضي الله عنه وأرضاه، ومَن قال بقوله، وإلا فالنبي ﷺ ما جعل عليه هديًا لما أُحصروا، بل أمرهم أن ينحروا هديهم الذي معهم ويتحللوا، فإذا لم يجد هديًا صام عشرة أيام، أما هؤلاء الذين أُحصروا بمرضٍ أو غيره إن كان معهم هدي ذبحوه، وإن كان ما معهم هدي تحللوا بعمرةٍ إن كان أمكنهم العمرة، فإن كان ما أمكنهم العمرة مثلما قال الله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] يذبح الهدي، فإن عجز فالصيام.
س: الهدي في القضاء، إذا قضى هذه الحجة قضاها حجًّا مُفردًا؟
ج: هذا محل البحث، وجوبها إذا تحلل بعمرةٍ، قد تحلل بنسكٍ وطاف وسعى وحلَّ، أما الصحابة منعوا، ما حلّوا يوم الحديبية، أما هذا الذي طاف وسعى –يعني- الأظهر والله أعلم أنه لا شيء عليه، لكن إذا فعل ما قاله عمر رضي الله عنه وأرضاه من الإهداء أو الصيام فهذا وجيه؛ لقوله ﷺ: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإلا فلا يظهر، النبي ﷺ قال لضباعة: قولي: محلِّي حيث حبستني بالعذر، ولم يجعل عليها هديًا.
س: الاشتراط لا بدَّ فيه من التَّلفظ أم تكفي النية؟
ج: نعم لا بدَّ من التَّلفظ مثلما قال: قولي.
س: ...........؟
ج: أفضل، أفضل، ما هو بلازم، إذا خاف من مرضٍ أو عدو في السفر اشترط، النبي ما اشترط لما حجَّ آمنًا في حجة الوداع لم يشترط، والصحابة لم يشترطوا؛ لأنهم آمنون، وإنما قال هذا لضباعة لما كانت مريضة.
س: .............؟
ج: يحل إذا كمل، ينتظر حتى يحلّ إذا كانت المسألة طيبة، وما يُطاف به، وكان يستطيع الطواف به محمولًا، وكان قد تلبس وتمكن من الطواف والسعي يُطاف به، مثلما طافت أمُّ سلمة لما مرضت، طافت على بعيرٍ، وكملت حجَّها على بعيرٍ.
س: قصة سليمان بن يسار: صُرع في بعض الطريق، فسأل عن الماء الذي كان عليه. وعن سليمان بن يسار أنَّ ابن حزابة المخزومي صُرع ببعض طريق مكة وهو مُحرم بالحجِّ، فسأل عن الماء الذي كان عليه، فوجد عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير ومروان بن الحكم، فذكر لهم الذي عرض له، وكلهم أمره أن يتداوى بما لا بدَّ منه ويفتدي، فإذا صحَّ اعتمر، فحلَّ من إحرامه، ثم عليه أن يحجَّ قابلًا ويهدي؟
ج: لعلَّ هذا محمول على أنه ما حجَّ الفريضة، والدواء إذا كان ما فيه طيب ما فيه فدية، إذا تداوى بشيءٍ لا طيبَ فيه، أما إذا كان فيه طيب أو فيه تغطية الرأس فهذا يفتدي مثلما فعل كعب بن عجرة بأمر النبي ﷺ، ويكمل عمرته، يحلّ بعمرةٍ، وإذا كان أحرم بحجٍّ فهذا وجه قوله بأن يحجَّ من قابلٍ؛ لأنه قد أوجب الحجَّ، وفسخه للمصلحة، فيبقى عليه الحج؛ لأنه قد أحرم به، مثل الذي حجَّ قارنًا أو مفردًا ثم فسخ الحجَّ إلى عمرةٍ، فإنه يطوف ويسعى ويُقصر ويحلّ، وعليه الهدي ويحج، فهذا وجه مَن قال: عليه حجٌّ؛ لأنَّه لبَّى بالحج ثم عرض له عارضٌ، فيتحلل بعمرةٍ ويحج من قابلٍ، وعليه الهدي، هذا في حكم المتمتع، العمرة التي أدَّاها حين تحلل، فهذا وجه هذا القول.
س: المُحصر إذا كان قد حجَّ الفريضة فماذا عليه؟
ج: ما عليه شيء، يُكمل فقط، إن كان أمكنه يُكمل يكمل، وإن كان ما أمكنه ينحر ويُقصر أو يحلق ويحلّ، النبي لما أُحصروا ما قال: عليكم عمرة، أمرهم أن ينحروا ويحلقوا ويُقصروا ويحلوا، ثم اعتمر من العام القادم، سمَّاها عمرة القضية، لكن لم يُلزم أحدًا من الناس، اعتمر مع مَن اعتمر، ولم يثبت أنه ألزم أحدًا بقضائها.
س: قوله: "فسأل عن الماء الذي كان عليه"؟
ج: سأل الناس، يعني: سأل مَن عرف من المفتين، دلَّ عليه السياق، يعني: سأل: مَن عليه من أهل العلم؟
س: عن الماء: "فسأل عن الماء الذي كان عليه"؟
ج: يعني سأل مَن على الماء من الموجود.
بَابُ تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ عَن الْعُمْرَةِ بِالنَّحْرِ ثُمَّ الْحَلْقِ
حَيْثُ أُحْصِرَ من حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ وَأَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
2071- عَن الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ فِي حَدِيثِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَالصُّلْحِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَلِلْبُخَارِيِّ عَن الْمِسْوَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ.
2072- وَعَن الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ قَالَا: "قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِالْعُمْرَةِ، وَحَلَقَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي عُمْرَتِهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، وَنَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2073- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "إنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، وَإِن اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وقال: قال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أي موضعٍ كان، ولا قضاء عليه؛ لأنَّ النبي ﷺ وأصحابه في الحُديبية نحروا وحلقوا وحلّوا من كل شيءٍ قبل الطواف، وقبل أن يصل الهدي إلى البيت، ثم لا يذكر أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أحدًا أن يقضوا شيئًا، ولا يعودوا له، والحديبية خارج الحرم. كل هذا كلام البخاري في "صحيحه".
الشيخ: وهذا واضحٌ بأنه إذا أُحصر عن العمرة أو الحجِّ نحر هديه وتحلل بعد الحلق أو التقصير، فإن عجز صام عشرة أيام عن ذلك، والنبي لم يأمر مَن أُحصر معه أن يقضوا، أما الذي أحرم بالحجِّ ثم فاته الحجُّ وتحلل بالعمرة فهو يُشبه الذين أحرموا بالحجِّ أو بالقران ثم أمروا بالتَّحلل؛ لأنه أرفق بهم، وهذا يُشبهه؛ فلهذا أمرهم عمر بقضاء الحجِّ والفدية؛ لأنهم فاتهم الحجُّ فتحللوا بعمرةٍ، فأشبهوا الذين أحرموا بالحجِّ أو القران ثم فسخوا لعمرةٍ، فإنهم يفسخون لعمرةٍ، وعليهم الهدي، وعليهم الحج، وهذا معنى واضح وجيه رضي الله عنهم وأرضاهم.
س: امرأة طافت مع زوجها في السعي وفقدته، ثم لم تكمل سعيها وسافرت؟
ج: الواجب عليها أن تذهب وتُكمل سعي عُمرتها التي عليها، اعتمرت بعد العمرة هذه؟
س: نعم اعتمرت.
ج: الأقرب والله أعلم أنَّ أول عمرةٍ أتت بها بعد العمرة الأولى تكمل بها؛ لأنَّ سعيها للعمرة الجديدة كملت بها العمرة السابقة، وتقصيرها حلَّت به، وصارت العمرة الثانية تكميل العمرة الأولى، أما العُمر الأخرى على بابها ما فيها شيء.
س: سعي الحج؟
ج: لا، اعتمرت عمرةً، العمرة الأولى، السعي في العمرة الثانية كمل العمرة الأولى؛ لأنها ما زالت مشغولة بالعمرة الأولى، فسعيها للثانية يكمل الأولى، وتقصيرها حلّ من الأولى، صارت حلّ عمرتين في عمرةٍ، فسعيها وتقصيرها حصل به التَّحلل، وعمرها الأخيرة على حالها، فإن كان زوجُها وطئها فعليها الفديةُ؛ ذبيحة، وعليها أن تقضي العمرة التي وطئها فيها، وإذا كانت اعتمرت بعدها صارت قضاءً من الميقات الذي أحرم بالأولى منه، فصارت قضاءً للأولى، إذا كانت أتت بعمرةٍ بعد الوطء، وإن كانت ما أتت بشيءٍ فعليها عمرة جديدة كما أفتى الصحابةُ بهذا.
س: لكن ما يُشترط أن تنوي قضاء العمرة هذه؟
ج: ولو؛ لأنَّ المعنى واحد.
س: لو كانت في سعي الحج ثم اعتمرت بعد ذلك؟
ج: هذا محل نظرٍ؛ لأنها ما نوت الحجَّ، نوت العمرة، وقد يقال: عليها أن تسعى، العمرة التالية على بابها؛ لأنه قد حصل التَّحلل الأول، وعليها أن تسعى بنية الحجِّ.
س: .........؟
ج: لا، ما دام جاء العمرة ....... يتحلل والحمد لله.
س: .........؟
ج: لا، ما عليه شيء، عليه الهدي، عليه هدي الإحصار؛ ذبيحة واحدة، أو سُبْع بدنة، أو سُبْع بقرة، ثم ينحر، ثم يُقصر ويحلق.
س: لو فاته الحجُّ ثم تحلل بعمرةٍ ألا يُشبه مَن نوى أن يحجَّ مُتمتعًا؟
ج: هذا الذي أفتى به عمرُ، جعل عليهم حجًّا مقابلًا، وعليهم فدية، شبَّههم بمَن أحرم بالعمرة والحجِّ جميعًا، أو بالحجِّ وحده ثم تحلل بعمرةٍ، شبَّههم بها، فإنه يحج ويُهدي كما أفتى النبيُّ ﷺ الصحابة.
س: قول ابن عباسٍ: "إنما البدل على مَن نقض حجّه بالتَّلذذ، فأما مَن حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحلّ ولا يرجع"؟
ج: ما يظهر لي وجهه.
س: ........ العمرة الجديدة تحتاج إلى سعي؟
ج: دخلت عمرةً جديدةً ما لها معنى، دخلت في العمرة الأولى، ما لها نسك، مكملة؛ لأنه ما زال مُحْرِمًا، عمرة جديدة ما لها محل، ما زال مُحْرِمًا، فيكون تأكيدًا للعمرة الأولى، مثل الذي أحرم بالحجِّ وهو مُحرم بالحجِّ، إحرامه بالحج الجديد ظنَّ أن الحجَّ الأول فاسد، وما هو بفاسدٍ، يصير مُؤكِّدًا لإحرامه الأول، ولا يضرُّه، يكمل والحمد لله.
س: لو استعملت محذورات أخرى؛ لو قصَّرت شعرها وتطيَّبت؟
ج: هذا ما عليه شيء لأجل الجهل.
أَبْوَابُ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا
بَابٌ فِي إشْعَارِ الْبُدْنِ وَتَقْلِيدِ الْهَدْيِ كُلِّه
2074- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا نَاقَتَهُ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
2075- وَعَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: "خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مِن الْمَدِينَةِ فِي بِضْعِ عَشَرَةَ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ ﷺ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
2076- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلًّا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2077- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهْدَى مَرَّةً إلَى الْبَيْتِ غَنَمًا فَقَلَّدَهَا. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالهدي وإشعار البدن.
النبي ﷺ في عام الحديبية خرج من المدينة في ألفٍ وأربعمئة وزيادة للعمرة، ومعه الهدي، وقد أشعر البدن، وإشعارها جرح السنام حتى يبين الدم، وتُقلد بنعلٍ أو غيره من القلائد التي يُعرف بها أنها هدي، فإذا وصلت إلى الحرم تُنحر هناك، فلو عطبت تُركت للفقراء يأكلونها، تُنحر وتُوزع، ولا يأكل منها صاحبُها الذي هي معه شيئًا؛ حمايةً لها من عدوانه عليها، فالذي معه من الهدايا لو أعطبت ما يأكل منها شيئًا ولا رفقته، والحكمة في ذلك لئلا يتجرؤوا عليها ويتساهلوا في حفظها.
والإشعار وإن كان فيه بعض الألم لكنه لمصلحةٍ شرعيةٍ، كما تُنحر الدابة للأكل، الله أباح هذا لمصالح العباد، والهدي يكون مع الإنسان في عمرته أو في حجَّته أو بدون ذلك، وقد أهدى النبيُّ ﷺ في حجَّته، وأهدى في عُمرته ﷺ، وأهدى من دون حجٍّ ولا عمرةٍ، بعث الهدي إلى مكة من دون عمرةٍ ولا حجٍّ كما قالت عائشةُ رضي الله عنها، وهو مقيم في المدينة، فكل هذا جائزٌ، إذا أهدى من إبلٍ أو بقرٍ أو غنمٍ في حجَّته أو في العمرة أو بعث بها من وطنه إلى مكة تُنحر هناك وتُقسم على الفقراء كله شرعي.
والقلائد: الشيء الذي تجعله على الرقبة علامةً على أنها هدي، وشعار للإبل خاصةً.
س: المُبالغة في الإشعار هل يُعدُّ تعذيبًا؟
ج: لا، بقدر ما يبين أنها هدي، شعار يخرج منه الدم ويسلت، يبين أنه هدي.
س: ..........؟
ج: علامة على أنها هدي؛ حتى لا يتعدَّى عليها أحدٌ.
س: ...........؟
ج: فعلها النبيُّ ﷺ في حجة الوداع، أقول: سنة.
س: إذا تعرف الناسُ على وضع شيءٍ يكون شبيهًا بالهدي؟
ج: ولو، إحياء السنة مطلوب، في الإبل خاصةً، الإشعار من السنة، مَن أهدى إبلًا يُشعرها.
س: الإشعار يكون على هذه الصفة خاصةً؟
ج: نعم في سنامها.
بَابُ النَّهْي عَنْ إبْدَالِ الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ
2078- عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَهْدَى عُمَرُ نَجِيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلَاثَمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا، فَأُعْطِيتُ بِهَا ثَلَاثَمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا، قَالَ: لَا، انْحَرْهَا إيَّاهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".
الشيخ: وهكذا إذا تعين الهدي ليس له التَّصرف فيه، خرج من ملكه وصار إلى الله، فالواجب نحره، إذا عيَّن الهدية أو الضَّحية يذبحها ولا يتصرف فيها بعد ذلك.
بَابُ أَنَّ الْبَدَنَةَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ وَبِالْعَكْسِ
2079- عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً، وَأَنَا مُوسِرٌ، وَلَا أَجِدُهَا فَأَشْتَرِيهَا؟ فَأَمَرَهُ ﷺ أَنْ يَبْتَاعَ سَبْعَ شِيَاهٍ فَيَذْبَحَهُنَّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
2080- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اشْتَرِكُوا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ رَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَقَرِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُورِ؟ فَقَالَ: "مَا هِيَ إلَّا مِنَ الْبُدْنِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
2081- وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "شَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حِجَّتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
2082- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَ الْأَضْحَى، فَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَعِيرَ عَنْ عَشَرَةٍ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد.
الشيخ: وهذه الأحاديث كلها تدل على أنه لا بأس في الاشتراك بالإبل والبقر في الهدايا والضَّحايا كما فعل الصحابةُ في عهد النبي ﷺ في حجة الوداع، البدنة يشترك فيها سبعة، والبقرة كذلك، أما الشاة فعن واحدٍ؛ عن الرجل وأهل بيته.
وأما حديث ابن عباسٍ فهو مخالفٌ للأحاديث الصحيحة في العشرة، البعير عن عشرةٍ، وإنما هذا كان في قسم الغنائم، كان جعل البعير عن عشرةٍ في قسم الغنائم على حسب غلائها وما تقاوم وتُقارب من جهة الغنم، فإذا كانت قيمتها تُساوي عشرًا من الغنم لا بأس في الغنائم، عند قسم الغنائم، ....... تساوي عشرة من الغنم، أما في الحج في الهدي والضَّحية فهي عن سبعةٍ مثلما في حديث جابرٍ وغيره من الأحاديث الصحيحة.
س: يصير هذا –يعني- وهمًا؟
ج: ما هو في الأضحى، الظاهر أنه وهمٌ، وإنما هو في قسم الغنائم، كما جاء من حديث رافع بن خديج في الغنيمة أنه عدل البعير بعشرةٍ من الغنم في قسم الغنائم، صرح به رافعٌ وغيره.
س: ...........؟
ج: ضحَّى عنهم بالبقر، ما هو بلازم بالبقر، ما هو بلازم أنه يكون عن تسع، البقر عن سبعةٍ عند الجميع، ولعله ذبح الثامنة والتاسعة شاتين، ما فيه أنه عن التسع؛ لأنه ضحَّى عن زوجاته بالبقر، ولا فيه تصريح أنه عن كذا أو عن كذا، قد تُذبح البقرة عن واحدٍ أيضًا، لو ذبحها الواحد عن نفسه –البقرة- ما في بأس عن واحدٍ، أو ضحَّى بها عن نفسه لا بأس، أو ضحَّى بها عن اثنين أو ثلاث أو أربع لا بأس، لكن في النهاية سبعة، النهاية في الإبل والبقر سبعة، هذه النهاية في الضَّحايا والهدايا، لكن لو ذبحها عن واحدٍ أو عن اثنين أو ثلاثة لا بأس، وزوجات النبي ﷺ تسع، فإذا ذبحها عنهن –بقرة- احتيج إلى زيادة شاتين.
س: لو بدل الكبش ضحَّى ببعيرٍ؟
ج: لا بأس.
س: يقال: أفضل من الكبش؟
ج: البعير عن سبعةٍ.
س: أولاد الهدايا والأضاحي تبع أصولها؟
ج: إذا كان معها ولد تبعها، إن ذبحه فلا بأس، وإن ما ذبح إلا الأم لا بأس، ما هو بلازمٍ، هو مُخيَّر: إن شاء ذبح الولد، وإن شاء لا يذبحه، إلا إذا عيَّنه وقال: إنه يكون مع أمه هدية؛ ذبحه.
س: ولدت بعد التعيين؟
ج: لا، ........، أما إذا ما عيَّن إلا الأم ما يتبعها الولد.
س: يقول: الولادة حصلت بعد التعيين؟
ج: تبعها، إذا صارت الولادةُ بعد التعيين تبعها.
س: في العقيقة: لو كان للشخص ثلاثة أولادٍ فذبح لهم بعيرًا؟
ج: لا، السنة لا، العقيقة غنم؛ النبي ﷺ ذكر الغنم: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، السنة في العقيقة الغنم.
س: في رمضان ما يفعله بعضُ الناس مما يُسمَّى: عشاء الوالدين؛ يذبح بعضَ الغنم ويُقدمها للفقراء والمساكين؟
ج: صدقة، لا بأس، لا حرج، لكن صدقة في رمضان، إذا جاء رمضان تُضاعف فيه الحسنات، فإذا ذبح وقسَّم ذلك على الفقراء، عن نفسه أو عن أهل بيته أو عن جمعهم؛ اغتنامًا لفضل رمضان أو العشر من ذي الحجة لا بأس.
س: لو كانت الشاة مثلًا دافعًا، ثم قال: إن ولدت قبل يوم العيد فولدها لن أذبحه. فولدت قبل يوم العيد؟
ج: الله أعلم.
بَابُ رُكُوبِ الْهَدْيِ
2083- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَسُوقُ الْبَدَنَةَ فَقَالَ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ! قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ! قَالَ: ارْكَبْهَا ثَلَاثًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ.
2084- وَعَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَدْ أَجْهَدَهُ الْمَشْيُ، فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إنَّهَا بَدَنَةٌ! قَالَ: ارْكَبْهَا وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
2085- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْتَ إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
2086- وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سُئِلَ: يَرْكَبُ الرَّجُلُ هَدْيَهُ؟ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ، قَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَمُرُّ بِالرِّجَالِ يَمْشُونَ فَيَأْمُرُهُمْ بِرُكُوبِ هَدْيِهِم"، قَالَ: "لَا تَتَّبِعُونَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: وهذا يُبين لنا أنه لا بأس بركوب الهدي، إذا احتاج إليه يركبه، فإذا كان معه بدنة لا يمشي، يركبها بالمعروف، ويرفق بها والحمد لله، لا يمشي وهي خالية وهي تستطيع، مثلما أمر النبيُّ ﷺ قال: اركبها وإن كانت بدنةً.
بَابُ الْهَدْيِ يَعْطَبُ قَبْلَ الْمَحَلِّ
2087- عَنْ أَبِي قَبِيصَةَ ذُؤَيْبِ بْنِ حَلْحَلَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهَا مَوْتًا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا، وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ.
2088- وَعَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ -وَكَانَ صَاحِبَ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ- قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْبُدْنِ؟ قَالَ: انْحَرْهُ، وَاغْمِسْ نَعْلَهُ فِي دَمِهِ، وَاضْرِبْ صَفْحَتَهُ، وَخَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَلْيَأْكُلُوهُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
2089- وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنَ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ: كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنَ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا يَأْكُلُوهَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "الموطأ" عَنْهُ.
الشيخ: وهذا يُبين أنَّ الهدي إذا عطب سواء غنم أو بقر أو إبل يُذبح؛ حتى لا تضيع ماليته، ولا يضيع على المسلمين، فإذا عطب –يعني: أصابه بلاء- ما يستطيع الوصول إلى مكة فإنه تُنحر الإبل، وتُذبح البقر والغنم، وتُغمس قلائدها في دمها، وتُعلق عليها علامة على أنها هدي؛ حتى يأكلها مَن تيسر من البادية أو المارة، وأما صاحبُها الذي هو الوكيل عليها لا يأكل، لا هو ولا رفقته، والظاهر والله أعلم أن الحكمة أنَّ ذلك سدًّا لذريعة تساهله في حفظها؛ لأنه قد يتساهل، ما دام يُريد أن يأكل منها قد يتساهل، أو يدَّعي أنها عطبت، فكان من حكمة الشرع أن حرَّم عليه أن يأكل منها هو ورفقته؛ سدًّا لذريعة التَّساهل، ولكن تُترك للناس: للمارة والمحتاجين، مَن مرَّ عليها أخذ منها ما شاء؛ لأنها قد ذُبحت، لكن لو تيسر نقلها، اليوم تيسر، لما جاءت السيارات الآن متيسر نقلها إلى الحرم حتى ولو عطبت؛ لأن السيارات الآن تنقل الإبل وغير الإبل، لكن سابقًا إذا عطبت ما فيها حيلة إلا أن تبقى.
س: له الانتفاع بها قبل كذلك؛ من شرب اللبن وحمل المتاع؟
ج: نعم إذا احتاج إلى ذلك، اللبن يشربه، لا يضيعه، وحمل المتاع إذا احتاج إلى ذلك ولا يشقّ عليها لا حرج مثلما يركبها.
س: ركوب الهدي يُعتبر سنةً؟
ج: إذا دعت الحاجةُ، أما إذا كان معه ما يسدّه فالحمد لله، لا يركب، إذا أُلجئتَ إليها.
س: مباح يعني؟
ج: نعم مباح، من باب المباح.
س: قول عليٍّ : "لَا تَتَّبِعُونَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ"؟
ج: يعني سنته، الذي أباح من سنته، والذي أوجب من سنته، والذي حرَّم من سنته، كل ما جاء عنه ﷺ من الأحكام هو من سنته.
س: لو كان مُوسرًا وعطب ما يلزمه البدل؟
ج: ما يلزمه، إلا إذا كان الذي أعطبها صاحبُها يلزمه، الذي تعدَّى عليها يلزمه.
س: ولد الضَّحية والهدية إذا كان صغيرًا هل يُنتظر حتى يتم السنَّ المُجزئ أو يُذبح في الحال؟
ج: إذا كان معها يُذبح معها في الحال.
س: ولو كان صغيرًا؟
ج: ولو كان صغيرًا، إلا إذا عيَّنها وهو موجود ولم يُعيِّنه يصير له، أما إذا عيَّنها وهي حُبلى فولدها تبع لها.
س: ..........؟
ج: للفقراء، هو لا يأكل، للفقراء؛ فقراء الحرم.
س: الإشعار يكون خاصًّا بالإبل؟
ج: بالإبل خاصةً، الإشعار للإبل، والتَّقليد للبقر والغنم.
س: الأفضل من الضَّأن الجذع، ولولا ذاك لما اختاره الله لنبيه إبراهيم؟
ج: أقل، مجزئ الجذع، يجزئ الجذع من الضأن، أقل، ما هو بأفضل، النبي ضحَّى بكبشين أقرنين كبيرين، الجذع أقل، مجزئ، والثَّني من المعز ما هو بأفضل.
س: أحد الأفضلية؟
ج: ما أعرف فيها شيئًا يصح يدل على الأفضلية، إنما يدل على الإجزاء.
بَابُ الْأَكْلِ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالتَّطَوُّعِ
2090- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ في صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ، فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
2091- وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ: حِجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحِجَّةً بَعْدَمَا هَاجَرَ وَمَعَهَا عُمْرَةٌ، فَسَاقَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَدَنَةً، وَجَاءَ عَلِيٌّ من الْيَمَنِ بِبَقِيَّتِهَا، فِيهَا جَمَلٌ لِأَبِي لَهَبٍ فِي أَنْفِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ فَنَحَرَهَا، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَطُبِخَتْ وَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ: فِيهِ جَمَلٌ لِأَبِي جَهْلٍ.
2092- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ، وَلَا نُرَى إلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ"، قَالَتْ: "فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَزْوَاجِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وهو دليل على الأكل من دم القران؛ لأن عائشة كانت قارنةً.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيها الدلالة على شرعية الأكل من لحم الهدي: هدي التمتع والقران، وقد دلَّ القرآنُ على هذا في قوله جلَّ وعلا: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، الله شرع الأكل والإطعام، فالسنة للحجاج أن يأكلوا من هداياهم ويتصدَّقوا، سواء كان مُتمتعًا أو قارنًا أو مُفردًا وتطوع بالهدي، السنة أن يأكل من هديه ويتصدَّق؛ ولهذا أمر النبيُّ لما حجَّ ﷺ حجة الوداع أهدى مئة بدنة، نحر منها ثلاثًا وستين بيده، وأمر عليًّا أن ينحر البقية، ثم أمر مَن كل بدنةٍ ببضعةٍ، فطُبخت، وشرب من مرقها، وأكل من لحمها، فدلَّ على شرعية الأكل، والله نصَّ على هذا كما تقدَّم، والنبي ﷺ أكل من هديه، وهكذا الصحابة أمرهم النبيُّ أن يأكلوا منها، وأن يتزوَّدوا، ورجعوا منها بشيءٍ إلى المدينة، كل هذا يدل على جواز الأكل من الهدي.
وفي هذا أنه ﷺ نحر عن زوجاته البقر، والأمر واسع في هذا: البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، كما بيَّن النبيُّ ﷺ في عام الحُديبية، وهي حجة الوداع، فالبدنة تُذبح عن سبعة، والبقرة عن سبعة، والشاة عن واحد، والسنة أن يأكلوا من هداياهم: من إبلهم وبقرهم، السنة أن يأكلوا ويطعموا ويتصدَّقوا ويتزوَّدوا، لا حرج في ذلك، سواء كان الهدي هدي تمتع أو قران أو هدي تطوع.
وفيه من الفوائد: قوته ﷺ، كونه نحر ثلاثًا وستين بحاله في وقتٍ واحدٍ ضحوة يوم العيد، هذه قوة عظيمة عليه الصلاة والسلام، ثلاث وستون بدنة، ثم نحر عليًّا البقية، ثم طبخ منها ما طبخ، ثم تحوَّل إلى مكة، طيَّبته عائشةُ ثم توجَّه إلى مكة، فطاف طواف الحج، وصلَّى بمكة الظهر، ثم رجع وصلى الظهر في منًى مع الناس من الصحابة الذين لم يتحوَّلوا معه، فإنه جاء أنه ﷺ صلَّى في مكة الظهر، وجاء أنه صلَّى في منى الظهر، والجمع بينهما أنه صلَّى بمكة الظهر أولًا صلاة الفريضة، فلما رجع وجد بعضَهم لم يُصلِّ من الصحابة، فصلَّى بهم، فكانت له نفلًا ولهم فرضًا.
وفيه من الفوائد: جواز الاستخلاف في النَّحر في الذبح، لا يلزم أن الإنسان يُباشر، لو وكَّل غيره فلا بأس أن يذبح عنه وينحر عنه كما فعل النبيُّ مع عليٍّ رضي الله عنه.
كذلك لا يُعطى الجازر منها شيئًا.
س: أزواج النبي ﷺ ما علمن؟
ج: النبي ﷺ هو المسؤول عنهن.
س: ما تُشترط النية في هذا؟
ج: يظهر من هذا أنه هو المسؤول عليه الصلاة والسلام لما حجَّ بهن، وهذا يدل على أنَّ الذي يحج بناسٍ يكون هو المسؤول عن هداياهم، ولا يحتاجون شيئًا؛ لأنه تكفَّل بهم.
س: قوله: "فيه جمل لأبي لهبٍ"، وفي ابن ماجه: "وفيه جمل لأبي جهلٍ"؟
ج: إظهارًا لإهانة الخبيث، وأنَّ الله جلَّ وعلا أمكن منه حتى صار هذا الجمل من جملة الهدايا؛ لإظهار عزة الإسلام، وإهانة الكفر.
س: مَن قال بوجوب الأكل؟
ج: ما أتذكر الآن، القول بالوجوب ما أتذكره، لكن آخذًا من ظاهر: فَكُلُوا [الحج:28]، فظاهره الأمر، الأمر للإباحة أو للشرعية كما هو الأقرب للسنية، لأنَّ الرسول ﷺ أكل، والله أمر، فدل على شرعيته، أما الوجوب فمحل نظرٍ.
س: لو أكلها كلها ولم يتصدق هل يلزمه شيء؟
ج: المشروع أنه يأكل ويتصدَّق، أما الوجوب فمحل نظرٍ، لكن بعض أهل العلم يرى وجوب الصدقة ولو بقليلٍ.
س: هذه الرواية: فساق ثلاثًا وثلاثين بدنة، وجاء علي من اليمن ببقيتها؟
ج: ثلاث وستين، وأتى عليٌّ بالباقي، وأمره أن ينحر ما بقي تمام المئة.
بَابُ أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِذَلِكَ
2093- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُهْدِي مِن الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إلَى عَائِشَةَ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ". أَخْرَجَاهُ.
بَابُ الْحَثِّ عَلَى الْأُضْحِيَّة
2094- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِن اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
2095- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قُلْتُ أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيّ؟ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ، قَالُوا: فَالصُّوفُ؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
2096- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
2097- وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا أُنْفِقَتِ الْوَرِقُ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ نَحِيرَةٍ فِي يَوْمِ عِيدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
الشيخ: هذه الأحاديث في فضل الضَّحايا، والضحايا سنة في كل عام، وأما الأحاديث هذه ففي أسانيدها كلام، ولكن العمدة في هذا أنه ضحَّى ﷺ، كان يُضحِّي كل سنة بكبشين أملحين، أما هذه الأحاديث التي فيها بيان أنه ما عمل ابنُ آدم عملًا في يوم أحبّ من إراقة دمٍ، وأنها لتأتي بأشعارها .. إلى آخره، كلها أحاديث فيها بعض الضعف، ولكن العمدة في هذا فعله ﷺ؛ في "الصحيحين" أنه كان كل سنة يُضحي بكبشين أملحين، والله جلَّ وعلا يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فلما ضحَّى نُضحِّي كما ضحَّى عليه الصلاة والسلام، فهي سنة تأسيًا به ﷺ.
وهذه الأحاديث التي فيها الحثُّ على الضحية بالقول يشدُّ بعضُها بعضًا، من باب الحسن لغيره، تتقوى بفعله ﷺ، والعمدة على فعله عليه الصلاة والسلام.
وأما حديث: مَن كانت له سعة فلم يُضحِّ فلا يقربن مُصلانا فهو حديث موقوف، الصواب أنه موقوف من كلام أبي هريرة، وليس من كلام النبي ﷺ.
س: ما الحديث الحسن لغيره؟
ج: مجموع الأحاديث التي فيها فضل الضَّحايا.
س: الذي يقدر على الأضحية ولم يُضحِّ؟
ج: ترك السنة، ما هي بواجبٍ، الصواب ما هي بواجبة، سنة.
س: .............؟
ج: لا يأخذ حتى يُضحِّي، إذا تيسر يُعلِّمهم أن تُذبح يوم العيد؛ حتى يكون على بصيرةٍ ويكفّ، إلا ما يتعلق بالحلق، فهذا ما له شأن في الضحية، حلق الحج والتقصير هذا يفعله ولا يُنظر في مسألة الضحية، متى رمى شُرع له الحلق أو التَّقصير مطلقًا، لكن يترك أخذ الأظفار أو الشعر الآخر الذي قد يحتاج إليه حتى يُضحِّي، أما ما يتعلق بمناسك الحج فما لها ارتباط بالضحية، متى رمى الجمرة حلق أو قصَّر، ومتى طاف للعمرة وسعى قصَّر ولو لم يُضحِّ؛ لأنها أنساك مأمور بها مطلقًا، سواء ضحَّى أو ما ضحَّى.
بَابُ مَا احْتُجَّ بِهِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا بِتَضْحِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ أُمَّتِهِ
2098- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِيدَ الْأَضْحَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
2099- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا؛ مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ فيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْغُرْمَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: وقد كان ﷺ يُضحِّي بكبشين كل سنة: أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمَّن وحَّد الله من أمته.
واحتج بهذا بعضُهم على أنَّ هذا دليل على أنه لا يجب على الأمة، وإنما يُستحب؛ تأسيًا بالنبي ﷺ، وأن الضحية تُستحب ولا تجب؛ لأنَّ الرسول ضحَّى عن الأمة وقام مقامها، ولكن أحسن من هذا في الاستدلال قوله ﷺ: إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدُكم أن يُضحِّي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا، قوله: وأراد دلَّ على أنها تتعلق بإرادة الإنسان، ولم يأمر الناس بأن يُضحوا، بل قال: إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدُكم أن يُضحي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا، وما كان يتعلق بالإرادة دلَّ على عدم الوجوب، وأنه مُستحب فقط.
والحديثان أنه ﷺ ضحَّى بكبشين، هذا في زمانه عليه الصلاة والسلام: أنَّ مَن وحَّد الله من أمته في زمنه، في محلِّه عليه الصلاة والسلام في وقته، وإن كان يحتمل العموم، وأن المراد به مَن يأتي بعده، لكن يظهر أن المراد به الموجودين؛ مَن لم يُضحِّ من أمته الموجودين.
س: إذا ذبح في الليل؟
ج: الليل يختلف، إذا كان ليلة العيد ما يصح، ما بعد جاء وقتها، إذا كان ليلة اثني عشر أو ليلة ثلاث عشرة -ليالي أيام التشريق- ما يخالف، أما ليلة العيد لا، ما بعد دخل الوقت، وقتها بعد صلاة العيد.
س: إذا ذبحها في الليل بعد صلاة العيد؟
ج: إذا ذبح في الليل ما في بأس، النهار والليل، لكن النهار أفضل، لا بأس.
س: رجلٌ قدم من الرياض مُتمتعًا بالعمرة إلى الحجِّ، وطاف وسعى، وذهب إلى المدينة، وهو راجعٌ ما أحرم؟
ج: الأحوط له أن يُحرم بعمرةٍ أو بالحجِّ من المدينة، إذا راح المدينة بعد عُمرته ثم أراد الرجوع فالأحوط له أن يُحرم بالحج من المدينة، أو بعمرةٍ جديدةٍ؛ لعموم قوله ﷺ: هُنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن ممن أراد الحجَّ والعمرة، وهذا أتى من المدينة يريد الحجَّ، فالأحوط له في هذا أنه يُحرم بعمرةٍ جديدةٍ أو بالحجِّ، ويبقى على إحرامه حتى يكمل الحجَّ؛ لأنه أدى العمرة الأولى، فينبغي له أن يحتاط لدينه؛ لأنه قد أتى من المدينة ومرَّ من الميقات يريد الحجَّ، فالذي ينبغي له أن يُحرم في هذه الحالة، وإن لم يُحرم وإنما أحرم من مكة فنرجو أن لا يكون عليه شيء لأجل الشبهة؛ لأنه قد أدَّى النُّسك، يعني: أدَّى نسك العُمرة.
س: ...........؟
ج: إن فدى احتياطًا، إن فدى لترك الميقات احتياطًا فحسن إن شاء الله؛ لقوله ﷺ: دع ما يريبك، ومَن اتَّقى الشبهات؛ لأنَّ الظاهر وجوب الإحرام عليه بالمدينة، لما جاء قاصدًا الحجَّ من المدينة أن يُحرم من الميقات.
س: ............؟
ج: يُحرم أحوط.
س: يقال أنَّ مَن أراد الأضحية أنه يُنهى عن الشعر تشبهًا بالحجاج؟
ج: نعم.
س: يعني: يُنهى عن أن يأتي أظفاره أو شعره تشبهًا بالحجاج، الذي يريد الأضحية، فإذا كان الإنسان يريد الحجَّ والأضحية ورمى الجمرة ونحر فقد حصل المقصود، فلا يلزمه .........؟
ج: الله أعلم.
س: ............؟
ج: ما أعرف لهذا أصلًا.
س: صلاة النبي ﷺ الضُّحى في مكة وهو مسافر ألا يدل هذا على جواز صلاة النافلة مطلقًا في السفر؟
ج: المسلم مُتَّبع، لا مبتدع، المسلم عليه الاتباع والاقتداء، النبي صلَّى الضحى يُصلي الضحى، أوتر في الليل يُوتر في الليل، تهجد في الليل في السفر يتهجد في السفر، ترك راتبة الظهر والمغرب والعشاء نترك، صلَّى راتبة الفجر نُصليها في السفر، نحن مُتَّبعون، الله جلَّ وعلا قال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ما فعله نفعل، وما ترك تركنا، هذه السنة.
س: ذبح الأضحية في المُصلَّى خاص بالإمام، أو لكل مَن أراد، النبي ﷺ ذبحها بعد الصلاة؟
ج: ليعلم الناس السنة، وأن السنة استقرت والحمد لله، يذبح في بيته، ويُوزعها في بيته على بصيرةٍ، السنة قد عرفها الناس، ما هم بحاجةٍ إلى ذبيحة تذبحها في المصلى، ما هم في حاجةٍ إلى هذا، الرسول فعل هذا يعلم الناس.
س: في هذا المسجد توجد دواليب، وفيها مصاحف، ونحن نجعل هذه المصاحف خلف أظهرنا، ونتَّكئ على هذه الدواليب، فهل في هذا حرج؟
ج: الظاهر لا حرج، ما هو المقصود الإهانة، المقصود الحفظ لحاجة الناس إليها، وليس المقصود الإهانة، لكن لو جُعلت الدواليب أمام الناس كان أحسن، ما يضرُّ إن شاء الله.
س: إذا كان ذبح هدي التَّمتع، في منًى زحمة، وخرج إلى مُزدلفة وذبح؟
ج: الحرم كله ذبح، منى أفضل، وإن ذبح في مكة أو في مزدلفة ما في بأس، الأمر واسع والحمد لله، إذا دخل مكة وذبح داخل مكة الحمد لله، الأمر واسع.
بَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الْعَشْرِ مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ
2100- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد -وَهُوَ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَيْضًا: مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ.
الشيخ: وهذا هو المشروع لمن أراد التَّضحية، إذا أراد أن يُضحي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا إذا دخل شهر ذي الحجة؛ لهذا الحديث -حديث أم سلمة رضي الله عنها- يقول ﷺ: إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يُضحي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا يعني: حتى يُضحي، وهذا نسك خاصّ، وعبادة خاصة لمن أراد التضحية، لا يتعلق به ما يتعلق بالهدي، الهدي لأهله أن يأكلوا، إنما هذا في الأصغر.
بَابُ السِّنِّ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يُجْزِئُ
2101- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
2102- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ: أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: شَاتُك شَاةُ لَحْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا، جَذَعَةً مِنَ الْمَعْزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا، وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِك، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2103- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: نِعْمَ –أَوْ: نِعْمَت- الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.
2104- وَعَنْ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِيهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ ضَحِيَّةً رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
2105- وَعَنْ مُجَاشِعِ بْنِ سُلَيْمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا تُوفِي مِنْهُ الثَّنِيَّةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.
2106- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ". رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
2107- وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي جَذَعٌ؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ.
قُلْتُ: وَالْعَتُودُ مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ: مَا رَعَى وَقَوِيَ وَأَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على شرعية الضَّحية كما تقدم، وأنها سنة، وهي تدل على أنَّ أقل السن المجزئ مُسنَّة، وهي التي تمَّت لها سنة من المعز، أو جذع من الضأن، وهو الذي تمَّت له ستة أشهر، فلا بدَّ من مرور السنة على المعز، أما الضَّأن فيجزي الجذع من الضأن.
وفي هذه الأحاديث الدلالة على أنَّ السنة ذبحها بعد الصلاة، ذبح الضحية بعد صلاة العيد، وأن من ذبحها قبل الصلاة فليست ضحيةً؛ ولهذا قال لأبي بردة لما ضحَّى قبل الصلاة، قال: اذبح مكانها، قال: عندي عتود، قال: اذبحها، ولا تجزي عن أحدٍ بعدك، هذا خاص بأبي بردة، وإلا فغيره لا بدَّ من كون الضحية قد بلغت السنة من المعز، أو جذعًا من الضأن قد تمت له ستة أشهرٍ فأكثر.
وفيه من الفوائد: أن مَن كانت ضحيته قبل الصلاة فإنها شاة لحمٍ، وإنما الضَّحية تكون بعد الصلاة.
س: ...........؟
ج: العقيقة سنة، شاتان، جذع من الضأن، أو ثني من المعز، السنة غنم في العقيقة: عن الذكر ثنتان، وعن الأنثى واحدة، متكافئتان، هذه السنة.
س: لكن هل على اشتراط السن في العقيقة دليل؟
ج: ما أتذكر شيئًا الآن، القياس على الضحية كافٍ؛ لأنها مثلها، ولكن ما أتذكر الآن تصريحًا بالسن، التصريح شاتان مكافئتان، وعن الأنثى واحدة.
بَابُ مَا لَا يُضَحَّى بِهِ لِعَيْبِهِ وَمَا يُكْرَهُ وَيُسْتَحَبُّ
2108- عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ".
قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: الْعَضْبُ: النِّصْفُ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، لَكِنْ ابْنُ مَاجَهْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ قَتَادَةَ إلَى آخِرِهِ.
2109- وَعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
2110- وَرَوَى يَزِيدُ ذُو مِصْرَ قَالَ: أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، إنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا، فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ، فَمَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَلَا جِئْتنِي أُضَحِّي بِهَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي؟! قَالَ: نَعَمْ، إنَّكَ تَشُكُّ، وَلَا أَشُكُّ، إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَن الْمُصَفَّرَةِ وَالْمُسْتَأْصَلَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيَّعَةِ وَالْكَسْرَاءِ، فَالْمُصَفَّرَةُ الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ صِمَاخُهَا، وَالْمُسْتَأْصَلَةُ الَّتِي ذَهَبَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ، وَالْبَخْقَاءُ الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا، وَالْمُشَيَّعَةُ الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ عَجْفًا وَضَعْفًا، وَالْكَسْرَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".
ويزيد بن مصر بكسر الميم والصاد المهملة الساكنة.
2111- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ كَبْشًا أُضَحِّي بِهِ، فَعَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ الْأَلْيَةَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْحَادِثَ بَعْدَ التَّعْيِينِ لَا يَضُرُّ.
2112- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا شَرْقَاءَ، وَلَا خَرْقَاءَ". رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
2113- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ: "كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
2114- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: دَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْعَفْرَاءُ الَّتِي بَيَاضُهَا لَيْسَ بِنَاصِعٍ.
2115- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ، يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ، وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ". رَوَاهُ الخمسة إلا أَحْمَد، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث التي ذكرها المؤلفُ كلها تتعلق بالأضاحي المجزئة وغير المجزئة، وأن السنة للمؤمن أن يتحرى في أضحيته السليمة من العيوب حتى يتقرب بأحسن ما يجد؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أحق بأن يُتقرب إليه بأفضل الموجود، وأن المؤمن يتقرب إلى الله بما هو أنفع وأفضل في قُرباته من الذبائح، وهكذا في صلاته، وهكذا في صومه، كل ما أكمل وسعه في طاعته لله والتقرب إليه كان ذلك أفضل وأكمل؛ لأنه سبحانه أهلٌ لأن يُتَّقى، وأهلٌ لأن يُتقرب إليه بأحبِّ الأشياء إليه سبحانه وتعالى؛ ولهذا أوصاهم ﷺ بأن يعتنوا بهذه الأضاحي.
وكان يُضحي بكبشين أملحين أقرنين عليه الصلاة والسلام، فيذبح أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمَّن وحَّد الله من أمته عليه الصلاة والسلام، وهكذا ينبغي للأمة أن تعتني بالأضاحي، وأن تُضحي بالشيء الطيب السليم؛ ولهذا قال ﷺ: أربع لا تجوز من الأضاحي: العوراء البين عورها، والعرجاء البين ضلعها، والمريضة البين مرضها، والهزيلة، وفي اللفظ الآخر: الكسيرة التي لا تُنقي، ليس فيها نقي يعني: مخ، الضعيفة، فيتحرى المؤمن في ضحاياه السليمة من العيوب، كذلك الأعضب الذي قد قطعت أذنه أو قرنه لا يُضحَّى به، نوع خامس.
وكذلك يُلاحظ السلامة أيضًا حتى من العيوب القليلة: أنها لا شرقاء، ولا خرقاء، فتكون كاملةً، هذا هو الأكمل والأفضل، أما الشيء اليسير فيُعفى عنه؛ ولهذا قال: أربع لا تجوز من الأضاحي: العرجاء البين ضلعها دلالة على أنَّ الضلع اليسير يُعفى عنه، والمريضة البين مرضها المرض اليسير يُعفى عنه، وهكذا العوراء، ومن باب أولى العمياء، وهكذا الهزيلة التي ما فيها، ضعيفة جدًّا، أما الشيء الخفيف فلا بأس.
وكانوا يُسمنون الضحية، ويعتنون بها، فهكذا ينبغي للمؤمن أن يتأسَّى بالسلف الصالح في استسمان الضحية، ولا بأس أن يكون فحلًا أو أنثى، لا حرج، كونه أبيض أو أسود أو أعفر أو كحيل، في أطرافه سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد، يعني: مخلوط البياض والسواد، لا بأس، اللون لا يضرُّ، كونه فحلًا أو غير فحلٍ أو أنثى كل هذا لا يضرُّ، المهم أن يتحرى السليم من جهة اللحوم، ومن جهة الخلقة، تكون سليمةً من جهة خلقتها، كونها غير هزيلةٍ، فيها لحم طيب؛ لأن المراد التقرب إلى الله، والتقرب إلى الله ينبغي أن يكون بخير ما يجد: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].
فالمؤمن يتحرى الخير في قرباته: في هديه، في ضحيته، في صلاته، في صومه، في صدقاته، في غير ذلك يتحرى ما هو الأفضل مهما أمكن؛ لأنه يتقرب إلى ملكٍ عظيمٍ يريد فضله وجوده وكرمه ، وهو سبحانه يرضا بالقليل على حسب الطاقة: اتَّقوا النار ولو بشقِّ تمرةٍ، المهم الإخلاص لله والصدق، وكلما جاد العبدُ بالأفضل والأطيب والأحسن كان الأجر أكثر وأفضل.
س: الخراج الذي يخرج في الأغنام؟
ج: إذا كان لا يضرُّ، إذا كان شيئًا يسيرًا ما يضرُّ، إذا كان الخراج لا يضرُّ ولا يُغير اللحم ما يضرُّ.
س: قول المؤلف: العيب الحادث بعد التعيين لا يضرُّ؟
ج: كذلك إذا كان عيَّنها ثم جرى عليها شيء يذبحها ..... منها شيء: قطعت أذنها، أو أصابها شيء يذبحها على ما هي عليه، ما دام عيَّنها ضحيةً.
س: بالنسبة للشركات التي تأخذ الهدي وينقلونه إلى خارج المملكة؟
ج: يُجزئ، لكن كونه يذبح الضَّحايا في بلده ليُطعم جيرانه وأهله أفضل وأولى، أما الهدية التي هي واجبة عن محظورٍ أو ترك واجبٍ فهي تُذبح في مكة للفقراء من الحجاج، أما الضَّحايا وهدايا التطوع وهدي التمتع والقران فهذا يأكل ويطعم، سواء في مكة أو في غير مكة.
س: الأفضل أن يشتري أضحيةً غاليةً أو يشتري بثمنها أكثر من أضحية؟
ج: كلما كانت أسمن أو أكمل فهو أحسن، الواحدة الطيبة أحسن من ثنتين ضعيفتين من دون شيءٍ.
س: هناك في السوق هذه الأيام قلَّ ما يجد الإنسانُ أضحيةً سليمةً، مقطوعة الأذن؛ لأنهم يجعلونها علامة؟
ج: على كل حالٍ يلتمس القطع اليسير، يُعفى عنه، إذا كان يسيرًا يُعفى عنه، لكن يلتمس السليمة من العيوب مرة واحدة.
س: إذا كان شقّ الأذن من بدايتها إلى نهايتها؟
ج: ما يضرُّ، لكن السليمة أفضل.
س: إذا عطبت يذبحها ويبحث بدلًا عنها؟
ج: ظاهر حديث أبي سعيدٍ أنها تُجزئه إذا كان بعدما عيَّنها.
س: حتى ولو قبل يوم النَّحر؟
ج: إلا في الهدي، لا، الهدي إذا عطب يُنحر في محله، الهدي: التطوع، كما قال ﷺ ينحره في محلِّه، ويجعل علامته النَّعل؛ حتى يأكل مَن يمر عليه، ولا عليه شيء ما دام هدي تطوع، فلا بدَّ أن يذبح شيئًا يُجزئ.
س: إذا كانت مكسورة القرن أو الأذن أسلم من غيرها؟
ج: إن كان القرن ذاهبًا كله أو أكثره لا، وإن كان شيئًا يسيرًا يُعفى عنه.
س: يقولون: أسلم؟
ج: ولو أسلم.
س: هناك فرق بين الهدي الواجب وهدي التَّمتع في الذبح في مكة؟
ج: هدي التمتع أمره واسع؛ لهذا كان الصحابةُ يأكلون ويتزودون إلى المدينة.
س: لكن الذبح كله في مكة؟
ج: الذبح في مكة، لكن فقط اللحم، الهدي في منى أو مكة، لكن له أن يتزود، أما الضَّحايا فأمرها واسع، أما ما كان عن ترك واجبٍ أو فعل محرمٍ فهذا لا يخرج عن مكة، لا بدَّ أن يقسم في فقراء مكة؛ لقوله جلَّ وعلا: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95].
س: قوله: أربعٌ لا تُجزئ في الأضاحي ما يدل على أنَّ غير مقطوع الأذن والقرن أنه يُجزئ ........؟
ج: الأحاديث يُضم بعضُها إلى بعضٍ.
س: .............؟
ج: حديث عليِّ صحيح ..........
س: حديث عليٍّ: أن نستشرف الأذن ..........؟
ج: هذا يدل على أنه ينبغي سلامتها سلامةً كاملةً، لكن ما تُسمَّى: عضباء إذا كانت ما هي بعضباء، كشيءٍ يسيرٍ يُعفى عنه، لكن يكون نقصًا، السلامة منه أفضل.
بَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْخَصِيِّ
2116- عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ خَصِيَّيْنِ".
2117- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ". رَوَاهُمَا أَحْمَدُ.
2118- وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ لِمَنْ شَهِدَ بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ، وَذَبَحَ الْآخَرَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: وهذا يدل على أنه لا بأس بالخصي إذا ضحَّى به، سواء كان فحلًا أو خصيًّا، الخصاء لا يمنع من الضحية؛ لأن الخصاء يزيده خيرًا وسمنًا وطيبًا للحمه، سواء كان بعيرًا أو ثورًا أو ضأنًا أو معزًا.
س: حديث "أغلاها وأنفسها عند أهلها" صحيح؟
ج: صحيح.
س: من عنده غنم مريضة يُذكيها أو يتركها حتى تموت؟
ج: إن كانت فيها مصلحة يُذكيها، وإن كان هناك أحد يأكلها يُذكيها حتى ينفع بها الناس، وإن كان ما فيها حيلة إن ذكَّاها فلا بأس، وإن تركها تموت فلا بأس.
س: تراعى هذه العيوب حتى في العقيقة؟
ج: نعم، العقيقة مثل الضحية.
بَابُ الِاجْتِزَاءِ بِالشَّاةِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ
2119- عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
2120- وَعَن الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ قَالَ: حَمَلَنِي أَهْلِي عَلَى الْجَفَاءِ بَعْدَمَا عَلِمْتُ مِن السُّنَّةِ، كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ، وَالْآنَ يُبَخِّلُنَا جِيرَانُنَا. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذان الحديثان يتعلَّقان بالضحية، والضحية سنة، وهي ذبيحة تُذبح في أيام النَّحر -عيد النحر- كل سنة بعد الصلاة، فعلها النبيُّ ﷺ، والأصل في هذا أنه ﷺ ضحَّى عن نفسه وعن أمته بكبشين: أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمَّن وحَّد الله من أمته، فدلَّ على شرعية الضحية، وأن الواحدة تكفي عن الرجل وأهل بيته كما فعل النبيُّ ﷺ، فإنها واحدة عنه وعن زوجاته وأهل بيته، ومَن زاد فلا حرج، لكن السنة تحصل بواحدةٍ كما ذكره أبو أيوب.
س: أبو شُريح أو أبو شَريحة؟
ج: المعروف: أبو سريحة، بفتح السين، عقبة بن الحارث، أبو سريحة، انظر "التقريب".
س: الصحابي حُذيفة بن أَسيد؟
ج: حذيفة بن أسيد، وأُسيد بن حُضير، أما حُذيفة بن أسيد.
س: ذمُّ الصحابة للإكثار على الواحدة، وصفوا هذا بالتَّباهي.
ج: محتمل، فإن القصد يختلف، فقد يكون قصد المباهاة، وقد يقصد الإنسان الزيادة؛ لكثرة أهل البيت، ولكثرة المحتاجين، فإذا ذبحها لكثرة المحتاجين فليس من التَّباهي، وإذا فعلها للمُباهاة فهذا مذمومٌ، ولعلَّ الذي وقع -الذي أشار إليه أبو أيوب- لعله من هذا الباب، اطلع على ناسٍ فعلوه تباهيًا.
الطالب: حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو سريحة: بمهملتين، مفتوح الأول، صحابي من أصحاب الشجرة، مات سنة اثنتين وأربعين. (مسلم والأربعة).
ج: فتح السين فيهم، فتح الهمزة في "أَسيد"، وفتح السين في سَريحة، أبو سريحة عقبة بن الحارث، وهذا حذيفة بن أسيد أبو سريحة أيضًا.
الشيخ: مثلما تقدَّم؛ لما تباهى الناسُ يذكر أنهم بخَّلوه لما كانت ضحيته بالواحدة، أيش قال المحشي عليه؟
الطالب: وأخرجه أيضًا مالك في "الموطأ".
الشيخ: على كل حالٍ، الضابط في هذا أنه إن كان المقصد التباهي فهذا مذمومٌ، وإن كان القصد الحاجة فلا بأس.
س: وصية الوالد أن يذبح عنه ابنه في كل عيدٍ تلزم الابن مطلقًا على الدوام؟
ج: إذا كان خلَّف مالًا وأوصى له.
س: لا، ما خلَّف.
ج: ما يلزم إلا إذا كان خلَّف مالًا وأوصى بالثلث أو الربع أو الخمس، ما يُخالف، ضحَّى من المال الذي أوصى به، أما إذا وصَّى ولده هذا من باب البرِّ إذا تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر فلا حرج، ولكن ينبغي إذا كانت عنده سعة أن يُحقق وصية أبيه.
الطالب: "نيل الأوطار" موجود.
الشيخ: تكلَّم عليه؟
الطالب: في "سنن ابن ماجه" إسناده صحيح.
الشيخ: المقصود هذا المعنى، النبي ﷺ ضحَّى بواحدةٍ، فيدل هذا على أنَّ السنة واحدة عن الرجل وأهل بيته، لكن إذا دعت الحاجةُ: إذا كان أهل البيت كثيرين ولا تكفيهم، أو هناك جيران لهم يحتاجون، وزاد لأجل المصلحة فلا بأس.
س: لو زاد لأجل القربة، يتقرب إلى الله؟
ج: أو كذلك، ما هو لأجل المباهاة، كله طيب.
س: بعض الناس يذبح ذبيحةً في رمضان أو غير رمضان، ويُوزِّعها على الفقراء، ويجعل ثوابها لوالديه؟
ج: كله طيب، ما في بأس، صدقة لوالديه، ما في بأس.
بَابُ الذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى وَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى الذَّبْحِ وَالْمُبَاشَرَةِ لَهُ
2121- عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَن النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد.
2122- وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ، ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا عَلَى حَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أَخَذَهَا، وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.
2123- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَيْهِ عَلَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
2124- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عِيدٍ بِكَبْشَيْنِ، فَقَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِن الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الشيخ: كل هذا يدل على فضل شرعية التَّسمية، وهذا أمر واجب، مع الذكر التسمية والدعاء: اللهم تقبَّل عن محمدٍ وآل محمدٍ، بسم الله، والله أكبر، كما كان يفعل عليه الصلاة والسلام عند الذبح، هذا هو السنة.
وكان يُضحِّي بكبشين أملحين كما قال أنسٌ، يدل على فضل الكبش؛ أنه أفضل من الأنثى، ويدل على فضل الضحية عن الرجل وأهل بيته، وأن هذا هو السنة.
وفي هذا أيضًا دلالة على أنه ينبغي للذابح أن يتعاهد الآلة؛ حتى تكون صالحةً للذبح بها، حتى لا يُؤذي الحيوان؛ ولهذا أمر بشحذها.
كل هذا يدل على السنية، وأن السنة مُراعاة هذه الأمور، والسنة إحياء هذه الشريعة في الضحايا كما فعلها النبيُّ ﷺ، السنة للمسلمين أن يُحيوها دائمًا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.
والذي يطأ في سوادٍ ويبرك في سوادٍ يعني: أنها فيها خلط، ليست بيضاء، ولا سوداء، بل فيها كذا وكذا، فهذا يدل على أنه لا بأس في كونها بيضاء أو سوداء أو مخلوطة فيها كذا وفيها كذا، كل هذا لا بأس به.
س: الأضحية لمَن كان حاجًّا سنة؟
ج: كلها، ولو كان حاجًّا، النبي ﷺ ذبح وهو حاج كما في حديث أبي بكرة: ضحَّى بكبشين في حجة الوداع.
س: الدعاء الوارد في حديث جابر: وجَّهْتُ وجهي للذي فطر السماوات ..؟
ج: هذا يحتاج إلى مراجعة السند، ما راجعتُ السند، قال عليه المحشي شيئًا؟
الطالب: خرَّجه أيضًا أبو داود والبيهقي، وفي إسناده ابن إسحاق، الكلام فيه مشهور، وأبو عياش، قال الحافظ في "التلخيص": أبو عياش لا يُعرف.
الشيخ: يُراجع إن شاء الله في درسٍ آخر.
س: قراءة سورة الكوثر عند الذَّبح؟
ج: لا أعرف لها أصلًا، المهم أن يقول: "بسم الله، والله أكبر"، هذا هو المتأكد، التسمية، ويقول: "الله أكبر"، أما ذكر: "إنَّ صلاتي ونُسكي .." إلى آخره، و"وجَّهتُ وجهي .." يحتاج إلى جمع أسانيد الحديث.
س: نقل الأضحية إلى بلدٍ آخر؟
ج: ما أعلم فيه حرجًا، لكن كونه في بلده أحسن، كونه في بلده يُعطي جيرانه هذا أفضل، ولو ذبحها في بلدٍ آخر ما فيها شيء، مثلما ذبحها النبيُّ لأهل مكة وهو في المدينة.
س: إذا كانت عنده وصية فيُعطيها البنوك هذه بـ250 ريالًا، علمًا بأنه لو ضحَّى في بلده بـ700 ريـال، فيقول: هذه لا نحتاج ذبحًا ولا دماءً ولا غيره ولا توزيعًا، نتصل وينتهي الأمر؟
ج: كونه يتولَّاها بنفسه أفضل، كونه يتولَّاها بنفسه أثبت وأفضل، كما تولَّاها النبيُّ ﷺ، وتولَّاها الصحابةُ، كونه يُوزعها بنفسه أفضل من كونه يُعطيها زيدًا وعمرًا.
س: ولو كانت مصلحة واضحة في حاجة المسلمين للأضاحي التي تصدر عن طريق البنوك هذه إلى مناطق الناس ما يجدون اللحم طيلة العام؟
ج: إذا تيسرت الثقة لا بأس، لكن كونه يذبحها في بلده ويُحيي السنة في بلده أولى، كونه يُحيي السنة في بلده ويتأسَّى به الناسُ أولى من كونه يذبحها لبلدٍ آخر، يتصدَّق بمالٍ آخر غير الضحية.
س: رجل تعدَّى الميقات ولم يُحرم، ورجع إلى الميقات وأحرم؟
ج: ما عليه شيء، رجع ما عليه شيء.
س: وإن لم يرجع؟
ج: عليه دم، إذا أحرم من داخلٍ يكوم عليه دم لترك الميقات، لكن مَن رجع إلى الميقات ما عليه شيء.