19 باب من الشرك الاستعاذة بغير الله

باب من الشرك: الاستعاذة بغير الله

وقول الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6].

وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من نزل منْزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منْزله ذلك رواه مسلم.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذا الباب فيما يتعلق بالاستعاذة بغير الله، المؤلف لما كان هدفه من كتاب التوحيد إيضاح المسائل التي وقع الناس فيها من الشرك والجاهلية فلهذا تتبع ما وقع من الناس للتنبيه عليه؛ من ذلك دعاء غير الله كما تقدم، وهكذا الذبح لغير الله، وهكذا النذر لغير الله، ومن ذلك الاستعاذة بغير الله، كثير من الجهلة يستعيذون بالجن، وهذا من الشرك، يقول: يا جن كذا أعيذونا من كذا، فكونا من كذا يا جن كذا افعلوا كذا، فبين المؤلف رحمه الله أن هذا من جملة الشرك بالله، الله يقول: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] الاستعاذة تكون بالله جل وعلا لا بغيره: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1] أمر الله نبيه أن يستعيذ برب الفلق ورب الناس، فالاستعاذة من جملة أنواع العبادة يجب صرفها لله وحده، فلا يستعاذ بالجن ولا بالأصنام ولا بالملائكة ولا بالأنبياء ولا بغير ذلك، ولكن يستعاذ بالله وصفاته قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] ذكر هذا على سبيل الذم لهم والعيب، وكان بعض الجاهلية إذا نزلوا بوادي قالوا نعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه، فأنزل الله جل وعلا في ذلك ما أنزل من الذم والعيب وأن الواجب الاستعاذة بالله، فالإنسان في أي مكان يستعيذ بالله، أعوذ بالله من كذا، أعوذ بالله من شر هذا الوادي، أعوذ بالله من شر هذا المكان وأهله، أعوذ بالله شر فلان وما أشبه ذلك.

وفي الصحيح صحيح مسلم عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك.

وفي رواية لمسلم: أن رجلاً قال: يا رسول الله، ماذا لقيت من عقرب لدغتني البارحة! قال: أما إنك لو قلت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك، فيشرع للمسلم التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

وهذا من الدلائل على أن كلمات الله غير مخلوقة، وكلامه سبحانه، فكلام الله غير مخلوق وهو القرآن، وهكذا كلامه مع الرسل ومع الأنبياء ومع الملائكة، كله كلام الله صفة من صفاته كغضبه ورضاه ورحمته ومحبته، وغير هذا كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه خلقه ، وهو جل وعلا بصفاته هو الخلاق وما سواه مخلوق. قال جل وعلا: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62] إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر:86].

وهناك كلمات كونية: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] هذه كلمات كونية لا يخالفها شيء، والكلمات الشرعية الكلمات التي نزلت بها الرسل كالقرآن فهذا يعمل به القليل ويخالفه الكثير، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] لكن كلمات الله المتلوة والكونية كلها غير مخلوقة وهي صفة من صفاته إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].

فكن كلمة من الله قولاً، والمخلوق هو الذي كان المخلوق، هو المكون الذي كان بكن، وهكذا جميع المخلوقات من سماء وأرض وجبال وأشجار وجن وإنس وغير هذا كلها مخلوقة له ، فما سواه مخلوق وهو الخلاق العليم جل وعلا، فالاستعاذة تكون بالله أو بصفة من صفاته كما في حديث: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك أو بكلماته التامة كل هذا حق.

وفق الله الجميع

الأسئلة:

س: الكلمات تشمل الكائنة والكلمات كذلك الآيات العامة؟

الشيخ: كلماته الشرعية القرآن، وكلماته الكونية التي يأمر بها سبحانه في التصرف في عباده جل وعلا.

س: والتعوذ بالكلمات؟

ج: بهذا وهذا، نعم.

س:  ما صحة من اقتصر التعوذ بكلمات الله التامات في أذكار المساء فقط دون الصباح؟

الشيخ: لا، عام في كل وقت، يستعيذ بكلمات الله التامات في كل وقت.

س: صحة حديث: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ في السموات وفي الأرض.. إلى آخره صحته؟

ج: هذا ورد يحتاج إلى نظر في إسناده، أما هذا في صحيح مسلم: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.

س: رواه الشيخ في المسائل: أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع لا يدل على أنه ليس من الشرك. 

الشيخ: نعم، لو أجاب الجن وأجابوهم ما يدعى له جائز، حتى ولو أجاب الجن لو كفوه شرهم إذا قال لهم، هم يجرون إلى الشرك يفرحون بهذا حتى يكفوا، ولهذا تجده يؤذي بعض أهل البيوت بالنار وغيرها حتى يستعيذوا به حتى كذا فشياطين الجن يريدون من الناس أن يكفروا فإذا فعلوا شيئًا ليجروهم إلى الكفر لا يجوز أن يطاعوا بل يجب أن يستعاذ بالله من شرهم وألا يقع في حبالهم، وهكذا فعلوا مع العزى ومع اللات ومع مناة ومع غيرها، يتشكلون للناس حتى يدعوهم إلى الشرك، ويتكلموا على ألسنة الأصنام والأوثان حتى يجروا الناس إلى الشرك، نسأل الله العافية.

س: .. في الاستعانة بالجن يقول بعضه جائز إذا كان مما يقدر عليه الجن؟

الشيخ: لا ما يصلح التأول به كله.. لأنه فتح باب شر، فالجن ولو كلموك ممن يصرعون تقول: هذا لا يجوز لكم، هذا حرام عليكم، اخرجوا منه، لا يجوز لكم هذا الفعل.

س: الاستعاذة بغير الله شرك؟

ج: نعم شرك أكبر.

س: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ۝ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:54-56]  هذه من الآيات التي يتعوذ بها؟

ج: القرآن كله  كل كلمات الله كل القرآن، كلمات الله التامة تشمل القرآن وغير القرآن، ما هو بهذه بس.