21 باب قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون}

 باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ۝ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا [الأعراف:191-192].

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [ فاطر:13].

وفي الصحيح عن أنس قال: "شُج النبي ﷺ يوم أحد، وكسرت رباعيته، فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ فنَزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] وفيه: "عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله ﷺ يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا، بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، فأنزل الله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] الآية.

وفي رواية: "يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنَزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128].

وفيه عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله ﷺ حين أنزل عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]  قال: يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله ﷺ، لا أغني عنكِ من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئتِ، لا أغني عنك من الله شيئا.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فهذا الباب يريد المؤلف رحمه الله إيضاح بطلان الشرك، وأنه لا يجوز الشرك بالله مطلقًا مع أي أحد من الناس، وأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده، وأنه لو كان الشرك يجوز لأحد لكان للأنبياء؛ لأنهم أفضل الناس وخير الناس، ومع هذا الأنبياء لا يجوز أن يعبدوا من دون الله وتصيبهم مصائب وتحل بهم المصائب كما تحل بغيرهم، فوجب على المكلفين إخلاص العبادة لله وحده وأنه سبحانه هو المستحق لأن يعبد دون كل من سواه كما قال : وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] قال تعالى: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98] فيقول رحمه الله: "باب قول الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الأعراف:191]" يريد بهذه الترجمة بيان بطلان الشرك من جميع الوجوه، وأن العبادة حق الله وحده لا تصرف لأحد لا للعباد ولا للرؤساء ولا للأنبياء ولا للملائكة ولا لغيرهم، كلهم عبيد لله، يقول جل وعلا: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93] كلهم عبيده فلا يجوز أن يُعبدوا معه، ولهذا قال تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف:191-192] هذه صفات أربع تدل على بطلان عبادتهم من دون الله:

أنهم لا يخلقون شيئًا عاجزون، الخلاق هو الله وحده.

الصفة الثانية: أنهم مخلوقون مربوبون مقهورون، وهم يخلقون فهم مخلوقون.

الثالثة: أنهم لا يستطيعون لهم نصرًا، لا يستطيعون نصر أنفسهم من أعدائهم إذا أراد الله بهم شيئًا غلبهم أعداؤهم، فهم لا يستطيع نصر أنفسهم ولا نصر غيرهم.

فهذه الصفات الأربعة كلها متوفرة في غير الله .

مخلوق ليس بخالق، لا ينصر نفسه ولا ينصر غيره، فلا يستطيعون نصر من والاهم ولا نصر أنفسهم فبطلت عبادتهم من دون الله، وصاروا بهذا عاجزين لا يصلحون أن يعبدوا من دون الله ولا يُتعلق عليهم.

قال الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13] القطمير اللفافة التي على النواة كلها ملك لله جل وعلا إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14] فالمدعون من دون الله لا يسمعون دعاءك إما جماد وإلا ميت وإلا غائب بعيد لا يسمعك وإن سمع لم يستجب إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ [فاطر:14] لأنه ما بين ميت وغائب وشجر وحجر ونحو ذلك.

وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] لأنهم عاجزون، لو سمع ما استجاب لك إلا فيما يقدر عليه، وما يقدر عليه لا بأس ليس من الشرك، إذا كان يقدر تقول له: سلفني كذا، أقرضني كذا، ساعدني في كذا، أو توكله على عمل يستطيع لا بأس، لكن تدعوه في شيء لا يستطيعه هذا هو الشرك الأكبر، أو تدعو غائبًا تعتقد أنه يسمع دعاءك وهو غائب بغير واسطة بل لاعتقاد أنه يصلح لهذا وأن هذا السر فيه، كما يظنه بعض الصوفية الهالكين هذا هو الشرك الأكبر.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ [فاطر:14] لو قدر أنهم سمعوا ما استجابوا؛ لأنهم إما جماد وإما ميت وإما غائب لا يسمع، أما الحاضر ففيه تفصيل، الحاضر إن كان يسمع ويستطيع فلا بأس، كما قال الله تعالى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15] الإسرائيلي استغاث موسى على القبطي، أو تقول لإنسان: يا فلان أغثني من غلامك الذي تعدي عليه عبده أو من زوجتك أو من كلبك أو من ولدك أو ما أشبه ذلك، أو تستعيذ به في الحرب، تقول: عندك الثغرة هذه احمى الثغرة وأنا أحمي الثغرة هذه، أو تستعين به في غرس الشجر أو إصلاح السيارة في أشياء يستطيعها لا بأس هذا أمر أجمع المسلمون على جوازه لا حرج فيه، ولا تستقيم أمور الناس إلا بهذا، لكن المقصود من هذا الذي فيه الذم والعيب هو دعاء الغائبين والأموات والعاجزين أو الجمادات هذا هو الشرك الأكبر.

وفي الصحيح عن أنس ، أنس بن مالك خادم النبي ﷺ صحيح البخاري قال: شج النبي ﷺ يوم أحد، الشجة ما يقع في الرأس يقال له شجة ما يقع في الرأس والوجه يقال له شجة وهو شج يوم أحد، قال: وكسرت رَباعيته الرباعية الضرس الرابع في الفم وكسرت البيضة على رأسه يوم أحد وأصابه نكبة عظيمة يوم أحد من المشركين فصبروا والحمد لله، قال تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:140] أصابهم يوم بدر ما أصابهم، والحروب سجال تارة يدال العدو ابتلاء وامتحانًا وتارة ينصر المسلمون وهو الأغلب، فقال عند هذا ﷺ لما رأى الدم: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم استبعد فلاحهم مع شدة بغضهم وعداوتهم له ﷺ وحربهم له، فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] الآية. يعني الأمر إلى الله هو الذي يدبر الأمور، وهو الذي قدر يوم أحد وقدر ما حصل من مصائب له الحكمة البالغة، فالأمر إليه ليس إليك يا محمد ولا غيرك.

فدل ذلك على أن الأنبياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا هذا الشاهد، وأنه لا يصلح أن يدعون من دون الله ما داموا قد يُقتلون قد يصلبون قد يجرحون قد يُغلبون فدل ذلك على أنهم لا يملكون لأنفسهم شيئًا، وأن العبادة حق الله وحده هذا الشاهد.

وفي الصحيح عن ابن عمر أنه كان النبي ﷺ إذا رفع رأسه من الفجر يدعو على جماعة من قريش قبل الفتح يدعو عليهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام ويلعنهم؛ لأنهم رؤساء الكفار ذاك الوقت، فقال الله في حقهم: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] يعني: دعوت أو لم تدع الأمر ماض، أمر الله ماض فيهم، فهداهم الله وأسلموا، أسلم صفوان بن أمية، وأسلم الحارث بن هشام، وأسلم سهيل بن عمرو، وأسلم أبو سفيان وكانوا من كبار الكفرة ومن صناديدهم ومن أئمتهم ثم هداهم الله فأسلموا، الأمر بيد الله جل وعلا، وهكذا لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء:214] يخاطب النبي ﷺ قام على الصفا وناداهم: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئًا قبل أن يهاجر، اشتروا أنفسكم من الله بالتوحيد والإيمان لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبد المطلب، عم رسول الله، لا أغني عنكِ من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنك من الله شيئًا، المعنى: استقيموا على توحيد الله، استقيموا على طاعة الله، ولا تعتمدوا عليّ لأني رسول الله، لا هذا حق الله فالواجب طاعته واتباع شريعته والرسل عليهم البلاغ، لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فمنهم من قُتل كما قتل اليهود جماعة من الأنبياء ويصيبهم الجراح وتصيبهم الأمراض، أيوب وهو نبي الله مكث في المرض مدة طويلة، ونبينا أصابه ما أصابه يوم أحد عليه الصلاة والسلام، فالأنبياء يصيبهم ما يصيب الناس، يبتلون وتكون لهم العاقبة الحميدة أمره الله أن يبلغ قريشًا أنه لا يملك لهم من الله شيئًا كونه قريباً لهم كونه منهم كونه من قريش لا يغني عنهم من الله شيئا حتى يسلموا ويوحدوا كون العباس عمه وصفية عمته وفاطمة بنته ما يغني عنهم من الله شيئًا حتى يسلموا حتى ينقادوا لشرع الله، فالشاهد من هذه الترجمة كلها بيان أن العبادة حق الله وحده، وأنها لا تصلح لأحد من الناس لا للأنبياء ولا لغيرهم، بل هي حق الله يجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يعبدوا الله وحده في دعائهم وصلاتهم وصومهم وزكاتهم وصدقاتهم وغير ذلك، عليه الاعتماد سبحانه وهو المستحق لأن يعبد كما قال : وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] قال تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106].

نسأل الله للجميع التوفيق.

الأسئلة:

س: في بعض النسخ: أبو هريرة يقول: قام فينا رسول الله ﷺ حين أنزل عليه؟

ج: يعني في الصحابة وإلا هو أسلم متأخرًا يعني يروي عن الصحابة ؛ لأن أكثر رواياته عن الصحابة.

مداخلة: حديث: لا نذر في غضب معي تخريجه. بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث قال حدثنا محمد بن الزبير قال حدثني أبي أن رجلا حدثه أنه سأل عمران بن حصين عن رجل نذر ألا يشهد الصلاة في مسجد، فقال عمران: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين، وقد خرجه من طريق عبد الوارث البيهقي رحمه الله تعالى والطيالسي وقال البيهقي هذا منقطع الزبير لم يسمع من عمران، وخرجه الإمام أحمد أيضا وقال حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا محمد بن الزبير عن أبيه عن رجل عن عمران بن حصين قال ﷺ: لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين ومن طريقه أخرجه الحاكم وخالفهم الإمام يحيى بن أبي كثير اليمامي رحمه الله فقال: قال  الإمام النسائي أخبرنا علي بن ميمون قال حدثنا معمر بن سليمان عن عبد الله بن بشر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ﷺ: لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين قال أبو عبد الرحمن: محمد بن الزبير ضعيف لا يقوم بمثله حجة وقد اختلف عليه في هذا الحديث.

وقال الإمام النسائي أيضا: أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن محمد بن الزبير الحنظلي قال أخبرني أبي أن رجلا حدثه أنه سأل عمران بن حصين عن رجل نذر نذرا لا يشهد الصلاة في  قومه فقال عمران: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين ولكن هذه الطرق مدارها على محمد بن الزبير وقد قال فيه أبو عبد الرحمن ضعيف لا يقوم بمثله حجة، وقد روى له أبو داود في المراسيل والإمام النسائي، قال فيه يحيى بن معين: ضعيف لا شيء، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي في حديثه إنكار، وقال الإمام البخاري: منكر الحديث، وفيه نظر، وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة.

الشيخ: ثم مع هذا يروي عن رجل مبهم ما باشر السماع مع ضعفه بينه وبينه عمران رجل والرواية التي فيها موصولة بالعنعنة.

مداخلة: فيه إكمال: وهذا النوع الثاني من أنواع النذر المنعقد عند الحنابلة رحمهم الله تعالى.

الشيخ: يكفي هذا.

س: .. الدعاء لهم بالهداية ..؟

ج: .. إلا إذا آذوا المسلمين يدعى عليه مثل ما دعا قال: اللهم اهد دوسًا وأت بهم، ودعا لأهل ثقيف أن الله يهديهم لكن إذا آذوا .. إذا آذوا المسلمين يدعى عليهم.

س: صفية عمة رسول الله ﷺ...؟

ج: أم الزبير رضي الله عنها.