باب ما جاء في التطير
وقول الله تعالى: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:131]، وقوله تعالى: قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19].
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر أخرجاه. زاد مسلم ولا نوء ولا غول.
ولهما عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة . ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال: "ذكرت الطيرة عند رسول الله ﷺ فقال: أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما؛ فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.
وله من حديث ابن مسعود مرفوعا: الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل رواه أبود داود والترمذي وصححه. وجعل آخره من قول ابن مسعود.
ولأحمد من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما: من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقولوا: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك.
وله من حديث الفضل بن عباس: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك.
الشيخ:
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فهذا الباب في التطير، لما كان التطير موجودًا في الجاهلية وفي الإسلام يبتلى به الكثير من الناس عقد المؤلف رحمه الله، وهو أبو عبد الله، شيخ الإسلام في زمانه، والمجدد لما اندرس من معالم الإسلام في وقته، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، وهو الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ سليمان بن علي التميمي الحنبلي رحمه الله، المتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية.
يقول رحمه الله: "باب ما جاء في التطير" والتطير: مصدر تطير تطيرًا، وهو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات يقال له التطير، التشاؤم بالمرئي أو المسموع إذا أمضى الإنسان أو رده يسمى تطيرًا، وكانت الجاهلية تستعمل ذلك وتبتلى بذلك فأبطله الإسلام، وبين لهم أن التطير باطل لا حقيقة له، ولما قال له بعض الناس: يا رسول الله، إن الإنسان يجد في صدره كذا وكذا، قال: ذاك يجده أحدكم في صدره فلا يصدنكم! يعني وساوس يجدها الإنسان في صدره فلا ينبغي أن يصده عن حاجته، يقول الله جل وعلا: أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:130-131] يعني ضعفاء العقول وضعفاء الإيمان إذا أصابتهم نكبة تطيروا بموسى وقالوا هذا من شؤم موسى وهذا من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، قال الله جل وعلا في حقهم: إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ [الأعراف:131]، يعني نحسهم وشرهم بأسباب ذنوبهم ومعاصيهم وكفرهم هو عند الله جل وعلا، أصابهم بسبب ما تلبسوا به من الكفر والمعاصي، وفي الآية الأخرى قالوا: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19] لما قالت أعداء الرسل للرسل: إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ [يس:18] قالت لهم رسلهم: طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس:19]، يعني نحسكم وشركم معكم، وهو كفركم وضلالكم، هو الذي أصابكم، وحصل به البلاء عليكم، ولكن القوم لا يفقهون، كفار لا يفقهون ما هم فيه من الباطل، ولا يشعرون بما هم فيه من الباطل لضلالهم وجهلهم، ولهذا عبدوا الأشجار والأحجار من دون الله وشركوها مع الله، كل هذا من الجهل والضلال وقلة البصيرة، ولو كان عندهم بصيرة لعرفوا أن الذي ينجيهم في الشدائد هو الذي ينجيهم في الرخاء، وهم في الشدائد يخلصون لله العبادة كما قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت:65] وقال جل وعلا: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:67] يعني ذهب من تدعون إلا إياه فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [الإسراء:67] هذه حالهم لجهلهم عند الشدائد يخلصون لله العبادة وعند الرخاء يعبدون معه الآلهة والأصنام، وهذا كله من الجهل الكبير.
فالواجب على المسلم مهما كان الحذر من التطير وحساب نفسه والجهاد لها حتى يستقيم على الحق وألا يتطير بشيء مما يرى أو يسمع، بل يتوب إلى الله من ذنوبه وسيئاته ويعلم أن ما أصابه هو بسبب ذنوبه فليحذر وليبادر بالتوبة، وليحذر خلق الجاهلية وهو التطير، ولهذا يقول ﷺ: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول كل هذا إبطال لها، إبطال العدوى والطيرة وقوله: لا عدوى يعني لا حقيقة لها؛ لأن الجهلة تعتقد أن هذه الأشياء تؤذي بطبعها كالجرب ونحوه، بين النبي ﷺ أنه لا عدوى، الأمر بيد الله هو الذي ينقل المرض من هذا إلى هذا، فلما قال ﷺ في بعض الأحاديث: لا عدوى قال بعض الحاضرين من البادية: يا رسول الله، الإبل تكون كذا وكذا في الصحة، فيدخل فيها البعير الأجرب فتجرب! فقال ﷺ: فمن أعدى الأول المقصود الذي أنزله بالأول هو الذي أنزله بالبقية، لكن اختلاط الصحيح بالمريض من أسباب النقل، من أسباب نقل المرض في بعض الأمراض؛ فلهذا قال ﷺ: لا يورد ممرض على مصح لا يورد عند إيراد الماء لا يورد مورد على مصح، يعني تكون الإبل الصحاح وحدها والجرب وحدها؛ من باب اتقاء الخطر والبعد عن أسباب الشر.
وقال ﷺ: فر من المجذوم فرارك من الأسد لما كان الجذام مما جرت العادة أنه ينتقل قال: فر من المجذوم، هذا من باب البعد عن أسباب الشر، وإلا فالعدوى لا حقيقة لها باطلة، لأنها لا تعدي الأشياء بطبعها بل الله الذي يقدر ذلك وينزل ذلك .
والطيرة: التشاؤم بالمرئيات، هذه الطيرة إذا أمضى الإنسان في حاجة أو رده عنها هذا هو التطير.
ولا هامة الهامة طائر يتشاؤمون به، يقولون: إذا وقع على بيت أحدهم أنه يموت، وهذا من جهل الجاهلية ويسميها بعضهم البومة، وإنها إذا صاحت على ديار أحدهم معناها أنها تنعاه، وأنه سيموت، وهذا من الجهل وبين النبي ﷺ أنها باطل، وأن هذا لا أصل له.
ولا صفر كذلك بعض الجاهليين يتشاءم بصفر شهر صفر، أبطل النبي ﷺ هذا وأن صفر مثل غيره من الشهور لا يتشاءم به، وليس فيه ما يوجب التشاؤم. بل هو كمحرم وربيع لا يجوز التشاؤم بشيء منها.
وقال بعضهم مرادهم بصفر أنها دابة في البطن يقال لها صفر، ولكن الصحيح المعروف عند أهل العلم أن المراد به الشهر المعروف، بعض الجاهليين يتشاءمون به فأبطل النبي ﷺ ذلك .
كذلك ولا نوء ولا غول بعضهم يتشاءم ببعض الأنواء إذا طلع بعض الأنواء، قال: يقع كذا يقع كذا وهذا باطل، الأنواء ما عندها حل ولا عقد، الأنواء خلقها الله زينة للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها، ليس عندها حل ولا عقد.
ولا غول يعني ليست الغول تعمل بنفسها، بل هي من جنس المخلوقات الأخرى يقال لها شعار الجن، مخبلات الجن، تغتال الناس في البراري، فهي مخلوقة من جنس المخلوقات الأخرى وسائر الجن قد تقع، وليست بمستقلة بل مما يقدر الله أن تقع لبعض الناس، تتصور قدامه بصورة كذا أو صورة كذا، أو تركب معه على ردفه أو تتصور قدامه في صورة بشعة شيء قبيحة توحشه فينبغي بمثل هذا إذا رأى مثل هذا أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ويكفيه ذلك والحمد لله!
فالعاقل لا يهمه هؤلاء يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ولا يبال بها.
وقال ﷺ لما قيل له الطيرة قال: أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا الفأل فيه نوع من التشابه بالطيرة؛ لكن الفأل ما يرد، والطيرة ترد، فالفأل خرج عن الطيرة بكونه لا يرده، يتفاءل ولا يرده، مثل الإنسان المريض سمع إنسانًا يقول: يا معافى أو يا مشفي أو يخاطب غيره بأسلوب الشفاء فسره هذا الكلام، هذا من باب التفاؤل، أو إنسان يدور ضالة يلتمس ضالة فسمع إنسانًا يقول: أبشر أو يا واجد، أو أدركت مطلوبك أو كذا فيفرح بالكلام الطيب، ولا ترده عن حاجته.
فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، الحسنات هنا: النعم والخيرات، والسيئات: المصائب، فيقول عندما يجد ما يكره: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، يعتمد على الله، ويعلم أن كل شيء بيده ، فهو الذي يأتي بالحسنات، وهو الذي يدفع السيئات، وهو الذي بيده الحول والقوة جل وعلا.
وهكذا الحديث الذي بعده: الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا؛ ولكن الله يذهبه بالتوكل بين النبي ﷺ أنها شرك؛ لأنها تشاؤم بالمرئيات وإذا ردته عن حاجته، نوع من الشرك الأصغر، قال: وما منا هذا من كلام ابن مسعود، هذا موقوف على ابن مسعود، ولهذا قال الترمذي: وجعله من قول ابن مسعود ما هو من كلام النبي ﷺ؛ بل من كلام ابن مسعود يعني قد يقع في نفوس البعض منا، ولكن الله يذهبه بالتوكل، يعني قد يقع في نفسه شيء من التشاؤم ولكن بتذكره أن الأمور بيد الله يتوكل على الله ويذهب عنه ما يجد، مثل ما تقدم: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ومثل ما في حديث عبد الله بن عمرو: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك يقمع به الوساوس، هذه ترد الوساوس، وتقمع الشيطان.
وحديث الفضل بن العباس: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك، هذا معروف مما تقدم من ردته الطيرة عن حاجته، الطيرة التي توجب الرجوع عن الحاجة، أو المضي في الحاجة وأنت قد هونت عن المضي فيها هذه الطيرة، أما كونه يتفاءل ويمشي في حاجته ولا ترده عن حاجته هذا ليس بطيرة، الطيرة ما أمضاك وأنت لا تريد المضي أو ردك وأنت تريد الذهاب فتشاءمت، إنسان خرج مسافراً فرأى كلبًا أسودًا أو رأى حمارًا ما ناسبه أو رأى وسمع صوتًا ما ناسبه فرجع عن السفر هذه الطيرة، أو ما هو مسافر فسمع كذا وكذا صوت يناسبه فقال: سأسافر بسبب هذا الصوت، لا يمضي في حاجاته متوكلاً على الله جل وعلا، وإن سمع صوتًا يسره فرح بذلك ولا يرده عن حاجته ولا يمضي في حاجته، وإن سمع ما يكره لا يرده عن حاجته؛ بل يقول: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك، يعني يعتمد على الله في مضيه ورجوعه ولا يلتفت إلى التشاؤم بالمرئي أو المسموع.
وفق الله الجميع.
الأسئلة:
س: الغول هل تقصد بها الشيفة عند العامة، يسمونها الشيفة؟
الشيخ: ما أدري والله ما سمعت الشيفة.. لكن مقصودها قد يبرز قد يبرز، الأذان يطردها.
س: هذا امرأة عقد عليها زوجها ثم بعد ذلك اتضح أن في عضوه شيء من الخلايا السرطانية، فأخذت تتكلم وتشاءمت، فهل يجوز لها أن تطلب منه الطلاق؟ وهل هذا من التشاؤم يعتبر؟
الجواب: لا ما هو من التشاؤم، هذا من باب الاختلاط، إذا طلبت الطلاق فلا بأس، إذا ثبت أنه السرطان وما أشبه هذا عذر شرعي، هذا ما هو من التشاؤم، هذا من البعد عن الخطر.
س: هو عالج نفسه وطاب؟
الشيخ: إذا طاب الحمد لله.
الطالب: لكن ما زالت تطالبه بالطلاق؟
الشيخ: لا، لا ينبغي لها أن تطالب.
س: بعض طلاب العلم يخضع العلم، يخضع أسانيد البخاري ومسلم للدراسة والنقد، فيقول مثلاً لما يورد سند البخاري هذا حديث حسن ومسلم كذلك؟
ج: هذا .....، الأئمة اتفقوا على قبول الصحيحين إلا أشياء يسيرة انتقدها الدارقطني في مسلم، وإلا الأئمة اتفقوا على قبول رواية الصحيحين، وإنها بحمد لله بعد الدراسة والعناية اتضحت سلامتها في جهة أسانيدها، والمؤلفان البخاري ومسلم قد اجتهدا في ذلك واختاراها من جملة أحاديث رحمة الله عليهما وأسانيدها واضحة.
س: رواية أبي الزبير عن جابر؟
ج: مسلم رحمه الله اختارها؛ لأنه ظهر له منها أنه سمعها، اختار ما سمعه أبو الزبير؟
س: سوى حادث في طريق وكره أنه يأتي بها البتة؟
الشيخ: نعم؟
الطالب: سوى رجل حادث في طريق وكره أنه يمر بها مرة ثانية البتة؟
الجواب: لا، لا ما ينبغي هذا لا، لا يتشاءم يسأل ربه في توكله على الله .. الخير إن شاء الله.
س: بعض الناس تنكر عليهم ويزيد مثلاً مطول على المسجل يزيد المسجل، إذا صار يدخن يبخ في وجهك؟
ج: تدعو له بالهداية، بعض الناس سفيه لا يزيده الإنكار إلا شرًا؛ لكن ينبغي للمؤمن أن يكون أعقل منه، يحلم يصبر، ويقول: الله يهديك، الله يعيذك من الشيطان، حتى يكون خيرًا منك.
س: قول يا الله فأل خير؟
الجواب: ما فيه شيء.
س: .. حادث لما يتشاءم من السفر؟
ج: لا ينبغي له.
س: الراجح في معنى قولهم هذا سند على شرط الشيخين أو على شرط مسلم ما الراجح في هذا؟
ج: يعني رجاله رجال الشيخين.
س: حديث: العلم فريضة على كل مسلم؟
ج: لا بأس به له طرق جيدة يشد بعضها بعضا، فريضة على كل مسلم، يعني: طلب العلم الشرعي الذي يعرف به دينه.
ج: الفأل هل يكون كذلك بالمرئي كما كان يسر الرسول ﷺ .. بالوجوه الحسان؟
ج: هذا من الفأل.
س: بعضهم يقيدها ..؟
ج: لما جاء سهيل بن عمرو يوم الحديبية قال: سهل لكم الأمر ..
س: ظهر قبل فترة بارك الله فيك بعنوان ضعيف كتاب التوحيد فشدد بعض المشايخ وأنكر على مؤلفه قال....
...