38 باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ.

وقوله: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين أخرجاه.

ولهما عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار. وفي رواية: لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى..." إلى آخره.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك؛ وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا" رواه ابن جرير. وقال ابن عباس في قوله تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ قال: "المودة".

 

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

اللهم وصل وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فهذا الباب في بيان إثبات محبة الله، وأنها من أهم المهمات، ومن أرغب العبادات، وأنها أساس لهذا الدين، فإن حبه سبحانه وتعالى يقتضي إخلاص العبادة له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: "باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]" يبين سبحانه وتعالى أن بعض الناس يتخذ أندادًا من دون الله من الأصنام والأشجار والأحجار والأنبياء والملائكة والجن وغير ذلك يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يعني: يحبونهم محبة العبادة كَحُبِّ اللَّهِ يعني: كحبهم إلى الله أو كحبهم الله على أحد التفسيرين، والمقصود بهذا بيان أن هؤلاء المشركين ضلوا في هذا السبيل حيث أحبوا مع الله غيره محبة عبادة فخضعوا لهم وعبدوهم بالنذور والذبائح والدعاء وغير ذلك، والواجب عليهم أن تكون كون محبتهم لله وحده خالصة؛ لأنها محبة عبادة تقتضي إيمانهم به، وتقتضي طاعة أوامره، وترك نواهيه إلى غير ذلك.

أما محبة غيره فتكون تابعة لمحبته، يحب الرسل لله لأنهم رسل الله، يحب المؤمنون في الله لأنهم أولياء الله أطاعوه، هذه المحبة لله وفي الله، أما حب العبادة فهذا خاص بالله وهي محبة الخضوع والذل والاستكانة والطاعة والامتثال، هذا خاص به جل وعلا يكون لغيره.

فيجب على العبد أن يحب الله محبة صادقة تقتضي إخلاص العبادة له واتباع شريعته وطاعة أوامره التي جيء بها رسله وترك نواهيه، بخلاف أهل الشرك فإنهم أحبوا أندادهم كحب الله كما أحبوا الله، بل بعضهم زاد حبه لأنداده أكثر من حب الله، فصاروا يعبدون أندادهم ويخلصون لهم الدعاء وينذرون لهم ويسجدون إلى قبورهم ويتقربون إليهم بالذبائح والنذور، ولو قيل لهم: افعلوا هذا لله كسلوا وضعفوا فصار محبتهم لأندادهم أشد وبعضهم يجرأ على الحلف بالله كاذبًا ولا يجرأ على الحلف بشيخه ومعبوده من دون الله كاذبا، ويقول: إنه أسرع انتقاما من الله لي، وما أشبه ذلك مما يقوله أعداء الله الذين ابتلوا بالشرك بالله وتعظيم محبة الغير على محبة الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] المؤمنون أشد حبا لله من حب هؤلاء لأندادهم؛ لأنهم أخلصوا لله العبادة، وعرفوا حقه عز وجل، وصاروا يحبونه محبة عظيمة فوق محبة هؤلاء الضالين لأندادهم، ولهذا أخلصوا له العبادة، ودعوه وحده، ينذرون له وحده، وصرفوا له العبادة كلها سبحانه وتعالى، وخضعوا لأوامره، ووقفوا عند حدوده، ونفذوا أوامره، ولم يعصوه سبحانه وتعالى، وتابعوا رسله، وعرفوا أن الرسل إنما هم مبلغون دعاة وليسوا آلهة معبودين وإنما هم يبلغون عن الله فيجب طاعتهم واتباعهم وتعظيم أمرهم ونهيهم ومحبتهم في الله تبعًا لمحبة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعدها: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني المشركين إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165] إذا رأوا ذلك واستحضروه لأحبوا الله أكثر، ولعظموه أكثر، ولأخلصوا له العبادة، ولكن لجهلهم بالله وقلة بصيرتهم أوقعتهم في الشرك بالله عز وجل.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [البقرة:166] فالذين اتبعوا من أولياء الله من المؤمنين ومن الرسل تبرؤوا من عابديهم الذين تبعوهم وعبدوهم في الشرك وقلدوهم في الشرك، هؤلاء المؤمنون يتبرؤون منهم يوم القيامة، كما يتبرأ الرسل من عابديهم يوم القيامة ويقولون: تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ [البقرة:166] يعني أولئك المتبعون لأئمتهم في الباطل ولأعداء الله وتقطعت بهم الأسباب يعني لم يبق لهم سبب يتعلقون به؛ لأنهم أشركوا بالله فبطلت أسبابهم فصاروا إلى النار نعوذ بالله من ذلك وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا [البقرة:167] الكرة: يعني رجعة إلى الدنيا فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] لأنهم تابعوا أهل الباطل وتابعوا أهل الشرك، وتركوا عبادة الله وحده وتركوا اتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام فلهذا هلكوا وأراهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار؛ بسبب شركهم وكفرهم واتباعهم الباطل الذين نهاهم الله عنه ونهتهم عنه الرسل عليهم الصلاة والسلام.

والمقصود من هذا أن الواجب إخلاص العبادة لله وحده ومحبته سبحانه المحبة الصادقة التي تقتضي إخلاص العبادة له وطاعة أوامره وترك نواهيه ويجب أيضا البراءة من عبادة غيره وإنكارها واعتقاد بطلانها وأن العبادة حق الله وحده كما قال تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2، 3] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب إخلاص العبادة له وحده سبحانه وتعالى وأن الواجب محبته المحبة الصادقة الخاصة، المقتضية لطاعته واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى.

أما محبة الغير فلا بد أن تكون تابعة لمحبة الله فيحبوا الرسل لأنهم بلغوا عن الله وأدوا الحق الذي عليهم فيحبون في الله محبة تقتضي اتباعه وطاعة أوامرهم وتقديمهم هديهم على غيرهم، وهكذا المؤمنون يحبون في الله بطاعتهم لله وإيمانهم بالله ولا يعبدون ولكن يحبون محبة الولاية والمحبة التي أوجب الله لهم؛ لأنهم أطاعوا الله ولأنهم عبدوا الله فيحبهم في الله؛ لأنهم إخواننا أطاعوا الله فنحبهم في ذلك لا محبة عبادة ولكن محبة موالاة لهم ورضا بأعمالهم الطيبة التي عبدوا بها ربهم سبحانه وتعالى .

أما المحبة الطبيعية التي طبع الله العباد عليها كمحبة ما يناسب الإنسان من أكل وشرب أو نساء أو أولاد، فهذه محبة لا تقدح في حب الله ولا تضر محبة الله إذا لم يؤثرها على محبة الله، إذا كانت لم تضر محبة الله، ولم تضر محبة أوليائه، ولكنها محبة طبيعية تقتضي موجباتها من الإحسان إلى الأولاد، من الإحسان إلى الزوجات، من قضاء الوطر والإنفاق إلى غير ذلك، فإذا زادت محبة الأولاد والأهل ونحو ذلك حتى صارت قادحة في محبة الله ومضرة بها بأن أطاع أهله أو ولده أو إخوته أو أصدقاءه أطاعهم في معصية الله، كان تلك المحبة مؤثرة في حب الله ومنقصة الإيمان ومضعفة للإيمان بقدر ما آثرها على محبة الله عز وجل، ولهذا قال النبي ﷺ: إنما الطاعة بالمعروف.

فهذه المحبة للأهل والأولاد لا بد أن تكون مقيدة بطاعة الله ورسوله، لا تزيد على ذلك، ولا تخرج عن ذلك، فإذا خرج في حبه لزوجته أو لأبيه أو لأمه أو لأصدقائه عن ذلك حتى أطاعهم في معصية الله صارت هذه المحبة قادحة في إيمانه ومضعفة لإيمانه وقادحة في محبته لله سبحانه وتعالى.

وعن أنس  عن النبي ﷺ أنه قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. هذا يدل على وجوب محبة الرسول ﷺ محبة تليق به عليه الصلاة والسلام، تقتضي اتباعه وطاعة أوامره وترك نواهيه، هذا هو الواجب، وليست محبة عبادة، العبادة حق الله وحده، ولكنها محبة طاعة وامتثال وإيمان بما جاء به من الرسالة، واتباعا لشريعته التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، فتكون محبة الرسول ومحبة الرسل جميعا والمؤمنين كلها تابعة لمحبة الله عز وجل؛ لأنهم أولياؤه، ولأنهم رسله، ولأنهم بلغوا فنحبهم لذلك ونطيعهم فيما جاءوا به ونترك ما ينهون عنه؛ لأنهم رسل الله ويبلغون عن الله، ولا نعبدهم لأنهم آلهة، لا نعبدهم مع الله، ولا ندعوهم مع الله، ولا نذبح لهم، ولا ننذر لهم، لا، بل ذلك حق الله وحده سبحانه وتعالى.

وهكذا حديثه الثاني: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار .

وفي الرواية الثاني: لا يجد أحدكم حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وحتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

وهكذا الآية الكريمة في سورة براءة قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24] تدل على وجوب تقديم محبة الله ومحبة رسوله على هؤلاء الآباء والأنباء والإخوة والأزواج والعشيرة والتجارة وغير ذلك، يجب أن تقدم هذه المحبة على هؤلاء، وأن يكون حب الله مقدما بحيث يطيع أمر الله، وينتهي عن نهي الله، ويقف عند حدوده ولو خالف هوى أبيه أو أمه أو أخيه أو زوجته أو نحو ذلك، وهكذا الجهاد في سبيله يجب أن يقدم هذا الجهاد على هوى النفس، وهو زيد وعمرو.

إذا وجب الجهاد أو جاء النفير وجب أن يقدم ذلك على هوى النفس وعلى هوى زيد أو عمرو أو الأب أو الأم أو الجد أو الخال أو ما أشبه ذلك ولهذا قال: فَتَرَبَّصُوا يعني: من قدم هذه الأشياء على محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله فهو متوعد قال: فتربصوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة:24] فدل ذلك على أن إيثار هذه الثمانية المذكورة على حب الله ورسوله حتى يدع ما أوجب الله ويفعل ما حرم الله من أجل ذلك .. صاحبه يستحق الوعيد ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا ما ذكر في حديث أنس لا يدخل الإيمان ولا يتم الإيمان إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.

فلا يتم إيمانه إلا بهذا أن يكون حبه لله هو أكمل حب، وأتم حب، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، لا لأجل أمر آخر من نسب أو مال فيحبه لله وفي الله، هذا من كمال الإيمان، ومن تمام الإيمان أن تحب إخوانك في الله لأجل الله لأجل طاعتهم لله، هذا واجب ولهذا أخبر النبي ﷺ أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه.

وكذلك يجب أن يكره العودة في الكفر والوقوع في الكفر كما يكره أن يقذف في النار، يجب بغض الكفر والبراءة منه ومن أهله، كما قال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4].

فيجب على المؤمن أن يتبرأ من الكفر، وأن يعتقد بطلانه، وأن يتبرأ من أهله وألا يواليهم وألا يتخذهم أصحابا وأخدانا وأولياء، بل يبغضهم في الله، ويكرههم في الله، ويتبرأ من الكفر بالله، ويعتقد بطلانه حتى يؤمن أولئك ويدخلوا في دين الله سبحانه وتعالى.

وهكذا قول ابن عباس: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك" يعني: تنال ولاية الله الكاملة بحبه في الله وبغضه في الله وموالاته في الله ومعاداته في الله لا لأجل أمر آخر فإذا أحب العبد لله وأبغض لله ووالى في الله وعادى في الله فهذا هو كمال الإيمان، وهذا هو تمام الإيمان، ثم قال بعده: "ولن يجد عبد طعم الإيمان يعني حلاوته ولو كثرت صلاته وصومه ولو كان عابدا حتى يكون كذلك" يعني: حتى يحب في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله.

ثم قال ابن عباس: "وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على هذه الدنيا". هذا في زمانه فكيف بحالنا؟ قد صارت عامة مؤاخاة الناس على هذه الدنيا يعني: غلب على الناس الحب في الدنيا والبغض في الدنيا. وهذا أمر خطير!

 وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على هذه الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا، لا يجدي عليهم لا ينفعهم بل يضرهم إذا ثبطهم عن الحق وصدهم عن الهدى، أما إذا اشتغلوا في الدنيا للبيع والشراء وطلب الرزق على وجه لا يضر إيمانهم ولا يوقعهم في المعاصي، ولا يوقعهم فيما حرم الله عليهم من الربا، ولكنهم يتعاطون ما أباح الله، ويستعينون بنعم الله على طاعة الله، ولا يصدهم ذلك عن حق الله، ولا يوقعهم في محارم الله فهذا لا حرج فيه قال تعالى: وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [البقرة:166] قال: "المودة" يعني: مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا على غير دين الله انقطعت بهم يوم القيامة وخانتهم يوم القيامة، كما قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فالمحبة التي بين الناس للدنيا على الشهوات وعلى المعاصي والمخالفات هذه لا تنفعهم بل تضرهم يوم القيامة وإنما ينفعهم يوم القيامة حبهم في الله وبغضهم في الله وموالاتهم في الله ومعاداتهم في الله؛ لأنه عمل صالح، فيحسب لهم من أعمالهم الصالحة، ويضاعف في موازين أعمالهم الصالحة، فينفعهم أما ما يتعلق بالدنيا وشهواتها والتحاب فيها فقط فهذا لا يجزي على أهله شيئا ولا ينفعهم بل يخونهم ذلك اليوم، يعني: يوم القيامة، فلا يجدون لهم فائدة بل يضرهم إذا كان ذلك الحب أوقعهم في معاصي الله أو ثبطهم عما أوجب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وفق الله الجميع.