باب من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله
وقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت.
ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية.
وعن أنس أن رسول الله ﷺ قال: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة.
وقال النبي ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط حسنه الترمذي.
الشيخ: يقول الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه: "باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله" أراد المؤلف بهذه الترجمة بيان أن الصبر على المصائب من واجبات الإيمان، وأن الواجب على المؤمن ألا يجزع إذا أصابته مصيبة في نفسه أو في ماله أو في ولده أو غيره من أقاربه، فيتحمل ويتصبر ولا يجزع، قال الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156] أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] ويقول : وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] ويقول النبي ﷺ: ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خير وأوسع من الصبر فمن الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله، وعدم الجزع، قال الله جل وعلا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن:11] "قال علقمة" يعني: ابن قيس النخعي أحد التابعين "هو الرجل تصيبه المصيبة" يعني: في نفسه أو في ماله أو في ولده "فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم" هذا معنى وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] يعني يؤمن بأن الله قضى هذه القضية وقدرها عليه فيحتسب ويصبر ولا يجزع، فإن الله يهدي قلبه للخير ويطمئنه ويثبته بسبب عمله الطيب.
وهكذا جميع القضايا، هكذا يجب على المؤمن سواء كان في نفسه أو في جماعته أو في بلده أو في المسلمين لا يجزع بل يتصبر ويتحمل ويسأل ربه العافية ويدعو الله بما يحب من الدعوات الطيبة ولإخوانه المسلمين ولا يجزع.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: اثنتان في الناس هما بهم الكفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت.
الطعن في النسب تنقص الأنساب، وعيب الأنساب تكبرا وتعاظما وازدراء للناس واحتقارا لهم، هذا من أنواع الكفر، المنكر يعني من أنواع القبائح والمنكرات، "وقوله: كفر" يعني: شعبة من شعب الكفر، وهذا كفر دون كفر، ليس من الكفر الأكبر بل هو من الكفر الأصغر الذي يقع في الناس، وكثير من الناس يتنقص أنساب الناس ويطعن فيهم؛ تفاخرا أو تكبرا أو حقدا منه على آل فلان أو آل فلان، وهذا لا يجوز؛ بل يجب على المؤمن أن ينزه لسانه عن ذلك، ولهذا قال ﷺ في الحديث الآخر: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت هذا كله من أعمال الجاهلية، أما إذا كان على سبيل التعريف، لو كان من باب التمييز فلان من سبيع فلان من بني هاشم فلان من كذا يبين أسباب الناس لا من قبيل الطعن ولا من قبيل التنقص بل من باب الخبر فهذا لا بأس به، وليس داخلاً في هذا.
والثاني: النياحة، وهي المقصودة هنا لأنها تدل على الجزع، فلا يجوز للمؤمن النياحة وهي رفع الصوت بالصياح: وا كفياه، وا انكسار ظهراه، وا انقطاع ظهراه، وما يعتبر من النياحة، أما دمع العين وهو البكاء فلا بأس، كما قال ﷺ: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون فدمع العين لا يؤاخذ به ، ولكن رفع الصوت وهو النياحة هذا هو الممنوع، وهو نوع من الجزع ضد الصبر. والواجب الصبر.
وهكذا حديث ابن مسعود: ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية؛ لأن هذا نوع من الجزع، ضرب الخدود وشق الجيوب أو غير الجيب لكن الغالب أنها ..... المرأة من شدة الجزع، والدعاء بدعوى الجاهلية التي يفعلها الجاهليون، وا انقطاع ظهراه، وا انكسار ظهراه، وا كاسياه، وا ناصراه؛ ما يفعله الجهال هذا كله منكر، فيجب التحمل والصبر والثبات، والعلم بأن الله قدر هذه الأقدار وقسمها ولا بد من الموت؛ الموت لا بد منه، وهكذا المصائب الأخرى إذا أصابه فقر أو مرض أو مات ولد له أو أصابه شيء من آفات الدنيا فالواجب الصبر والتحمل وعدم الجزع وعدم عمل الجاهلية؛ ولكن يتحمل ذلك ويصبر، ولا يقول إلا ما يرضي الرب، ويسأل ربه العافية، ويستعين به على أمور دينه ودنياه، ويتعاطى الأسباب التي شرعها الله جل وعلا من الصلاة من قوله: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، ويتعاطى الأسباب التي شرعها الله جل وعلا.
وهكذا قوله في حديث أبي موسى عند الشيخين يقول ﷺ: أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة فالصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها، والشاقة: التي تشق ثوبها، وكل هذا من أمر الجاهلية.
ويقول عليه الصلاة والسلام: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا إذا أراد الله تكفير سيئاته قد تعجل له العقوبة، إما بفقر، وإما بمرض، وإما بتلف مال، وإما بهلاك الزراعة، وإما بغير هذا من أنواع المصائب، ويصبر ويحتسب فيكفر بها خطاياه وسيئاته. وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه ذنبه، وبقي معافى في بدنه، معافى في ماله، معافى في كل شيء حتى يوافي بذنوبه كاملة يوم القيامة، نسأل الله العافية، فتكون العقوبة أشد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمعنى أن مصائب الدنيا تكفر بها الذنوب والعقوبات، وقد يمحا بها جميع ما على العبد من سيئاته بسبب كثرة ما أصابه من المصائب، فالمؤمن لا يجزع بل يصبر ويحتسب، ويرجو من الله أن يكفر بها خطاياه، وأن يحط بها سيئاته، هكذا يكون المؤمن.
والحديث الآخر يقول: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط يعني: كلما عظم البلاء عظم الجزاء، إذا اشتد المرض صار الأجر أكثر، وإذا اشتدت المصيبة في المال أو في الولد أو في غير ذلك صار الجزاء أعظم، وصار الثواب أكبر.. إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم يبتليهم ليمحصهم وليزيل خطاياهم، حتى يلقوه وهم نقيون من الذنوب سالمون؛ فيدخلون الجنة من أول وهلة، وفي هذا المعنى يقول ﷺ: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، في الرواية الأخرى: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه البلاء والمقصود: أن ما يصيب العبد من أنواع البلايا إذا كان مؤمنا إذا كان طيبا فإن الله يكفر بها من خطاياه، ويحط بها سيئاته، وقد تكون عقوبة عاجلة فيسلم بها من عقوبة الآخرة، فينبغي له أن يرضى ويحتسب ويسلم ويصبر وأن يحذر الجزع.
وفق الله الجميع