58 باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]

ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]: يشركون".

وعنه: "سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز".

وعن الأعمش: "يدخلون فيها ما ليس منها".

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180] يبين سبحانه أن له الأسماء الحسنى التي لا يعتريها نقص، بل هي كاملة: كالحكيم، والعزيز، والرؤوف، والقدير، والقدوس، والملك، ونحو ذلك، كلها أسماء حسنى دالة على المعاني العظيمة، موصوف بها ربنا على الوجه اللائق به ، فيدعى بها ، فيقال: يا رحمن، يا رحيم، يا عزيز، يا حكيم اغفر لنا، ارحمنا، أنجنا من النار، فهو يدعى بها  وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180] الإلحاد فيها هو الميل بها عن الحق والإشراك مع الله فيها ، كمن جعل لغير الله شيئا من العبادة كاللات والعزى والأصنام، قد أشرك فيها مع الله غيره وجعلها إلها له ولغيره، فصار كافرا بذلك، وهكذا من ألحد فيها بأن مال عن الحق وزعم أنه لا معنى لها كالجهمية والمعتزلة الذين نفوا صفات الله، أو نفوا أسماءه وصفاته جميعا، فقد ألحدوا في ذلك، يعني مالوا عن الحق، الإلحاد الميل عن الحق، ومنه اللحد في القبر.

فالملحد هو المائل عن الحق الذي صدف عنه، وأعرض عنه، فيدخل فيه الكفار جميعهم فإنهم ملحدون، وهكذا أهل البدع من نفاة الصفات والأسماء وغيرهم من أهل البدع قد ألحدوا، لكن الإلحاد قسمان: إلحاد كامل: وهو ما يقع من الكفرة، وإلحاد ناقص: وهو يقع من بعض المسلمين في عدم انقيادهم إلى الحق على التمام والكمال، فيكون لهم نوع إلحاد، وهو ميل عن الحق، فيفوتهم من الإيمان، ويفوتهم من الإسلام بقدر ما عندهم من الإلحاد.

فالواجب على المؤمن أن يكون منقادا للحق ثابتا عليه متصفا به ملتزما به حتى لا يزيغ عنه يمينا ولا شمالًا.

قال الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها، أي يدخلون في أسماء الله ما ليس منها، هذا نوع من الإلحاد كونه يسمي الله بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، هذا نوع من الإلحاد، نوع من الباطل، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، وكذلك قول بعضهم: اللات أنها من الإله، والعزى من العزيز، هذا نوع من الإلحاد، ولهذا سموا إلههم في الطائف: اللات، وقالوا إنه مؤنث إله، وسموا العزى من العزيز، اشتقوها من ذلك، وكله باطل.

فالعزى لا وجه لها، وهي شجرة لا حق لها، وإنما زين لهم الشيطان عبادتها، وهكذا اللات صخرة أو ميت قد انقطعت أسبابه، لكن الجهال جعلوه إلها لهم، وعبدوه من دون الله، وهكذا مناة صخرة معروفة ..... عند قديد عبدها الأوس والخزرج وجماعة منهم، وكله ضلال وإلحاد.

والواجب أن يعبد الله وحده ، وأن يخص بالعبادة، فتسمية آلهة المشركين آلهة إلحاد ونفي الصفات وتأويلها إلى غير معناها، إلحاد ونفي الأسماء بالكلية، إلحاد ونفي بعضها أو تأويل بعضها إلحاد، فالإلحاد يتفاوت ويختلف بعضه أشد من بعض.

وهكذا الميل عن الحق في تعاطي المعاصي والسيئات والميل عن العدالة نوع من الإلحاد، لكنه إلحاد أصغر غير الإلحاد الأكبر الذي يقع من الكفرة بعبادة غير الله، وبإنكارهم ما أخبر الله به على ألسنة الرسل، فمن كذب الله أو عبد معه غيره فقد ألحد إلحادًا يجعله من الكافرين، وهكذا من نفى صفات الله وأسمائه كالجهمية ونحوهم ألحد إلحادا يلحقه بالكافرين عند أهل السنة والجماعة، ومن ألحد في بعض الشيء فأول بعض الصفات فهذا له نصيب من الباطل وعليه وزره في ذلك، ولكن لا يخرجه ذلك عن دائرة الإسلام، بل هو مسلم عنده نقص بسبب ما تأوله من بعض الصفات.

والله المستعان.