64 باب ما جاء في "لو"

 باب ما جاء في اللو

وقول الله تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154]،

وقوله: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168].

في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا، وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.

الشيخ: باب ما جاء في كلمة "لو"، يعني كلمة "لو" هل تجوز، أو ما تجوز؟

المقصود من هذا بيان أنه لا ينبغي استعمالها لمعارضة القدر، بل يجب التسليم والصبر، وعدم المعارضة للقدر بقوله "لو" عند مرض، أو موت قريب، أو غير ذلك، بل يجب التسليم والصبر والاحتساب، قال الله ذاما للمنافقين: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا [آل عمران:154] هذا قاله ذمًا لهم، وعيبا لهم، وقال سبحانه: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168] كل هذا على سبيل الذم؛ فدل ذلك على أنه لا يجوز استعمالها عند معارضة القدر في مرض، أو هزيمة، أو غير ذلك، وأن هذا من شأن المنافقين، فإن قدر الله ماضٍ، وأمره نافذ ، وإنما شرع الأسباب لحكمة بالغة.

فالأسباب إذا تعاطها المؤمن، فإذا نزل القضاء فليس له أن يعترض بعد ذلك، ولهذا في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة، والسلام أنه قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل يعني هذا قدر الله، وما شاء فعل، وبعضهم ضبطه: قدَّر الله، يعني هذا الشيء الواقع، وما شاء فعل، جعل قدر فعل ماض، والله فاعل، والمعنى الأول أظهر، يعني هذا الواقع قدر الله، يعني مقدور الله، وما شاء الله فعله .

فإن لو تفتح عمل الشيطان يعني تفتح عن العبد عمل الشيطان ووساوسه وتشكيكه، فينبغي للمؤمن ألا يستعملها حتى لا يقع في حبائل الشيطان ووساوسه وتشكيكه، وإملائه ما لا ينبغي، فإن الأمور التي بيد الله ، هو الذي قدرها جل وعلا، فإذا فعل المؤمن ما شرع الله من العلاج، من السفر، من الإقامة، من الأكل من غير ذلك من الأسباب التي تعاطاها، ثم غلبه القدر؛ فليقل: قدر الله، وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، فليس الأمر بيده، بل بيد الله ؛ ولهذا قال : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، وقال النبي ﷺ: ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها، فالمؤمن هكذا تحت القدر، لكن لا يمنعه القدر من تعاطي الأسباب، يفعل الأسباب التي يستطيعها، فإذا قدر أن الأسباب لن تنفع؛ فلا يجزع، ولا يقل: لو لو، بل يقول: قدر الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، مثلاً ذهب بالمريض إلى الطبيب الفلاني، أو المستشفى الفلاني، أو المستوصف الفلاني فلم يقدر نفع الأسباب؛ فلا يقل بعد موته: لو أني سافرت به إلى الخارج، لو أني ذهبت إلى المستشفى الآخر، لو أني ذهبت إلى فلان، هذا ما ينفع قد مضى الأمر، والله لو شاء ذلك لوقع، لكن هذه المنية انتهت، والأجل قد تم، فلا ينبغي الاعتراض بقول: لو لو، أما إذا كان "لو" لبيان ما ينبغي، مثل ما قال ﷺ: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت هذا ليس للاعتراض، ولكن لبيان الأفضل، مثل لو علمت أن هذا واقع لفعلت كذا وكذا، مما يبين للناس أنه الأفضل وأنه الأحرى، ولو علمت أن فلانًا موجودًا لزرته، ولو علمت أن فلانًا مريضًا لعدته، أو ما أشبه ذلك مما يسفر عن أسفه على ما فات عليه، ليس على سبيل الاعتراض، هذا لا خلاف في هذا الباب، وإنما الممنوع هو الاعتراض على القدر، وأما إخباره وأنه لو كان كذا لفعل كذا، لو كان فلانًا موجودًا لقرأت عليه، لو كان العالم موجودًا لقرأت عليه، لو علمت أن فلانًا مريضًا لزرته، لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سفرت إلى كذا، وما أشبه ذلك، ليس هذا من باب الاعتراض، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.