باب ما جاء في المصورين
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة أخرجاه.
ولهما عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله.
ولهما عن ابن عباس: سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم. ولهما عنه مرفوعا: من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ.
ولمسلم عن أبي الهياج قال: «قال لي علي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ؟ ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته».
الشيخ: باب ما جاء في المصورين، هذا الكتاب العظيم له شأن عظيم وفوائد جمة، ولا يعرف أنه سبق التأليف على منواله إلا ما وجد في تأليف المقريزي في نحو هذا الكتاب، لكن بينهما فرق عظيم، فالمقصود أن هذا الكتاب له فائدة كبيرة رحم الله مؤلفه، ومن جملة ما فيه هذا الباب العظيم: باب ما جاء في المصورين، وقصد المؤلف بهذا الكتاب بيان توحيد العبادة، وبيان ما ينافيه من الشرك الأكبر كما تقدم، وبيان أنواعا من الشرك، وأنواعا من البدع، وأنواعا من المعاصي التي تقدح في التوحيد وتنقص ثواب أهله، ومن جملة ذلك ما يتعلق بالتصوير وكونه من الكبائر التي تنقص ..... الموحدين وتعرضهم لغضب الله وتقربهم من النار، ولهذا ذكر هذا الباب في هذا الكتاب، باب ما جاء في المصورين، فالمصورون هم الذين يضاهئون بخلق الله بتصوير الحيوانات سواء باليد، أو بأي آلة، إذا كان المصور من ذوات الأرواح مثل بني آدم أو من غيرهم كالطيور والحيوانات الأخرى، ولما كان التصوير من الكبائر وفيه من الوعيد ما فيه، رأى المؤلف رحمه الله أن يذكره في هذا الكتاب تحذيرًا لأهل التوحيد وأهل الإيمان من هذه المعصية التي تنقص إيمانهم وتضعف إيمانهم.
الحديث الأول: ذكر فيه المؤلف خمسة أحاديث، كلها صحيحة، كلها عظيمة، كلها مخرجة في الصحيحين ماعدا الأخير فقد انفرد به مسلم، يقول ﷺ: يقول الله : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة متفق عليه. المعنى: لا أحد أظلم، هذه العبارة ومن أظلم؟ استفهام معناه النفي، يعني لا أحد أظلم من هذا الذي قام بهذا العمل من هذا العامل، والمراد التحذير والتنفير من هذا العمل، ولهذا جاءت في القرآن في مواضع وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا [الأنعام:21]، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [الكهف:57] إلى غير ذلك من الآيات التي فيها هذا الأسلوب العظيم المحذر المنفر من العمل الذي ذكر في هذه الآيات، وهكذا هنا: يقول الله : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي يعني يصور كتصويري، فليخلقوا ذرة يعني إن كان عندهم قوة فليخلقوا ذرة من هذه الذرات المعروفة، يكون لها صفات هذه الذرة من العقل والشم والمشي وغير ذلك مما هو من خصائصها، وهي حيوان صغير لكن فيها عجائب هذه الذرة وغرائب، فإن كان عندهم قدرة فليخلقوا ذرة.
أو ليخلقوا حبة لها شأنها في الإنبات والنفع للناس، أو شعيرة فإذا كان حتى في الجماد يعجزون عن هذا الشيء فكيف بالحيوانات، فالمقصود أن مخلوقات الرب التي لها خصائصها لا يستطيع خلقها العباد، فالواجب أن يقف الإنسان عند حده، وأن يتقي الله في ذلك، وأن يحذر أن يقع في محارم الله فيهلك ويخسر الدنيا والآخرة.
الحديث الثاني: حديث عائشة: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله يقوله النبي ﷺ، وفي اللفظ الآخر: أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون رواه ابن عباس وغيره، وفي اللفظ الآخر: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما خلقتم.
وفي حديث ابن عباس المذكور هنا حديثين:
أحدهما: كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم.
والحديث الثاني: من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة، وليس بنافخ.
هذه كلها تدل على أن التصوير من الكبائر، وقد أجمع العلماء على ذلك، أجمع أهل العلم على أن تصوير ذوات الأرواح من الكبائر ومن المحرمات إذا كان له ظل، أما إذا كان لا ظل له كالصور في الجدران وفي الألواح وفي الملابس وفي القراطيس فقد خالف في هذا بعض التابعين، وأجمع الأئمة الأربعة والجمهور على أنه محرم أيضا كالذي له ظل، وقول الجمهور هو الصواب، فإن الأحاديث عامة تعم ما ظل له وما لا ظل له، وتعم التصوير الشمسي المعروف الآن وهو الفوتوغرافي وتعم غيره، فإنها عامة، وقد دل على عمومها قوله ﷺ لما قدم على عائشة ذات يوم فرأى على مخدع لها ستر فيه تصوير هتكه وغضب وقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم والستر ليس فيه شيء له ظل، هو من جنس التصوير الشمسي، ويدل عليه أيضا ما وقع في يوم الفتح من محوه الصور التي في جدران الكعبة، وأخذ الماء الذي قدمه له أسامة أو غيره ومحا الصور التي كانت هناك.
فالمقصود: أنه يعم ما له ظل وما لا ظل له، فالواجب الحذر من ذلك، وأن يبتعد المؤمن عن هذه القاذورة، ويحذرها لما فيها من التعرض لغضب الله وعقابه .
س: .....؟
الشيخ: وكذلك يجب إزالتها وطمسها لقوله في الحديث الأخير: لا تدع صورة إلا طمستها يعني أزلتها وغيرتها، والطمس يكون بالمحو ويكون بإزالتها وإتلافها، ولا قبرا مشرفا يعني مرتفعا إلا سويته لأن الرسول ﷺ نهى عن البناء على القبور لأنه من وسائل الشرك، وهكذا الصور من وسائل الشرك، ولهذا وقع الشرك في قوم نوح بأسباب الصور لما صوروا ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، لما صوروا هذه الصور ونصبوها في مجالس أهلها دس عليهم الشيطان أن هؤلاء لهم شأن وأنهم ينفعون من تضرع بهم إلى الله، ومن توسل بهم، وأنه يستسقى بهم، ويستغاث بهم، حتى وقع الشرك نعوذ بالله.
فأصل الصور وسيلة للشرك، وهي مضاهاة لخلق الله، والبناء على القبور كذلك وسيلة للشرك وتعظيم الموتى كما قد وقع ذلك من الناس لما صوروا ولما بنوا وقع الشرك، فالواجب الحذر، الواجب على ولاة الأمور وعلى عامة الناس الحذر من هذه الأشياء والبعد عنها طاعة لله ولرسوله، وحذرا من إيقاع الناس في الشرك ووسائله التي وقع فيها من قبلنا من قوم نوح وغيرهم.
أما ما يتعلق بما وقع فيه الناس اليوم من الحاجة إلى بعض الصور، فهذا يقيد بقيده، من باب الإكراه؛ لأنه اضطر إلى ذلك فهو من باب المكره على الشيء في أخذ بعض إجراء الأمور أو ما أشبه ذلك مما قد يضطر إليه فيأخذ ذلك وهو غير راض وكاره لهذا الشيء لكن عند الضرورة إليها.
وهي أيضا تمنع دخول الملائكة كما في الحديث الصحيح: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة، ولا كلب لكن يستثنى من ذلك ما يكون ممتهنا ولا يجوز تصويره ولو ممتهن، ولكن إذا استعمل الممتهن في الفراش لا يمنع من دخول الملائكة، كما أن الكلب الذي للحرث والزرع والماشية لا يمنع من دخول الملائكة لأنه مأذون فيه ومرخص فيه، وهكذا ما يمتهن لا يمنع من دخول الملائكة، لكن لا يجوز تصويره، لا يجوز للمصور أن يصوره، لكن لو اشترى بساطا وبسطه ونحوه كالوسادة هذا لا يمنع دخول الملائكة أنه ممتهن.
وفق الله الجميع.