باب ما جاء في حماية النبي ﷺ حمى التوحيد وسده طرق الشرك
عن عبدالله بن الشخير قال: «انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ﷺ فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان رواه أبو داود بسند جيد.
وعن أنس : «أن ناسا قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا. وابن سيدنا فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله رواه النسائي بسند جيد.
الشيخ: يقول باب: حماية النبي ﷺ حمى التوحيد وسده طرق الشرك، تقدم في أول الكتاب باب ما جاء في حمى النبي جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك، الباب الأول فيما يتعلق بالأعمال، وأنه حمى حمى التوحيد من جهة الأعمال، فنهى عن اتخاذ المساجد على القبور والغلو فيها، لأن هذا من وسائل الشرك، وهنا الحماية حماية التوحيد من جهة الأقوال، والأول من جهة جناب التوحيد، وجنابه جزء منه، والباب الثاني هذا في حماه، والحمى خارج عن الذات، هذه الترجمة أبلغ فهي تتعلق بالحمى، تتعلق بالأقوال، والترجمة الأولى تتعلق بجزء من التوحيد وجنابه الذي هو جزء منه، وتتعلق بالأفعال وتعم الأقوال أيضا، فالرسول ﷺ حمى حمى التوحيد وحمى جناب التوحيد أقوالا وأعمالا عليه الصلاة والسلام، حمى جنابه يعني حمى ذات التوحيد، وحمى حماه من جهة القول والعمل حتى لا يقع الناس في الشرك، وحتى لا يدنو منه ولا يقربوا منه، وهذا من كمال البلاغ وتمام البلاغ أن يكون الداعي يحذر من الشرك ومن وسائل وذرائعه الموصلة إليه.
يقول عن عبدالله بن الشخير، وعبدالله بن الشخير صحابي من بني عامر أتى في وفد بني عامر إلى النبي ﷺ فقالوا له حين خاطبوه: يا سيدنا، قالوا: أنت سيدنا، قال: السيد الله تبارك وتعالى هذا من باب التواضع خوفا عليهم من الغلو، وإلا هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، لكن قال هذا لهم السيد الله من باب التواضع ولئلا يقعوا في الغلو، وهو يدل على أنه إذا خوطب الإنسان بأن يقال له: أنت سيدنا، ينبغي أن يقول: لا، السيد الله حتى لا يقع في قلبه شيء من الترفع والتعاظم، فلا يخاطب أنت سيدنا، فإذا قال له القائل ذلك، ينبغي له أن يقول: يا أخي لا تقل كذا، قل: يا أخي، يا أبا فلان، كما قال النبي ﷺ: السيد الله من باب التواضع والحذر من وقوع ما قد يقع في النفوس من التكبر والتعاظم.
ثم قال: يا أيها الناس لما قالوا: أنت أعظمنا طولا، قال: يا أيها الناس قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان يعني لا يجرنكم الشيطان إلى ما لا ينبغي، لا يتخذنكم جريا أي رسولا، الجري: الرسول، لا يتخذنكم رسلا إلى من بعدكم في جرهم إلى الشرك وجرهم إلى الغلو، فالزموا الألفاظ المعتادة: يا أبا القاسم، يا رسول الله، يا نبي الله، ودعوا عنكم الأقوال التي قد تفضي إلى الغلو، وفي حديث أنس: قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان يعني لا يوقعنكم في الضلالة، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله ، فإن الله قال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41]، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأنفال:64]، وقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ [الكهف:1] فيلزموا قول: يا رسول الله، يا نبي الله، يا عبد الله ورسوله، ونحو ذلك، والمقصود من هذا سد الذرائع التي قد توصل الناس بالتساهل إلى الشرك، فإنهم إذا قالوا له: أنت سيدنا، وأتوا بالألفاظ الكثيرة التي يأتي بها الناس الآن من الغلو قد تجرهم إلى أن يعبدوه من دون الله، ويدعوه، ويستغيثوا به، ويقولوا فيه إنه يعلم الغيب كما قال صاحب البردة:
يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به | سواك عند حدوثِ الحادثِ العَمم |
إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي | عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم |
فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها | ومن علومك علم اللوح والقلم |
هكذا أوقعه الغلو في هذا، نسأل الله العافية، حتى قال في حق النبي ﷺ: إنه الذي ينجي يوم القيامة، وهو الذي يأخذ بزلة الناس يوم القيامة، وأن من لا ينجيه النبي ﷺ لا ينجو، وهذا من أعظم الغلو والشرك، نسأل الله العافية، وحتى زعم أنه من جود النبي ﷺ الدنيا وضرتها، من جود النبي ﷺ الدنيا وضرتها، وهي الآخرة، ومن علومه علم اللوح والقلم، يعني النبي ﷺ اطلع على كل شيء، والدنيا في قبضته، والآخرة في قبضته، كل هذا من الغلو الخبيث والكفر البواح، نعوذ بالله .
المقصود: أن الواجب على المؤمن أن يحذر شر لسانه وأن يقتصد في قوله، لا مع الرسول، ولا مع غيره، عليه بالتأدب بالآداب الشرعية في أقواله وأعماله مع الرسل، ومع الصالحين، ومع العلماء، ومع غيرهم حتى يتقيد بالأمر المشروع، وحتى لا يقع في الغلو الذي وقع فيه اليهود والنصارى، وحتى عبدوا أنبياءهم، وحتى استغاثوا بأنبيائهم وصلحائهم، وحتى عبدوا علماءهم، ووقعوا في الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر نعوذ بالله.