وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله ﷺ: يا رويفع، لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا بريء منه.
وعن سعيد بن جبير قال: "من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة". رواه وكيع.
وله عن إبراهيم قال: "كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن".
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:
فيقول المؤلف رحمه الله: وروى أحمد، أحمد هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني المعروف أحد الأئمة الأربعة المشهورين، ولد سنة أربع وستين ومائة، ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين، رحمه الله روى في مسنده عن رويفع بن ثابت الأنصاري من الأنصار عن النبي ﷺ أنه قال: يا رويفع لعل الحياة تطول بك هذا على سبيل الظن والرجاء، وقد طالت به الحياة فمتع ورحمه فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإنه محمدًا بريء منه هذا فيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: من عقد لحيته قال أهل العلم في هذا: يعني جعدها وعني بها ونفشها للتكبر والتعاظم تكبرًا وتعاظمًا، أو عقدها معناه صففها تصفيفًا يليق ويناسب تصفيف أهل التخنث والتشبه بالنساء في كلامهم ومشيهم وغير ذلك إذا كان على هذا الوجه. أما إعفاؤها والعناية بها وتسريحها وتحسينها فهذا ليس داخلًا في هذا، من دون أن يقصها يعتني بها تسريحًا وتكريمًا وحفاظًا عليها، فهذا غير داخل في العقد، وإنما العقد المذموم إما أن يجعلها على هيئة يشابه فيها أهل التخنث والتشبه بالنساء، أو على هيئة التكبر والتعاظم والخيلاء إذا كان يتعاطى ذلك، أن يتعاطى أهل التكبر فيتشبه بهم، والحديث في سنده بعض اللين لكن له شواهد.
أو تقلد وترًا يعني تعلق وترًا، والأوتار هي أوتار القسي، ما يتخذ من الأمعاء أو العصب أو غيره تربط به القسي، كانت الجاهلية إذا أطلقوه من القسي واستغنوا عنه تقلدوه وجعلوه تميمة، وجعلوه على الإبل يزعمون أنها تدفع عنهم العين، ولهذا تقدم أنه ﷺ بعث رسولًا لا يبقى في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعها كما تقدم فهذا من أمر الجاهلية يقلدون الأوتار على الإبل، والتمائم على الأولاد، وكله من أعمال الجاهلية فأبطلها الإسلام ونهى عنها.
فالواجب ألا يفعل ذلك المؤمن، بل يحذر ذلك ابتعادًا عن خصال أمر الجاهلية ... فالله جل وعلا هو الذي يمنع البلاء، ويدفع البلاء ، فالواجب التعلق به، والتوكل عليه ، وتعاطي الأسباب التي أباحها وشرعها من العلاج الشرعي، والدواء، وغيرها مما يصيبها من الأمراض، لا بالأوتار ولا بالتمائم.
الثالثة والرابعة: الاستنجاء برجيع الدابة أو العظم من يستنجي برجيع الدابة عن أذى، عن الخارج من البول والغائط. رجيع الدابة بعر الإبل أو الغنم أو البقر أو شبه ذلك، أو عظم يتمسح به من بوله أو غائطه، كل هذا منهي عنه.
والحديث الآخر أن النبي ﷺ نهى أن يستنجى بعظم أو روث وقال: إنهما لا يطهران فثبتت الأحاديث النهي عن هذا عن النبي ﷺ، فلا يجوز للمؤمن أن يستنجي بأبعار أو عظام، بل يجب أن ينصرف عن ذلك إلى أشياء أخرى طاهرة من تراب، من لبن، من حجر، من مناديل طاهرة يستنجي بها بدلًا من الماء، أو مع الماء، أما العظام والأرواث فلا، فلو فعل ما تطهر فيجب تركها والابتعاد عن التشبه في الجاهلية في ذلك.
قوله: فإن محمدًا بريء منه وعيد شديد .. تحريم هذه الأشياء وأنها منكرة محرمة، والشاهد من هذا قوله: أو تقلد وترًا هذا الشاهد في الترجمة ... الأوتار والتمائم فلا يجوز للمسلم أن يتعلق أوتارًا أو تمائم أو ودعا أو غير ذلك مما يفعله أهل الجاهلية، بل يجب أن يعلق قلبه بالله، ويتوكل عليه، ويعظم أمره ، ويستند إليه جل وعلا في كل الأمور، ولا مانع أن يتعاطى الأسباب التي أباحها من رقية، من الكي، من العلاج بالأشياء الأخرى التي ثبت بالتجارب أنها تنفع، أما أن يعلق وترًا أو تميمة أو خيطًا فهذا كله لا يجوز لأنه من عمل الجاهلية، ولأنه يصرف القلوب عن التعلق بالله، والتوكل عليه إلى التعلق على هذه الأشياء التي لا فائدة منها ولا خير فيها .
والحديث رواه وكيع، وهو وكيع بن الجراح .. معروف إمام مشهور رحمه الله المتوفى سنة 196، وهو من شيوخ أحمد والشافعي رحمة الله على الجميع.