4- من حديث: (لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلب سريعا)

- وعن جابرٍ قال: "كان النبيُّ ﷺ يجمع بين الرَّجُلين من قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ, ثم يقول: أيُّهم أكثر أخذًا للقرآن؟، فيُقدِّمه في اللَّحْد, ولم يُغَسَّلوا, ولم يُصلَّ عليهم". رواه البخاري.

- وعن عليٍّ قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول: لا تُغالوا في الكَفَنِ, فإنَّه يُسْلَبُ سريعًا. رواه أبو داود.

- وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيَّ ﷺ قال لها: لو متِّ قبلي لغَسَّلْتُكِ .. الحديث.

رواه أحمد, وابن ماجه, وصحَّحه ابن حبَّان.

- وعن أسماء بنت عميسٍ رضي الله عنها: أنَّ فاطمة رضي الله عنها أوصت أن يُغَسِّلها عليٌّ رضي الله تعالى عنه. رواه الدارقطني.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالكفن والتَّغسيل، وقد تقدم قوله ﷺ: إذا كفَّن أحدُكم أخاه فَلْيُحْسِنْ كفنَه، لكن ليس معناه المغالاة التي لا حاجةَ إليها، بل يُكفَّن في الثياب العادية التي ليس فيها مغالاة؛ ولهذا جاء في حديث عليٍّ: لا تُغالوا في الكفن، فإنه يُسْلَب سريعًا، فالسنة أن تكون الأكفانُ من الثياب البيض العادية، ليس فيها تكلُّفٌ، وليس فيها تساهلٌ، بل يُكفَّن بالثياب العادية التي يُكفَّن فيها الناس ولا يُتكلَّف.

والسنة ثلاث -كما تقدم- وإن كُفِّن في لفافةٍ واحدةٍ أجزأ، وفي قميصٍ وإزارٍ ولفافةٍ أجزأ -كما تقدم.

والحديث في سنده بعض اللين، لكنَّ معناه صحيحٌ، فالمغالاة لا حاجةَ إليها.

وحديث عائشة: إذا متِّ قبلي لغَسَّلْتُكِ يدل على أنَّه لا بأس أن يُغسّل الرجلُ زوجتَه، وهكذا المرأة تُغسِّل زوجها، كما تقدم من تغسيل أسماء بنت عميس للصّديق ، وكذا فاطمة أوصت أن يُغسِّلها عليٌّ، كل هذا لا حرج فيه؛ لأنَّه قد اطَّلع على عورتها، ويعلم منها ما لا يعلمه غيرُه، وقد بقي من تبعة النكاح العِدَّة.

وبكل حالٍ فهو وقتٌ ليس بمحلِّ شهوةٍ، بل هو محل عبرةٍ، ومحل عظةٍ، ومحل رحمةٍ وإحسانٍ، فإذا غسَّلها زوجُها أو غسَّلت المرأةُ زوجَها فلا حرج في ذلك؛ لقصة أسماء، وقصة فاطمة، ولقوله ﷺ لعائشة: إذا مِتِّ قبلي لغَسَّلْتُكِ.

وحديث جابر يدل على جواز دفن الاثنين والثلاثة عند الحاجة في قبرٍ واحدٍ، إذا كثر الموتى أو القتلى فلا بأس؛ ولهذا لما كثروا يوم أحد قال: "دفن النبيُّ ﷺ الرَّجلين في ثوبٍ واحدٍ، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصلَّ عليهم"، فدلَّ ذلك على جواز دفن الشُّهداء من دون تغسيل، وأنَّ هذه هي السنة والأفضل، فلا يُغَسَّلون، وتُنزع منهم الجلود والحديد، ويُدفنون في ثيابهم التي قُتلوا فيها، كما فعله النبيُّ ﷺ يوم أُحُدٍ، وذلك في قتلى المعركة، أمَّا مَن قُتِلَ ظلمًا فهو شهيدٌ، لكن يُغَسَّل ويُصلَّى عليه، كما غُسِّل عمرُ، وغُسِّل عثمان، وغُسِّل عليّ، لكن شهداء المعركة خاصَّة يُدفنون في ثيابهم ودمائهم من دون حاجةٍ إلى غسلٍ ولا صلاةٍ؛ تأسيًا بالنبي ﷺ؛ لأنَّهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فلهم خصوصية.

ويُقدّم الأفضل فالأفضل إلى القبلة في اللَّحد، ولهذا كان يُقدِّم أكثرَهم قرآنًا، فدلَّ على أنَّه يُقدَّم الأفضل، فمثلًا لو أنَّ واحدًا أكثر قرآنًا من غيره يُقدَّم، ولو كان هناك واحدٌ أكبر من واحدٍ -ولو كان الصغيرُ أكثر قرآنًا- يُقدّم الأكبر، وهكذا، فإذا استووا خُيِّر الدَّافنُ: إن شاء قدَّم هذا، وإن شاء قدَّم هذا ولا حرج، فالأمر سهلٌ، لكن لو كان أحدُهم أفضل يُقدَّم في جهة القبلة، ولو في ثوبٍ واحدٍ، يعني: لفافة، يُلَفّون جميعًا في ثوبٍ واحدٍ؛ لأنَّ الوقت ليس وقت شهوةٍ ولا فتنةٍ، ولكنه وقت سترٍ عن التراب، وإكرام لهم عن أن يُطرحوا كما تُطرح الجِيَف، فيُكرمون ويُغسَّلون ويُصلَّى عليهم ويُكفَّنون، وهذا شيءٌ أكرم الله به المسلم، وجعله يمتاز بذلك عمَّا يُلْقَى من الجِيَف.

الأسئلة:

س: دفن الرجل مع المرأة في القبر الواحد؟

ج: إذا دعت الحاجةُ لكثرة القتلى فلا حرج.

س: إذا جاهد رجلٌ في المعركة وجُرح جرحًا بليغًا، ثم مات بعد المعركة بزمنٍ طويلٍ؟

ج: يُغَسَّل ويُصلَّى عليه.

س: أليس له حكم الشَّهيد؟

ج: لا، هو شهيدٌ لكن يُغسَّل ويُصلَّى عليه، ويُرجَى له أجر الشهيد إن أصلح الله نيَّته.

س: المُطلَّقة التي في العِدَّة هل يُغسِّلها زوجُها؟

ج: إن كانت رجعيةً لا بأس.

س: يُغسِّلها؟

ج: إن كانت رجعيةً لا بأس: طلقة واحدة، أو طلقتين.

س: إذا وُضِع الميتُ في القبر يحلّ العُقد؟

ج: أفضل، كما فعل الصحابةُ، تُحلّ العُقد أفضل.

س: وضع العلامة على القبر؟

ج: لا حرج.

س: حتى لو كانت ..؟

ج: علامة حجر، أو عظم، أو حديدة، لا بأس، كما علَّم النبيُّ ﷺ على قبر عثمان بن مظعون.

س: هل يُقدَّم الأعلمُ بالسُّنة في الإمامة أم الأعلم بالقرآن؟

ج: أولًا القرآن، ثم السنة.

س: هل الأَوْلَى أن يُصلِّي على الميت وليُّه أم الإمام الراتب؟

ج: الإمام الراتب في المسجد.

س: يقول بعضُ الفقهاء أنَّ العلاقة بين الزوج وزوجته قُطعت في حال التَّغسيل؟

ج: هذا رأيٌ يُعارض السنة، فلا يُلتفت إليه.

س: يعني: تبقى علاقة العِدَّة؟

ج: نعم.

س: ما الدليل على نزع الحديد من الميت؟

ج: جاء في السنة أنه أمر ﷺ أن تُنزع منهم الجلود والحديد، ويُدفنون في ثيابهم.

س: ما صحَّة حديث أسماء الذي أخرجه الدَّارقطني؟

ج: حسَّنه الشوكاني، ولا بأس به، وتشهد له قصة تغسيل أسماء للصّديق .

س: المظلوم يُغَسَّل؟

ج: يُغَسَّل نعم، فعثمان مظلوم، وعمر مظلوم، وكلاهما مظلومٌ وغُسِّل.

س: هل حديث عليٍّ : لا تُغالوا في الكَفَن صحيح؟

ج: في سنده عمرو بن هاشم الجنبي، قال الحافظ أنه ليّن، لكن معناه صحيح، ولو ما جاء في الحديث المغالاة فلا حاجة إليها، فيُكفَّن في الثياب العادية من دون مغالاةٍ.

س: الميت إذا أُدخل قبره هل يُوجّه وجهه إلى القبلة؟

ج: الأفضل، على جنبه الأيمن.

س: ويفنى يعني: وجهه؟

ج: يُدْفَن على جنبه الأيمن، ووجهه إلى القبلة، هذا الأفضل.

س: الميت إذا بَلِيَ في قبره هل يجوز أن يُقبر في هذا القبر؟

ج: إذا دعت الحاجة، وإلا فتبقى القبورُ على حالها، لكن إذا دعت الحاجةُ لا بأس.

س: بعضُهم استدلَّ بتقديم الرسول عليه الصلاة والسلام أبا بكر على تقديم الأعلم بالسنة مع وجود أُبي بن كعبٍ وغيره، وهو أقرأ للقرآن؟

ج: هناك أسبابٌ كثيرةٌ في تقديم الصديق: فقدَّمه لعلمه، وفضله، وتقدّمه في الإسلام، وكمال إيمانه، فله مناقب كثيرة تجعله مقدَّمًا على أُبي في أشياء كثيرة رضي الله عنه وأرضاه.

س:  تقديمه بحفظه لكتاب الله، فلو لم يكن يطلب العلمَ، أو طالب العلم وليس حافظًا لكتاب الله؟

ج: يقول النبيُّ ﷺ: يَؤُمُّ القومَ أقرأهم لكتاب الله، والقُراء ذاك الوقت هم العلماء، أقرأ الناس لكتاب الله هم العلماء، يقرؤون ويعلمون ويتعلَّمون ويتفقهون في الدِّين، أمَّا قارئ لا يعلم أو عامي فيُقدَّم عليه العالم، ولو كان هذا يُجَوِّد القرآنَ؛ لأنَّ المقصود بـأقرأهم لكتاب الله تجويدًا له، وعلمًا به، فالقُرَّاء هم العُلماء.

س: بالنسبة لتوجيه الميت إلى القبلة: هل هذا من السنة أو من الأمور المُستحبَّة؟

ج: من السنة؛ لحديث: الكعبة قبلتكم أحياءً وأمواتًا.

س: ..............؟

ج: إذا دعت الحاجةُ لا بأس، كأن ينسوا مسحاةً، أو ينسوا عتلةً، أو ينسوا شيئًا مهمًّا فينبشونه لا بأس.

س: ما حدُّ الصلاة على الميت على قبره؟

ج: شهر تقريبًا، هذا أكثر ما ورد عن النبيِّ ﷺ.

س: ما ورد أنَّ النبي ﷺ صلَّى على شُهداء الصَّحابة في البقيع في آخر حياته ودعا لهم؟

ج: صلَّى عليهم يعني: دعا لهم بدعاء الموتى، وهذا غير صلاة الجنائز.

س: دعاء فقط؟

ج: نعم.

س: أين يكون الميت الثاني؟ هل يكون فوق الأول؟

ج: إلى جانبه، هذا وراء هذا.

س: هل العُقد فيها حديثٌ معيَّنٌ؟

ج: ما أعلم فيها شيئًا، لكنها لقصد ضبط الكفن؛ لئلا يسقط، فيربط الكفن في أعلاه ووسطه وأسفله حتى لا يسقط، فإذا وُضع في القبر فلا خطر، فتُفكُّ وتحلُّ.

س: يوجد في بعض البلدان قبورٌ في المساجد، هل يُصلِّي فيها أو يُصلِّي في مسجدٍ آخر؟

ج: المساجد التي فيها قبور ما يُصلَّى فيها؛ فالرسول ﷺ لعن اليهود والنَّصارى وقال: اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد فهو ملعونٌ -نسأل الله العافية.

س: حتى لو كان هو المسجد الوحيد؟

ج: لا يُصلِّي فيه أبدًا، يُصلِّي في بيته، أو في مسجدٍ آخر ...........، أو يبنون مسجدًا آخر، أو ينبشوا القبر ويُخرجون الميت إن كان القبرُ جديدًا، وإن كان المسجدُ مبنيًّا عليه والقبر هو الأول يُهدم المسجد ويُبنى مسجدٌ آخر، أمَّا إن كان القبرُ الذي في المسجد هو الجديد فيُنْبَش ويُبْعَد إلى المقابر.

س: إذا صلَّى يُعيد؟

ج: نعم يُعيد، فصلاته باطلة.

س: يُعيد الصلاة؟!

ج: إذا صلَّى عند القبور فصلاته باطلة.

س: إذا كان المسجدُ هو الوحيد في القرية، ثم فُصِلَ بين القبر والمسجد بجدارٍ، فهل تجوز الصلاةُ في هذا المسجد؟

ج: إذا أُخرج من المسجد وفُرغ منه لا بأس.

س: ومسجد عبدالله بن عباس الذي في الطائف؟

ج: هذا خارج المسجد، أخرجوه من المسجد.

س: ما الضَّابط؟ كيف نعرف أنَّ هذا داخل المسجد أو خارج المسجد؟

ج: يعني: داخل جدران المسجد، سواء كان في اليمين، أو الشمال، أو في الخلف، هذا هو نفس المسجد الذي يُصلَّى فيه.

س: هو مُسَوَّر، يأتي بعضُ الأجانب بعد الصلاة ويدعون عنده؟

ج: هو أُخْرِجَ من المسجد، وليس منه.

س: ....................؟

ج: الحاصل أنَّه ليس من المسجد، فقد أُخرج من المسجد، فهو خارج المسجد، مثلما تُدفن بعض القبور حول المساجد، يعني: يمينًا، أو شمالًا، أو في الأمام، أو في الخلف، ما يضرُّهم، لكن لا يكون في وسطها.

س: هل الضَّابط أن يكون في الوسط؟

ج: أن يكون داخل جدران المسجد.

س: يعني التَّسوير هو ............؟

ج: يكون في داخل المسجد، سواء من اليمين، أو الشّمال، أو الخلف، أو الأمام.

س: نسمع بعض القصص: أنَّ فلانًا جِيء به ليُقبر فإذا ثُعبان في القبر، ثم قبرٌ آخر فإذا ثعبان؟

ج: ما أدري، وابن رجب رحمه الله ذكر أشياء من أهوال القبور في كتابٍ سمَّاه "أهوال القبور"، ذكر فيه أشياء عجيبة.

س: لكنَّ بعض الذين يتكلَّمون بهذا يقول: رأيتُه بنفسي؟

ج: الله أعلم، ما هو ببعيدٍ.

س: يعني: يمكن وقوع هذا الأمر؟

ج: الله أعلم، ما هو ببعيدٍ، يُمكن.

س: هل يصلح أن يُستشهد به إذا ألقى موعظةً؟

ج: لا، ترك هذا أولى، المهم حثّ الناس على طاعة الله ورسوله، والاستعداد للآخرة، والحذر من المعاصي، هذا هو المطلوب، كما فعل النبيُّ والصحابة، فيُحذِّر من المعاصي، ويأمر بطاعة الله ورسوله، وأما أشياء قد تثبت وقد لا تثبت، وقد تكون فيها مبالغات؛ فتُتْرَك، ويسلك الإنسانُ مسلكَ الرسول والصحابة.

س: هل يُنبش القبرُ الموجود في المسجد إذا كان ذلك سيُؤدِّي إلى فتنةٍ كبيرةٍ بين الناس؟

ج: يُنبش من جهة ولاة الأمور، فالصَّحيح أنه لا يُنبش إلا من طريق ولاة الأمور، إمَّا محكمة، أو إمارة، حتى لا تكون فتنة.

س: في بعض البلدان يكون هناك أناسٌ عندهم قوةٌ ومنعةٌ يستطيعون نبشه؟

ج: المقصود أن يُنبش من جهة ولاة الأمور حتى لا تكون فتنة.

س: في بعض الدول ولاة الأمور لا ينبشون؟

ج: ينصحهم، ولا يُصلِّي فيه إذا لم ينبشوا، وأرض الله واسعة.

س: هل تُؤيدون ما حصل مُؤخَّرًا في اليمن الجنوبي من نبش بعض القبور وهدم بعض القِباب؟

ج: لا، ما نُؤيد أن يعتدي أحدٌ إلا من طريق ولاة الأمر؛ كي لا تقع فتنة، لكن لا يُصلي في المسجد الذي فيه قبر، ويُصلِّي ولو في بيته إذا ما حصل شيء والحمد لله.

س: إذا كان القبرُ مفصولًا منذ البداية، كأن يكون مثلًا في غرفة؟

ج: المقصود إذا كان خارج المسجد.

س: لا، داخل المسجد.

ج: لا، ما يصلح.

س: بعض الناس ترك الجنازة وحدها في غرفةٍ، هل يُمنع من ذلك؟

ج: حتى يُصلوا؟

س: لا، كان ذلك قبل الصلاة لانتظار الصلاة؟

ج: لا بأس ولا حرج.

س: يروون حديثًا أنَّ الشياطين تلعب ..؟

ج: لا، هذا غلطٌ، هذه خُرافات.

س: بالنسبة للمبتدعة، يُدللون على جواز الصلاة في المساجد التي فيها قبور قياسًا على المسجد النبوي؛ لأنَّ فيه قبر النبي ﷺ، فكيف نردّ على هؤلاء المُبتدعة؟

ج: يُقال لهم: النبيُّ ما دُفِنَ في المسجد، وإنما دُفِنَ في بيته.

س: لكن الآن ..؟

ج: دُفِنَ في بيته، ولو أنه الآن أُدخل المسجد.

س: المسجد محيطٌ بالقبر؟

ج: ولو، فقد دُفِنَ في بيته ولم يُدفن في المسجد، والذي أخطأ هو مَن أدخله.

- وعن بُريدة في قصة الغامدية التي أمر النبيُّ ﷺ برجمها في الزنا، قال: "ثم أمر بها فصُلِّيَ عليها ودُفنت". رواه مسلم.

- وعن جابر بن سمرة قال: "أُتي النبيُّ ﷺ برجلٍ قتل نفسَه بمشاقص, فلم يُصَلِّ عليه". رواه مسلم.

- وعن أبي هريرة في قصة المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد، قال: "فسأل عنها النبيُّ ﷺ فقالوا: ماتت, فقال: أفلا كنتم آذنتُموني؟، فكأنَّهم صغَّروا أمرها، فقال: دلُّوني على قبرها، فدلُّوه, فصلَّى عليها". متفق عليه.

وزاد مسلمٌ: ثم قال: إنَّ هذه القبور مملوءةٌ ظلمةً على أهلها, وإنَّ الله يُنوِّرها لهم بصلاتي عليهم.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة في الصلاة على الجنازة، وعلى مَن أُقيم عليه الحدُّ، وهو القصاص، أو قتل نفسه، وقد دلَّت الأحاديثُ على أنَّ مَن أُقيم عليه الحدُّ يُصلَّى عليه، فصلَّى على ماعزٍ، وكان تاب توبةً، وقال في امرأةٍ غامدية تابت: لقد تابت توبةً لو وُزِّعَتْ –أو: قسمت- بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وصلَّى على ماعز بعدما تاب واعترف.

هذا يدل على أنَّه كان إذا أُقيم عليه الحدُّ بالرجم صلَّى عليه، رجلًا كان أو امرأةً؛ لأنه مع توبته ومع إقامته للحدِّ يحصل له خيرٌ عظيمٌ؛ لأنَّ الحدود كفَّارة، وكذلك القصاص، فإذا صُلِّي عليه فهو خيرٌ إلى خيرٍ.

وهكذا الجنائز المستضعفة: تُشرع الصلاة عليها ولا تحقر، يُصلِّي عليها الكبار والرؤساء والأعيان، ولهذا صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد، قال: دلُّوني على قبرها وصلَّى عليها، فدلَّ على تواضعه ﷺ، وأنه ﷺ كان يرحم المساكين، ويحبهم، ويعطف عليهم، فهذه امرأة سوداء كانت تقُمُّ المسجد، وكانت وفاتها ليلًا، فكرهوا أن يقولوا له شيئًا عليه الصلاة والسلام، وأن يُكلِّفوه، فلمَّا سألهم عنها قالوا: إنها ماتت ليلًا، وكرهنا أن نُوقظك، قال: دلُّوني على قبرها، فدلُّوه على قبرها، فصلَّى عليها عليه الصلاة والسلام.

هذا يدل على التَّواضع، وشرعية الصلاة على المساكين والضُّعفاء، والصلاة على القبر، وأنَّ مَن لم يُصلِّ على الميت صلَّى على قبره ولا بأس.

وفيه شرعية قمّ المسجد وتنظيفه، وأنه إذا قام بهذا أحدٌ فقد عمل عملًا طيبًا، وفي الحديث الصَّحيح يقول ﷺ: عُرِضَتْ عليَّ أجورُ أمتي، حتى القذاة يُخرجها الرجلُ من المسجد، وفي الحديث الآخر أنه أمر ﷺ أن تُنظّف المساجد، وأن تُطهّر وتُطيب، فالسنة تنظيفها، فإذا قام بذلك رجلٌ أو امرأةٌ فقد أتى خيرًا عظيمًا.

وفي هذا يقول ﷺ: إنَّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنَّ الله يُنوِّرها لهم بصلاتي عليهم، فهذا يدل على فضل صلاته عليهم، وأنها تنفعهم، فصلاته على المسلمين تنفعهم، ومن أسباب النور لهم في قبورهم.

وحديث جابر بن سمرة يدل على أنَّ القاتل نفسه يستحق أن تُترك الصلاة عليه من ولي الأمر، ولهذا لم يُصلِّ عليه ﷺ لما قتل نفسه بمشاقص؛ لعظم الجريمة، وهذا الترك من باب التَّعزير والتَّنكيل له، والتَّحذير من عمله السَّيئ، وفي روايةٍ قال: أمَّا أنا فلا أُصلي عليه، يُصلِّي عليه بعضُ الناس، يعني: بعض الجماعة، وأما مَن كان مثل القاضي والسلطان والأعيان فلا يُصلّون عليه؛ تعزيرًا وتحذيرًا من عمله السيئ، لكن لا تُترك الصلاةُ عليه؛ فقتل نفسه معصية لا تُخرجه عن دائرة الإسلام، فهو مسلمٌ عاصٍ، ويُصلَّى عليه، مع تحريم عمله، وبيان أنَّ عمله منكر، وأنه كبيرة، والله يقول: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29]، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام قال: مَن قتل نفسه بشيءٍ عُذِّب به يوم القيامة -نسأل الله العافية.

فالواجب الحذر من قتل النفس، ولو مرَّت عليه شدَّةٌ، أو أصابه مرضٌ شديدٌ، أو أُوذِيَ لا يقتل نفسه، فلا يجوز له قتل نفسه -نسأل الله العافية.

الأسئلة:

س: مَن قتل نفسه هل تكون الصلاةُ عليه واجبةً على المسلمين؟

ج: يُصلِّي عليه بعضُ المسلمين، فهو كسائر المسلمين العُصاة.

س: الصلاة على القبر وقت النَّهي؟

ج: لا، ما يُصلَّى عليه وقت النهي، إلَّا إذا كان وقتًا طويلًا، كبعد صلاة العصر، فهو وقتٌ طويلٌ، وهذه الصلاة من ذوات الأسباب.

س: .................؟

ج: أقول: إذا كان بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر فالوقت طويل، وإن شاء الله لا بأس؛ لأنها من ذوات الأسباب، يقول عقبة: "ثلاث ساعاتٍ كان الرسولُ ﷺ ينهانا أن نُصلي فيهن، وأن نقبر فيهنَّ موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظَّهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمسُ للغروب"، هذه الأوقات ضيِّقة.

س: هل تُترك الصلاةُ على أهل البدع؟

ج: إذا تركها أهلُ العلم من باب التَّنفير من عملهم فطيِّبٌ، مثلما ترك النبيُّ ﷺ الصلاةَ على قاتل نفسه، لكن يُصلِّي عليهم بعضُ الناس إذا كانت بدعتُهم ما تُكفِّرهم، إذا حُكِمَ بإسلامهم.

س: العلماء والوُجهاء عندما يتركون الصلاةَ على هذا الفاسق أو هذا العاصي ما يكونون قدوةً لغيرهم في تركهم الصلاة عليه، ويبقى لا أحد يُصلِّي عليه؟

ج: لا، يُصلَّى عليه؛ لأنَّ الصلاة على الميت المسلم واجبةٌ، لكن يُصلِّي عليه بعضُ المسلمين.