06 - فصل: في سد الذرائع وصورها

قلت: ومَن تأمل الشريعة، ورُزق فيها فقه نَفْسٍ، رآها قد أبطلت على أصحاب الحيل مقاصدهم، وقابلتهم بنقيضها، وسَدّت عليهم الطرق التي فتحوها للتحيّل الباطل.

فمن ذلك: أن الشارع منع المتحيِّل على الميراث بقتل مُوَرِّثه ميراثَه، ونقله إلى غيره دونه لمَّا احتال عليه بالباطل.

ومن ذلك: بطلان وصية الموصَى له بمال، إذا قَتَل الموصِي.

ومن ذلك: بطلانُ تدبير المُدَبَّر، إذا قَتلَ سَيدَه ليُعجِّلَ العتقَ.

ومن ذلك: تحريمُ المنكوحة في عِدَّتها على الزوج تحريمًا مُؤبّدًا: عند عمر بن الخطاب ، ومالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، لمّا احتال على وَطئها بصورة العقد المحزم.

ومن ذلك: ما لو احتالَ المريضُ على منع امرأته من الميراث بطلاقها، فإنها تَرِثه مادامت في العِدّة عند طائفة، وعند آخرين: ترثه وإن انقضت عِدّتهُا ما لم تتزوج، وعند طائفة: تَرِثُ وإن تزوجت.

السؤال: ........................

الشيخ: مثل ما سمعت في أسباب الميراث ترث في العدة ما لم تتزوج أو ترتد إذا طلقها لأجل ألا ترث إذا عرفت التهمة وثبتت التهمة.

السؤال:........................

الشيخ: ولو انقضت العدة تعطى حقها.

ومن ذلك: بُطلان إقرار المريض لوارثه بمال، لأنه يَتخذُه حيلةً على الوصيّة له.

ونظائر ذلك كثيرة.

فالمحتال بالباطل يُعامَل بنقيض قصده شرعًا وقَدَرًا. وقد شاهد الناس عِيانًا أنه مَنْ عاش بالمكْر ماتَ بالفقر.

ولهذا عاقب الله مَن احتالَ على إسقاط نصيب المساكين وقت الجِدَاد: بحرمانهم الثمرة كلَّها.

وعاقب من احتالَ على الصيد المحرم: بأن مَسخَهم قِردةً وخنازير.

وعاقب من احتال على أكل أموال الناس بالربا: بأنه يَمْحَقُ ماله، كما قال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276]، فلا بد أن يُمْحَق مالُ المرابي ولو بلغ ما بلغ.

وأصل هذا: أن الله سبحانه جعل عُقوبات أصحاب الجرائم بضدَّ ما قصدوا له بتلك الجرائم.

فجعل عقوبة الكاذب: إهدار كلامه ورَدَّه عليه.

وجعل عقوبة الغالِّ من الغنيمة لمَّا قصد تكثير ماله بالغُلول: حِرمانَ سَهْمِه، وإحراق متاعه.

وجعل عقوبة من اصطاد في الحرَم أو الإحرام: تحريم أَكْلِ ما صاده، وتغريمه نظيره.

وجعل عقوبة من تكبّر عن قبول الحق والانقياد له: أن ألزمه من الذُّلِّ والصَّغار بحسب ما تكبّر عنه من الحق.

وجعل عقوبة من استكبرَ عن عُبوديته وطاعته: أن صَيّره عبدًا لأهل عبوديته وطاعته.

وجعل عقوبة من أخاف السبيلَ وقطعَ الطريقَ: أن تُقطع أطرافُه، وتُقطَع عليه الطرق كلّها بالنفي من الأرض، فلا يسيرُ فيها إلا خائفًا.

وجعل عقوبة من الْتَذ بَدَنُه كله ورُوحه بالوطءِ الحرام: إيلامَ بَدَنه وروحِه بالجَلْدِ والرّجم، فيصل الألم إلى حيث وصلت اللذّة.

وشرع النبي ﷺ عقوبة من اطّلع في بيت غيره: أن تُقلَع عينُه بعُودٍ ونحوه؛ إفسادًا للعُضْو الذي خانه به، وأوْلجه بيته بغير إذنه، واطّلع به على حُرْمته.

وعاقب كل خائنٍ: بأنه يُضِلّ كَيْدَه ويُبطله، ولا يهديهِ لمقصوده، وإن نال بعضه، فالذي ناله سبب لزيادة عقوبته وخيبته: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف:52].

وعاقب من حرص على الولاية والإمارة والقضاء: بأن شرع منعه وحرمانه ما حرص عليه، كما قال النبي ﷺ: إنا لا نُوليِّ عَمَلنا هذا مَنْ سأله.

الشيخ: تمام الحديث (لا من سأله أو حرص عليه) هكذا في الرواية، المقصود أن الله جل وعلا توعد المجرمين والمفسدين في الأرض بعقوبات ضد مقاصدهم فقد تعجل له العقوبة وقد تؤخر لحكمة بالغة، فالواجب الحذر الواجب على المسلم أن يحذر معاصي الله والتحيل على محارمه، فإنه حليم وقد يعجل العقوبة فلا يغتر بحلمه ولا يأمن من مكره: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99] وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42] وقال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183] فليحذر العبد من معاصي الله من ظلمه لعباد الله ومن ارتكابه محارم الله آمنًا متساهلًا بعقوبة الله ، فإنه جل وعلا يملي ولا يغفل وقد عاقب الكثيرين بسبب عصيانهم بعقوبات معجلة كما عاقب أهل السبت لما مسخهم قردة وخنازير، وعاقب أهل الجنة بأن أتلف عليهم ثمرة بستانهم إلى غير ذلك مما يقع، وعاقب اللصوص بالسرقة بالقطع المعجل العقوبة المعجلة، وعاقب قطاع الطريق بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وعاقب الزاني بالجلد إذا كان بكرًا، وبالرجم إذا كان ثيبًا إلى غير هذا من العقوبات المعجلة.

س: .......................

...........................

ولهذا عاقب أبا البشر آدم عليه السلام: بأن أخرجه من الجنة لما عصاه بالأكل من الشجرة ليخلد فيها، فكانت عقوبته إخراجه منها، ضد ما أمله.

الشيخ: لما غره الشيطان، وقال له إن الأكل منها يسبب الخلد فغره الغرور فأكل منها فكان ذلك سبب خروجه إلى دار الفتن ودار المحن ودار الشقاء؛ لكن الله جل وعلا وفقه للتوبة واجتباه بعد ذلك:  وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۝ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121، 122] الحمد لله.

س:.....................

الشيخ: كما جاء في الحديث الصحيح تقلع عينه بسبب ظلمه وعدوانه.

س: ..............................

وعاقب من اتخذ معه إلها آخر، ينتصر به، ويتعزز به: بأن جعله عليه ضدا يذل به، ويخذل به. كما قال تعالى: وَاتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزا ۝ كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدا [مريم:81، 82] وقال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلّهُمْ يُنْصَرُونَ ۝ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مْحُضَرُونَ [يس:74، 75] وقال تعالى: لا تَجْعَل مَعَ اللهِ إلهَا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوما مَخْذُولا [الإسراء:22].

ضد ما أمله المشرك من اتخاذ الإله من النصر والمدح.

وعاقب الناس إذا بخسوا الكيل والميزان بجور السلطان عليهم، يأخذ من أموالهم أضعاف ما يبخس به بعضهم بعضًا.

وعاقبهم إذا منعوا الزكاة والصدقة ترفيها لأموالهم بحبس الغيث عنهم، فيمحق بذلك أموالهم، ويستوى غنيهم وفقيرهم فى الحاجة.

وعاقبهم إذا أعرضوا عن كتابه وسنة نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وطلبوا الهدى من غيره: بأن يضلهم، ويسد عليهم أبواب الهدى، كما قال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى حديث على الذى رواه الترمذى وغيره، وذكر القرآن: (مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الُهْدَى فى غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللهُ).

فإن المعرض عن القرآن إما أن يعرض عنه كبرًا، فجزاؤه أن يقصمه الله، أو طلبًا للهدى من غيره فجزاؤه أن يضله الله.

وهذا باب واسع جدًا عظيم النفع. فمن تدبره يجده متضمنًا لمعاقبة الرب سبحانه من خرج عن طاعته، بأن يعكس عليه مقصوده شرعًا وقدرًا، دنيا وآخره. وقد اطردت سنته الكونية سبحانه فى عباده، بأن من مكر بالباطل مكربه، ومن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خدع. قال الله تعالى: إِنّ المُنَافِقينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] وقال تعالى: وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِه [فاطر:43].

فلا تجد ماكرًا إلا وهو ممكور به، ولا مخادعًا إلا وهو مخدوع، ولا محتالا إلا وهو محتال عليه.

الشيخ: وهكذا جزاء السيئة سيئة مثلها، والله لطيف حكيم، وقد يعجل العقوبة بسبب ما أقدم عليه العبد من الحيل والمكر وقد يؤجلها لحكمة بالغة؛ فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بوجود المجرمين والمحتالين والكافرين ويقول إن الله سبحانه لم يعاقبهم؛ فإنه لو عجل العقوبة للجميع ما بقي على وجه الأرض أحد هلك الناس: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [النحل:61] وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] ولكنه سبحانه له الحكمة البالغة، فهذا تعجل له العقوبة، وهذا يعجل له بعضها، وهذا يملى له وينظر إلى وقت ما، وهذا ينظر إلى الآخرة فيكون عذابه أشد، فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بمن فعل الإجرام وأمهل فإن ربك سبحانه له الحكمة البالغة، ولهذا يقول جل وعلا في كتابه العظيم: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42] ويقول جل وعلا: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183] ويقول جل وعلا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]

فأغلب الخلق اغتر بإمهال الله، يقول هذا فلان ما جرى عليه شيء، وهذه الطائفة الفلانية ما جرى عليها شيء، وهذه الدولة ما جرى عليها شيء، لا تغتر بهذا، ربك حكيم في إملائه وإنظاره، فعليك الحذر وأن تبتعد عن أسباب الهلاك، ولا يهمنك كون بعض الناس قد أملي له، قد أنظر فلله الحكمة البالغة، عليك نفسك احذر أن تصيبك المصيبة إما عاجلًا وإما آجلًا ثم ماذا لو متعت أيضًا وأمهلت كما أمهلوا ثم صارت لك النار يوم القيامة ويش ينفعك هذا الإمهال؟! وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42] فالعاقل يحذر ولا يغتر بإمهال الله وإنظاره ووجود الظلمة والكفرة، لا، عليك نفسك احذر، ثم ماذا لو أنظرت وحصل لك ما حصل لهم من الإنظار ثم صرت إلى النار فما الفائدة؟ نسأل الله العافية!

السؤال:......................

الشيخ: المعروف كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله الأقرب أنه موقوف على علي، وظاهر المتن يقتضي الرفع وأنه من كلام النبي ﷺ (تكون فتن) قيل: يا رسول الله ما المخرج منها؟ قال: (كتاب الله.. إلخ) المتن يقتضي أنه مرفوع والحافظ ابن كثير يقول الأشبه أنه من كلام علي.

........................... كلام للطالب غير واضح

الشيخ: ولو المتن عظيم، والكذوب قد يصدق، يظهر من كلام ابن كثير أن له طرقًا أخرى، ومعنى الحديث صحيح.

 

فصل

وإذا تدبرت الشريعة وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها. فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك. فبين البابين أعظم تناقض، والشارع حرم الذرائع، وإن لم يقصد بها المحرم، لإفضائها إليه.

فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه؟

فنهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين، لكونه ذريعة إلى أن يسبوا الله عدوًا وكفرًا، على وجه المقابلة.

وأخبر النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن: مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ قَالُوا: وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ. وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ.

ولما جاءت صفية رضى الله تعالى عنها تزوره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وهو معتكف قام معها ليوصلها إلى بيتها فرآهما رجلان من الأنصار فقال: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍ فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: إِنّ الشّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. إنى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فى قُلُوبِكُمَا شَرًا.

فسد الذريعة إلى ظنهما السوء بإعلامهما أنها صفية.

وأمسك صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن قتل المنافقين مع ما فيه من المصلحة، لكونه ذريعة إلى التنفير وقول الناس: إِنّ مُحَّمدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.

وحرم القطرة من الخمر وإن لم تحصل بها مفسدة الكثير، لكون قليلها ذريعة إلى شرب كثيرها.

وحرم إمساكها للتخليل وجعلها نجسة، لئلا تفضى مقاربتها بوجه من الوجوه إلى شربها.

الشيخ: وهذا مثل لما سئل ﷺ عن الخمر يتخذ خلًا؟ قال: لا، وذلك سدًا لذريعة إمساكها الذي قد يفضي إلى شربها، لكن لو تخللت بنفسها من غير قصد طفرت رجعت إلى أصلها وقال: ما أسكر كثيره فقليله حرام وفي اللفظ الآخر: ما أسكر .. فكله حرام كله سدًا لذريعة التساهل بهذا الأمر.

ونهى عن الخليطين وعن شرب العصير والنبيذ بعد ثلاث، وعن الانتباذ في الأوعية التي لا يعلم بتخمير النبيذ فيها حسمًا للمادة وسدًا للذريعة.

الشيخ: ونهيه عن النبيذ في الأوعية من الدباء والحنتم كان أولًا ثم نسخ وأباح النبي فيها غير أن لا تكون مسكرًا.

وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية والسفر بها والنظر إليها لغير حاجة، حسمًا للمادة وسدًا للذريعة.

ومنع النساء إذا خرجن إلى المسجد من الطيب والبخور.

ومنعهن من التسبيح في الصلاة لنائبة تنوب، بل جعل لهن التصفيق.

ومنع المعتدة من الوفاة، من الزينة والطيب والحلى.

ومنع الرجل من التصريح بخطبتها في العدة وإن كان إنما يعقد النكاح بعد انقضاءها.

ونهى المرأة أن تصف لزوجها امرأة غيرها حتى كأنه ينظر إليها.

ونهى عن بناء المساجد على القبور ولعن فاعله.

ونهى عن تعلية القبور وتشريفها وأمر بتسويتها.

ونهى عن البناء عليها وتجصيصها والكتابة عليها والصلاة إليها وعندها، وإيقاد المصابيح عليها، كل ذلك سدًّا لذريعة اتخاذها أوثانًا، وهذا كله حرام على من قصده ومن لم يقصده، بل على من قصد خلافه، سدًّا للذريعة.

ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، لكون هذين الوقتين وقته سجود الكفار للشمس، ففي الصلاة نوع تشبه بهم في الظاهر وذلك ذريعة إلى الموافقة والمشابهة في الباطن، وأكد كذلك بالنهى عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر وإن لم يحضر وقت سجود الكفار للشمس مبالغة في هذا المقصود، وحماية لجانب التوحيد، وسدًا لذريعة الشرك بكل ممكن.

ومنع من التفرق في الصرف قبل التقابض، وكذلك الربوي إذا بيع بربوي آخر، من غير جنسه، سدًا لذريعة النَّساء، الذى هو صلب الربا ومعظمه، بل منع من بيع الدرهم بالدرهمين نقدًا سدًا لذريعة ربا النَّساء، كما علل بذلك صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، وهذا أحسن العلل في تحريم ربا الفضل.

الشيخ: والمعنى أن العاقل لا يبيع درهمًا بدرهمين العاقل ما يبيع درهمًا بدرهمين نقدًا، ولا يبيع دينارًا بدينارين ما يمكن يوافق عليه عاقل، لكنه ذريعة إلى النسأ يقول أعطني درهم وأعطيك درهمين بعد شهر بعد شهرين هذا يقع للحاجة سد الباب عليه الصلاة والسلام سد الذريعة.

وحرم الجمع بين السلف والبيع، لما فيه من الذريعة إلى الربح في السلف، بأخذ أكثر مما أعطى، والتوسل إلى ذلك بالبيع أو الإجارة كما هو الواقع.

ومنع البائع أن يشترى السلعة من مشتريها بأقل مما اشتراها به، وهى مسألة العينة وإن لم يقصد الربا، لكونه وسيلة ظاهرة واقعة إلى بيع خمسة عشر نسيئة بعشرة نقدًا.

وحرم جمع الشرطين في البيع، لكونه وسيلة إلى ذلك، وهو منطبق على مسألة العينة.

ومنع من القرض الذى يجر النفع وجعله ربا.

ومنع المقرض من قبول هدية المقترض، ما لم يكن بينهما عادة جارية بذلك قبل القرض. ففي سنن ابن ماجه عن يحيى بن أبى إسحاق الهنائي. قال سألت أنس بن مالك: الرجل منا يقرض أخاه المال، فيهدى إليه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله تعالي عليه وآله وسلم: إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فأَهْدَى إِلَيْهِ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابّةِ فَلا يَرْكَبَنّهَا، وَلا يَقْبَلهُ إلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذلِكَ.

وروى البخاري في تاريخه عن يزيد بن أبى يحيى الهنائي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ فَلا يأْخُذْ هَدِيّةً.

وفى صحيح البخاري عن أبى بردة عن أبى موسى قال: "قَدِمْتُ المَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلامٍ فقَالَ لي: إِنّكَ بأَرْضٍ الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ، فَإِذَا كانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَق فأَهْدَى إِلَيْكَ حمل تبن أو حْمِل شَعِيرٍ، أوْ حُمِلَ قَتٍّ، فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنّهُ رِبًا".

وروى سعيد بن منصور في سننه هذا المعنى عن أبى بن كعب.

وجاء عن ابن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو رضى الله عنهم نحوه.

الشيخ: كل ذلك وسيلة إلى الربا؛ لأنه إذا أقرضه ألف ريال أو ألفين أو ثلاثة آلاف أو أكثر قد يهدي له هدية حتى يمهله حتى ينظره أو يعطيه مزرعة يقول انتبه للمزرعة حتى أوفيك أو يشرط عليه ذلك كل هذا من الربا الصريح؛ لأنه إنما أقرضه لأجل هذه الزيادة يقول أنا أسلفك لكن شرطي أن المزرعة تكون تحت يدي أستعملها وأستفيد منها حتى ترد إلي القرض يكون له فائدة من المزرعة وكذلك الهدايا التي يهديها من قت أو فواكه أو غير ذلك كلها من أجل القرض.

السؤال:.......................

الشيخ: هذا بعد الوفاء لا بأس، إذا رد عليه المال وزاده (إن من خير الناس أحسنهم قضاء) أما قبل لا.

السؤال:......................

الشيخ: حتى ركاب الدابة والسيارة يعطيه السيارة لأجل القرض، أما إذا كان شيء عادي قبل القرض لا بأس، أما أنه أقرضه وأعطاه السيارة ينتفع بها هذا له شأن عظيم في الزيادة.

وكل ذلك سدًا لذريعة أخذ الزيادة في القرض الذي موجبه رد المثل.

ونهى عن بيع الكالئ بالكالئ، وهو الدين المؤخر بالدين المؤخر، لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، فلو كان الدينان حالين لم يمتنع، لأنهما يسقطان جميعًا من ذمتيهما، وفى الصورة المنهى عنها ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله وهذه مفسدة ربا [النسيئة] بعينها.

ونهى الله النَّساء أنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيْعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينتِهِنَّ [النور:31].

فلما كان الضرب بالرجل ذريعة إلى ظهور صوت الخلخال الذى هو ذريعة إلى ميل الرجال إليهن نهاهن عنه.

وأمر الله سبحانه الرجال والنساء بغض أبصارهم لما كان النظر ذريعة إلى الميل والمحبة التي هي ذريعة إلى مواقعة المحظور.

وحرم التجارة في الخمر وإن كان إنما يبيعها من كافر يستحل شربها، فإن التجارة فيها ذريعة إلى اقتنائها وشربها، ولهذا لما نزلت الآيات في تحريم الربا قرأها عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، وقرن بها تحريم التجارة في الخمر، فإن الربا ذريعة إلى إفساد الأموال، والخمر ذريعة إلى إفساد العقول، فجمع بين تحريم التجارة في هذا وهذا.

ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين، لئلا يتخذ ذريعة إلى الزيادة في الصوم الواجب كما فعل أهل الكتاب.

السؤال:.....................

الشيخ: لا هذا ما هو داخل، لأن هذا ما فيه زيادات مثل بمثل يتفقون على كل شهر يسلم لفلان ألفين أو ثلاثة حتى يدور عليه.

السؤال: ..........................

............................

ونهى عن التشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الكفار في مواضع كثيرة، لأن المشابهة الظاهرة ذريعة إلى الموافقة الباطنة فإنه إذا أشبه الهدي الهدي أشبه القلب القلب. وقد قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: خَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الْكفَّارِ، وفى المسند مرفوعًا: مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ.

وحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، لكونه ذريعة إلى قطيعة الرحم. وبهذه العلة بعينها علل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال: إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكمْ.

وأمر بالتسوية بين الأولاد فى العطية، وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه. وأمر فاعله برده.

الشيخ: والمقصود من هذا أن الله سبحانه نهى عن وسائل الشر، وحذر عباده من وسائل الشر، فالأعمال التي تجر إلى الشر ينبغي للعبد أن يتقيها فمن ذلك قوله: من تشبه بقوم فهو منهم تحريم مشابهة المشركين لأنها تجر إلى أعمالهم كذلك كونه ﷺ نهى عن تفضيل بعض الأولاد: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم لأن التفضيل يفضي إلى الشحناء بين الأولاد والقطيعة والسخط على الأب أيضًا والقطيعة.

كذلك النهي عن الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها يفضي إلى القطيعة، فالمقصود أن الشريعة جاءت بالنهي عن وسائل الشر؛ فالمؤمن يحذر وسائل الشر ويبتعد عنها مهما أمكن، وهكذا صحبة الأشرار ومجالسة الأشرار والعصاة وسيلة لأن يفعل مثلهم، كونه جالس بين المدخنين أو شراب الخمر وسيلة إلى أن يفعل مثلهم، كذلك مجالسة الزناة وأهل الفواحش وسيلة إلى أن يفعل مثله، وهكذا مجالسة الآخرين من أهل المعاصي وأهل الغيبة والنميمة وسيلة إلى أن يفعل مثلهم، فالمؤمن يتقي وسائل الشر.

السؤال: إذا ماتت المرأة هل للرجل أن يتزوج عمتها أو خالتها؟

الشيخ: إذا ماتت لا حرج يأخذ أختها أو يأخذ عمتها لا بأس، لكن لا يأخذ أمها ولا جدتها ولا بناتها من غيره إذا كان قد دخل بها، أما يأخذ أختها وإلا عمتها إذا ماتت لا بأس، أو طلقها واعتدت.

السؤال:....................

الشيخ: في الزي يعني أو في الكلام أو في المشي مثل التشبه بالنساء.

السؤال: من جمع بين أختين هل يطبق عليه حد الزنا؟

الشيخ: يعزر يؤدب بس، يفرق بينهما ويؤدب، إذا كان عنده علم يؤدب ويفرق بينهما، يفرق الحاكم بينهما.

السؤال:.........................

الشيخ: إذا كان من زيهم فمن التشبه.

وأمر بالتسوية بين الأولاد في العطية، وأخبر أن تخصيص بعضهم بها جور لا يصلح، ولا تنبغي الشهادة عليه. وأمر فاعله برده ووعظه وأمره بتقوى الله تعالى، وأمره بالعدل لكون ذلك ذريعة ظاهرة قريبة جدًا إلى وقوع العداوة بين الأولاد وقطيعة الرحم بينهم، كما هو المشاهد عيانًا، فلو لم تأت السنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بالمنع منه، لكان القياس وأصول الشريعة وما تضمنته من المصالح ودرء المفاسد يقتضي تحريمه.

ومنع من نكاح الأمة، لكونه ذريعة ظاهرة إلى استرقاق ولده ثم جوز وطأها بملك اليمين لزوال هذه المفسدة.

ومنع من تجاوز أربع زوجات لكونه ذريعة ظاهرة إلى الجور وعدم العدل بينهن، وقصر الرجال على الأربع، فسحة لهم في التخلص من الزنا، وإن وقع منهم بعض الجور فاحتماله أقل مفسدة من مفسدة الزنا.

ومنع من عقد النكاح في حال العدة وحال الإحرام، وإن تأخر الدخول إلى ما بعد انقضائها وحصول الحل، لكون العقد ذريعة إلى الوطء، والنفوس لا تصبر غالبًا مع قوة الداعي.

وشرط في النكاح شروطًا زائدة على مجرد العقد، فقطع عنه شبه بعض أنواع السفاح به كاشتراط إعلانه، إما بالشهادة أو بترك الكتمان أو بهما. واشتراط الولي، ومنع المرأة أن تليه. وندب إلى إظهاره، حتى استحب فيه الدف، والصوت، والوليمة وأوجب فيه المهر. ومنع هبة المرأة نفسها لغير النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.

وسر ذلك: أن في ضد ذلك والإخلال به ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح كما في الأثر:

(إِنّ الزَّانِيَةَ هي الّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا).

فإِنه لا تشاء زانية تقول: زوجتك نفسي بكذا سرًا من وليها، بغير شهود ولا إعلان ولا وليمة ولا دف ولا صوت إلا فعلت. ومعلوم قطعًا أن مفسدة الزنا لا تنتفي بقولها: أنكحتك نفسي، أو زوجتك نفسي. أو أبحتك مني كذا وكذا. فلو انتفت مفسدة الزنا بذلك لكان هذا من أيسر الأمور عليها وعلى الرجل.

فعظم الشارع أمر هذا العقد. وسد الذريعة إلى مشابهته الزنا بكل طريق. ثم أكد ذلك، بأن جعل له حريما من العدة يزيد على مقدار الاستبراء، وأثبت له أحكامًا من المصاهرة وحرمتها، ومن التوارث. ولهذا كان الراجح في الدليل: أن الزنا لا يثبت حرمة المصاهرة كما لا يثبت التوارث والنفقة وحقوق الزوجية. ولا يثبت به النسب، ولا العدة على الصحيح، وإنما تستبرأ بحيضة ليعلم براءة رحمها، ولا يقع فيه طلاق، ولا ظهار، ولا إيلاء، ولا يثبت المحرمية بينه وبين أمها وابنتها.

الشيخ: لأن الأب ما هو بشرعي فلهذا لا تثبت به أحكام النكاح فإذا وطئ امرأة لم تكن أمها محرمًا له ولا بناتها ولا جداتها لأنه سبب محرم، فسد الشارع الذريعة من كل طريق فلا يترتب عليه أحكام النكاح بل يجب إقامة الحد وسد أبواب الفتنة.

السؤال:......................

الشيخ: سدًا لذريعة الزنا؛ لأن الهبة ذريعة للزنا تزني وتقول: وهبت نفسي.

السؤال:......................

الشيخ: إذا تابا تزوجا الزواج الشرعي.

السؤال:....................

الشيخ: لا فيه تفصيل، الضابط هو ما كان وسيلة للشر يترك.

فلا يثبت حرمة المصاهرة ولا تحريمها. فإن الشارع جعل وصلة الصهر فيه وصلة النسب. وجمع بينهما فى قوله: فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان:54].

فإذا انتفت وصلة النسب فيه انتفت وصلة الصهر.

وكنا ننصر القول بالتحريم ثم رأينا الرجوع إلى عدم التحريم أولى لاقتضاء الدليل له.

وليس المقصود استيفاء أدلة المسألة من الجانبين، وإنما الغرض التنبيه على أن من قواعد الشرع العظيمة: قاعدة سد الذرائع.

ومن ذلك: نهي النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تقام الحدود في دار الحرب. وأن تقطع الأيدي في الغزو، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى لحاق المحدود بالكفار.

ومن ذلك: أن المسلم إذا احتاج إلى التزوج بدار الحرب، وخاف على نفسه الزنا عزل عن امرأته، نص عليه أحمد، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن ينشأ ولده كافرًا.

ومن ذلك: أن الصحابة اتفقوا على قتل الجماعة الكثيرة بالواحد، وإن كان القصاص يقتضي المساواة، لئلا يتخذ ذريعة إلى إهدار الدماء، وتعاون الجماعة على قتل المعصوم.

ومن ذلك: أن السكران لو قتل اقتص منه، وإن كان في هذه الحالة لا قصد له. لئلا يتخذ السكر ذريعة إلى قتل المعصوم وسقوط القصاص.

ومن ذلك: نهيه سبحانه رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الجهر بالقرآن بحضرة العدو، لما كان ذريعة إلى سبهم للقرآن ومن أنزله.

ومن ذلك: أنه سبحانه نهى الصحابة أن يقولوا للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:رَاعِنَا [البقرة: 104].

مع قصدهم المعنى الصحيح، وهو المراعاة، لئلا يتخذ اليهود هذه اللفظة ذريعة إلى السب، ولئلا يتشبهوا بهم، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنى فاسدًا.

ومن ذلك: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كره الصلاة إلى ما قد عبد من دون الله، وأحب لمن صلى إلى عمود أو عود أو شجرة، أن يجعله على أحد حاجبيه، ولا يصمد له صمدًا سدًا لذريعة التشبه بالسجود لغير الله تعالى.

الشيخ: هذا محل نظر؛ لأن الحديث فيه ضعيف يجعله على أحد حاجبيه ضعيف والأظهر أنه يصمد إليه إلى السترة لقوله: فليجعل تلقاء وجهه شيء يعني أمامه، فالسترة تكون أمامه سواء عمود أو حربة كما جاء في الأحاديث الصحيحة أما حديث: (اجعله على أحد جانبيك) فهو ضعيف، والمؤلف كأنه لم ينتبه لضعفه.

السؤال: ..............................

ومن ذلك: أنه أمر المأمومين أن يصلوا جلوسًا إذا صلى إمامهم جالسًا، سدًا لذريعة التشبه بفارس والروم في قيامهم على ملوكهم وهم قعود.

ومن ذلك: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم منع الرجل من أخذ نظير حقه بصورة الخيانة ممن خانه وجحد حقه، وإن كان إنما يأخذ حقه أو دونه، فقال لمن سأله: عن ذلك: أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ُائْتَمَنَكَ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ؛ لأن ذلك ذريعة إلى إساءة الظن به ونسبته إلى الخيانة، ولا يمكنه أن يحتج عن نفسه، ويقيم عذره، مع أن ذلك أيضًا ذريعة إلى أن لا يقتصر على قدر الحق وصفته، فإن النفوس لا تقتصر في الاستيفاء غالبًا على قدر الحق.

ومن ذلك: أن سلط الشريك على انتزاع الشقص المشفوع من يد المشتري.

الشيخ: وهذا كله يستثنى منه إذا كان السبب ظاهر، فلا بأس، مثل أخذ الزوجة من مال زوجها لحاجتها في قصة هند مع زوجها أبي سفيان إذا كان السبب ظاهر لا بأس أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أولادها، كذلك العبد والأمة إذا قصر سيدهما في حاجتهما يأخذان حاجتهما فقط.

السؤال: ...........................

الشيخ: هذه ما تسمى عطية، إنفاق هذه ما هي بعطية إذا كان واحد فقير وواحد غني ينفق على الفقير حتى يستغني.

السؤال:......................

الشيخ: لا، الفقير لا ينفق عليه لكن إذا أعطاه عطية غير النفقة.

السؤال: .....................

الشيخ: محرم، السهر الذي يفضي إلى ترك الصلاة محرم يجب عليه............. حتى يقوم لصلاة الفجر.

السؤال: هل يجبر من زنا بامرأة على الزواج منها بحجة الستر؟

الشيخ: أعوذ بالله هذا باطل ما يجبر بل لا يجوز له، إلا إذا تاب وتابت.

السؤال: ........................

الشيخ: تحريم المصاهرة أم المزني بها وأخواتها، ولكنه قول ضعيف.

ومن ذلك: أن سلط الشريك على انتزاع الشقص المشفوع من يد المشترى سدًا لذريعة المفسدة الناشئة من الشركة والمخالطة بحسب الإمكان. وقبل البيع ليس أحدهما أولى بانتزاع نصيب شريكه من الآخر.
فإذا رغب عنه وعرضه للبيع كان شريكه أحق به لما فيه من إزالة الضرر عنه، وعدم تضرره هو فإنه يأخذه بالثمن الذي يأخذه به الأجنبي، ولهذا كان الحق: أنه لا يحل الاحتيال لإسقاط الشفعة، ولا تسقط بالاحتيال. فإن الاحتيال على إسقاطها يعود على الحكمة التي شرعت لها بالنقض والإبطال.

الشيخ: كل هذا من سماحة الشريعة وعنايتها بسد ذرائع النزاع والخصومات، فوسائل الشر جاءت الشريعة بالحماية منها، ووسائل الخير جاءت الشريعة بالحث عليها، ومن ذلك الشفعة فإن الشريك إذا باع حصته فالشريك أولى بالشفعة حتى يسلم من الشريك، فالشركة فيها مشاكل فإذا باع الشريك فقد جعل الله للشريك السلطة في أن ينتزع الشقص بالشفعة حتى يسلم من الشركة، ولا يجوز التحيل لإسقاط هذه الشفعة.

ومن ذلك: أنه لا يقبل شهادة العدو، ولا الظنين فى تهمة أو قرابة. ولا الشريك فيما هو شريك فيه، ولا الوصي فيما هو وصي فيه، ولا الولد على ضرة أمه، ولا يحكم القاضي بعلمه. كل ذلك سدًا لذريعة التهمة والغرض الفاسد.

ومن ذلك: أن السنة مضت بكراهة إفراد رجب بالصوم، وإفراد يوم الجمعة، لئلا يتخذ ذريعة إلى الابتداع في الدين بتخصيص زمان لم يخصه الشارع بالعبادة.

ومن ذلك: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي كانت تحتها البيعة وأمر بإخفاء قبر دانيال، سدًا لذريعة الشرك والفتنة. ونهى عن تعمد الصلاة في الأمكنة التي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ينزل بها في سفره وقال: "أتريدون أن تتخدوا آثار أنبيائكم مساجد؟ من أدركته الصلاة فيه فليصل، وإلا فلا".

ومن ذلك: جمع عثمان بن عفان الأمة على حرف واحد من الأحرف السبعة، لئلا يكون اختلافهم فيها ذريعة إلى اختلافهم في القرآن. ووافقه على ذلك الصحابة رضى الله عنهم.

ومن ذلك: أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر الذي أرسل معه بهدية إذا عطب شيء منه دون المحل أن ينحره، ويصبغ نعله الذى قلده به بدمه، ويخلى بينه وبين المساكين، ونهاه أن يأكل منه هو أو أحد من أهل رفقته، قالوا: لأنه لو جاز له أن يأكل منه، أو أحد من رفقته قبل بلوغ المحل لخادعته نفسه إلى أن يقصر في علفه وحفظه حتى يشارف العطب فينحره. فسد الشارع الذريعة ومنعه ورفقته من الأكل منه.

الشيخ: وهذا كثير في مقاصد الشريعة في الذرائع المفضية إلى الشر كثير جدًا مثل ما ذكر المؤلف فإذا أرسل هديه من بلده إلى مكة كان النبي ﷺ يأمر من وكل إليه الهدي إذا عطب أن يذبح الهدي ويصبغ دماءه في نعله ويعلقها عليه حتى يعلم الناس أنه هدي ويأكلوه، أما هو وأصحابه لا يأكلوه سدًا لذريعة التساهل لأنهم لو أكلوا لربما تساهلوا حتى يعطب ويأكلوه سد الذريعة، وهكذا النهي عن شهادة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها والمتهم على من يتهم فيه والعدو على عدوه كل هذا سدًا لذريعة الشر .

ومن ذلك: نهيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الذرائع التي توجب الاختلاف والتفرق والعداوة والبغضاء، كخطبة الرجل على خطبة أخيه، وسومه على سومه، وبيعه على بيعه، وسؤال المرأة طلاق ضرتها، وقال:

إذَا بُويِعَ لخِليَفَتْينِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا، سدًا لذريعة الفتنة والفرقة.

ونهى عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا وجاروا ما أقاموا الصلاة سدًا لذريعة الفساد العظيم، والشر الكبير بقتالهم كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن.

الشيخ: ومن تأمل هذه الأمور عرف حكمة الشريعة وكمالها كما قال جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فكل طريق يوصل إلى الشر حذر منه النبي ﷺ حتى لا تقع الشحناء والعداوة بين المسلمين، نهى عن أن يبيع على بيع أخيه، وأن يسوم على سوم أخيه، ونهى أن تسأل المرأة طلاق أختها، ونهى عن الخروج على السلاطين لما يقع من الظلم وبعض المظالم لما يترتب على ذلك من الفساد الكبير، ونهى أن يتعدى المسلم على أخيه بما يسبب الفرقة والاختلاف كالغيبة والنميمة وما أشبه ذلك مما يجر إلى الفساد والشر.

س:.....................

الشيخ: هذا كفر معروف، سب الدين، ترك الصلوات، وأشباه ذلك، نسأل الله العافية، وإلزام الناس بالحكم بغير شريعة الله.

ومن ذلك: أن الشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين في اللباس والشعور والمراكب والمجالس، لئلا تفضي مشابهتهم للمسلمين في ذلك إلى معاملتهم معاملة المسلمين في الإكرام والاحترام، ففي إلزامهم بتمييزهم عنهم سدًا لهذه الذريعة.

الشيخ: يعني إذا كانوا في بلد واحد يكون لهم زي خاص أهل الذمة، حتى يعرفوا، حتى لا يعاملوا معاملة المسلمين يكون لهم زي خاص يعرفون به.

ومن ذلك: منعه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بيع القلادة التي فيها خرز وذهب بذهب، لئلا يتخذ ذريعة إلي بيع الذهب بالذهب متفاضلًا، إذا ضم إلى أحدهما خرز أو نحوه.

ولو لم يكن في هذا الباب إلا أن الله أوجب إقامة الحدود، سدًا للذريعة إلى الجرائم إذا لم يكن عليها وازع طبيعي، وجعل مقادير عقوباتها وأجناسها وصفاتها بحسب مفاسدها في نفسها وقوة الداعي إليها وتقاضي الطباع لها.

وبالجملة، فالمحرمات قسمان: مفاسد، وذرائع موصلة إليها،

الشيخ: محرمات يعني مفاسد كالزنا والسرقة ونحو ذلك، أو آثار الكفر إليها ووسائل وذرائع تفضي إليها فلهذا سد الباب عليه الصلاة والسلام.

وذرائع موصلة إليها، مطلوبة الإعدام، كما أن المفاسد مطلوبة الإعدام.

والقربات نوعان: مصالح للعباد، وذرائع موصلة إليها.

ففتح باب الذرائع في النوع الأول كسد باب الذرائع في النوع الثاني، وكلاهما مناقض لما جاءت به الشريعة، فبين باب الحيل وباب سد الذرائع أعظم تناقض.

وكيف يظن بهذه الشريعة العظيمة الكاملة التي جاءت بدفع المفاسد وسد أبوابها وطرقها أن تجوز فتح باب الحيل، وطرق المكر على إسقاط واجباتها، واستباحة محرماتها. والتذرع إلى حصول المفاسد التي قصدت دفعها.

وإذا كان الشيء الذي قد يكون ذريعة إلى الفعل المحرم إما بأن يقصد به ذلك المحرم، أو بأن لا يقصد به، وإنما يقصد به المباح نفسه، لكن قد يكون ذريعة إلى المحرم، يحرمه الشارع بحسب الإمكان، ما لم يعارض ذلك مصلحة راجحة تقتضى حله، فالتذرع إلى المحرمات بالاحتيال عليها أولى أن يكون حرامًا، وأولى بالإبطال والإهدار إذا عرف قصد فاعله، وأولى أن لا يعان فاعله عليه، وأن يعامل بنقيض قصده، وأن يبطل عليه كيده ومكره.

وهذا بحمد الله تعالى بين لمن له فقه وفهم في الشرع ومقاصده.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتجويز الحيل يناقض سد الذرائع مناقضة ظاهرة، فإن الشارع يسد الطريق إلى ذلك المحرم بكل ممكن، والمحتال يتوسل إليه بكل ممكن،

الشيخ: يعني مناقضة أسباب الحيل مناقضة للشريعة مناقضة لما جاء به الرسول ﷺ.

 ولهذا اعتبر الشارع في البيع والصرف والنكاح وغيرها، شروطًا سد ببعضها التذرع إلى الربا والزنا، وكمل بها مقصود العقود، ولم يمكن المحتال الخروج منها في الظاهر. ومن يريد الاحتيال على ما منع الشارع منه فيأتي بها مع حيلة أخرى توصله بزعمه إلى نفس ذلك الشيء الذي سد الشارع الذريعة إليه، لم يبق لتلك الشروط التي أتى بها فائدة ولا حقيقة، بل تبقى بمنزلة العبث واللعب، وتطويل الطريق إلى المقصود من غير فائدة.

قال: واعتبر هذا بالشفعة، فإن الشارع أباح انتزاع الشقص من مشتريه، والشارع لا يخرج الملك عن مالكه بقيمة أو غيرها، إلا لمصلحة راجحة، وكانت المصلحة هاهنا تكميل العقار للشريك فإنه بذلك يزول ضرر المشاركة والمقاسمة، وليس فى هذا التكميل ضرر على البائع، لأن مقصوده من الثمن يحصل بأخذه من المشترى، شريكًا كان أو أجنبيًا، فالمحتال لإسقاطها مناقض لمقصود الشارع، مضاد له فى حكمه.

فالشارع يقول: لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، والمحتال يقول: لك أن تتحيل على منع الشريك من الأخذ بأنواع من الحيل، التي ظاهرها مكر وخداع، وباطنها منع الشريك مما أباحه له الشارع ومكنه منه، وتفويت نفس مقصود الشارع. والمصيبة الكبرى: إظهار المحتال أنه إنما فعل ما أذن له الشارع في فعله، وأنه مكنه من المكر والخداع، والتحيل على إسقاط حق الشريك، وهذا بين لمن تأمله.

قال: والمقصود: بيان تحريم الحيل، وأن صاحبها متعرض لسخط الله تعالى، وأليم عقابه. ويترتب على ذلك أن ينقض على صاحبها مقصوده منها بحسب الإمكان، وذلك فى كل حيلة بحسبها. فلا يخلو الاحتيال: إما أن يكون من واحد أو اثنين فأكثر، فإن كان من اثنين فأكثر، فإن كان عقد بيع تواطآ عليه تحيلا على الربا، كما في العينة حكم بفساد العقدين، ويرد إلى الأول رأس ماله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله تعالى عنها، وكان بمنزلة المقبوض بعقد ربا، لا يحل الانتفاع به، بل يجب رده إن كان باقيًا، وبدله إن كان تالفًا، وكذلك إن جمعا بين بيع وقرض، أو إجارة وقرض، أو مضاربة، أو شراكة أو مساقاة، أو مزارعة، وقرض، حكم بفسادهما، فيجب أن يرد عليه بدل ماله الذى جعلاه قرضًا، والعقد الآخر فاسد، حكمه حكم العقود الفاسدة.

وكذلك إن كان نكاحًا تواطآ عليه كان حكمه حكم الأنكحة الفاسدة. وكذلك إن تواطآ على هبة أو بيع لإسقاط الزكاة، أو على هبة لتصحيح نكاح فاسد، أو وقف فاسد، مثل أن تريد مواقعة مملوكها فتهبه لرجل فيزوجها به، فإذا قضت وطرها منه استوهبته من الرجل فوهبتها إياه، فانفسخ النكاح، فهذا البيع والهبة فاسدان في جميع الأحكام. وإن كان الاحتيال من واحد، فإن كانت الحيلة يستقل بها لم يحصل بها غرضه. فإن كانت عقدًا كان فاسدًا، مثل أن يهب لابنه هبة يريد أن يرجع فيها لئلا يجب عليه الزكاة فإن وجود هذه الهبة كعدمها ليست هبة في شيء من الأحكام، لكن إن ظهر المقصود ترتب الحكم عليه ظاهرًا وباطنًا وإلا كانت فاسدة في الباطن فقط.

وإن كانت حيلة لا يستقل بها، مثل أن ينوى التحليل، ولا يظهره للزوجة، أو يرتجع المرأة إضرارًا بها، أو يهب ماله إضرارًا للورثة ونحو ذلك، كانت هذه العقود بالنسبة إليه وإلى من علم غرضه باطلة، فلا يحل له وطء المرأة ولا يرثها لو ماتت. وإذا علم الموهوب له، والموصى له غرضه باطلا: لم يحصل له الملك في الباطن. فلا يحل له الانتفاع به بل يجب رده إلى مستحقه. وأما بالنسبة إلى العاقد الآخر الذى لم يعلم فإنه صحيح يفيد مقصود العقود الصحيحة، ولهذا نظائر كثيرة في الشريعة.

وإن كانت الحيلة له وعليه كطلاق المريض، صح الطلاق من جهة أنه أزال ملكه ولم يصح من جهة أنه يمنع الإرث. فإنه إنما منع من قطع الإرث، لا من إزالة ملك البضع.

وإن كانت الحيلة فعلا يفضي إلى غرض له مثل أن يسافر في الصيف ليتأخر عنه الصوم إلى الشتاء، لم يحصل غرضه بل يجب عليه الصوم في هذا السفر.

قلت: ونظير هذا ما قالت المالكية: إنه لا يستبيح رخصة المسح على الخفين إذا لبسهما لنفس المسح، فلو مسح لذلك لم يجزه، وعليه إعادة الصلاة أبدا. وإنما تثبت الرخصة في حق من لبسهما لحاجة، كالبرد والركوب ونحوهما. فيمسح عليهما لمشقة النزع.

وخالفهم باقي الفقهاء في ذلك، والمنع جار على أصول من راعى المقاصد.

الشيخ: والصواب أنه لا بأس قد يكون يلبسهما للحاجة إلى المسح عليهما إما لمشاغله الكثيرة أو لأسباب أخرى، الرسول ﷺ أذن في المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم وثلاثة للمسافر ولم يقل شرط كذا وشرط كذا ولهذا الجمهور خالفوا المالكية في هذا .

السؤال:...............................

الشيخ: إذا قال بيسلمه فلوس ما يخالف، قد يقرضه أحد قد يساعده أحد ولو فقير إذا شفع يشفع إذا تمت الشروط. لا بدّ يسلم وإلا ما له شفعة.

السؤال:.......................

الشيخ: نعم لعموم الأحاديث لو سافر إلى مزرعته يومين ثلاث ثم رجع وهو في سفر يقصر في السفر أو سافر للبر للنزهة ثم رجعوا يومين ثلاثة فيقصرون هذا من فضل الله ما هو خاص بالحج ولا بالعمرة.

السؤال:....................

الشيخ: لا إذا ذاك إذا تحيل سافر لأجل يفطر فقط، سافر لأجل الإفطار.

السؤال: وسفر المعصية؟

الشيخ: الصواب أن له القصر فيه، الجمهور يمنعونه من القصر.

قال شيخنا: وإن كان يفضي إلى سقوط حق غيره مثل أن يطأ امرأة أبيه أو ابنه، لينفسخ نكاحه، أو مثل أن تباشر المرأة ابن زوجها، أو أباه عند من يرى ذلك موجبا للتحريم، فهذه الحيل بمنزلة الإتلاف للملك بقتل أو غصب لا يمكن إبطالها، لأن حرمة المرأة بهذا السبب حق الله تعالى يترتب عليه فسخ النكاح ضمنا.

الشيخ: وهذا الصواب في أن هذه الأسباب المحرمة لا تقتضي التحريم لا تمنع الأسباب المحرمة من الزنا ونحوه لاسيما إذا اتخذت حيلة صار أشد وأشد في القبح فلا يفسخ النكاح بها.

السؤال:.......................

الشيخ: الصواب لا تحرم، عليه التوبة ولا تحرم، لأن عمل فاسد لا يترتب عليه أحكام الشرع.

السؤال:......................

الشيخ: ترث، الطلاق واقع لكن ترثه.

السؤال:...................

الشيخ: مما فعله عثمان والصحابة الناس يقرؤون على حرف واحد لئلا يقع النزاع.

السؤال: .................

الشيخ: لأنها من مائه، من قال بتحريمها قال: لأنها خلقت من مائه، كما هو قول الجمهور فيستثنى، يحرم عليه لأنها خلقت من مائه ولا هي بمحرم له أجنبية.

السؤال: عند الطيالسي بإسناد صحيح أن عائشة قالت: إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة إنما كانت هذه المرأة يهودية؟

الشيخ: لا، كلام النبي ﷺ مقدم على كلام عائشة النبي ﷺ قال في هرة ما قال في يهودية قال: عذبت في هرة، وعائشة لها تأويلات كثيرة رضي الله عنها ما توافق عليها، لها تأويلات لم يوافقها عليها أهل العلم.

والأفعال الموجبة للتحريم لا يعتبر لها العقل فضلا عن القصد. وهذا بمنزلة أن يحتال على نجاسة مائع فإن تنجيس المائعات بالمخالطة، وتحريم المصاهرة بالمباشرة، أحكام تثبت بأمور حسية فلا ترفع الأحكام مع وجود تلك الأسباب.

قلت: هذا كان قول الشيخ أولًا ثم رجع إلى أن تحريم المصاهرة لا يثبت بالمباشرة المحرمة. وحينئذ فصورة ذلك: أن ترضع ابنته الكبيرة أو أمته امرأته الصغيرة. لينفسخ نكاحها. فإن فسخ النكاح هاهنا لا يتوقف على العقل ولا على القصد، بل لو كانت المرضعة مجنونة يثبت التحريم، فهو بمنزلة أن يلقى في مائعه ما ينجسه.

قال: وإن كانت الحيلة فعلا يفضى إلى تحليل له أو لغيره مثل أن يقتل رجلًا ليتزوج امرأته، أو يزوجها غيره. فهاهنا تحل المرأة لغير من قصد تزويجها به. فإنها بالنسبة إليه كمن مات عنها زوجها، أو قتل بحق أو في سبيل الله. وأما بالنسبة إلى من قصد بالقتل أن يتزوج المرأة إما بمواطأة منها أو بدونها، فهذا يشبه من بعض الوجوه ما لو خلل الخمر بنقلها من موضع إلى موضع، من غير أن يطرح فيها شيئًا. والصحيح أنها لا تطهر، وإن كانت تطهر إذا تخللت بفعل الله تعالى. وكذلك هذا الرجل لو مات بدون هذا القصد حلت المرأة، فإذا قتله لهذا القصد أمكن أن يقال تحرم عليه مع حلها لغيره.

ويشبه هذا: الحلال إذا صاد الصيد وذبحه لحرام، فإنه يحرم على ذلك المحرم ويحل للحلال.

ومما يؤيد هذا: أن القاتل يمنع الإرث، ولا يمنعه غيره من الورثة. لكن لما كان مال الرجل تتطلع إليه نفوس الورثة ..

الشيخ: وهذا كله من باب سد الذرائع المفضية إلى ما حرم الله فإن الله حرم على العباد الحيل التي تفضي إلى الحرام سدًا لباب الفساد في الأرض فإذا قتل الزوج لينكح امرأته حرم ذلك وحيل بينه وبين ذلك، إذا علم ذلك، وهكذا إذا قتله ليرثه حرم ذلك، إذا قتله منع من الإرث لأنه مظنة أن يكون أراد بذلك إرثه، وهكذا إذا تزوجها ليحلها لزوجها لم تحل، وهكذا .. المقصود سد باب الحيل المحرمة.

لكن لما كان مال الرجل تتطلع إليه نفوس الورثة كان القتل مما يقصد به المال، بخلاف الزوجة فإن ذلك لا يكاد يقصد، فإن التفات الرجل إلى امرأة غيره بالنسبة إلى التفات الورثة إلى مال المورث قليل. وكونه يقتله ليتزوجها، فهذا أقل. فلذلك لم يشرع أن من قتل رجلًا حرمت عليه امرأته، كما شرع أن من قتل مورثا منع ميراثه، فإذا قتله ليتزوج بها فقد وجدت الحكمة فيه فيعاقب بنقيض قصده.

وأكثر ما يقال في رد هذا: أن الأفعال المحرمة لحق الله تعالى لا تفيد الحل، كذبح الصيد، وتخليل الخمر، والتذكية في غير المحل. أما المحرم لحق الآدمي، كذبح المغصوب، فإنه يفيد الحل. أو يقال: إن الفعل المشروع لثبوت الحكم يشترط فيه وقوعه على الوجه المشروع كالذكاة والقتل لم يشرع لحل المرأة، وإنما انقضاء النكاح بانقضاء الأجل، فحصل الحل ضمنًا وتبعًا.

ويمكن أن يقال في جواب هذا: إن قتل الآدمي حرام لحق الله تعالى وحق الآدمي. ولهذا لا يستباح بالإباحة، بخلاف ذبح المغصوب، فإنه حرم لمحض حق الآدمي. ولهذا لو أباحه حل، فالمحرم هناك إنما هو تفويت المالية على المالك لا إزهاق الروح.

وقد اختلف في الذبح بآلة مغصوبة، وفيه عن أحمد روايتان واختلف العلماء في ذبح المغصوب، وقد نص أحمد على أنه ذكي. وفيه حديث رافع بن خديج في ذبح الغنم المنهوبة، والحديث الآخر في المرأة التي أضافت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فذبحت له شاة أخذتها بدون إذن أهلها، فقال: أَطعْمِوُهَا الأُسَارَى.

وفى هذا دليل على أن المذبوح بدون إذن أهله يمنع من أكله المذبوح له دون غيره، كالصيد إذا ذبحه الحلال لحرام، حرم على الحرام دون الحلال.

وقد نقل صالح عن أبيه فيمن سرق شاة فذبحها: لا يحل أكلها، يعني له، قلت لأبي: فإن ردها على صاحبها؟ قال: تؤكل.

فهذه الرواية قد يؤخذ منها أنها حرام على الذابح مطلقًا، لأن أحمد لو قصد التحريم من جهة أن المالك لم يأذن له في الأكل، لم يخص الذابح بالتحريم.

فهذا القول الذى دل عليه الحديث في الحقيقة حجة لتحريم مثل هذه المرأة على القاتل ليتزوجها دون غيره بطريق الأولى.

هذا كله كلام شيخنا. وبعد، فالتحريم مطرد على قواعد أحمد، ومالك من وجوه متعددة.

الشيخ: والمقصود من هذا أن الحيل تراعي فيها مقاصدها ويحرم الظالم من حصول مقصوده بالحيلة الظالمة المنكرة، ولكن لا يضيع حق غيره، فإذا ذبح المغصوب حل المغصوب لصاحبه وأهله، ولكن يحرم عليه هو لأنه ظالم، ولكن لا تضيع المالية فإذا ذبح وهو أهل للذبح وهو مسلم أو من أهل الكتاب فالذبيحة حلال لأهلها يبيعها يأكلها أما هو لا، ليس له التصرف لأنه ظالم.

وهكذا لو سرق مالًا من زيد أو من عمرو حرم عليه لكن إذا رده لصاحبه أو أباحه له صاحبه أو قال أعطه فلانًا حل لمن أباحه صاحبه، لكن يحرم على الظالم السارق.

وبعد، فالتحريم مطرد على قواعد أحمد، ومالك من وجوه متعددة.

منها: مقابلة الفاعل بنقيض قصده كطلاق الفار، وقاتل مورثه، وقاتل الموصي، والمدبر إذا قتل سيده.

ومنها: سد الذرائع.

ومنها: تحريم الحيل.

ومنها: تخليل الخمر كما ذكره شيخنا، والله تعالى أعلم.

قال: فتلخص أن الحيل نوعان: أقوال، وأفعال.

فالأقوال: يشترط لثبوت أحكامها العقل، ويعتبر فيها القصد، وتكون صحيحة تارة، وفاسدة أخرى.

ثم ما ثبت حكمه، منه ما يمكن فسخه ورفعه بعد وقوعه، كالبيع والنكاح. ومنه ما لا يمكن فيه ذلك كالعتق والطلاق.

فهذا الضرب إذا قصد به الاحتيال على فعل محرم، أو إسقاط واجب أمكن إبطاله، إما من جميع الوجوه، وإما من الوجه الذي يبطل مقصود المحتال، بحيث لا يترتب عليه الحكم المحتال على حصوله، كما حكم به الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في طلاق الفار.

الشيخ: المتحيل يعني: فرارًا من الإرث يعني.

السؤال: .......................

الشيخ: يمنع لأنه قد يتحيل يتظاهر بالخطأ وهو ما هو بخطإ.

وأما الأفعال: فإن اقتضت الرخصة للمحتال لم تحصل كالسفر للقصر والفطر. وإن اقتضت تحريمًا على الغير فإنه قد يقع وتكون بمنزلة إتلاف النفس والمال. وإن اقتضت حلًا عامًا إما بنفسها أو بواسطة زوال الملك، فهذه مسألة القتل وذبح الصيد للحلال، وذبح المغصوب للغاصب.

وبالجملة: فإذا قصد بالفعل استباحة محرم لم يحل له، وإن قصد إزالة ملك الغير ليحل له فالأقيس أن لا يحل له أيضًا وإن حل لغيره.

وقد دخل في القسم الأول احتيال المرأة على فسخ النكاح بالردة، فهي لا تمشي غالبًا إلا عند من يقول: الفرقة تنجز بنفس الردة، أو يقول: بأنها لا تقتل، فالواجب في مثل هذه الحيلة: أن لا ينفسخ بها النكاح، وإذا علم الحاكم أنها ارتدت لذلك لم يفرق بينهما. وتكون مرتدة من حيث العقوبة والقتل، غير مرتدة من حيث فساد النكاح، حتى لو توفيت أو قتلت قبل الرجوع استحق ميراثها، لكن لا يجوز له وطؤها في حالة الردة، فإن الزوجة قد يحرم وطؤها بأسباب من جهتها كما لو أحرمت، لكن لو ثبت أنها ارتدت ثم قالت: إنما ارتدت لفسخ النكاح، لم يقبل هذا، فإنه قد يجعل ذريعة إلى عود نكاح كل مرتدة، بأن تلقن أنها إنما ارتدت للفسخ، ولأنها متهمة في ذلك، ولأن الأصل أنها مرتدة في جميع الأحكام.

فصل

وقد استدل البخاري في صحيحه على بطلان الحيل بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةَ.

فإن هذا النهى يعم ما قبل الحول وما بعده.

واحتج بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الطاعون: إِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.

وهذا من دقة فقهه رحمه الله، فإنه إذا كان قد نهى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الفرار من قدر الله تعالي إذا نزل بالعبد، رضا بقضاء الله تعالى وتسليمًا لحكمه، فكيف بالفرار من أمره ودينه إذا نزل بالعبد؟.

واحتج بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ المَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلأَ".

فدل على أن الشيء الذي هو في نفسه غير محرم إذا قصد به أمر محرم صار محرمًا.

الشيخ: وهذا من باب سد الذرائع المفضية إلى الشر لأن الشارع حكيم والشرائع جاءت بما فيها من الخير العظيم والفائدة الكبيرة؛ فالتحيل لإبطالها عدوان وجرأة على الله واستهتار بحقه، ولهذا حرم الله الحيل المفضية إلى الباطل وإلى ترك الأوامر وإلى ارتكاب المحارم، الشرع جاء بإصلاح البشر وإصلاح القلوب وإصلاح المجتمع فالتحيل على إفساد المجتمع وإفساد العقول وإفساد المعاملات أمر منكر، فلا يجوز التحيل لإفساد المجتمع بالمعاصي وإظهار أسباب الفرقة والاختلاف، ولا يجوز إفساد الأخلاق والعقول بشيء مما حرم الله بأي حيلة.

وهكذا لا يجوز التحيل على إسقاط ما أوجب الله بالحيلة، لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة، مثل إنسانين عندهم أربعون شاة خلطة فيها شاة، فإذا عرفوا قرب مجيء العامل فرقوها صار كل واحدة لحالها كل واحد له عشرين حتى ما تجب عليهم زكاة لأنها إذا كان على كل واحد عشرين ما تجب الزكاة ما بلغت النصاب، ففرقوها لأجل إسقاط الزكاة، وهكذا الجمع بين متفرق خشية الصدقة كل واحد عنده خمسين عليه شاة متفرقين فإذا دنا قرب العامل اجتمعوا صرن مائة وصرن خليطات ما علينا إلا واحدة ما علينا إلا شاة واحدة حتى يسقطوا شاة مما عليهم، وهكذا الحيل لإسقاط ما أوجب الله مثل النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ حوله كلأ أرض فيها عشب وعنده ماء يقول:................... من مائي ارعوا من هذا الكلأ شاركوني في الرعي يمنعهم حتى يبتعدوا حتى يروحوا عن الكلأ يمنعهم من الماء، وهذا أيضًا لا يجوز أولًا فضل الماء لا يمنع، ثانيًا منعه من الكلأ الناس شركاء فيه، فلا يجوز التحيل لمنع أخيك من المشاركة لك في الماء أو في الكلأ.

واحتج أحمد رحمه الله على بطلان الحيل وتحريمها بلعنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم للمحلل، وبقوله: لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل.

واحتج على تحريم الحيل لإسقاط الشفعة بقوله: فلا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه.

واحتج ابن عباس وبعده أيوب السختياني، وغيره من السلف: بأن الحيل مخادعة لله تعالى. وقد قال الله تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنْفُسَهُمْ [البقرة:9].

قال ابن عباس: ومن يخادع الله يخدعه. ولا ريب أن من تدبر القرآن والسنة، ومقاصد الشارع جزم بتحريم الحيل وبطلانها فإن القرآن دل على أن المقاصد والنيات معتبرة في التصرف والعادات، كما هي معتبرة فى القربات والعبادات، فيجعل الفعل حلالًا أو حرامًا، وصحيحًا أو فاسدًا، وصحيحًا من وجه، فاسدًا من وجه، كما أن القصد والنية في العبادات تجعلها كذلك.

وشواهد هذه القاعدة كثيرة جدًا في الكتاب والسنة.

فمنها: قوله تعالى في آية الرجعة: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231].

وذلك نص في أن الرجعة إنما تثبت لمن قصد الصلاح دون الضرار، فإذا قصد الضرار لم يملكه الله تعالى الرجعة.

ومنها: قوله تعالى في آية الخلع: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مَّمِا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يخَافَا ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيماَ حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].

وهذا دليل على أن الخلع المأذون فيه إنما هو إذا خاف الزوجان أن لا يقيما حدود الله، وأن النكاح الثاني إنما يباح إذا ظنا أن يقيما حدود الله، فإنه شرط في الخلع عدم خوف إقامة حدوده، وشرط في العود ظن إقامة حدود الله.

الشيخ: وهذا يقع كثير من الناس قد يظلم زوجته ويؤذيها حتى تختلع حتى تعطيه المال هذا لا يجوز، إذا طابت نفسه منها ولم يرغب فيها يطلقها ولها مهرها الذي استحل فرجها به، وكونه يؤذيها بضرب أو بإساءة العشرة حتى تفتدي هذا لا يجوز، أما إذا كان لا، إن ساءت الحال بينهما ولا حصل وفاق بينهما وتراضيا على أنه يطلقها بشيء من المال فلا بأس من غير ظلم منه لها، مثل ما فعلت زوجة ثابت بن قيس بن شماس قالت: إني لا أستطيع البقاء معه، لما حصل في قلبها من البغضاء، قال: (أتردين عليه حديقته؟) قالت: نعم ............، المقصود أنه لا يجوز لها أن تؤذيه حتى يطلق ولا يجوز له أن يؤذيها حتى تختلع على كلٍ العدل والنصح.

ومنها: قوله تعالى في آية الفرائض: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مضُار [النساء:12].

فإنه إنما قدم على الميراث وصية من لم يضار الورثة، فإذا كانت الوصية وصية ضرار كانت حرامًا، وكان للورثة إبطالها، وحرم على الموصى له أخذ ذلك بدون رضا الورثة، وأكد سبحانه وتعالى ذلك بقوله: تِلكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229].

وتأمل كيف ذكر الضرار في هذه الآية دون التي قبلها. لأن الأولى تضمنت ميراث العمودين، والثانية تضمنت ميراث الأطراف: من الزوجين، والإخوة. والعادة أن الميت قد يضار زوجته وإخوته، ولا يكاد يضار والديه وولده.

والضرار نوعان: جنف، وإثم. فإنه قد يقصد الضرار، وهو الإثم، وقد يضار من غير قصد، وهو الجنف، فمن أوصى بزيادة على الثلث فهو مضار، قصد أو لم يقصد، فللوارث رد هذه الوصية. وإن أوصى بالثلث فما دون ولم يعلم أنه قصد الضرار وجب إمضاؤها. فإن علم الموصى له أن الموصي إنما أوصى ضرارا لم يحل له الأخذ، ولو اعترف الموصي أنه إنما أوصى ضرارا لم تجز إعانته على إمضاء هذه الوصية.

وقد جوز إبطال وصية الجنف والإثم، وأن يصلح الوصي أو غيره بين الورثة والموصى له فقال تعالى: فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:182].

وكذلك إذا ظهر للحاكم أو الوصي الجنف أو الإثم في الوقف ومصرفه أو بعض شروطه فأبطل ذلك كان مصلحًا لا مفسدًا. وليس له أن يعين الواقف على إمضاء الجنف والإثم، ولا يصحح هذا الشرط ولا يحكم به، فإن الشارع قد رده وأبطله. فليس له أن يصحح ما رده الشارع وحرمه، فإن ذلك مضادة له ومناقضة.

ومن ذلك: قوله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنةٍ [النساء:19].

فهذا دليل على أنه إذا عضلها لتفتدي نفسها منه وهو ظالم لها بذلك لم يحل له أخذ ما بذلته له ولا يملكه بذلك.

ومن ذلك قوله تعالى: يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النَّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبعَضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19].

فحرم أن يأخذ منها شيئًا مما آتاها إذا كان قد توسل إليه بالعضل.

ومن ذلك: أن جَدَاد النّخل عَملٌ مباح أيَّ وقتٍ شاء صاحبُه، لكن لمَّا قصد أصحابُه به في الليل حرمانَ الفقراء عاقبهم الله تعالى بإهلاكه، ثم قال: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم:33]، ثم جاءت السنة بكراهة الجداد بالليل لكونه ذريعة إلى هذه المفسدة. ونص عليه غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل وغيره.