1- من حديث (أي الكسب أطيب؟ قَال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)

كِتَابُ الْبُيُوعِ

بَابُ شُرُوطِهِ، ومَا نُهِيَ عَنْهُ

784- عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ.

رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

785- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، والْمَيْتَةِ، والْخِنْزِيرِ، والْأَصْنَامِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّها تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، ويَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ حَرَامٌ، ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثم بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

786- وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، ولَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ مَا يَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ، أو يَتَتَارَكَانِ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالبيع وشروطه، وما نهي عنه:

البيع الأصل فيه الحِلُّ بشروطه المعتبرة، وهناك أشياء نُهي عن بيعها، يجب الأخذ فيها بما أوضح لك الشرع، والله يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، فالأصل حلُّ البيع، حلّ الإجارة، حلّ العارية، وهكذا العقود الأصل فيها الحلّ: النكاح، المساقاة، المزارعة، إلى غير ذلك، فلا يمنع من الحلِّ إلا بدليلٍ، هذا هو الأصل، والأصل في ذلك مُراعاة الشروط التي دلَّ عليها الشرع، مثل: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، كون المتبايعين قد تراضيا على البيع، ما أحد مُكرهًا، كالعلم بالمبيع، ما فيه جهالة، ولا غرر، إلى غيرها مما يأتي إن شاء الله.

وبيان المنهي عنه من البيوع حتى يتركه المسلم، فالمؤلف في هذا الباب يُبين ما ورد في شؤون البيع، وما نُهي عنه من البيع؛ حتى يكون المسلمُ على بصيرةٍ في بيعه، وما يذر من البيوع.

الحديث الأول: حديث رفاعة بن رافع، عن النبي ﷺ قال لما سُئل: أيُّ الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور، هذا يدل على أنَّ ما يكسبه الإنسانُ بيده من أفضل الكسب، وهكذا البيع المبرور السَّالم من الغشِّ والخيانة والكذب من الأكساب المبرورة: كالنِّجارة، والحِدادة، والزراعة، والكتابة، وأشباه ذلك مما يعمله الإنسانُ بيده، ويكتسب بيده، والبنَّاء يعمل عند الناس فيبني، أو يغرس، أو يزرع، وشبه ذلك، هذا من الكسب الطيب، إذا نصح وأدَّى الأمانة فهو عملٌ طيبٌ، كسبٌ طيبٌ.

ومن هذا حديث المقدام بن معديكرب عند البخاري رحمه الله: أن النبي ﷺ قال: ما أكل أحدٌ طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده، كان يصنع الدروع ويأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام، فما كان من كسب اليد فهو من أفضل الكسب، وهكذا البيوع المبرورة السَّليمة من الغشِّ والخيانة، فهي من الكسب المبرور.

وكان هذا هو كسب المهاجرين ، كان كسبُهم التِّجارة، لما قدموا المدينة اشتغلوا بالتِّجارة، وأغناهم الله بها، ولما قدم عبدالرحمن بن عوف مُهاجرًا، وآخى النبيُّ ﷺ بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، قال سعد: "يا عبدالرحمن، أُقاسمُك مالي، أُعطيك الشطر، وإنَّ لي زوجتين، سوف أُطلق إحداهما، فاختر إحداهما أُطلِّقها، وتزوَّجها بعدي"، من نُصحهم ، ومحبَّتهم لإخوانهم المهاجرين، فقال عبدالرحمن بن عوف: "بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجةَ لي في هذا، ولا في هذا، بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق"، فدلوه على السوق، واشترى بعض الحاجات، وأغناه الله، وصار من أكثر الناس مالًا.

الحديث الثاني: حديث جابرٍ، عن النبي ﷺ: أنه خطب الناس يوم فتح مكة، لما فتح الله عليه مكة سنة ثمانٍ في رمضان خطب الناس، واعظًا، ومُذَكِّرًا، ومُشَرِّعًا، فقال ﷺ: إنَّ الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام.

كان أهلُ الجاهلية يتبايعون الخمور، والميتات، والخنزير، والأصنام، والصُّور؛ فبيَّن لهم تحريم ذلك: الخمر لخبثها، والميتة لخبثها، والخنزير لخبثه، والأصنام لأنها تُعبد من دون الله، وسيلة الشِّرك.

فسُئل عن شُحوم الميتة: أنها تُطلى بها السُّفن، وتُدهن بها الجلود، فقال: هو حرام، يحتمل قوله: هو يعني: بيعه، ويحتمل هو أي: هذه المذكورات حرام، يعني: وإن طُلِيَ بها السُّفن، واستصبح بها الناسُ، ودُهن بها الجلود، هي حرام.

ثم ذكر قصة اليهود، وأنهم يتحيَّلون في استحلال المحرَّمات، لما حُرمت عليهم الشُّحومُ جملوها، يعني: أذابوها، ميَّعوها، ثم باعوها وأكلوا ثمنها، وقالوا: "ما بعنا شحمًا، بعنا دهنًا"، باعوها دهنًا مايعة، هذا من حيلهم، قالوا: "ما بعنا شحمًا، وإنما بعنا دهنًا"، فاستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل.

ولهذا جاء في الحديث الصحيح: يقول ﷺ -كما ذكر ابن بطَّة رحمه الله بسندٍ جيدٍ عن أبي هريرة : لا ترتكبوا ما ارتكبت يهود؛ فتستحلُّوا محارم الله بأدنى الحيل.

مثل: حيلة أهل القرية التي حرَّم الله عليهم السَّمك في يوم السبت، فكان يقلُّ في غير وقت السبت، ويكثر في يوم السبت، وقت التَّحريم؛ ابتلاءً وامتحانًا، فلما تحيَّلوا في صيده في يوم السبت مسخهم الله قردةً.

المقصود أن التَّحيل من فعل اليهود، فالواجب الحذر، ولا يجوز للمسلم أن يتشبَّه باليهود في تحيلهم على ما حرَّم الله، فيجب ترك الشُّحوم، ولا تُباع، ولا تُطلى بها السفن، ولا تُدهن بها الجلود، بل يجب تركها.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: إذا اختلف المتبايعان في البيع فالقول ما يقول ربُّ السلعة أو يتتاركان إن اختلفوا، وليس بينهما بينةٌ هذا يقول: إني شريتُها بمئةٍ، وهذا يقول: بثمانين، فالقول قول ربِّ السلعة بيمينٍ، فإن لم يرضَ المشتري فالتَّفاسُخ: التَّفارق، هذا يقول: شريتها مني بمئةٍ، وهذا يقول: لا، اشتريتُها بثمانين، وليس عندهم بينة، إما أن يرضى بيمينه؛ لقوله ﷺ: لو يُعطى الناسُ بدعواهم لادَّعى أناسٌ دماء ناسٍ وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعى عليه، وإلا يتتاركا: يتفاسخا، يفسخ البيع، إن لم يرضَ المشتري بيمين البائع يفسخ البيع.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: المُشتري إذا كانت السلعةُ مثلًا شراء دولار، فنقص في السوق، فيتضرر البائعُ بذلك، هل نقول: القول إذا ردَّ حتى يمينه مقبولة، يتشاركان، بدل أن اشترى منه دولارًا فنقص في السوق؟

ج: لا، هذا ما له دخلٌ فيها، هذا نصيبه ..... نقص السعر، كل الناس يشترون ..... ما دام تم البيع انتهى.

س: ما أخذه؟

ج: ما دام تمَّ البيعُ انتهى يا ابني، إلا إذا كانوا في المجلس فلهم الخيار، كل واحدٍ له الخيار ما داموا في المجلس، سواء دولارًا أو غيره: البيعان بالخيار حتى يتفرَّقا ما لم يشترطا ترك الخيار.

س: حديث الرسول ﷺ: أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طهر، وحديث جابر، وتحريم الميتة، كيف نجمع بينهما؟

ج: هذا في تحريم الميتة أنه حرامٌ، وهذا في تطهير الجلد بالدباغ، ما في تنافي.

س: بعض الأئمة بوَّب في بعض الكتب: "باب الحِيَل"، هل هذا من هذا القبيل في حيل اليهود؟

ج: بيان تحريم الحيل التي تُفضي إلى استحلال الحرام في مؤلفات ابن بطة وغيره.

س: الآن في بعض تجار السيارات إذا أراد أن يشتري سيارةً يشتريها، وتبقى باسم مَن اشتراها منه، بحجة أن السيارة تصير أرغب للناس، وهو يُريد أن يبيعها، فيقول: أبقِ على اسمك، ويُعطيه تفويضًا، هل يجوز لهذا المُشتري أن يبيع؟

ج: هذا كذبٌ، لا بدّ أن يبيعها باسم صاحبها؛ لأنَّ هذا قد تترتب عليه أحكامٌ، يبيعها من صاحبها، ويُعطيه وثيقةً بأنه باعها عليه، ولا يبعها إلا بعد إخراجها من المعرض إلى معرضٍ آخر، أو إلى بيته، أو إلى السوق؛ لما في الحديث: "نهى أن تُباع السلع حتى يحوزها التُّجار إلى رحالهم".

س: التَّورق هل يجوز مطلقًا أو بشروطٍ؟

ج: بشروط البيع.

س: بعضُهم حدد الحاجة؟

ج: لا، شروط البيع فقط، التَّورق معناه: الذي يُسمونه ..... يبيع السلعة على إنسانٍ، والإنسان المشتري يريد أن يشتريها بدَيْنٍ ويبيعها حتى ينتفع بالثمن: بزواجٍ، أو قضاء دينٍ، أو نحو ذلك.

س: أو ما يجوز بيعها؛ لأنَّه إلى الآن لم تصر بحوزته؟

ج: نعم، لا بدَّ أن ينقلها، ولا بد أن تكون باسمه، ما هو باسم الذي باعها عليه.

س: في بعض البلاد تُباع الأصنام للسّواح، من غير قصد أنها تُعبد، للزينة؟

ج: المقصود أنها تحرم مثلما سمعتَ.

س: ما يكفر بهذا؟

ج: لا، ما يكفر، مثل هذا الذي يبيع الصور الآن، يبيعون صور النساء، وصور الرجال، وصور الأصنام.

س: رجلٌ يُوفِّر لوالده عيشةً طيبةً من المأكل، والمشرب، والمسكن، والملبس، مع العلم بأن الوالد له راتبٌ طيبٌ يُعطيه لزوجةٍ له، وهذه الزوجة تصرف هذا المال في أمورٍ منها عمل السحر، وأمور أخرى، ثم إنَّ هذا الوالد يطلب من ولده مالًا زائدًا على نفقته، فهل إذا امتنع الولدُ عن هذا الطلب، حيث إنه وفَّر له كلَّ شيءٍ، وهذا المال يذهب إلى هذه الزوجة التي لا تُحسن التَّصرف فيه هل يأثم بذلك؟

ج: يُراجع المحكمة، والمحكمة تنظر في الأمر، في الساحرة هذه، وفي أبيه، حتى إذا تنازل عند المحكمة، والذي يعرف السحر يرفع أمرها إلى المحكمة، أو إلى الهيئة، حتى يُقضى عليها.

س: بما يُزال الشيب؟ وما حكم تغيير الشيب بالكتم أو الحناء؟

ج: الشَّيب لا يُزال، النبي ﷺ نهى عن نتف الشَّيب، لكن يُغيَّر بالصُّفرة والحُمرة، وكذلك ما بين السَّواد والحُمرة، ولا يُغيَّر بالسواد، النبي ﷺ قال: غيِّروا هذا الشَّيبَ، واجتنبوا السواد، فالسنة أن يُغيَّر بالحناء والكتم، أو بغير ذلك من أنواع الصبغ، إلا السواد الخالص، لا.