4- تابع باب شروطه وما نُهي عنه منه (الأسئلة1)

804- وعَنْ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ".

رَوَاهُ مَالِكٌ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، بِهِ.

805- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "ابْتَعْتُ زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحًا حَسَنًا، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ".

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ واللَّفْظُ لَهُ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ.

806- وعَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَبِيعُ الإبلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ، وآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ، وآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذَا مِنْ هَذِهِ، وأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرقَا، وبَيْنَكُمَا شَيْءٌ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فالحديث الأول يتعلق بالعربان، ويُقال له: العربون، وهو ما يُقدِّمه المشتري من الثمن للبائع حتى يُؤكد البيع، فإن تمَّ البيعُ فهو من الثمن، وإن لم يتم البيع فهو للبائع، وقد يردُّه على صاحبه على حسب اتِّفاقهما، فيشتري مثلًا البيت بكذا وكذا، ويُعطيه العربون خمسة آلاف، عشرة آلاف، على أن يُمهله شهرًا، أو شهرين، أو كذا، فإن تم البيعُ وأتى بالثمن وأحضره، وإلا فله العربون في مقابل تعطيله وتأخيره عن المدة التي ينتظره فيها.

وجاء في حديث مالك: أن الرسول ﷺ نهى عن بيع العربان، وذكره مالك: بلغنا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهو حديثٌ ضعيفٌ، بلاغات مالك ضعيفة رحمه الله.

والصواب جواز ذلك، وقد أفتى بذلك عمرُ ، أفتى ببيع العربان.

والحاجة ماسَّة إلى ذلك، فإذا دفع إلى زيدٍ أو عمرو دراهم معينة، وقال: هذا العربون إن تم البيعُ فهو من الثمن، وإن لم يتم البيعُ فهو لك، أي: بمقابل انتظارك لي حتى أنظر في الأمر؛ فلا حرج في ذلك، سواء كان المبيع في بيتٍ، أو أرضٍ، أو سيارةٍ، أو غير ذلك، هذا هو الأرجح من قولي أهل العلم، وعليه العمل.

والحديث الثاني: حديث زيد بن ثابتٍ في بيع السلع قبل قبضها، وفيه أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما اشترى زيتًا، فلما تم الشراء جاءه رجلٌ فأعطاه ربحًا حسنًا، فأراد أن يضرب على يديه، فأخذ رجلٌ من ورائه بذراعه، فإذا هو زيد بن ثابتٍ ، وقال: "لا تبعه، فإنَّ رسول الله ﷺ نهى أن تُباع السلعة حيث تُبتاع حتى يحوزها التُّجارُ إلى رحالهم".

هذا دليلٌ على أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه، وتقدَّم حديث ابن عباسٍ: أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الطعام حتى يكتاله، حتى يستوفيه، قال ابن عباس: "ولا أرى غير الطعام إلا مثله"، فإذا اشترى بعيرًا، أو أرضًا، أو غير ذلك، فلا يبع حتى يتم البيعُ، حتى يقبض بالتَّخلية، أو بالنَّقل فيما يُنقل؛ لهذا الحديث وما جاء في معناه.

فإذا اشترى أرضًا وأعطاه تم البيع، وخلَّى بينه وبينها، قبضها بالتَّخلية، وإذا اشترى سيارةً وسلَّمها له، وأخرجها من بيت البائع، من حوشه، من المعرض؛ فقد قبضها، أو بعيرًا، وأخرجه من محلِّه، من حوش البائع، إلى غير ذلك، أو بيع من محل السوق إلى محلٍّ آخر فلا بأس.

المقصود النهي عن البيع في محلِّ البيع حتى يُخرجه من محل البيع؛ لأنَّ هذا وسيلة إلى تمام البيع، وانقطاع علاقة البائع، واستقلال المشتري بالسلعة، فإذا باعه في محلِّه فقد يكون له علاقة بالبائع، وهذا يكون نزاعًا بينهما، لكن متى قبضه وانتقل به إلى محلٍّ آخر دلَّ ذلك على أن علاقة البائع انتهت، وأنها استقرت في ملك المشتري حتى يبيعه على بصيرةٍ.

والحديث الثالث حديث ابن عمر أيضًا: أنه سأل النبيَّ ﷺ: أنه كان يبيع الإبل بالبقيع، فيبيع بالدنانير، ويأخذ الدراهم، ويبيع الدراهم، ويأخذ الدنانير، فسأل النبيَّ ﷺ عن ذلك فقال: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء.

والبقيع يعني: محلًّا من البقيع؛ لأنَّ البقيع فيه الموتى، وفيه قطعة منه ما فيها موتى، فالبقيع أرض واسعة، فكانوا يبيعون في جزءٍ منه، أي: في محلِّ بيعٍ وشراء، وجزء منه محلٌّ للدفن، فهذا يدل على أنه إذا باع السلعة بالدراهم، ثم أخذ عنها الدنانير، أو باعها بالدنانير، وأخذ عنها الدراهم بسعر يومها فلا حرج في ذلك، بعت عليه السيارة بمئة ألف ريـال، ثم أعطاك عنها جنيهات في الحال صرفًا، فلا بأس، أو بعته السيارة بذهبٍ، ثم أخذت مقابلها فضةً صرفًا، ولم تفترقا وبينكما شيءٌ.

فهذا يدل على جواز بيع الشيء في الذمة على صاحبه الذي هو في ذمته، وإذا كان نقودًا فلا بدّ من التَّقابض، لا بدّ أن يقبض منه في الحال، ولهذا قال: ما لم تفترقا وبينكما شيء، أما لو باعه بغير النقود سيارة، أو باعه أواني، أو باعه ملابس، ما يُشترط التقابض، لو تفرَّقا ما يضرّ؛ لأنها ما بينها صرفٌ، ما بينها ربا، فلو قال له: الفلوس التي عندك لي مئة ريـال، وقال له: لك عنها الخروف الفلاني، أو البشت الفلاني، يعرفه، تم البيع عليه، لا بأس، ولو ما قبضه؛ لأنه معيَّنٌ، وليس في الذمة، وليس من باب الصرف، أما إن كان من باب الصرف فلا بدّ من التَّقابض في المجلس: باعه دولارات ويُعطيه عنها دراهم، أو دراهم ويُعطيه دولارات، أو جنيه استرليني ويُعطيه عنه دراهم سعودية، لا بدّ من التَّقابض في المجلس؛ لأنَّ هذه العُمَلَ ربوية، فلا بدّ فيها من التَّقابض.

 

الأسئلة:

س: بالنسبة للعربون: هل يكون من نصيب البائع لو ما كان بينهم شرطٌ: بين البائع والمُشتري؟

ج: لا، على حسب الشروط، المسلمون على شروطهم، العربون تارةً يشترط أنه له، وتارةً أمانة، ما هو له، أمانة، إن تمَّ البيعُ وإلا أعطاه إياه، إن كان أمانةً فهو أمانة، وإن كان لا، قال: ما أسمح، ولا ...

س: إذا كان العربون يأخذ نصف القيمة؟

ج: الذي اتَّفقوا عليه، المسلمون على شروطهم.

س: يأخذه بدون مقابل؟

ج: المقابل تضييع الفرص، وتفرَّقوا، الناس يمكن لو دوَّر مَن يشتريها ما يحصل أحدًا، تفرَّقوا.

س: حديث زيد بن ثابت: المعارض الآن إذا انتهت الأوراق ما يستطيع ...؟

ج: لا بد أن يُؤرّخ، يُخرجها من المعرض.

س: بعض المعارض يبيع ..... ويقول لصاحبٍ كأنه وكيلٌ: إن شئتَ أن أبيعها لك؟

ج: لا يبيعها حتى يُخرجها، إذا ردَّها بعد ذلك لا بأس.

س: الشيك يُعتبر قبضًا؟

ج: عند جمعٍ من أهل العلم يُعتبر قبضًا؛ لأنه ..... حصل به المطلوب، ولكن إذا تيسر له أن يكون قبضًا تامًّا لا بأس أن يُعطيه دراهم، وأما الشيك فهو قبض في الحقيقة؛ لأنه أينما ذهب حصل به المطلوب.

س: سيارات الخضار الموجودة في سوق الخضار ما تُنقل، يبيعها المُشتري إلى أن تخلص البضاعة، ولا تُنقل، ولا شيء؟

ج: الواجب أنها تُنقل إلى محلٍّ آخر، إذا اشتراها يُحوِّلها إلى محلٍّ آخر، يعني: يُفرِّغها في محلٍّ آخر، وقد يقال: إنَّ تفريغه من محلِّ البائع -من السيارة- قبضٌ لها؛ لأنها في السيارة أولًا، فإذا نزلها في السوق فالقبض انتهى.

س: ..... الثلاجة تجيء من مناطق الشام، وتبقى حتى يستلمها البائعُ الذي يبيعها بالتَّجزئة، وتبقى معه أسبوعًا أو أسبوعين حتى يُنهي الثلاجة هذه؟

ج: يعني السيارة واقفة في حالها؟

س: تجلس أسبوعًا أو أسبوعين ما تمشي بالمرة حتى تُفرّغ، ولو فرّغت يفسد الطعام الذي فيها –الفاكهة- لأنها في ثلاجات تبريد.

ج: قد يُقال للضَّرورة: أن التَّخلية تكفي، مثلما يُخلي بينه وبين أرضه، ويُخلي بينه وبين الأشياء التي يصعب نقلها من باب التَّخلية؛ لأنها لو فُرِّغت فسدت، يكون من باب التَّخلية، لا حرج إن شاء الله من باب الضَّرورات؛ لأنَّ تفريقها الآن فيه خطورة على الجميع.

س: الذي يشتري ملابس بخمسين ريالًا، ويبيعها بمئةٍ وخمسين، يعني: ثلاثة أضعاف قيمتها؟

ج: إذا كان لها أسباب: ما لها سعر معلوم في الأسواق، على حسب البيع والشراء، إذا ما كان لها ربحٌ معين، ما لها سوقٌ معين، لا يخدع الناس، إن كان لها سوقٌ معينٌ وسعرٌ معينٌ لا يخدع الناس، يقول: ترى سعرها كذا وكذا، أما إذا ما كان لها سعر معين: ما أبيعها إلا بكذا وكذا، إلا بفائدة كذا؛ لا بأس.

س: الربح ما له حدٌّ؟

ج: ما له حدٌّ، إذا كان ما له أسعار مُعينة، أما إذا كان السوقُ مُسَعَّرًا: هذا في السوق يُباع بعشرة ريالات، وأنت تقول: لا، أبيعه بعشرين ..... الناس، لا.

س: هل يجوز للمُشتري الرجوع في حال البيع عفا الله عنك؟

ج: إذا غرَّه نعم.

س: يقول: هذه تجارة؟

ج: لا، إذا كان لها سعرٌ معلومٌ فقد غرَّه، قد خدعه.

س: وربما قال أن السوق شطارة؟

ج: لا، ما يصلح، إن كان لها سعرٌ معلومٌ ما يجوز، أما إذا كانت ما لها سعر؛ فهذا يقول: ما أنا ببائعٍ إلا بكذا، أو يقول لك: ترى سعرها في السوق كذا، ولكن ما أنا بائعها إلا بكذا، تُريدها وإلا اذهب اشترِ من غيري؟ يُوضِّحها له، والمسلم أخو المسلم لا يخدعه.

س: خيار الغبن هل لهم مُدَّة معينة؟

ج: إذا علم بغبنٍ هذا هو، فإذا علم به وتساهل وظهر منه ما يدل على أنه راضٍ بطل الخيار.

807- وعَنْ ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رسول الله ﷺ عَنِ النَّجشِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

808- وعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، والْمُزَابَنَةِ، والْمُخَابَرَةِ، وعَن الثُّنْيَا، إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

809- وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، والْمُخَاضَرَةِ، والْمُلَامَسَةِ، والْمُنَابَذَةِ، والْمُزَابَنَةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

810- وعَنْ طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَلَقَّوا الرُّكْبَانَ، ولَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

811- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَلَقَّوا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

812- وعَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، ولَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، ولَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، ولَا تسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: لَا يَسُمِ الْمُسْلِمُ عَلَى سَوْمِ الْمُسْلِمِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في النَّهي عن المعاملات التي كان يعتادها أهلُ الجاهلية، وفيها من الربا والغرر ما فيها، فنهى النبيُّ عليه الصلاة والسلام عنها؛ لأنَّ بعضها يشتمل على غررٍ، وبعضها فيه ربا؛ ولهذا نهى عنها عليه الصلاة والسلام، ومنها النَّجش؛ لأنَّ النجش يتضمن الظلم والإيذاء للناس، وهو أن يزيد في السلعة وهو لا يُريد الشراء، ولهذا قال النبيُّ ﷺ: لا تناجشوا، كما في الحديث الأخير، يزيد وهو ما يُريد الشراء، ولكن يُريد إغلاءها على المشتري، أو يُريد نفع البائع، فيقول في السلعة: أنا كذا، آخذها بكذا، ولو قيل له: نصيبك، ما يأخذها، إنما أراد إيذاء المشتري، أو نفع البائع، فهذا لا يجوز، هذا نجش.

والنهي عن المحاقلة، والمخاضرة، والمخابرة، والثّنيا إلا أن تُعلم كذلك:

المحاقلة: يبيع الحقل والزرع بكيل طعامٍ، بكيلٍ معلومٍ؛ لأنَّ هذا فيه ربا؛ لأنَّ الطعام ما يبلغ، ويبيعه بكيل طعامٍ، هذا لا يجوز، وإنما يُباع إذا بدا صلاحه بشيءٍ معلومٍ، بشرط: إذا بدا صلاحه.

وهكذا المخاضرة: يبيع الزرع الأخضر إلى أجلٍ، يعني: حتى يستوي، وهذا قد تعرض له الآفةُ، فلا يُباع حتى يستوي، أو يُباع بشرط الحصاد، فإذا باعه الآن بشرط أنه يحصده الآن، وإلا فلا يبيعه حتى يبدو صلاحه، يبدو صلاح الحبِّ، ويشتد الحبُّ، ويشتد الثَّمر؛ لأنَّ في بيعه وهو ما استوى بَعْدُ خطرًا، إلا إذا باعه بشرط أنه يقطعه علفًا.

والثّنيا معناها: الاستثناء، كونه يقول: "أبيعك هذه الغنم إلا واحدة"، بدون بينةٍ، أو "هذه الإبل إلا واحدة"، أو "أبيعك هذا البيت إلا غرفة"، يُبيِّن له الغرفة، وأيش هي، يُوضِّحها.

وهكذا المزابنة: يبيع النخل أو الزرع مجملًا بكيل طعامٍ، يعني: يبيع الزرع بمئة صاعٍ، يبيع النخل بمئة كيلو تمر، هذا ما يُدرى، فيه غررٌ، ويكون ربًا، ما يصلح؛ لا بدّ أن يبيعه بالنقود إذا بدا صلاحُه.

وكذلك تلقي الجلب: أنه يتلقَّى الجلب، ما يُجلب من الإبل أو غيرها، لا يتلقَّاها؛ لأنه قد يضرّ الجالبين، فيشتري منهم بأقلّ، فإذا عرفوا أنه خدعهم لهم الخيار.

كذلك بيع الحاضر للبادي: لا يبيع حاضرٌ لبادٍ يكون له سمسارًا، البادي يكون للحاضر سمسارًا، يجيء ويجلب إبله أو غنمه، ويكون الحاضرُ هو الذي يبيع له، لا، فهو الذي يتولَّى بيع حاجته؛ حتى يكون أرخص للناس، وأنفع للناس، إذا باعه للحاضر شدَّد على الناس، وأغلى على الناس.

ولا تسأل المرأةُ طلاقَ أُختها كذلك، تقول: أنا ما بغيتُكَ إلا إذا طلَّقْتَ فلانة، تابع، شرط أنَّكَ تُطلِّق فلانة، ما يجوز الشرط هذا، إما أن تقبله، وإما أن تتركه، أما أن تشترط طلاقَ أختها فهذا ظلمٌ منها، لا تُعاقبها.

ولا يخطب على خطبة أخيه: خطب فلانٌ، لا يخطب هو حتى يترك الخاطبُ، أو يأذن له، أو يردّ إذا ردُّوه، أو تراجع، ما يُخالف.

ولا يسوم على سوم أخيه: إذا أظهر له الموافقة على البيع، سام السلعة بمئة ريـال، وأظهروا الرضا، يأتي فيقول له: لا، أنا آخذها بأكثر، لا؛ هذا يُسبب العداوة والبغضاء، والرسول ﷺ يقول: دعوا الناسَ يرزق اللهُ بعضَهم من بعضٍ.

كذلك المخابرة: وهو الذي يبيع الزرع، يبيع هذه بما أنبتت هذه، يُزارعه، المخابرة يقول: أنا أتفق أنا وإياك على أن تزرع الأرضَ فيكون لي الجنوبي، ولك الشمالي، أو لي الغربي، ولك الشرقي، قد ينبت هذا، ولا ينبت هذا، قد يكون هذا أطيب من هذا، فيه ضرر، تكون المزارعة بالنصف، بجزءٍ مشاع، بالثلث، بالربع، أما أن يقول: لي ما على الجداول، أو لي الجانب الأيمن، أو لي الشرقي، أو الغربي، لا يصحّ؛ لأن هذا يُفضي إلى الغرر، فقد يُنبت هذا، ولا يُنبت هذا، وقد يكون هذا أطيب من هذا، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الغرر.

كذلك الملامسة والمنابذة غرر أيضًا، يقول: أي ثوبٍ لمسته فهو عليك بكذا، أو لمسه فلانٌ فهو عليك بكذا، هذه الملامسة ما تجوز، قد يلمس ثوبًا ما هو طيب، أو يقول: أي ثوبٍ نبذتُه إليك، أو أي إناء نبذتُه إليك فهو عليك بكذا، يعني: طرحته إليك، لا، لا بدّ أن يتَّفقا على شيءٍ معلومٍ يراه، يُقلّبه حتى يكون على بصيرةٍ، أما المنابذة والملامسة وما فيها تأمُّل فهذا غررٌ لا يجوز؛ ولهذا نهى عنه النبيُّ ﷺ.

يجمع هذا كله النَّهي عن بيع الغرر، وعن بيع الحصاة، مثلما تقدَّم، لكن يكون البائعُ على بصيرةٍ، والمشتري على بصيرةٍ، هذا هو الجائز، حتى تكون المبايعةُ عن علمٍ، وعن بصيرةٍ، ليس فيها خداعٌ ولا غررٌ.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: هناك اختلاف بين التِّجارة الدولية والتجارة الوطنية؟

ج: الحكم على ما تقتضيه الشريعة، سواء بين شخصين، أو بين دولتين.

س: مَن باع على بيع أخيه، أو اشترى على شراء أخيه، ما يصحّ البيع؟

ج: ما يصحّ، إن اشتريتَ السلعة بمئة ريـال فتمَّ البيع، ويأتي واحد ويقول له: أريد أن أشتريها بكذا، ما يجوز هذا، هذا منكر؛ لأنها ظلمٌ، هذا بيع على بيع أخيه، ومثله الشراء على شراء أخيه، والبيع على بيعه كونه يقول للمُشتري: ترى عندي سلعة أحسن منها أُريد أن أُعطيك إياها، أنا أبيع إياها بمثل ما باعك، أو بأحسن، لا يجوز؛ لأنه يُوجب الشَّحناء والعداوة والتَّعدي على الغير، والنَّهي يقتضي الفساد.

س: قول بعض أهل العلم أنَّ النهي في باب المُعاملات إذا لم يرجع إلى نفس العقد، ولا إلى وصفٍ ملازمٍ له، فلا يقتضي النَّهي الفساد، بل الصحة مع التَّحريم؟

ج: لا، الأصل هو الفساد.

س: النَّجش إذا كان لم يعلم البائع، بل أتى رجلٌ رأوه قريبًا له، ولم يعلم البائعُ بذلك؟

ج: إذا ما علم ما عليه شيء، لكن إذا علم له الخيار، يعني: المظلوم.

س: الوكالة تجوز؟

ج: نعم، تجوز في البيع والشراء.

س: هل تجوز التَّورية في السلعة إذا كانت للضَّرورة؟

ج: لا بدّ أن تكون عن رضاه؛ لا خداع بين المسلمين، لا بد أن يكون الأمرُ واضحًا.

س: روى ابنُ عبدالبر أن النَّجش المُحرَّم هو الزيادة فوق ثمن المثل، فلو رأى رجلًا يزيد في سلعة مغبون فيها فزاد؟

ج: ما يجوز هذا، هذا من كيسه، الرسول ﷺ نهى عن النَّجش مطلقًا، وهو الذي يزيد ولا يُريد الشراء، إنما يريد نفع البائع، أو ضرر المشتري، يعني: لعَّابًا.

س: حتى لو كان البائعُ لا يعرف المُماكسة؟

ج: المقصود النَّهي أن يتوجه للناجش، ما هو للبائع، للناجش، النَّهي عن النَّجش.

س: شخصٌ استأجر محلًّا لمدة سنةٍ، وبعد مضي ستة أشهر يدفع الباقي من النصف الأول، يعني: يدفع النصف الأول عند بداية كتابة العقد، وبعد مضي ستة أشهر وجد نفسَه ما يستطيع أن يستمر في هذا المحلِّ، فلو لغى العقد؟

ج: ما دام تم العقدُ ما يمكن إلغاؤه، يُؤجِّره على غيره، إلا إذا أقاله البائع أو المؤجِّر فلا بأس.

س: المُؤجِّر مثلًا رفض؟

ج: يتم العقد.

س: لا بد أن يتم العقد؟

ج: نعم.

س: عليه ضررٌ؟

ج: ولو عليه ضرر، مَن قال له يستأجر؟! إلا إذا سمح وأقاله جزاه الله خيرًا، الإجارة بيع، لو اشتريتَ سلعةً بمئة ريـال، ثم هونت لك بعد التَّفرق .....، فإذا استأجرت بيتًا بمئة ريـال، ثم تفرَّقْتُم، وقلت: والله أنا لا أريده، إلا إذا كان مثلُه يُغْبَن ما يُحسن البيع والشراء، ومغبون، فهذا يرجع للمحكمة.

س: لو مثلًا يُعطيه مبلغًا معينًا؟

ج: إذا اصطلحوا لا بأس، الحقُّ بينهم، لا يخرج عنهم، إذا اصطلحوا لا بأس.